مع تصاعد الأزمات الاقتصادية وتراجع الإيرادات النفطية في العراق، تبدو الحكومة وكأنها تسعى إلى إيجاد حلول سريعة لتعويض هذا النقص. إحدى هذه المحاولات تكمن في فكرة فرض ضريبة بنسبة 15% على مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك. هذه الفكرة تعكس إرباكاً واضحاً في التعامل مع التحديات الاقتصادية، خاصة أنها تبدو بعيدة عن التطبيق العملي في الوقت الراهن.
إن التفكير في فرض ضرائب على منصات التواصل الاجتماعي قد يبدو للوهلة الأولى خطوة نحو تنويع مصادر الدخل وتعزيز الإيرادات غير النفطية. لكن تطبيق مثل هذه الضريبة في ظل الظروف الحالية يثير العديد من التساؤلات. فمن الناحية التقنية، يصعب تتبع وتحصيل الضرائب من ملايين المستخدمين على منصات مثل فيسبوك، ما يجعلها فكرة غير عملية وقد تزيد من التعقيد البيروقراطي. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا القرار إلى تحميل المواطنين عبئاً مالياً إضافياً، خاصة إذا تجسد هذا الأمر في زيادة أسعار بطاقات الإنترنت، مما يؤثر على شريحة واسعة من المجتمع تعتمد بشكل كبير على هذه الخدمة في حياتها اليومية.
اقرأ ايضاً: العراق على أعتاب "أيدي نظيفة" جديدة
قد يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تعبير عن إرباك حكومي في التعامل مع الوضع الاقتصادي الراهن. فبدلاً من التركيز على معالجة جذور المشكلة، مثل الفساد المالي واسترجاع الأموال المنهوبة، تتجه الحكومة نحو إجراءات تبدو سطحية وغير فعّالة. إن التفكير في فرض ضرائب جديدة على مستخدمي الإنترنت أو الأطباء يُظهر افتقاراً إلى رؤية شاملة لإصلاح النظام المالي وتحقيق العدالة الضريبية. بدلاً من توجيه الجهود نحو ملاحقة الفاسدين واستعادة الأموال المهدرة، نجد أن الحكومة تدرس خيارات قد تزيد من الأعباء على المواطن العادي.
إذا ما تم تطبيق هذه الضرائب في الوقت الحالي، فقد تكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الحكومة. فمن غير المعقول أن يتم اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات في ظل وضع اقتصادي صعب، وبدون دراسة تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية بشكل دقيق. زيادة أسعار بطاقات الإنترنت، على سبيل المثال، لن تؤدي فقط إلى زيادة الأعباء على المواطنين، بل قد تؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي في مجالات تعتمد على الإنترنت كوسيلة رئيسية للعمل والتواصل.
من جهة أخرى، لا يمكن إنكار الحاجة الملحة لتعزيز الإيرادات غير النفطية في العراق. إلا أن تحقيق ذلك يجب أن يتم من خلال سياسات مدروسة تستهدف تحسين النظام الضريبي بشكل عام، وتعزيز آليات الرقابة والمحاسبة على عمليات الفساد، بدلاً من اللجوء إلى إجراءات قد تبدو سريعة لكنها تحمل في طياتها الكثير من المخاطر. إن تنويع مصادر الدخل يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وليس مجرد رد فعل على الأزمات المالية.
التحدي الأكبر الذي يواجه العراق اليوم هو كيفية تحقيق التوازن بين زيادة الإيرادات وبين الحفاظ على استقرار المجتمع. فرض ضرائب جديدة على قطاعات مثل الإنترنت أو الخدمات الطبية يجب أن يتم بحذر، مع الأخذ في الاعتبار تأثيراتها المحتملة على المواطنين وعلى النشاط الاقتصادي. يجب على الحكومة أن تُظهر التزاماً حقيقياً بمكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، بدلاً من فرض أعباء جديدة على المواطنين.
ويمكن القول إن محاولة فرض ضريبة على مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي أو على دخل الأطباء تعكس حالة من الإرباك في التعامل مع التحديات الاقتصادية. هذه الخطوة، إن تم تنفيذها، قد تكون لها تداعيات سلبية على المجتمع والاقتصاد، وقد تؤدي إلى زيادة الغضب الشعبي. لذا، يجب أن يكون التركيز على وضع سياسات اقتصادية مستدامة، تستند إلى الشفافية والعدالة في توزيع الأعباء، وتعزيز جهود مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة. هذا هو الطريق الحقيقي نحو تعزيز الاقتصاد العراقي وتوفير مستقبل أفضل للمواطنين.