هل يتجاوز بوتين "خطوطه الحمراء" بتقاسمه الأسرار النووية مع إيران؟

آخر تحديث 2024-09-17 01:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

موسكو قادرة على إيلام أميركا وحلفائها بعيداً من جبهة أوكرانيا (رويترز)

صحيح أن زيارة رئيس الوزراء كير ستارمر إلى واشنطن لبحث إمكان استخدام أوكرانيا صواريخ غربية طويلة المدى ضد روسيا لم تأت على قدر التوقعات، لكن الاتهام الذي وجهه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لروسيا بمشاركتها للتكنولوجيا النووية مع إيران يهدد بإعادة إحياء سياسة حافة الهاوية النووية بين واشنطن وموسكو. 

والخبر السيئ بالنسبة إلى الأوكرانيين هو أن إيران تمد روسيا بصواريخ جديدة تستخدمها ضدهم، لكن بالنسبة إلى العالم الأوسع، يكمن الخوف الحقيقي في أن فلاديمير بوتين يبدو مستعداً للتخلي عن عقود من معارضة الكرملين لانتشار الأسلحة النووية.

حتى في أوج الحرب الباردة بين الشرق والغرب، لم يقم الاتحاد السوفياتي بمشاركة تكنولوجيا أسلحته النووية، وبينما زودت الولايات المتحدة بريطانيا بنظام بولاريس (وأخيراً بنظام الرمح الثلاثي أو ترايدنت)، رفض نيكيتا خروتشوف، الزعيم السوفياتي آنذاك، أن يشارك تكنولوجيا بلاده النووية مع الصين، مما أسفر عن توتر علاقات ماو مع الكرملين في أوائل ستينيات القرن الماضي. 

يتهم عديد من المعلقين الغربيين بوتين بأنه محارب قديم من عهد الحرب الباردة، في تفسيرهم لسلوكه من الناحية الجيوسياسية. لكن ذلك غير صحيح. إذ فيما اتسم تصرف أسلافه في مكتب ستالين في الكرملين، بما فيهم القائد الكبير نفسه، بانعدام الرأفة، إلا أنه لم يخل من الحذر. 

ومع تقدمه في العمر، أصبح بوتين أكثر استعداداً لتصعيد الأخطار لضمان ترك روسيا في وضع آمن، في مواجهة التهديدات التي يعتقد أنها مدعومة من الغرب، التي تستهدف سلامة أراضي روسيا ومكانتها في العالم.

في العادة، يعتبر السلوك العدائي من شيم الشباب، إذ كان اسكندر المقدوني ونابليون أصغر بـ50 عاماً من بوتين تقريباً عندما استهلا مسيرة الغزو والهجوم.

سندع مسألة تفسير مسلك المخاطرات العدوانية لدى المسنين للمعالجين النفسين، لكن ومع اقترابه من سن الـ70، خلع بوتين الحذر الذي اتسم به عندما كان ضابطاً شاباً في جهاز الاستخبارات السوفييتية (كي جي بي)، ليتصرف برعونة. وجاء غزوه لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 ليكون بمثابة قطيعة واضحة مع الماضي.

صحيح أنه أرسل الجيش الروسي في عام 2008 إلى جورجيا، لكن ذلك لم يحدث سوى بعد شن الجيش الجورجي هجوماً على إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي الموالي لروسيا. وحتى عندها، أوقف بوتين الحرب بعد خمسة أيام عقب انهزام القوات الجورجية على يد الجيش الروسي، لكنه لم يراهن بكل شيء ويحتل البلاد.       

حتى في عام 2014، عندما استولى "الرجال الخضر الصغار" الروس على شبه جزيرة القرم الاستراتيجية، توقف بوتين قبل شن حرب شاملة ضد أوكرانيا.

لكن الآن، وفي شيخوخته، تخلى بوتين عن المعايير الدولية التي كان يحترمها عندما دخل الكرملين عام 1999.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ذلك الوقت، تعاونت روسيا في ظل حكم بوتين مع الغرب لفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي الغامض، فلماذا يتراجع الكرملين عن هذه السياسة الآن؟ كما صوتت روسيا في ظل حكم بوتين لصالح قرارات أصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شأن إنزال أقسى العقوبات على الإطلاق في حق كوريا الشمالية التي أجرت منذ ذلك الحين اختبارات نووية تحت الأرض وأطلقت صواريخ قادرة على بلوغ الأراضي الأميركية. ومع ذلك عقد بوتين منذ فترة قريبة لقاءات مع كيم جونغ أون، واستورد ذخائر وصواريخ كورية شمالية لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا.

كما الحال مع إيران، فإن الشك الآن يدور حول أن روسيا تشارك تقنياتها النووية المتقدمة وتقنيات توجيه الصواريخ مع دول منبوذة مثل بيونغ يانغ وطهران في مقابل المساعدة التقليدية التي تلقتها منهما.  

ويمكن لإيران تحديداً أن توظف المساعدة التقنية الروسية في تسريع وتيرة تحقيق أي طموحات تملكها في شأن تحويل تخصيب اليورانيوم المطرد إلى قنبلة صالحة للاستخدام.  

ومن المفارقات أن اعتماد نظام الملالي للمقاربة الثلاثية [تخصيب اليورانيوم، تطوير الصواريخ، تقنية التفجير] لامتلاك السلاح النووي يشكل استمرارية لما بدأه نظام الشاه المكروه الذي أسقطته الثورة الإسلامية في 1979، وربما هذا ما يفعله نظام آية الله تحديداً الآن مع تزايد الضغط عليه من جانب واشنطن وإسرائيل.

في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وافق الشاه على العمل بثلاثة مشاريع منفصلة: أولها تخصيب اليورانيوم وثانيها تطوير الصواريخ، وثالثها - وهو عنصر حيوي غالباً ما ينسى في صناعة السلاح النووي الفعال - تكنولوجيا التفجير التي تؤدي إلى انفجار القنبلة، وكان أمله أن يستطيع جمع هذه العناصر معاً بسرعة في حال اندلاع أية أزمة مع بلد مجاور مثل الاتحاد السوفياتي أو العراق. 

سقط الشاه لكن بعد مرور عشرات السنين على ذلك، قد يكون آية الله خامنئي على وشك التخلي عن إدانته للسلاح النووي من منطلق عقائدي إسلامي، إنما لا شك في أنه يدرك بأن إجراء إيران أي اختبار نووي تحت الأرض كفيل بإحداث هزة أرضية صغيرة تنبه إسرائيل إلى حصول إيران على سلاح نووي قابل للاستخدام.

وفي هذا السياق، يمكن لروسيا أن تقدم لإيران معرفتها المجربة والأكيدة بالأسلحة النووية لكي تتمكن من تجاوز اختبار القنبلة الذي سيكشف عن أمرها، ومن تزويد القوات الإيرانية برؤوس حربية فعالة لترسانتها الصاروخية الكبيرة.  

يقول بعضهم في الغرب إن الناتو تجاوز عدداً من "خطوط (بوتين) الحمر" في أوكرانيا من دون أن يرد الضربة مباشرة، وبالتالي لا داعي للقلق الآن. ربما تكون إنذارات الكرملين كاذبة لكن المتحدثون باسم الحكومة الروسية قالوا إن رد بلادهم على مساعدة الغرب لأوكرانيا قد يكون "غير متكافئ". 

أي أن موسكو قادرة على إيلام أميركا وحلفائها بعيداً من الجبهة الأوكرانية.

ومن شأن تحويل أنظار الأميركيين من أوكرانيا نحو الشرق الأوسط أن يخدم أهداف بوتين ضد أوكرانيا بحق. وبالفعل، يتهم دونالد ترمب وشريكه المرشح لمنصب نائب الرئيس جي دي فانس، إدارة جو بايدن التي أصبحت في أيامها الأخيرة تتجاهل الأخطار على المصالح الأميركية بعيداً من أوكرانيا، مثل خطر إيران ووكلائها على إسرائيل وخطر الصين على منطقة المحيط الهادئ بالطبع.    

خشي الزعماء السوفيات القدامى من أن تؤدي مشاركتهم لأسرار القنبلة النووية مع الحلفاء إلى إطلاق يدهم والتسبب بخراب نووي لم يرد له الكرملين أن يقع، لكن ما يجب التساؤل عنه الآن هو درجة استعداد الزعيم السبعيني لروسيا ما بعد الشيوعية للتمادي في رفع الأخطار النووية عبر مشاركة تكنولوجيا بلاده مع الأنظمة المارقة، والمرعب أن بوتين وحده يعرف إجابة السؤال.