دبابات إسرائيلية تناور في منطقة تجمع في شمال إسرائيل بالقرب من الحدود مع لبنان، الثلاثاء 1 أكتوبر الحالي (أ ب)
نقلت إسرائيل حربها مع "حزب الله" إلى مرحلة جديدة بعد مرحلة "الغارات والضربات الجوية" والاغتيالات والتدمير لبنى تحتية ومنصات صواريخ ومستودعات أسلحة، وبدأت ليل الاثنين مرحلة "التوغل البري" مع دخول القوات الإسرائيلية، وللمرة الأولى منذ عام 2006، الأراضي اللبنانية. وفي ظل "غموض" في الهدف النهائي والمدى الجغرافي للتوغل البري، عززه وصف الجيش الإسرائيلي العملية البرية في لبنان بالـ"محددة الهدف والدقة ضد أهداف تابعة لحزب الله اللبناني"، وتأكيد مسؤولين إسرائيليين أن "العملية محدودة النطاق والوقت ولا تهدف إلى احتلال لبنان"، كثرت التحليلات والسيناريوهات حول الأهداف الإسرائيلية الحقيقية من العملية البرية، وتخوف البعض في لبنان من أن تتحول المنطقة العازلة أو الحزام الأمني الخالي من أي وجود عسكري للحزب، الذي تسعى إسرائيل إلى تنفيذه بالقوة، إلى مكان تهجر إليه فلسطينيي غزة أو بقعة جغرافية جديدة توسع من خلالها المستوطنات الإسرائيلية إلى الداخل اللبناني. وبانتظار انقشاع الضبابية ومعرفة أهداف وحدود العملية البرية، يسأل كثيرون عن النتائج العسكرية المتوقعة للتوغل البري ومدى تأثيرها على المشهد الحالي؟ وهل يمكن أن تنتهي الحرب بمجرد خسارة لبنان جنوبه؟
التوغل البري لا ينهي المواجهة
بحسب العميد المتقاعد عامر مشموشي "إن انتقال المواجهة إلى مرحلة البر لا يعني أنها ستنتهي إنما هي بداية لنمطٍ جديد من المواجهة الميداني والتي توفر لـ "حزب الله" إمكانيةً للمناورة تقوم على الكرّ والفرّ أي ضرب المدرعات الإسرائيلية بواسطة الصواريخ المضادة للدروع، والتي أجادوا استعمالها في عام2006 ، واستطاعوا من خلالها وقف عملية التوغل التي أرادها العدو الإسرائيلي". ويتابع "لكن مدى قدرة الحزب على وقف التوغل تتوقف على مدى احتفاظه بقدراتٍ قتالية عالية، وبخاصة لجهة الطاقم البشري المدرّب على إطلاق الصواريخ المضادة للدروع، علماً أنه في بداية المناوشات التي حصلت بعيد عملية الاقصى حصل استهداف للعديد من سدنة الصواريخ (اي مجهزيها ومطلقيها)". وعن أهمية التوغل البري ومداه، يشرح مشموشي أن أي توغل بري من الطبيعي أن تكون له آثار متعددة، "أولاً لجهة الرمزية، إذا نجحت إسرائيل في التوغل براً فتكون قد كسرت شوكة الحزب وأظهرت سيطرتها وتفوقها البري عليه، ولهذا الأمر رمزيته إذ إن قوات الحزب عادةً ما تبدي فعالية في القتال البري كونها تقاتل على أرضها ومدربة تدريباً عالياً على ذلك، ومزودة بأسلحة حديثة قادرة على إنزال خسائر كبيرة بالعدو باعتبار أن أثمان الصواريخ لا تساوي شيئاً مقارنةً بأثمان مختلف المدرعات. ثانياً، عادةً ما تكون المدرعات محملة بجنود، وفي حال إصابتها إصابات بليغة قد يؤدي ذلك إلى إنزال خسائر بالأرواح وإسقاط جرحى، في الوقت الذي يكون حظي مطلقو الصواريخ بفرصة سريعة للاختباء أو الانسحاب من الأماكن التي قصفوها والتي يكونوا قد اختاروها على نحو يوفر لهم فرصاً للانسحاب والتخفي".
الهدف تجريد "حزب الله" من سلاحه
من جهته، يرى الكاتب السياسي والخبير في الشؤون الدولية سمير سكاف أن "التوغل البري سيفرض على لبنان قرارات سياسية"، معتبراً أن "ليست هناك دبلوماسية قبل النار". ويعتبر سكاف أن "التوغل البري يهدف إلى تأمين الحزام الأمني الحدودي لإسرائيل، وأنه بعد نجاح إسرائيل في الأيام العشرة السوداء الممتدة من 17 سبتمبر (أيلول) الماضي إلى 27 منه، والتي بدأت باعتداء أجهزة "البيجرز" وانتهت باغتيال الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله. هذه الضربات بدلت في النظرة إلى تطبيق القرار 1701، وبالتالي بدل أن يقتصر الاتفاق على الانسحاب إلى شمال الليطاني، قد يُفرض على لبنان نتيجة التوغل البري الانتقال من الـ 1701 إلى تطبيق القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح "حزب الله" وكل المجموعات المسلحة غير الشرعية في كل الأراضي اللبنانية والذي هو جزء أساس من القرار 1701". ويرجح سكاف أن "تفرض إسرائيل بتفوقها الميداني شروطاً كان لبنان يعترض عليها بالأساس". ويشرح أن "حزب الله" من جهته "سيرفض الانسحاب إلى شمال الليطاني وبالتالي سيفرض المعركة على إسرائيل، والتي سيكون هو متقدماً فيها نظراً لمعرفته التامة بالأرض، ولكن ليس بالقوة نفسها التي كان يتمتع بها في عام 2006 بسبب الاغتيالات والغارات التي طاولت معظم قيادييه وعناصره وافتقاده لوسائل التواصل بين مجموعاته".
أما في السياسة العامة فيتوقع سكاف حصول تغيير في المنطقة "بعد إظهار إسرائيل قدرتها على ضرب أربع دول في يوم واحد وهي اليمن، وسوريا، ولبنان، وغزة، ونواياها التوسعية الظاهرة، مستبعداً العودة إلى حلّ الدولتين، إذ إن "المشهد يتجه أكثر فأكثر نحو مغامرات إسرائيلية في رفح والضفة لضم أراضٍ إضافية، وقد تستتبعها عملية إجلاء كبيرة للفلسطينيين"، متوقعاً أن "الضفة ستكون هدف إسرائيل بعد لبنان"، وأن "الأمن في رفح وفي غزة سيُمسك من قبل الحكومة الإسرائيلية".
القضاء على مكونات محور الممانعة
في السياق، يعتبر العميد المتقاعد عامر مشموشي أن غاية إسرائيل من هذه الحرب، التي أعدت لها بحسب رأيه منذ عام 2006، هي تصفية حساباتها مع "حزب الله"، وتريدها آخر المعارك معه، إضافة إلى القضاء نهائياً على قدرات مختلف مكونات "محور الممانعة" التابع لإيران ومختلف التنظيمات التي تعمل بتوجيهاتها، إضافة إلى النظام السوري.
ويعبر مشموشي عن اعتقاده بأن "لا أحد حتى الآن يمكنه التكهن بحدود ومدى عمق التوغل البري في لبنان بغض النظر عن الأهداف الإسرائيلية المعلنة (توغل محدود لمشارف مجرى الليطاني)". ويضيف "ثمة أمر مهم ينبغي عدم إغفاله إلى أن إسرائيل عندما اجتاحت لبنان في عام 1982 لم تعلن مسبقاً رغبتها في اجتياح كامل الجنوب، وجزء كبير من محافظة جبل لبنان، وصولاً إلى العاصمة، إنما استغلت انهيار القدرات القتالية لدى المنظمات الفلسطينية، وأخذت تنفذ إنزالاتٍ خلفية، وتعمّدت قضم المساحات الجغرافية من دون إعلانٍ مسبق". ويتابع مشموشي "الآن لا أحد يجزم بالأهداف الميدانية للعدو، لأن ذلك يتوقف على الغاية من الاجتياح، فإن كان الغرض منه هو وقف وصول الصواريخ قصيرة المدى إلى المستوطنات فإن التوغل بعمق ما بين 20 و25 كيلومتراً سيسمح بذلك، إلا أن توغلاً كهذا لا يوفر إمكانيةً للعيش بأمان في المستعمرات كون الحزب يمتلك صواريخ متوسطة المدى وأخرى بعيدة المدى كما مسيرات قادرة للوصول إلى أهدافها في العمق الإسرائيلي". ويضيف "لا يمكن توفير الأمن للمستعمرات وإعادة المستوطنين إلا بفرض شروطٍ على "حزب الله" وحلفائه، وبالتحديد كل من طهران ودمشق، تضمن امتناعهما عن مدّه بالصواريخ، أو خيار آخر وهو تجريد الحزب من الأسلحة والصواريخ التي يستعملها في حروبه مع إسرائيل، وهذا ما أعتقد أن إسرائيل تسعى إليه من دون أن تعلن عنه، لأنها تعتبر هذه المعركة أم المعارك وآخرها لفرض مشيئتها أو اتفاقيات لوقف النار ترغم من خلالها خصومها على القبول بشروطها الإكراهية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السيناريوهات كثيرة للتوغل
أما المتخصصة في الشؤون الإسرائيلية رندة حيدر فتقول إن "إسرائيل وضعت سيناريوهات عدة للعملية البرية الحالية، والسيناريو الأول الذي بدأت بتحقيقه ينص على توغلٍ محدود في لبنان باتجاه المناطق المتاخمة للحدود وتطهيرها من الأنفاق، كما أعلن الجيش الإسرائيلي، وتدمير كل البنى التحتية لـ"حزب الله" ثم العودة إلى الداخل الإسرائيلي. أما السيناريو الثاني فهو أكثر طموحاً، ويتناول توغلاً برياً بعمق خمسة كيلومترات للتأكد من عدم عودة قوات الرضوان أو أي عناصر مسلحة أخرى تابعة للحزب إلى تلك المنطقة". وهذا يتطلب بحسب حيدر، "توسعاً برياً وقصفاً مدفعياً وجوياً مكثفاً وهي عملية ستكون مكلفة وتستدعي استحداث مراكز وفرض حزام أمني بمساحة خمسة كيلومترات"، وهي فكرة لا اتفاق حولها وفق حيدر لأنها تتضمن الكثير من المجازفات، أبرزها وضع مناطق لبنانية تحت الاحتلال لترضخ للحكم العسكري، وهذا قد يضع إسرائيل في مواجهة مع المجتمع الدولي، فضلاً عن أن إقامة حزام أمني في عام 2024 بعد انسحابهم في عام 2000 من الحزام الأمني والذي تبين أنه تجربة فاشلة تنطوي على الكثير من المجازفة.
أما السيناريو الثالث والأكثر طموحاً فينص على حصول توغل بري يترافق مع جرفٍ لكل القرى الحدودية لفرض استحالة عودة سكانها إليها، ويحل مكانهم ما يعرف بـ "المسيانيين" من اليمين المتطرف الذين يعتبرون أن جنوب لبنان هو جزء من أرض إسرائيل ويبنوا مستوطنات. لكن "هذا حلم" بحسب حيدر، وفيه "الكثير من الطموح واحتمالات تنفيذه تعترضه الكثير من المشكلات، كما حصل في غزة حيث لم تتمكن إسرائيل حتى اليوم من تحقيق حلم الاستيطان فيها على رغم حربٍ لا تزال مستمرة منذ سنة. أما السيناريو الأكثر خطورة فهو محاولة تغيير اللعبة السياسية في لبنان والذي يبدأ بتقويض "حزب الله" وإضعافه كحزب سياسي والتدخل في إعادة صياغة حكمٍ جديد في لبنان، وهذه مسألة خطيرة وسبق وجربتها إسرائيل في عام1982 عندما حاولت إقامة حكم مؤيد لها في لبنان وكانت نتيجتها الفشل. وتلخص المتخصصة بالشؤون الإسرائيلية أهداف العملية البرية بهدف أساس وهو كسر الحلقة النارية التي أقامتها إيران حول إسرائيل منذ بداية عملية "طوفان الأقصى"، والتي تشمل في الجنوب "حماس"، وفي الشمال "حزب الله"، والميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن، وتعتبر إسرائيل أنها بعد إخضاع "حماس" جزئياً والقضاء على القدرات العسكرية للحزب تكون قد قطعت كل الأذرع الإيرانية حولها، وهي لم تستبعد أن تستهدف طهران إذا تدخلت إيران ضد هذا المشروع، وبالتالي فإن المشروع الأخطر هو احتمال حصول حرب إقليمية.
أما عن تخوف البعض من تهجير فلسطينيي غزة إلى جنوب لبنان فتؤكد حيدر أن "هناك خطة يطلَق عليها في إسرائيل اسم: خطة الجنرالات وهي تقوم على إفراغ شمال القطاع حتى محور "نتساريم" من السكان وإقامة حكم عسكري موقت فيه وبناء مستوطنات يهودية في هذا المكان. حالياً يبلغ عدد الفلسطينيين الذين بقوا في شمال القطاع نحو 300 ألف، وترحيلهم من شمال قطاع غزة وتهجيرهم إلى جنوب لبنان هو عملياً نقل المشكلة الفلسطينية إلى بداياتها، وهي فكرة بعيدة من العقل والمنطق، خصوصاً أن إسرائيل التي تسعى إلى إبعاد "حزب الله" عن حدودها لضمان أمن المستوطنين، ستكون تعطي فرصة لـ "حماس" باستخدام الجنوب والحلول مكان "حزب الله" لضرب إسرائيل. وتختم حيدر "الإسرائيليون لا يريدون الفلسطينيين لا بغزة ولا بجنوب لبنان ولا بالمخيمات ولا بالضفة، وهم يريدون للفلسطينيين أن يختفوا وأن يهاجروا".