قلق كردي من "ديموغرافيا عراقية" جديدة وراء التعداد

آخر تحديث 2024-10-06 16:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

وزير التخطيط محمد علي تميم يتابع سير العمل الميداني لعمليات الترقيم والحصر في المحافظات (إعلام الوزارة)

تجري في إقليم كردستان العراق المرحلة الأولى من عملية "الحصر والترقيم" في إطار التحضيرات الممهدة لإجراء التعداد العام للسكان في عموم البلاد والمقرر في الـ20 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهو الأول منذ نحو ثلاثة عقود، في ظل هواجس كردية من "أخطار" تجاوز العملية لأهدافها التنموية وفرض واقع ديموغرافي وسياسي جديد، بخاصة في المناطق موضع النزاع مع الحكومة الاتحادية في بغداد، لكن الأخيرة تؤكد أن المشروع يخلو من أية أجندة سياسية ولن يتجاوز الأهداف التنموية. 

إحصاءات جدلية 

يعود آخر تعداد خاضته البلاد لعام 1997 باستثناء المحافظات الكردية التي كانت خارج سيطرة نظام الحكم السابق برئاسة صدام حسين، وبعد سقوط الأخير على يد الأميركيين عام 2003، أخفق نظام الحكم الحالي في إجراء تعداد جديد على إثر التوترات الأمنية إلى جانب صراعات سياسية وأزمات اقتصادية، ومن ثم لاحقاً تفشي جائحة كورونا عام 2019.

وعلى رغم إجراء ثمانية عمليات تعداد منذ عام 1927، فإن البلاد تستند إلى بيانات تعداد عام 1977، بوصفه أكثر دقة وشمولاً، في حين يطالب الأكراد باعتماد تعداد 1957 الذي أجري قبل سقوط النظام الملكي كمرجع رئيس للبيانات، لما حصل في ما بعد من تغيرات وعمليات تهجير على يد الأنظمة المتعاقبة، ويقولون إن نسبتهم السكانية في كركوك تراجعت من 48 إلى 21 في المئة ضمن تعداد عام 1997.

بين "تعريب" و"تكريد"

يكمن الهاجس الكردي في أن يضفي التعداد السكاني المقبل طابعاً قانونياً على التغيرات الديموغرافية التي طرأت في مناطق موضع النزاع فيما توصف بعملية "تعريب" ممنهجة، ويعتبرون أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ الانتداب البريطاني استغلت مجمل عمليات الإحصاء السكاني كأداة خلال الصراعات الإثنية والعرقية لفرض ديموغرافيا لمصلحة فئة محددة.

 

 

 وتزعم القوى السياسية الكردية اليوم أن آلاف المواطنين الأكراد هجروا من مناطقهم الأصلية واستقروا في الإقليم، في مقابل استقدام عشرات آلاف المواطنين العرب، بخاصة إلى محافظة كركوك بعد عام 2017 عندما شنت القوات الاتحادية عملية لطرد نظيرتها الكردية من تلك المناطق في أعقاب خوض سلطة كردستان استفتاء للانفصال، وفي ضوء ذلك على حد المزاعم فإن العرب سيستحوذون على الغالبية في المحافظة مع حلول عام 2032 إذا ما استمر التفاوت السكاني القائم، ذلك أن الزيادة التي طرأت من 700 ألف إلى مليون ونصف المليون نسمة، كان معظمها في جانب المكون العربي، بينما يتهم العرب الأكراد بممارسة عملية "تكريد" المناطق بعد اتساع نفوذهم بين أعوام 2003 و2017.

إحصاءات مشبوهة

عن طبيعة المخاوف يقول العضو السابق في "لجنة المناطق الكردستانية خارج الإقليم" في برلمان كردستان محيي الدين حسن يوسف إن "كل عمليات الإحصاء التي أجريت بعد إحصاء عام 1957 غلب عليها الطابع السياسي لمصلحة فئة بعينها، فيما كان عدد بقية القوميات مثل الكرد والمسيحيين والتركمان يتراجع باستمرار، وكثير منهم كانوا سجلوا ضمن القومية العربية عام 1987".

وأردف أنه "في الإحصاء المقبل ما زالت تحيط بهم المخاوف بخاصة في مناطق المادة 140 الدستورية، لما طرأ من متغيرات ديموغرافية عقب أحداث عام 2017 بدءاً من خانقين في ديالى مروراً بكركوك ووصولاً إلى سنجار غرب نينوى، وهناك عشرات أو مئات القرى الكردية هجرها سكانها وبعضها يقطنها اليوم مواطنون عرب".

وتهدف المادة 140 المنصوص عليها في الدستور العراقي الذي أقر عام 2005، إلى حل مناطق موضع النزاع، بخاصة محافظة كركوك الغنية بالنفط عبر ثلاث مراحل، تبدأ بالتطبيع ومن ثم إجراء إحصاء سكاني قبل تنظيم استفتاء لحسم تبعيتها بين أربيل وبغداد بحلول نهاية عام 2007، لكن التوترات السياسية والأمنية حالت دون ذلك. 

عقدة تطبيق الدستور

ويشير يوسف إلى أن أهم عقدة تقف حائلاً دون تطبيق المادة تكمن في حصول "عمليات تعريب، فكركوك وحدها شهدت في فترات متعاقبة إسكان 570 ألف مواطن عربي استقدموا من بقية المحافظات، وعلى رغم أن بعضهم تلقى تعويضات بموجب تطبيق المرحلة الأولى من المادة بغية إعادتهم لمناطقهم الأصلية لكنهم لم يغادروا، وآخرون غادروا لكنهم عادوا في ما بعد بخاصة بعد عام 2017".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى أن "المعضلة لا تنحصر بالكرد، فالمسيحيون أيضاً تحديداً في نينوى وكذلك في بغداد يواجهون مشكلة مماثلة، بعد أن هجروا وتشتتوا وبعضهم ما زال يخشى العودة لدواعٍ أمنية أو لأسباب أخرى، وقسم كبير هاجر خارج البلاد، لذا فإن الخشية تكمن في إضفاء طابع قانوني على هذا الواقع، وإن كانت بغداد أعطت تطمينات حول عدم وجود أهداف سياسية وراء الإحصاء".

وعلى رغم أن استمارة التعداد لا تحوي خانة تحديد الديانة والقومية، لكن نتائجه ستكون لها انعكاسات على الانتخابات البرلمانية المقبلة، وفق مراقبين وسياسيين أكراد، إذ إلى جانب إعطاء بيانات دقيقة حول النسبة السكانية فإنه سيكون معياراً لتحديد حصة المحافظات في الموازنة الاتحادية، فضلاً عن تحديد مقاعد كل محافظة في البرلمان.

عواقب غير محسوبة

ومع اقتراب موعد الإحصاء، يحذر مركز "ستاندارد" الكردي المستقل للبحوث والإعلام في تقرير له من "كارثة ستحل بالكرد" في المناطق موضع النزاع، في حال عدم إقدام المواطنين الأكراد على التسجيل في مناطقهم الأصلية قبل حلول الموعد، في مقابل تسجيل العرب "من الوافدين الجدد"، كما ينوه إلى عوامل في غير مصلحة الكرد، منها عدم إيلائهم أهمية لعملية الإحصاء على إثر "تراجع حسهم القومي"، وكذلك التفوق الواضح في وتيرة الإنجاب لدى العرب.

ويشدد المركز على أهمية تشجيع الأكراد على الحضور والتسجيل في المناطق الأصلية يوم الإحصاء، ومنع تسجيل أسماء أولئك المواطنين العرب الذين لم يكونوا من سكان تلك المناطق في إحصاء عام 1957.  

ولا تخفي وزارة التخطيط في حكومة الإقليم  من جهتها وجود نقاط خلافية معلقة "ما زالت رهن المحادثات" مع نظيرتها الاتحادية حول عملية الإحصاء في المناطق موضع النزاع، وتقول إنها ستتجنب الخوض في القضايا السياسية والقانونية على ألا يتجاوز الإحصاء أهدافه التنموية، ونوهت في بيان إلى أن "عدم الاستجابة لمطالب الكرد الدستورية سيترك باب الاحتمالات لاتخاذ الموقف اللازم لحماية حقوقهم في المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم".

وسبق أن دعا سياسيون ومعنيون في الإقليم إلى مقاطعة الأكراد لعملية الإحصاء "في حال المضي في العملية من دون مراعاة مطالبهم بالاتفاق مع بغداد"، وهي تأجيل التعداد في هذه المناطق لحين تطبيق المادة 140 من الدستور.   

تطمينات اتحادية

وتنص تعليمات اللجنة العليا للتعداد في تلك المناطق على أن تنجز عملية تدوين البيانات بتقنية رقمية لكل رقعة بصيغة تشاركية يقوم بها ثلاثة موظفين كردي وعربي وتركماني، لكن الإقليم يطالب بتدوين المعلومات ورقياً أيضاً بنسختين، إحداها ترسل إلى أربيل والثانية إلى بغداد.

 

 

وفي الطرف المقابل تؤكد الحكومة الاتحادية أن الهدف من التعداد "لا يتخطى الخطط المتعلقة بالبرامج التنموية ولا يستهدف طمس هوية أية فئة"، في بلاد يتجاوز عدد سكانها 43 مليون نسمة، وتشهد زيادة سنوية تفوق المليون أي بمعدل اثنين في المئة.

ويؤكد المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي أن "الهدف ينحصر بالتنمية، بعيداً من النوايا السياسية، من خلال توظيف البيانات والمعلومات لوضع الخطط التنموية في مختلف المجالات كالسكن والخدمات والصحة والتعليم والاقتصاد ومن ثم تحقيق عدالة في توزيع الثروات بين المحافظات"، محذراً من أن "استمرار الخلافات السياسية وعدم حسمها من شأنهما أن يحرما البلاد من إجراء عملية التعداد".  

نوايا لتوسع جغرافي

أما القوى السياسية العربية، فإنها تتهم نظيرتها الكردية بممارسة عملية "تكريد" بعد فرض نفوذها على المناطق موضع النزاع منذ سقوط النظام السابق عام 2003 بخاصة في كركوك، إضافة إلى نينوى ومناطق أخرى "بغية إلحاقها مستقبلاً بإقليم كردستان".   

وفي هذا الإطار، يقول العضو في تحالف "عزم" عزام الحمداني إن "المزاعم بوجود عرب من خارج المحافظة مرتبطة بحسب وجهة نظر القرار السياسي الكردي بالمادة 140، على اعتبار أن عملية تطبيق هذه المادة لم تكتمل وعليه لا يجوز إجراء إحصاء عام، في حين أن وجهة النظر العربية تقر وتؤمن بالتنوع في هذه المناطق ومنهم الكرد".

ونوه إلى أن "العرب لديهم تحفظاتهم أيضاً، إذ سبق وتشكلت لجنة برلمانية لتنقيح سجل الناخبين، وأسفرت النتائج عن وجود مواطنين كرد لا يمتلكون بطاقة الهوية الوطنية، بالتالي فمع إجراء الإحصاء بهذه الصورة ستكون هناك زيادة في أعداد الكرد".

ويرجع الخلاف بين الأطراف إلى ما قد تسفر عنه نتائج الإحصاء من تبعات على مستويات عدة، منها إعادة رسم الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد النيابية الذي من المحتمل أن يعزز التمثيل النيابي والإداري لطرف على حساب آخر، وكذلك على مستوى توزيع الثروات الوطنية وحصة كل محافظة في الموازنة الاتحادية.  

وحول الموقف من التحفظات والمزاعم الكردية، يقول الحمداني إن "معظم العرب الذين استقدمهم النظام السابق إلى كركوك عادوا لمناطقهم الأصلية، ومن بقي هم أولئك المسجلون في إحصاء 1957، مع تحفظنا على مجيء مواطنين كرد خلال أعوام 2003 و2017".

وأردف "نحن أيضاً لدينا مخاوف مقابلة تكمن في وجود مواطنين من خارج المحافظة، نتيجة ما حصل من عملية تكريد خلال هذه السنوات، ونستند بذلك إلى ما ورد في التقرير الذي قدم من قبل وزارة التجارة بوجود أكثر من 257 ألف ناخب غالبيتهم من الكرد لا يحملون الهوية الوطنية، وكان هذا بشهادة القيادات التركمانية، فضلاً عن أن لجنة كانت شكلت من مجلس النواب لتدقيق سجل الناخبين، ويقيناً فإن كل ناخب له أسرة".