مسرور بارزاني بين الفوز بالولاية الثانية وتطلعات أوسع للثالثة

آخر تحديث 2024-10-04 21:23:22 - المصدر: إبراهيم العبودي

إبراهيم العبودي

في عالمٍ يتغير بسرعة، حيث تتسارع الأحداث وتتلاحق الأزمات، يبرز بعض القادة كنجوم ساطعة تضيء الدروب المظلمة. واحدٌ من هؤلاء القادة هو مسرور بارزاني، رئيس حكومة كردستان العراق، الذي أثبت بفعله لا بقوله إنه رجل المرحلة، وأن العراق بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى.

منطقة الشرق الأوسط معروفة بتاريخها السياسي المعقد وتغيرات السلطة المتكررة، وفي أغلب الأحيان يُلاحظ أن رؤساء الحكومات الذين يتولون المناصب يبدون وكأن الزمن يعيد تشكيل ملامحهم ليصبحوا أكثر شباباً، تماماً كما يحدث مع الفنانين. ولكن، حالة مسرور بارزاني، تبدو مختلفة تماماً. إذا ما قارنا صوره قبل توليه رئاسة الحكومة وبعدها، نلاحظ بوضوح أنه كان أكثر شباباً في تلك الفترة. من غير المعقول أن يبدو الإنسان أكبر بعشر سنوات في ظرف أربعة فقط! هذه الظاهرة، التي لا تخفى على أحد، قد تعكس بوضوح حجم الأعباء والمسؤوليات التي حملها مسرور على كتفيه خلال فترة ولايته الأولى. وهذا ليس مجرد افتراض، بل هو ما تؤكده الدراسات النفسية التي تشير إلى أن الأشخاص الذين يتحملون ضغوطًا كبيرة ويواجهون الأزمات بشكل مستمر، يبدون غالباً أكبر من عمرهم الفعلي. وربما هذا ما يُفسر التغير الملحوظ في مظهره خلال السنوات الأخيرة. الولاية الأولى له لم تكن مجرد فترة إدارية روتينية، بل كانت حافلة بالأزمات والتحديات التي واجهها بصلابة وإصرار، مع تحقيق مكاسب سياسية واجتماعية مهمة في الوقت نفسه.

i.imgur.com/lVwE66o

منذ أن تولى بارزاني رئاسة الحكومة، كانت الأزمات تتوالى واحدة تلو الأخرى. أزمة اقتصادية عميقة، وضغوط سياسية داخلية وخارجية، أثرت على كل المجتمعات والدول، وكردستان العراق ليس بمنأى عنها، وبرغم هذه التحديات الكبيرة، استطاع بارزاني بحنكته السياسية أن يقود سفينة الإقليم عبر أمواج هذه الأزمات، محققًا توازنًا بين الحفاظ على الأمن والاستقرار، وبين تحقيق مكاسب تنموية واقتصادية.

أحد أبرز هذه المكاسب هو تعزيز العلاقة بين إقليم كردستان وبغداد، وهي علاقة كانت في السابق مليئة بالتوترات والخلافات. بارزاني، وعلى الرغم من كل الضغوط، لم يغلق باب الحوار مع بغداد، بل سعى دائمًا إلى تحقيق تفاهمات تخدم مصالح الإقليم والعراق بشكل عام.

ما يميز بارزاني ليس فقط قدرته على تحمل المسؤولية وإدارة الأزمات، بل أيضًا كاريزماه القيادية التي جعلت منه صديقًا لكل القوميات في العراق. فهو ليس فقط رجل دولة يخدم مصالح الأكراد، بل هو رجل وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لديه علاقات وطيدة مع كل المكونات العراقية، وساهم في تعزيز الشعور بالوحدة الوطنية بين العراقيين.

فلم يطرق باب بارزاني أحد من العراقيين إلا ووجده فاتحاً ذراعيه، مستعدًا لتقديم المساعدة والدعم. رجل تجاوز حدود الطائفة والقومية ليصبح قائدًا يُعتمد عليه في أوقات الشدة. ويكفي القول بأن العراقيين لن يستطيعوا أن يفرطوا في رجل مثل مسرور، الذي لم يسعَ فقط إلى خدمة أبناء الإقليم، بل جعل هموم العراقيين في قلب اهتماماته، على عكس خصومه تماماً والشواهد كثيرة ولا يسع المجال لذكرها.

إذا كانت الولاية الأولى لمسرور بارزاني حافلة بالأزمات والإنجازات، فإن الولاية الثانية ستكون بلا شك أكثر حيوية وتأثيراً. فالرجل الذي تمكن من مواجهة تحديات جسيمة في الماضي، أصبح اليوم أكثر خبرةً واستعدادًا لقيادة الإقليم نحو مستقبل أفضل.

يقولون عندما تريد أن تعرف شخصًا، انظر إلى خصومه، فإذا عرفت تاريخهم ستدرك حتمًا من هو الرجل الصحيح ومن هو القائد الذي يسير في الاتجاه السليم. وعلى الرغم من التحديات التي واجهها بارزاني في ولايته الأولى، إلا أن خصومه الذين سعوا إلى عرقلته لم يتمكنوا من إيقاف تقدمه. لقد أثبتت الأيام أن محاولاتهم باءت بالفشل أمام إصراره ورؤيته الواضحة لمستقبل كردستان والعراق.

من المتوقع أن تشهد الولاية الثانية المزيد من التحولات الاقتصادية والتنموية. لكن ما يثير الفضول حقًا هو كيف ستكون ملامح ولايته الثالثة. إذا كانت الولاية الثانية قد بدأت ملامحها تتضح رويداً رويداً، فهل ستشهد ولايته الثالثة نقلة نوعية في العلاقات الإقليمية والدولية؟ هل ستكون تلك الفترة هي التي يُعزز فيها موقع كردستان، قلب العراق النابض، كقوة اقتصادية وسياسية في المنطقة؟

الأفق يبدو واعدًا، ولا شك أن بارزاني سيواصل مسيرته بقوة وثبات، مستندًا إلى خبراته المتراكمة ورؤيته العميقة لمستقبل يتسع للجميع، فالرجل الذي تحمل الأزمات وضغوط المسؤولية لم يضعف، بل أثبت أنه رجل التحولات الكبرى. رجل استطاع أن يجمع بين حلم بناء كردستان قوية ومستقرة، وبين حلم بناء عراق متقدم. العراقيون لن يفرطوا به، لأنه فتح الأبواب ولم يغلقها، ورأى في كل أزمة فرصة لبناء مستقبل أفضل.

كاتب عراقي