من أنهى تغريبة الإيزيدية العائدة من غزة؟

آخر تحديث 2024-10-05 18:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

لم تتضح تفاصيل دقيقة حول عملية تحرير المختطفة الإيزيدية وكيف تم التواصل معها (موقع وزارة الخارجية العراقية)

لم يكن يخالج ذهن فوزية أمين سيدو الفتاة ذات الـ11 سنة أن حياتها ستنقلب رأساً على عقب، وتجابه أصعب تجربة تستمر لـ10 أعوام.

سيدو التي تتحدر من ناحية القحطانية بمجمع العدنانية في قضاء سنجار التابع لمحافظة الموصل اختطفها تنظيم "داعش" عام 2014، وتنقلت مع خاطفيها إلى مدن ودول مختلفة لتستقر في غزة بمحافظة دير البلح. وبعد غياب 10 أعوام عادت فوزية أمين سيدو إلى عائلتها وهي في عمر الـ21 سنة بعد أن قضت 10 أعوام خارج العراق في قبضة خاطفيها.

لم توضح وزارة الخارجية العراقية تفاصيل عملية إعادة فوزية أمين سيدو إلى العراق، فقد اكتفى البيان بأن الوزارة "تسلمت الإيزيدية فوزية أمين سيدو، التي حررت بجهود مشتركة بين الخارجية وجهاز الاستخبارات الوطني، وبالتنسيق العالي مع سفارتي الولايات المتحدة لدى بغداد وعمان، والسلطات الأردنية، وبعد جهود ومتابعة استمرت أكثر من أربعة أشهر".

"هذه أول مرة تستعاد فيها مختطفة من غزة"، هذا ما قاله مدير مكتب وزير الخارجية سلوان سنجاري لـ"اندبندنت عربية"، موضحاً أن "أحد عناصر تنظيم (داعش) اختطف فوزية ونقلها إلى سوريا، وقد وردت معلومات إلى السلطات العراقية بوجود فتاة إيزيدية في غزة، وتم التواصل معها وبدأ العمل منذ أربعة أشهر لاستعادتها، وبعد جهد وتنسيق بين وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات العراقي مع نظرائهم في الأردن والسلطة الفلسطينية وسفارة الولايات المتحدة أعيدت سيدو إلى ذويها".

معلومات استخباراتية

أوضحت المصادر المحلية أن معلومات وردت إلى جهاز الاستخبارات العراقي قبل حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) تفيد بوجود فتاة إيزيدية مختطفة في غزة، لكن أحداث الحرب جعلت التحرك صعباً لاستعادة الفتاة، مما تطلب التنسيق مع إحدى منظمات حقوق الإنسان والصليب الأحمر والجانب الأميركي، وقد تمكنت قوة أميركية من استعادة المختطفة وإخراجها من قطاع غزة من طريق معبر كرم أبو سالم، وبعدها إلى معبر جسر اللنبي لتنتقل إلى الأردن ومن ثم إلى العراق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت فوزية أمين أخذت كسبية من قبل أحد عناصر تنظيم "داعش" وهو فلسطيني الجنسية إلى سوريا، وبعد مقتله في إحدى المعارك سافر أخوه إلى سوريا وجلب فوزية وأطفالها الاثنين إلى غزة.

وقد أشار بيان لجهاز الاستخبارات العراقي إلى أن عملية إعادة الفتاة جرت في صباح الأربعاء الثاني من أكتوبر الماضي وسلمت لذويها، و"تمت العملية بعد حصول الجهاز على معلومات استخباراتية تفيد بوجود الفتاة في إحدى الدول الإقليمية ليتم التواصل معها وترتيب إجراءات نقلها إلى الأراضي العراقية".

يشير خلف ميرزا سنجاري مستشار رئيس الحكومة العراقية لشؤون الإيزيديين لـ"اندبندنت عربية"، إلى أنه لا يزال هناك أكثر من 2600 من المختطفين الإيزيديين، وخصوصاً من الأطفال والنساء مجهولي المصير، وهناك توجه حكومي للبحث عن المختطفين وإعادتهم بعد تشكيل فريق خاص يضم الجهات المعنية من وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات الوطني والجهات الأخرى.

أطراف أخرى

لم تتضح تفاصيل دقيقة حول عملية تحرير المختطفة الإيزيدية وكيف تم التواصل معها ومعرفة مكانها، فالجانب العراقي أشار إلى أن عملية التحرير تمت بجهود مشتركة بين وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات الوطني، وبالتنسيق مع سفارتي الولايات المتحدة في بغداد وعمان بعد ورود معلومات استخباراتية من دون الإفصاح عن تفاصيل.

لكن هناك أطرافاً أخرى تحدثت أيضاً عن عملية التحرير، إذ غرد ستيف مامان على منصة "إكس"، قائلاً "وعدت فوزية الإيزيدية بأنني سأعيدها إلى منزل والدتها في سنجار. بالنسبة إليها بدا الأمر سوريالياً ومستحيلاً، لكن ليس بالنسبة إلي، عدوي الوحيد هو الوقت". ويكمل في تغريدته "جمع فريقنا شملها منذ لحظات مع والدتها وعائلتها في سنجار"، وقد أرفق مع التغريدة فيديو يخص لقاء المحررة فوزية أمين سيدو مع ذويها.

ومامان كندي من أصول يهودية مغربية، مؤسس منظمة "تحرير أطفال العراق المسيحيين والإيزيديين"، أو ما تعرف اختصاراً بـ"CYCI"، وبحسب موقع مامان فإن منظمته أنقذت 140 امرأة وطفلاً من خاطفيهم ووفرت الدعم المالي لـ2310 لاجئين من أجل المرور الآمن من اليونان إلى ألمانيا، كما عقدت شراكة مع الحكومة اليونانية لفتح مخيم بتراس الذي يعتني بـ1000 إيزيدي ومساعدة أكثر من 25 ألف عائلة إيزيدية ومسيحية ومسلمة في المخيمات الكردية للاجئين والنازحين من خلال توزيع المساعدات لهم.

"حماس" على الخط

من جهة أخرى، قالت وكالة "رويترز"، إن حركة "حماس" رفضت ما وصفته بأنه "رواية كاذبة وقصة ملفقة" عن امرأة إيزيدية قالت إسرائيل إنه تم تحريرها من قطاع غزة في عملية سرية شاركت فيها إسرائيل والولايات المتحدة والعراق.

وقال مكتب الإعلام الحكومي في غزة الذي تديره "حماس" اليوم الجمعة، إن المرأة التي قال مسؤولون إسرائيليون إنها اختطفت عندما كانت تبلغ من العمر 11 عاماً وبيعت لعضو في "حماس" لم تتعرض قط للخطف أو البيع وغادرت غزة بعلم سلطات "حماس".

وأضاف أن المرأة البالغة من العمر 25 عاماً والمعروفة باسم فوزية سيدو كانت متزوجة من فلسطيني قاتل في صفوف قوات المعارضة السورية قبل مقتله. وانتقلت لاحقاً للعيش مع والدته في تركيا ثم سافرت إلى مصر حيث ظلت مع والدة زوجها، وتوجهت لاحقاً إلى غزة بشكل قانوني.

وقالت "حماس" إنه بعد سنوات من انتقالها للعيش في غزة تزوجت من شقيق زوجها، لكنه قتل أيضاً خلال الحملة التي تشنها القوات الإسرائيلية حالياً في قطاع غزة.

وأفاد مكتب الإعلام الحكومي في غزة "طلبت التواصل مع أهلها لأنها أصبحت تشعر بأنها غير آمنة في القطاع مع شدة القصف، كما طلبت إجلءها بخاصة بعد مقتل زوجها".

وأضاف "بعد أن تواصلت السيدة مع ذويها، تواصلوا بدورهم مع الحكومة الأردنية التي بدورها نسقت مع غسرائيل من أجل إخراجها عبر معبر كرم أبو سالم، حيث توجهت السيدة من المرفق الحكومي المخصص لها إلى المعبر بنفسها وبعلم أهل زوجها والحكومة الفلسطينية، ولم تقم إسرائيل بتحريرها كما كذبت على الرأي العام وحاولت تضليله في بيانها المكذوب".

ولم تتمكن "رويترز" من الوصول إلى المرأة مباشرة للتعليق أمس الخميس، حيث قال مسؤولون عراقيون إنها تحصل على قسط من الراحة بعد لم شملها مع عائلتها في شمال العراق.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه نسق عملية تحرير فوزية مع السفارة الأميركية في القدس، ومع "جهات دولية أخرى".

اضطراب ما بعد الصدمة

عانت المختطفات الإيزيديات من اضطرابات نفسية بسبب الظروف التي رافقت اختطافهن، فإجبار الخاطفين لهن على الانتقال بين دول مختلفة والعيش في بيئات غريبة وعدم معرفتهن بمصير ذويهن أو مشاهدتهن يقتلن أمامهن وكذلك الاتجار بهن وتزويجهن بالقوة كلها عوامل رسبت في دواخلهن أحاسيس الخوف ليعانين ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة.

في هذا السياق يشير المتخصص النفسي العيادي فاروق جهلان، إلى أن الأشخاص الذين يمرون بتجربة قاسية منها حوادث الاختطاف يعانون اضطراب ما بعد الصدمة، وتكون أعراضه شديدة وتتمثل بتنامي أحاسيس الخوف والقلق، ثم إن الحدث ذاته وهو الاختطاف يبقى مستمراً في ذاكرة الشخص وأحلامه، ويكون عبارة عن ومضات ذهنية دائماً ما تتكرر.

جهلان يوضح أن من يتعرض لتجربة الاختطاف لا بد أن يخضع لجلسات العلاج النفسي بنوعيه: العلاج المعرفي السلوكي، وكذلك العلاج بالتعرض السردي، وقد يتطلب الأمر اللجوء لأدوية تخص العلاج النفسي، وقد يحتاج الشخص إلى ما بين 10 و15 جلسة من العلاج ليتعافى من آثار الصدمة.

بناء الذات

"بقيت مختطفة عند تنظيم (داعش) لمدة ثمانية أعوام، ومع أن الذكريات باقية حية في ذاكرتي أحاول أن أستعيد حياتي وأنسى الماضي". هذا ما تحدثنا به روزا أمين (مواليد 2002) التي اختطفها تنظيم "داعش" ونقلها إلى سوريا في دور الزور، ثم عادت إلى باغوز بعد التحرير إذ أوصلت نفسها لقوات "قسد".

أمين التي تعيش حالياً مع أختها وأخيها وجدتها في غياب والديها إذ بقي مصيرهما مجهولاً حتى الآن بعد اختطافهما من قبل التنظيم. توضح أن الدعم النفسي الذي تلقته من صديقاتها الناجيات كان له الأثر الكبير في إعادة تأهيلها وتجاوز اللحظات الصعبة التي مرت بها .

يشير ريان الصعب استشاري الطب النفسي إلى أن الاختطاف والاستغلال الجنسي على مدى أعوام يترك آثاراً نفسية مدمرة على الضحايا، خصوصاً عندما يبدأ بسن مبكرة، فقد تعاني فوزية أمين سيدو التي أعيدت بعد 10 سنوات من تفكك الهوية وانعدام الثقة بالنفس والآخرين، واضطرابات ما بعد الصدمة وشعور عميق بالعزلة والقلق.

ويوضح أن علاج هذه الحالات يحتاج إلى دعم نفسي طويل الأمد يركز على إعادة بناء الذات، بما في ذلك جلسات علاجية متخصصة تتيح لها معالجة الصدمات واستعادة إحساسها بالأمان. إضافة إلى العلاج النفسي وتوفير شبكة دعم اجتماعي قوية، ويختم بأن "وجود أسرة داعمة أمر حيوي لتمكينها من إعادة الاندماج في الحياة الطبيعية، مع استعادة الشعور بالقيمة والأمان".

يوضح جمال سيدو مدير التوثيق والحماية بمبادرة نادية مراد، إن الإحصاءات المتوفرة حول عدد المختطفين الإيزيديين عند دخول "داعش" تشير إلى وجود 6417 مختطفاً يقدر عدد الإناث منهم بنحو 3548، والذكور 2869. أما عدد الناجين فيقدر بـ3562 منهم 1207 نساء ناجيات، والرجال 1207. وعدد الأطفال الناجين يقدر بـ1059 للإناث، والذكور 957. وغالب الذين تمكنوا من النجاة من الإبادة الجماعية استطاعوا الهرب من العراق إلى سوريا وتركيا.

ويشير إلى أن عملية تحرير فوزية أمين سيدو من قطاع غزة يثر القلق باحتمالية وجود مختطفات في الدول المجاورة الأخرى أيضاً، فـ"من خلال المتابعة الدقيقة وقبل سنة، تمكن فريقنا من الحصول على موقع وجود ستة من المختطفات الإيزيديات في مدينة بورصة التركية وحررن، ويمكننا رصد مواقع كثيرات منهن، ولكن علمية تحريرهن تحتاج إلى جهود دولية".

إعادة التأهيل

بعد لقائه بالمحررة فوزية أمين سيدو يوضح شهاب أحمد سمير مدير المديرية العامة لشؤون الناجيات فرع سنجار، لـ"اندبندنت عربية" أنها تمر بظرف نفسي صعب، فقد توفي والدها قبل أشهر من تحريرها، وهي تعيش الآن مع والدتها وإخوتها في مركز قضاء سنجار، وسيتم إنجاز المستمسكات الأصولية لها من بطاقة موحدة وجواز سفر لكي تشمل بالامتيازات الخاصة بقانون الناجيات".

ولا تقتصر فكرة إعادة التأهيل على توفير المستحقات المالية للناجيات، إذ يوضح جمال سيدو أن الناجيات، ومن ضمنهن فوزية أمين، في حاجة إلى الدعم النفسي، وتختلف برامج إعادة التأهيل من شخص لآخر، فبعضهم لا سيما الأطفال الذكور غسلت أدمغتهم وتغيرت قيمهم وأنماطهم السلوكية، والبعض الآخر تعرضوا للعنف الجنسي.

يختم سيدو "في مبادرة نادية، نقدم لهم المساعدات المالية والطبية والنفسية والمعنوية والتعليمية وسبل العيش. وهذا ينعكس إيجاباً على أوضاعهم، ولكن تبقى الناجيات في حاجة إلى مزيد من الرعاية والدعم".