السيناريو الأكثر ترجيحاً لدى "فيتش سوليوشنز" رد إسرائيلي مماثل وموازٍ في القوة للهجوم الإيراني من دون التورط في ضربة أكبر (رويترز)
صار الترقب حيال الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني سيد الموقف في وقت تسارع فيه اليوم مؤسسات ووكالات وبيوت خبرة استشارية إلى تقييم الموقف وتداعياته على الأسواق والطاقة، وفق سيناريوهات مختلفة لطبيعة هذا الرد المرتقب.
وبينما يعتقد اليوم أن بعض صور الانتقام الإسرائيلي في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أمر لا مفر منه في الأساس، فإن الأرجح تقديراً لدى عديد من المؤسسات أن يكون الرد الإسرائيلي على إيران أوسع نطاقاً مع هجمات محتملة على أهداف عسكرية أو بنى تحتية لإنتاج الطاقة أو حتى مسؤولين رئيسين، مما يدفع إلى فترة من الانتقام بالمثل.
لكن أرجح السيناريوهات المطروحة اليوم وأكثرها توقعاً على طاولات التحليل، رد بالمثل ومساوٍ في القوة يعقبه ممارسة ضغوط دبلوماسية تجبر الطرفين في النهاية على خفض التصعيد المتبادل، وهو احتمال تضعه وكالة "فيتش سوليوشنز" محل تقدير بنحو 50 في المئة، من دون أن تغفل احتمالات اندلاع حرب أوسع نطاقاً وفق سيناريوهين بديلين.
خفض سريع للتصعيد
في السيناريو البديل الأول، تشن إسرائيل رداً عسكرياً صغيراً، مما قد يؤدي على الأرجح إلى خفض التصعيد بسرعة وهو احتمال قائم بنحو 28 في المئة على رغم أنه قد يؤدي في نهاية المطاف إلى هجمات متبادلة مستمرة إذا رد أحد الجانبين بقوة أكبر، بحسب ما تشير الوكالة في تقرير حديث.
في السيناريو الثاني البديل: تشن إسرائيل هجوماً استراتيجياً على إيران، مما من شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة بين الجانبين، في احتمال بنسبة أضعف (22 في المئة)، بحسب ما يلفت تقرير "فيتش"، موضحاً أن السيناريو الأكثر ترجيحاً بنسبة 50 في المئة هو الرد بالمثل، والذي يعقبه خفض للتصعيد المتبادل بعد إرساء معادلة الردع، وهو ما قد يشمل شن هجمات على الأصول العسكرية والبنية التحتية للنفط والغاز أو اغتيال شخصيات عسكرية رئيسة تتبع الحرس الثوري الإيراني.
في هذا السيناريو، سيصبح الخطاب الإيراني أكثر حزماً مع رد الحرس الثوري الإيراني بطريقة أكثر قوة، مع استمرار التصعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران لأيام عدة أو أسابيع، وفي خضم الأخطار المتزايدة لاندلاع حرب أوسع نطاقاً، من المرجح أن تسود الجهود الدبلوماسية وتحقق خفض التصعيد بنهاية الأمر.
وعلى رغم إمكانية تحرك أسعار النفط موقتاً إلى 90 دولاراً للبرميل في هذا السيناريو، فإن التأثير الإجمالي سيكون خافتاً نسبياً، نظراً إلى أن الأصول الخطرة تكيفت بالفعل مع عالم من الأخطار الأعلى، ومن المرجح أن يدفع الارتفاع الحاد في أسعار النفط عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات إلى ما بين 3.60-4.40 في المئة، إذ أصبحت توقعات أسعار الفائدة أقل تشاؤماً.
وترجح "فيتش" أن يتداول مؤشر الدولار الأميركي بصورة جانبية إلى أعلى قليلاً (100-106)، لكن بعد ذلك يتداول أضعف إلى 100 (وحتى أقل قليلاً) بمجرد التهدئة، مضيفاً "من حيث الأسهم، تبدو الأسواق مفرطة في التمدد قليلاً، مما قد يؤدي إلى تصحيح وتداول متقلب، لكن من المرجح أن يظل الاتجاه الصعودي الواسع قائماً، ومن شأن الزيادة الأوسع في الأخطار أن تدفع الذهب إلى نحو 2900 دولار للأونصة.
وفق السيناريو الأول، لن تشكل هذه النتيجة سوى خطر ضئيل على النمو العالمي المتوقع بنسبة 2.5 في المئة هذا العام والعام المقبل، مع افتراض أن ارتفاع أسعار النفط سيكون محدوداً بسبب زيادة العرض، وهو ما يقلل من احتمالات انتقاله بصورة كبيرة إلى التضخم وتوقعاته، فيما يرجح أن تواصل البنوك المركزية الكبرى خفض أسعار الفائدة، وقد تكون وتيرة التيسير أبطأ، وهو ما من شأنه أن يفرض أخطار ضئيلة على النمو.
السيناريو البديل الأول
في هذا السيناريو البديل القائم بنسبة 28 في المئة، من المرجح أن توجه إسرائيل ضربة على هدف أو هدفين عسكريين مهمين نسبياً في إيران، تليها خطوات لتهدئة التوتر من قبل الجانبين ومن خلال قنوات خلفية، على أن تحول إسرائيل تركيزها مرة أخرى إلى غزوها البري للبنان.
لن يتسبب هذا السيناريو الأكثر "اعتدالاً" بين السيناريوهات، إلا في ارتفاع طفيف للغاية في أسعار النفط، وفي المقابل سينعكس هذا تأثيراً ضئيلاً على عائدات السندات الأميركية، إذ تظل التوقعات بدورات التخفيض قائمة وتظل أسواق الأسهم مدعومة، وفي ظل هذا السيناريو، ستظل أسعار الذهب مرتفعة، كما كانت الحال في الأشهر الأخيرة، وتتجه إلى 2800 دولار للأونصة، وسيتداول مؤشر الدولار بصورة جانبية إلى أدنى قليلاً.
ومن شأن التهدئة السريعة وفق هذا السيناريو أن تشكل خطراً أقل على توقعات "فيتش" للنمو العالمي بنسبة 2.5 في المئة هذا العام والعام المقبل، ولن يكون هناك قلق يذكر في شأن أخطار التضخم العابر، وهذا من شأنه أن يسمح للبنوك المركزية بخفض الإنفاق بصورة حادة لمعالجة ضعف سوق العمل، وفي المقابل يوفر الدعم للأسر والشركات مع استمرار انخفاض فروق الائتمان وانخفاض نسب خدمة الدين.
السيناريو البديل الثاني
يذهب السيناريو البديل الثاني نحو افتراض اندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل بنسبة 22 في المئة، وفيه تهاجم إسرائيل أهدافاً نفطية وعسكرية ونووية رئيسة، ويدفع نحو الانجرار صوب ضرب بعض الأهداف المدنية على الجانبين، وتستهدف إيران حقول الغاز الإسرائيلية وربما تحاول إغلاق مضيق هرمز، ويشمل هجوم أذرع إيران بالمنطقة على الأصول الإسرائيلية الرئيسة، وكذلك طرق الشحن، وقد تندلع حرب شاملة إما بسبب رد فعل "استراتيجي" إسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني، أو نتيجة لتصعيد تدريجي في أعقاب رد فعل أولي أكثر تواضعاً، بحسب ما يخلص التقرير.
يعد هذا السيناريو هو الأكثر سلبية بالنسبة إلى الأسواق، إذ سيشهد مضاعفة حادة لأسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل مع تضرر أصول النفط الرئيسة، ومحاولات إيران إغلاق مضيق هرمز الذي شكل عام 2023، معبراً لـ27 في المئة من تجارة النفط البحرية العالمية، و20.5 في المئة من إمدادات النفط العالمية و19.7 في المئة من إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية، وسط ترجيحات بارتفاع توقعات التضخم قصيرة الأجل، وقد يختار بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة لإعادة تثبيتها، وهو ما يؤدي إلى ثبات العائدات قصيرة الأجل وانخفاض العائدات طويلة الأجل.
تشير التقديرات وفق هذا السيناريو، إلى انخفاض أسواق الأسهم الرئيسة بنحو 30 في المئة، مع انزلاق مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" إلى مستوى 4000، وهذا يتفق مع متوسط الانخفاض بناءً على الصدمات الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من المرجح أن يقلل هذا السيناريو من النمو العالمي بنحو 2.0-3.0 نقطة مئوية، مما قد يؤدي إلى انخفاضه إلى نحو -0.5 في المئة عام 2025، وفيه سيتباطأ الاقتصادين الأميركي والصيني في العام المقبل، ويؤدي الجمع بين صدمة أسعار النفط وعدم اليقين وارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم التباطؤ، مع انخفاض الناتج الاقتصادي في منطقة اليورو ومعظم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن شأن إغلاق أو تعطيل مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب لأشهر أن يكون مدمراً للغاية، بحسب توصيف "فيتش"، إذ تبلغ القيمة الشهرية للتجارة المعرضة للخطر كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو 0.4 نقطة مئوية.
لعل أقرب مثال حديث على ذلك هو حرب أكتوبر عام 1973 وصدمة أسعار النفط المرتبطة بها، بحسب ما يورد التقرير، لكن تعطل شحنات النفط إذا هاجمت إيران الشحنات في الخليج أو حاولت إغلاق مضيق هرمز سيعد خطوة عالية الأخطار، وقد تؤدي إلى تدخل عسكري أميركي مباشر على غرار ما حدث في عامي 1987 و1988، قرب نهاية الحرب الإيرانية - العراقية، حين نشرت البحرية الأميركية في الخليج للدفاع عن ناقلات النفط المملوكة للكويت من الهجمات الإيرانية.