هل يواجه السلاح الروسي غريمه الغربي في سماء إيران؟

آخر تحديث 2024-10-20 15:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

صاروخ تم إطلاقه من سفينة حربية إيرانية في البحر (أ ف ب)

يراقب العالم كله خلال الأيام الأخيرة عن كثب الأحداث التي تجري حول إيران وإسرائيل، لا سيما بعدما بات الهجوم الإسرائيلي المخطط شنه على إيران مسألة وقت فقط، وبعد التأكد من اغتيال إسرائيل لقائد حركة "حماس" يحيى السنوار، فيما القرارات المتعلقة بهذا الهجوم اتخذت على أعلى المستويات الإسرائيلية والأميركية، وفقاً للاستخبارات العسكرية الروسية التي لفتت إلى أهمية اجتماع سري عقد الثلاثاء الماضي أكتوبر بين رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي في إحدى قواعد الجيش التابعة للاستخبارات.

وخلال هذا الاجتماع بحثت تفاصيل الهجوم المحتمل قبل أن ينضم وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر وضباط استخبارات رفيعو المستوى إليه. وطبقاً للمعلومات، لم يجرِ إطلاع بقية الوزراء في المجلس الوزاري للشؤون السياسية- والأمنية (الكابينت) بل سيجري إطلاعهم خلال الربع الساعة الأخير على خطوط القرار العريضة، على أن تبقى التفاصيل طي الكتمان حتى لحظة التنفيذ تخوفاً من التسريبات.

وتعتقد الاستخبارات العسكرية الروسية بأن المهلة الزمنية المتاحة لإسرائيل لشن هجومها على إيران محدودة للغاية، ومرتبطة حكماً باقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة.

طبول الحرب

مساء الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، شنت إيران هجوماً صاروخياً واسع النطاق على الأراضي الإسرائيلية رداً على مقتل شخصيات رئيسة في قيادة "حماس" ومنظمة "حزب الله" اللبنانية و"الحرس الثوري" الإيراني، وقالت طهران إن 90 في المئة من الصواريخ أصابت أهدافها المقصودة بنجاح، لكن إسرائيل تقول إن إيران أطلقت نحو 180 صاروخاً وتم اعتراض معظمها.

في التاسع من أكتوبر الجاري، حذر غالانت من أن إسرائيل لن تتخلى عن خطط الرد على الهجوم الصاروخي بضربة على إيران ستكون "قاتلة وغير متوقعة"، فلن يكون لدى الإيرانيين الوقت الكافي لفهم أي شيء.

وهكذا بدأت إيران تستعد بصورة ملحوظة للحرب مع إسرائيل، ويتجلى ذلك، على سبيل المثال، في التدريبات العسكرية المكثفة التي يجريها الحرس الثوري. وإضافة إلى ذلك، أمر المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي بتوجيه ضربة مؤلمة مباشرة إلى إسرائيل، رداً على هجومها المنتظر. لذلك تجمد العالم كله في النهاية، تحسباً لحريق كبير في هذه المنطقة من الكوكب.

في الشرق يجب الرد على أي اعتداء، وأي شيء آخر سينظر إليه بالتأكيد على أنه ضعف، ولذلك فإن العالم ينتظر الآن خطوات حاسمة من القيادة الإيرانية، وينبغي أن تكون أكثر أهمية من الرد على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل (نيسان) الماضي واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران مطلع أغسطس (آب) الماضي، وكذلك اغتيال قاسم سليماني في يناير (كانون الثاني) 2020.

إيران لا تحتاج إلى حرب كبيرة مع إسرائيل في الوقت الحالي، ومن الأنسب لطهران التصرف من خلال وكلائها مثل "حزب الله" في سوريا ولبنان، و"الحشد الشعبي"، بخاصة كتائب "حزب الله" التابعة لها في العراق. كما أن اللاعبين الرئيسين في الشرق الأوسط  بدءاً من الولايات المتحدة وانتهاءً بكل حلفائها في المنطقة لا يحتاجون إلى صراع مسلح خطر، يقلب الأمور ويهدد كثيراً من الأنظمة.

وهذا الصراع المنتظر لا يصب إلا في مصلحة نتنياهو وحكومته التي فشلت في تحقيق نصر حاسم  في غزة على رغم تمكنها من اغتيال مخطط وقائع هجوم "طوفان الأقصى" يحيى السنوار. فهي عجزت مع ذلك عن إطلاق سراح أكثر من 100 رهينة حتى الآن، كما أن النصر على "حماس" ليس قريباً بعد أكثر من 380 يوماً من القصف والتدمير والقتل في قطاع غزة، حيث أزهقت أرواح نحو 43 ألف مدني فلسطيني، من بينهم 15 ألف طفل.

ولهذا السبب يضايق النظام الإسرائيلي القادة الإيرانيين بالاغتيالات السياسية التي تطاول قادة أذرعتهم في كل المنطقة. ومرة أخرى، تأمل تل أبيب، وليس بصورة غير معقولة، في الحصول على دعم الولايات المتحدة.

ويعتبر الحزب الديمقراطي الحاكم حالياً الحليف الرئيس لإسرائيل تقليدياً، إلا أن الرئيس الـ45 دونالد ترمب انتزع منهم المبادرة إلى حد ما، فنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وانسحب من الاتفاق النووي الإيراني.

وفي الجناح اليساري للحزب الديمقراطي هناك كثير من المؤيدين لوقف إطلاق النار في غزة. ولكن قبل الانتخابات، برز "الصقور" إلى الواجهة، كما كان متوقعاً، وبحثوا كل السيناريوهات بما في ذلك صراع كبير.

كلاهما يريد ذلك ويحقنه لأن إخفاقات إسرائيل العسكرية في غزة وتشجيع الحوثيين "أنصار الله" يقوضان مصالح الولايات المتحدة وسلطتها في المنطقة. ومع ذلك، فإن نتيجة الحملة العسكرية ضد إيران تبدو غير واضحة على الإطلاق. وليست مثل عملية برية ضد الجيش الإيراني المدجج بالسلاح والحرس الثوري. ولكن حتى الهجمات الصاروخية والقنابل على التضاريس الجبلية. لذلك، يحاول بايدن عموماً عدم إثارة هذا الموضوع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الواضح أنه خلال زيارة قام بها إلى الولايات المتحدة أواخر يوليو (تموز) الماضي، حشد رئيس الوزراء الإسرائيلي دعم زعماء الحزبين للقيام بعمل عدواني في الشرق الأوسط. وحقيقة أن إسماعيل هنية الذي كان يتفاوض مع إسرائيل من أجل إطلاق سراح الرهائن هو الذي قتل، تشير إلى أن أنصار التسوية السلمية في واشنطن يشعرون الآن بعدم الارتياح.

ومن الواضح أن طهران تحتاج الآن إلى رد اعتبار في مواجهة أي ضربة تشنها ضدها إسرائيل، وإلحاق هزيمة معنوية بها، على غرار الضرر السياسي الذي ألحقته تل أبيب بها من خلال اغتيال قادة في المنطقة محسوبين عليها، والأموال اللازمة لذلك متاحة، ولكن بكميات محدودة.

تسليح روسي بالقطارة

ليس سراً أن روسيا بدأت على خلفية استعدادات طهران للرد على الهجوم الإسرائيلي المنتظر، بتسريع نقل أنظمة الدفاع الجوي إلى إيران. ومع أن موسكو تقوم بذلك بسرية تامة، إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية كتبت عن هذا بالإشارة إلى اثنين من المسؤولين الإيرانيين.

وبحسب الصحيفة، تمت مناقشة الإمدادات العسكرية خلال لقاء بين القيادة الإيرانية وأمين مجلس الأمن الروسي ووزير الدفاع السابق سيرغي شويغو خلال زياراته المتكررة لإيران الصيف الماضي.

وفي طهران، التقى شويغو رئيس البلاد وقائد القوات المسلحة الإيرانية، وخلال الاجتماع، بحسب وسائل إعلام إيرانية، قال شويغو إن روسيا مستعدة "للتعاون الكامل مع إيران في القضايا الإقليمية". ووفق مصادر متطابقة، طلبت إيران أيضاً، عبر شويغو، إضافة إلى أنظمة دفاع جوي متطورة من طراز "أس-400 تريومف" وما فوق، مقاتلات من طراز "سو-35" من روسيا.

لم تكن مواجهة روسيا مع كييف بل مع حلف "الناتو" الذي دعم زيلنسكي بمختلف أنواع الأسلحة التقليدية (أ ف ب)

 

وقبل اتخاذ الرئيس الأميركي جو بايدن قراراً نهائياً بنصب منظومات "ثاد" في إسرائيل مع عسكريين أميركيين لتشغيلها، طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عبر شويغو، من المرشد الأعلى الإيراني الرد على أي هجوم إسرائيلي بـ"ضبط النفس" والامتناع عن شن هجمات تطاول السكان المدنيين في إسرائيل، لكن وبعد بدء البنتاغون بنصب منظومات "ثاد" في إسرائيل، خرجت موسكو عن طورها وقررت تسريع عملية تسليم إيران منظومات دفاع جوي لكل المستويات الشاهقة والمتوسطة والمنخفضة، وتوجه خبراء روس إلى إيران لدراسة أماكن نشر هذه المنظومات، وليس لتشغيلها.

الطلب الإيراني من موسكو كان قبل توجه البنتاغون لنشر أنظمته للدفاع الجوي في إسرائيل، موضوع مساومة معقدة بين طهران وموسكو، فبينما تريد إيران استغلال الوضع لاستبدال بعض العوامل السياسية بالحصول على الأسلحة، كانت موسكو تراعي كثيراً من الحساسيات التي يمكن أن تؤثر في علاقاتها مع دول المنطقة، إضافة إلى انشغال مصانعها للتصنيع العسكري بطلبيات جيشها في حربه المستمرة في أوكرانيا، وحاجتها هي نفسها إلى مزيد من أنظمة الدفاع الجوي لمواجهة الطائرات المسيّرة الأوكرانية التي يتم توجيهها إلى أراضيها بالعشرات.

الأسلحة التي تطلبها إيران من روسيا وتنتظر تسلمها في القريب العاجل، لا علاقة مباشرة لها باغتيال هنية، أو حتى بجولة المواجهة الحالية بينها وإسرائيل، بل إن طلبيات إيران من أنظمة الدفاع الجوي والمقاتلات من الجيل الرابع قائمة منذ فترة طويلة، وفي بعض الحالات لأعوام عدة، فإذا تلقت أياً من هذه الطلبيات من روسيا، فلن يؤثر ذلك فقط في ما يحدث الآن هذه الأيام بين إسرائيل وإيران لأننا نتحدث عن نوع من أنظمة الأسلحة عالية التقنية يستغرق أمر إنتاجها ووضعها قيد الخدمة وتحويلها إلى تشكيلات قتالية أشهراً، وفي بعض الأحيان سنوات، بخاصة في ما يتعلق بمقاتلات "سو-35".

نتنياهو لدى زيارته قاعدة للجيش الإسرائيلي في منطقة الحدود مع لبنان في 6 أكتوبر الحالي (حسابه على إكس)

 

ويعتقد الخبراء بأن طهران تسعى في المقام الأول إلى الحصول على أنظمة دفاع جوي من طراز "أس-400" و"بوك" و"بانتسير"، بانتظار حصولها على مقاتلات حديثة من موسكو، مثل "سو-35".

وتمتلك إيران الآن أسطولاً قديماً من الطائرات العسكرية التي خلفتها شراكتها مع الولايات المتحدة قبل الثورة الإسلامية عام 1979، فبعد الاستيلاء على السفارة الأميركية في إيران عقب الإطاحة بالشاه، أوقفت واشنطن التعاون العسكري مع طهران. وحاولت إيران بناء طائراتها الخاصة، على سبيل المثال مقاتلة " كوثر" التي تم إنشاؤها على أساس المقاتلة الأميركية "أف-5". لكن المقاتلات التي يطير بها الإيرانيون الآن هي في الأساس تنتمي لـ"متاحف الطيران"، كما يؤكد الخبراء.

وفي ظل هذه الظروف، يمكن لموسكو نقل "عدد صغير" من المقاتلات الحديثة، بخاصة من طراز "سو-34" التي قد لا يكون لدى الطيارين الروس أنفسهم ما يكفي منها. ويبدو أن روسيا لديها ما يكفي من المقاتلات، على سبيل المثال، 20 إلى 30 مقاتلة يمكنها نقلها نظرياً إلى إيران من دون إلحاق أضرار جسيمة بمخزوناتها.

لكن هناك مسألة مخفية تتعلق بظهور مقاتلات "أف-16"  الأميركية الصنع في أوكرانيا، فإن روسيا نفسها ستحتاج إلى عدد أكبر بكثير من المقاتلات عن ذي قبل، عندما تبدأ المقاتلات الأوكرانية الأميركية الصنع بالظهور على حدود خطوط القتال.

ومنذ أعوام تطلب طهران من موسكو دفاعاً جوياً ليحل محل الأنظمة السوفياتية القديمة ذات نصف قطر أصغر من طراز "تور" أو "أس-300" التي تم تزويد إيران بها في السابق.

الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل يجعل الدفاع أكثر صعوبة (أ ف ب)

 

المشكلة هي أنه، على عكس المقاتلات، إذ إن روسيا تمتلك دفاعاً جوياً "إضافياً"، فإن موسكو نفسها تتحدث دائماً عن نقص الدفاع الجوي بعدما بدأت الطائرات الأوكرانية المسيّرة بالإغارة على كثير من المقاطعات والأهداف الحيوية، بخاصة في قطاع الطاقة. ويؤكد الجيش الروسي أنه مع التوسع المستمر لجغرافيا الضربات الأوكرانية، باستخدام الطائرات من دون طيار والصواريخ بمختلف أنواعها ضد المناطق الخلفية الروسية وشبه جزيرة القرم التي ضمتها، صار توسيع انتشار أنظمة الدفاع الجوي من مختلف المستويات أكثر إلحاحاً وحاجة.

ومع ذلك بدأت روسيا، على خلفية استعدادات طهران لصد هجوم إسرائيلي منتظر بنقل أنظمة الدفاع الجوي إلى إيران. وتتعاون موسكو بصورة وثيقة مع طهران في المجال العسكري، خصوصاً أن طهران تزود موسكو بطائرات "شاهد" من دون التي تستخدمها روسيا لضرب أوكرانيا، إضافة إلى مكونات لإنتاجها.

ويؤكد مسؤولون إيرانيون أن روسيا بدأت بتزويد إيران بمعدات دفاع جوي ورادار متقدمة بعد أن طلبت طهران الأسلحة من الكرملين. وبينما ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية المحلية أن طهران طلبت المعدات، أكد عضو في الحرس الثوري ومسؤول آخر لصحيفة "ذا تايمز" أن عمليات التسليم بدأت بالفعل.

ويرتبط التعاون العسكري التقني والعسكري بين طهران وموسكو بالحرب في أوكرانيا التي بدأتها روسيا في 2022، وكذلك بهجمات إيران على إسرائيل التي قد تؤدي إلى صراع واسع النطاق في المستقبل القريب.

وزودت إيران روسيا بالفعل بطائرات من دون طيار التي يستخدمها الجيش الروسي لإطلاق النار على أوكرانيا، وكانت هناك عمليات تسليم أخرى أصغر حجماً.

إيرانيون يحتجون ضد إسرائيل في طهران، أكتوبر 2024 (رويترز)

 

ومع ذلك، فإن هذا التعاون العسكري التقني يمكن أن يكون أكثر جدية، فعلى سبيل المثال، يمكن لروسيا أن تبيع لإيران مجموعة من مقاتلات "سو-35" التي تم تجميعها سابقاً للبيع لمصر كجزء من صفقة فاشلة، وأعربت إيران عن اهتمامها بالحصول على هذه الطائرات.

ومن شأن وجود مثل هذه المقاتلات أن يعقد العمليات الجوية الإسرائيلية ضد إيران. الآن، لا يوجد لدى القوات الجوية الإيرانية سوى بضع عشرات الطائرات المقاتلة، وهي نماذج روسية وأميركية عفا عليها الزمن من مخلفات الثورة الإسلامية عام 1979.

وفي ربيع عام 2023، نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية عن مسؤول مجهول من البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة قوله إن الصفقة اكتملت، لكن منذ ذلك الحين لم ترِد تقارير إعلامية رسمية مؤكدة عن نقل هذه الطائرات إلى إيران.

ويمكن لروسيا أيضاً أن تنقل أنظمة الدفاع الجوي إلى إيران، على سبيل المثال أنظمة "أس-400" وأنظمة "بانتسير أس-1" قصيرة المدى التي يمكن استخدامها لحماية أنظمة الدفاع الجوي الأطول مدى أو أهداف أخرى من الهجمات الصاروخية الإسرائيلية.

الترسانة الإيرانية

تتسلح إيران حالياً بصاروخ "خيبر" الباليستي الذي يبلغ مداه المعلن ألفي كيلومتر (المدى المؤكد 1450 كيلومتراً)، مما يكفي للوصول إلى الأراضي الإسرائيلية، ناهيك عن أسراب كثيرة وكبيرة من الطائرات المقاتلة الإيرانية من دون طيار التي أثبتت فاعلية هائلة في أوكرانيا. ففي نهاية المطاف، إلى جانب " شاهد"، هناك أيضاً " أراش" و" كيان"، و"كرار "والأخطر "مجاهد-6". ويمكن للحرس الثوري الإيراني إطلاق النار من أراضي سوريا أو العراق أو لبنان واستخدام صواريخ ومسيّرات أخطر وأكثر فتكاً مما يستخدمه "حزب الله" أو "كتائب حزب الله".

وسيكون من المفيد لإيران مساعدة روسيا لها في مجال الدفاع الجوي ومعدات الحرب الإلكترونية التي لم تزودها بها لفترة طويلة بسبب ضغوط تل أبيب. والآن قد نرى طهران تنشر أنظمة "أس-400 " و"بانتسير أس- 1"  لردع الضربات الانتقامية الإسرائيلية، إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الإيرانية الصنع من طراز " أرمان" و"آزاراخش". وتؤكد الزيارات المتكررة لسيرغي شويغو إلى طهران أن موسكو تدرس بعناية إمكان مساعدة إيران وهي ماضية قدماً في هذا الاتجاه.

مخاوف من زيادة إيران لمعدل تخصيب اليورانيوم (أ ف ب)

 

في المقابل، يمكن لإيران أن تزود روسيا بالصواريخ الباليستية - العملياتية التكتيكية أو حتى قصيرة المدى. وإذا ظهرت مثل هذه الصواريخ في الخدمة لدى الجيش الروسي، فإن ذلك سيغير الوضع في أوكرانيا بصورة كبيرة، والحقيقة هي أن الصواريخ الباليستية أكثر صعوبة في إسقاطها، وانخفض مخزون روسيا منها وأصبحت تستخدمها على نحو أقل من صواريخ "كروز".

وفي حال نشوب حرب مع إسرائيل، ستكون الصواريخ متوسطة المدى غير ذات جدوى لإيران التي تقع على بعد آلاف الكيلومترات من إسرائيل، بينما تحتاج روسيا إما إلى صواريخ تكتيكية تشغيلية أو صواريخ قصيرة المدى يصل مداها إلى 500 كيلومتر. بالتالي فإن هذه الإمدادات لن تؤثر في قدرة إيران على إطلاق النار على إسرائيل.

وعلى هذه الخلفية، تحدث نتنياهو مرة أخرى عن احتمال إلغاء توريد أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية "باتريوت" إلى أوكرانيا ونقلها إلى بلاده. لكن النظام الإسرائيلي مزعج للغاية للكرملين بسلوكه المشاكس الذي يحاول في كل مرة التملص من وعوده بعدم تزويد أوكرانيا بالأسلحة، مما قد لا ينجح هذه المرة.

تصعيد خطر

تعتقد الاستخبارات العسكرية الروسية بأن اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" وقائدها الميداني في غزة يحيى السنوار الأربعاء الماضي، قد يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير نهائياً بين طهران وتل أبيب، وتتوقع أن تبدأ جولة جديدة من التوتر في الشرق الأوسط، بسبب قلق إيران من تحولات دراماتيكية في قطاع غزة بعد غياب السنوار الذي يعتبر رجل الحرس الثوري الأقوى داخل الحركة التي تتجاذبها مراكز قوى عدة ومصادر تمويل.

وفي الكرملين، أصبحت مسألة تسريع النقل المحتمل للصواريخ إلى إيران محل تجاذب داخل أروقة القصر الرئاسي، فهناك فريق يتزعمه مستشار الرئيس للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف يعتبر أن نقل الدفاعات الجوية والمقاتلات إلى إيران في هذا التوقيت قد يكون خطراً للغاية، لدرجة أنه يمكن أن يضفي مزيداً من التوتر على السياسة الخارجية بين موسكو وواشنطن.

ففي أوائل سبتمبر (أيلول)، كان الرئيس جو بايدن يفكر في منح أوكرانيا الإذن باستخدام الصواريخ الأميركية ضد أهداف في روسيا، وهو قد يتخذ من التسليح الروسي لإيران بأنطمة حديثة متطورة ذريعة لمنح كييف الإذن بضرب الأراضي الروسية بالصواريخ الغربية التي يتم تزويدها بها.

ثم اتهمت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا إيران رسمياً بتزويد روسيا بصواريخ باليستية، وبحسب المعلومات التي ظهرت في الصحافة، فإن هذه الصواريخ وصلت بالفعل إلى روسيا.

صاروخ إطلاقه من مركبة إطلاق متنقلة في مناورة عسكرية بإيران (أ ف ب)

 

ومع ذلك، لم تحصل كييف أبداً على إذن غربي بضرب أهداف في روسيا، لكن موسكو أيضاً لم تستخدم الصواريخ الإيرانية في أوكرانيا، وصرحت إيران رسمياً بأنها لم تنقلها إلى روسيا.

وتعتبر الطائرات المقاتلة والصواريخ الباليستية أكبر عمليات التسليم الفاشلة التي أصبحت معروفة بسبب تسرب المعلومات إلى الصحافة، لكنها تظهر أن إمكانات التعاون العسكري التقني بين إيران وروسيا كبيرة ويمكن أن تؤثر في الوضع الإقليمي.

ومع ذلك، فإن مثل هذا التعاون يؤثر في مصالح إسرائيل التي تربطها بروسيا علاقات، إن لم تكن قريبة، ففي الأقل لم تتضرر بشدة كما هي الحال مع دول الغرب السياسي الأخرى.

ولم تقُم إسرائيل حتى الآن بتزويد أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة، في الأقل بصورة علنية، على رغم وجود طلبات من القيادة الأوكرانية منذ فترة طويلة.

وتهتم كييف بأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية عالية الفاعلية مثل القبة الحديدية، ومن غير المرجح أن تنقل إسرائيل أنظمة الدفاع الجوي من جيشها الذي هو بأمس الحاجة إليها في الوقت الراهن إلى أوكرانيا، لكن هناك بطاريتين متوافرتين بالفعل في الولايات المتحدة يمكن نقلهما إلى الأوكرانيين بموافقة الإسرائيليين .

وفي فبراير (شباط) 2023، قال نتنياهو إنه قد يفكر في تقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا من دون تحديد نوعها، ومع ذلك لم يتم حل هذه المشكلة بعد.

كما أن العلاقات بين إسرائيل وروسيا معقدة أيضاً بسبب حقيقة أن الطائرات العسكرية للبلدين تعمل جنباً إلى جنب في سوريا، حيث تحلق الطائرات العسكرية غالباً قرب بعضها بعضاً في الجو.

ويتعين على الجانبين باستمرار تنسيق أعمالهما لمنع وقوع حوادث مثل إسقاط طائرة تجسس روسية عام 2018. وقد أسقطتها الدفاعات الجوية السورية عن طريق الخطأ، لكن روسيا زعمت أن هناك مقاتلات إسرائيلية اختبأت خلفها فأطلق السوريون النار عليها.

إن العلاقات الدولية لبلدان الشرق الأوسط منسوجة على شكل كرة ضيقة لدرجة أن أي تدخل مكثف سيستلزم سلسلة من ردود الفعل ومن المشكلات مع البلدان الأخرى، وعلى أية حال، من الواضح أن موسكو وطهران حاولتا مناقشة التفاصيل كافة قبل تصاعد الأوضاع في المنطقة.

وفي الـ30 من سبتمبر (أيلول) الماضي، توجه رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين إلى طهران في زيارة، وبحسب صحيفة " فيدوموستي" الروسية، كان من المقرر خلال الزيارة بحث نطاق التعاون الروسي- الإيراني بأكمله، ولكن تم إيلاء اهتمام خاص للمشاريع المشتركة الكبيرة في مجال النقل والطاقة والصناعة والزراعة، ومن غير المعروف ما إذا كان هذا يعني تبادل التكنولوجيا العسكرية.

فإسرائيل كانت وما زالت واثقة من قدرتها على مهاجمة القوات الإيرانية في سوريا حتى بعدما سلّمت روسيا، دمشق شريكة إيران، نظام دفاع جوي متقدماً نصبته بالأراضي السورية في وقت سابق.

وفي مقابلة مع الخدمة الفارسية لإذاعة "صوت أميركا" في القدس، قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي للشؤون الدبلوماسية آنذاك مايكل أورين إن "نقل نظام ’أس-300‘  الروسي سيخلق مشكلة، لكن يمكن التغلب عليها".

عناصر من الحرس الثوري (أ ف ب)

 

وتابع أورين أن "إسرائيل تغلبت منذ إنشائها عام 1948على مثل هذه المشكلات، وسنتغلب على هذا إذا اضطررنا إلى ذلك."

ومع ذلك، قال رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين في مقابلة حديثة مع الخدمة الفارسية لإذاعة "صوت أميركا" في تل أبيب، إن إيران لا يمكنها الاعتماد على بطاريات "أس-300" الجديدة في سوريا لحماية قواتها وأجوائها.

ويستبعد المدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أروين يادلين أن "يكون الروس يريدون تحدي القوات الجوية الإسرائيلية التي تتمتع بقدرات جيدة للغاية".

والهدف الاستراتيجي لروسيا هو تحقيق الاستقرار في سوريا، وإن أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تشهدها موسكو هو زيادة عدم الاستقرار. لذا، بناءً على معرفتي بعقلية القادة في موسكو، أستطيع أن أقول إنهم لن يسمحوا لجيشهم بفتح النار على الإسرائيليين".

وكشف أورين عن أن الجيشين الإسرائيلي والروسي يحافظان على اتصالات يومية على مستوى نائب رئيس الأركان لتجنب المواجهة بين قواتهما، قائلاً "سنبذل كل ما في وسعنا لمنع حدوث ذلك"، وأضاف "نحن لسنا مهتمين على الإطلاق بالمواجهة العسكرية مع روسيا".

إسرائيل

أعلنت إسرائيل أنها مستعدة للدفاع عن نفسها وسترد بكل تأكيد على ما سمته العدوان الإيراني عليها، وبحسب موقع "واي نت"، ناقش نتنياهو في اجتماع عقد مع قادة الأجهزة الأمنية في البلاد إمكان شن ضربة استباقية على إيران لمنع هجوم وشيك. وفي الخامس من أغسطس الماضي قال وزير الدفاع يوآف غالانت إن البلاد يجب أن تكون مستعدة للهجوم بسرعة في حال وقوع هجوم إيراني.

وفي مطلع أكتوبر الجاري، نفذت إيران هجوماً مباشراً غير مسبوق على إسرائيل، في ما قالت إنه رد على مقتل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله في بيروت بغارة جوية، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران. وتم اعتراض نحو نصف الموجة المكونة من نحو 180 صاروخاً باليستياً من قبل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية بالتعاون مع الولايات المتحدة وعدد من حلفائها في المنطقة. ولم يسبب الهجوم سوى أضرار مادية في المطارات التي استهدفها. وقبل ذلك الوقت، يبدو أن إسرائيل ردت على هجوم إيران في أبريل الماضي بضرب نظام "أس-300" قرب منشأة نووية في إيران، على رغم أنها لم تؤكد ذلك.

وجاءت قصة "ذا تايمز" حول طلب إيران التي تستعد لصراع محتمل مع إسرائيل، مساعدة عسكرية من روسيا، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي متقدمة، لتؤكد ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مصادر. ووفقاً لهم، بدأت موسكو بالفعل بتزويد إيران بالرادارات ومعدات أنظمة الدفاع الجوي، فيما لم تعلق السلطات في البلدين على هذه المعلومات.

وتثير الصحافة الغربية عامة مسألة تزويد روسيا لإيران بأسلحة حديثة ومنظومات دفاع جوي، بعد أن ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أن الرئيس مسعود بزشكيان أخبر مسؤولاً روسياً كبيراً زائراً أن طهران عازمة على توسيع العلاقات مع "شريكتها الاستراتيجية روسيا". ونقلت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية عن بزشكيان قوله لأمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إن "روسيا من بين الدول التي دعمت الشعب الإيراني في الأوقات الصعبة".

 

وفي تصريحات أخرى خلال لقائه مع شويغو، قال بزشكيان إن الأعمال الإجرامية الإسرائيلية في غزة واغتيال هنية في طهران "أمثلة واضحة على انتهاك جميع القوانين والأعراف الدولية".

ونقلت وسائل الإعلام عن بزشكيان قوله إن المواقف المشتركة لإيران وروسيا "في الترويج لعالم متعدد الأقطاب ستؤدي بالتأكيد إلى قدر أكبر من الأمن والسلام العالميين". وكان شويغو المقرب من بوتين يشغل منصب وزير الدفاع الروسي قبل إحالته إلى مجلس الأمن في مايو (أيار) الماضي.

وفي وقت سابق، بثت قناة "زفيزدا" التلفزيونية الروسية اجتماعه مع الأدميرال علي أكبر أحمديان، وهو قائد كبير في الحرس الثوري وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي.

وتنقل مصادر روسية عن مسؤولين إيرانيين مطلعين على عملية التخطيط العسكري، تأكديهم أن بزشكيان أثار بإلحاح موضوع إمداد بلاده بأسلحة تحتاج إليها بصورة طارئة مباشرة مع فلاديمير بوتين أثناء اجتماعه معه لأكثر من ثلاث ساعات في مدينة عشق آباد عاصمة تركمانستان في الـ11 من أكتوبر الجاري، وتؤكد هذه المصادر أن روسيا بدأت بالفعل بتزويد إيران بالرادارات المتقدمة وأنظمة الدفاع الجوي في اليوم التالي.

وبعد تهديد إسرائيل بردّ دقيق وموجع على هجوم إيران الصاروخي عليها مطلع أكتوبر الجاري،  أبلغ ثلاثة مسؤولين إيرانيين الكرملين بأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أمر بشنّ هجوم مباشر ومؤلم على إسرائيل، إذا ما تجرأت على مهاجمة بلاده. ونقلت صحف روسية عن دبلوماسي إيراني أن رد إيران على مهاجمتها سيكون "صارماً وسريعاً".

وعلى هذه الخلفية، أمر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بناء على توجيهات الرئيس جو بايدن،  بنشر منطومات "ثاد" للدفاع الجوي في إسرائيل، وكذلك نشر طرادات ومدمرات إضافية قادرة على الدفاع الصاروخي الباليستي في مناطق القيادة المركزية الأوروبية والأميركية، فضلاً عن نشر سرب مقاتلات إضافي في الشرق الأوسط.

وقبل ذلك، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن إيران تقوم بأعمال تحضيرية نشطة كجزء من هجوم وشيك على إسرائيل. وكما تشير الصحيفة، فإن البيت الأبيض يشعر بالقلق من أن الهجوم قد يكون مصحوباً بضربات من وكلاء طهران في المنطقة وخارجها.

توقيع معاهدة شراكة استراتيجية بين إيران وروسيا قريباً

وكشف السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي إنه سيتم التوقيع على اتفاق شراكة استراتيجية شاملة بين روسيا وإيران خلال زيارة بزشكيان إلى موسكو.

وأضاف جلالي خلال مقابلة صحافية أمس الجمعة أن "هذه الوثيقة كانت جاهزة للتوقيع في قازان (خلال قمة ’بريكس‘ بين الـ22 من أكتوبر الجاري والـ24 منه)، لكن رئيسي البلدين اتفقا خلال اجتماع في عشق آباد على أن يتم إبرامها خلال الزيارات الثنائية. وعلى خلفية ذلك، دعا بوتين نظيره الإيراني إلى زيارة موسكو" في موعد قريب.

وفي وقت سابق، أكد نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو عدم وجود أي عوائق سياسية أمام توقيع المعاهدة حول الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران خلال قمة "بريكس" في قازان. وقبل ذلك، أعلن رودينكو عن إنجاز العمل على صياغة نص المعاهدة، متوقعاً توقيع الوثيقة في وقت قريب.

تقييم الخبراء الروس لقوة إيران

نظام الدفاع الجوي الإيراني قوي للغاية، فالمعدات الموجودة في الخدمة لهذا البلد "تسمح له بمحاربة جميع أنواع الطائرات" التي هي، من بين أمور أخرى، في الخدمة مع الجيش الأميركي. وتم تقديم هذا التقييم إلى روسيا، تحديداً من قبل قائد قوات قيادة القوات الخاصة الروسية العقيد جنرال يوري سولوفيوف.

وأشار سولوفيوف إلى أن الدفاع الجوي الإيراني مسلح بصورة أساسية بمعداتنا، أي المعدات الروسية، وهناك أنظمة فرنسية، إضافة إلى أنظمة من دول أخرى، بحسب ما ذكرت وكالة "إنترفاكس"، قائلاً "دعونا لا ننسى أن متخصصي الدفاع الجوي الإيرانيين تم تدريبهم أيضاً في بلادنا".

في الوقت نفسه، قال عسكري آخر رفيع المستوى هو رئيس أركان قيادة القوات الخاصة الفريق سيرغي رازيغريف إنه إذا ضربت إسرائيل أو الولايات المتحدة إيران، فإن الجانب المهاجم ستكون لديه أسلحة أكثر قوة وحداثة.

وفي هذا الصدد، سيكون من الصعب على نظام الدفاع الجوي الإيراني أن يفي بمهمة صد الهجوم. فإذا هاجمت إسرائيل بالاشتراك مع الولايات المتحدة العاصمة طهران، فستكونان قادرتين على ضمان تفوقهما واستكمال المهمة، ولكن ليس من دون خسائر.

وكشف الجنرال رازيغريف عن أنه لا توجد بيانات دقيقة حول القوات التي ستنفذ الضربة، إذا تم تنفيذها، ومن الصعب استخلاص نتيجة لا لبس فيها، مشيراً إلى أن تحليل الصراعات في يوغوسلافيا والعراق يظهر أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية في هذه الدول لم تكُن جاهزة تماماً لتنفيذ المهمات الموكلة إليها.

وفي نهاية عهد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أكملت روسيا بالكامل تسليم أنظمة الدفاع الجوي "تور-أم1" إلى إيران، وأعلن ذلك وزير الدفاع آنذاك سيرغي إيفانوف، مما أثار استياءً وقلقاً كبيراً في الولايات المتحدة وإسرائيل. واعتبرت وزارة الخارجية الأميركية بصورة مباشرة في ذلك الوقت أن روسيا باعت أسلحة لدولة "تدعم الإرهاب".

وتعتقد موسكو بأن الاتفاق لا ينتهك قرارات الأمم المتحدة ويستند إلى القواعد الدولية، وقال النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي آنذاك سيرغي إيفانوف "إذا كانت إيران بحاجة إلى أسلحة دفاعية، فنحن مستعدون"، وأكد وزير الدفاع أن "تور-أم1" هو سلاح دفاعي بحت.

إسرائيل أولوية لأميركا قبل أوكرانيا

واعتبر مسؤول روسي أخيراً أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تلقى صفعة مدوية أخرى على وجهه لعدم حصوله على نظام الدفاع الجوي المطلوب لبلاده، في حين أكدت وزارة الدفاع الأميركية شحن بطارية الدفاع الصاروخي "ثاد" إلى إسرائيل، إذ صرح بذلك سفير وزارة الخارجية الروسية روديون ميروشنيك.

وقال ميروشنيك، "ستتسلم إسرائيل نظام دفاع جوي أميركياً، أما أوكرانيا فستنتظر. وبعد إلغاء لقاء "رامشتاين" مع الرئيس الأميركي جو بايدن، تلقى زيلينسكي صفعة مدوية أخرى على وجهه. وكتب الدبلوماسي في قناته على "تيليغرام"، "قررت الولايات المتحدة على الفور تخصيص نظام اعتراض ’ثاد‘ لإسرائيل".

وأشار ميروشنيك إلى أن جميع "مطالب زيلينسكي بإمداد كييف بصورة فورية بصواريخ باتريوت للدفاع الجوي ظلت من دون إجابة واضحة من واشنطن، لكن الرد على تل أبيب جاء سريعاً للغاية، والجواب إيجابي".

وفي الثامن من أكتوبر الجاري، قرر الرئيس الأميركي تأجيل رحلته إلى ألمانيا وأنغولا التي كانت مقررة في الفترة من  الـ10 إلى الـ 15 من الشهر نفسه، بسبب اقتراب إعصار "ميلتون" الفائق القوة من الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، لم يتم عقد اجتماع فريق الاتصال المعني بالمساعدة العسكرية لأوكرانيا الذي كان من المقرر عقده السبت الماضي في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا.

والسبت الماضي كذلك، أفادت بوابة "واي نت" الإخبارية بأن الولايات المتحدة ستنقل بسرعة نظام الدفاع الصاروخي "ثاد" إلى إسرائيل، وأكد البنتاغون هذه المعلومات الأحد الماضي.

وصمّم نظام "ثاد" الأرضي لاعتراض الرؤوس الحربية للصواريخ الباليستية خلال المرحلة الأخيرة من مسار منتصف الرحلة وعند الاقتراب من الهدف. وهو مصمم لحماية القوات وكذلك المدن والمنشآت المهمة من الصواريخ الباليستية، القصيرة المدى والاستراتيجية.

وتعاني إسرائيل نقصاً في الصواريخ الاعتراضية اللازمة لتعزيز الدفاع الجوي للبلاد وصد الهجمات من إيران وذكرت ذلك صحيفة "فايننشيال تايمز"، نقلاً عن قادة الصناعة وأفراد عسكريين سابقين ومحللين إسرائيليين.

ووصفت المتحدثة السابقة باسم البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول، مشكلة هذه الأنواع من الأسلحة بأنها "خطرة". ووفقاً لها، إذا شنت إيران هجوماً واسع النطاق على إسرائيل، فإن "الدفاع الجوي الإسرائيلي سيكون عاجزاً لوحده عن صده".

وقال بوعز ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية التي تنتج صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية لاعتراض الصواريخ الباليستية لصحيفة "فايننشيال تايمز" إن موظفي الشركة يعملون في ثلاث نوبات. "تعمل بعض الخطوط 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع. وأكد أن هدفنا هو الوفاء بجميع الالتزامات"، معترفاً بأن إسرائيل "بحاجة إلى إعادة إمداد" بالأسلحة والذخائر.

وأشار أحد المحللين والموظف السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية إيهود إيلام إلى أنه "أثناء الهجوم (من إيران، عندما تم إطلاق أكثر من 100 صاروخ على إسرائيل) في الأول من أكتوبر الجاري، كان هناك شعور بأن الجيش الإسرائيلي احتفظ بعدد من الصواريخ الاعتراضية لاستخدامها في حال قيام إيران بإطلاق صواريخ أخرى على تل أبيب"،

ووصفها بأنها "مسألة وقت" عندما يتعين على إسرائيل تحديد أولويات مكان استخدام الصواريخ.

وكما أوضحت صحيفة "فايننشيال تايمز"، تستخدم إسرائيل نظام دفاع جوي ثلاثي المستويات لصد الهجمات. وهكذا، أسقط نظام القبة الحديدية صواريخ قصيرة المدى وطائرات من دون طيار أطلقت من غزة. واعترض نظام "مقلاع داوود" صواريخ أثقل أطلقت من لبنان، كما اعترض نظام "أرو" صواريخ باليستية مقبلة من إيران.

وقد لا يوفر نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "القبة الحديدية" المستوى اللازم من الحماية لأنه غير مصمم لاعتراض بعض الطائرات من بدون طيار والصواريخ الإيرانية، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".

وتشير الصحيفة إلى أن القبة الحديدية تسمح لإسرائيل بإسقاط الصواريخ قصيرة المدى بصورة فاعلة وحماية المناطق المأهولة بالسكان من قذائف حركة "حماس" الفلسطينية، لكن قدرات إيران و"حزب الله"، "مسألة مختلفة تماما".

وبحسب "وول ستريت جورنال"، تمتلك إيران مخزوناً من الطائرات من دون طيار والصواريخ الباليستية التي لن تتمكن إسرائيل من إيقافها إلا بمساعدة أميركية. وإضافة إلى ذلك، يمتلك "حزب الله" أيضاً ترسانة مكونة من عشرات آلاف الصواريخ، بما في ذلك الصواريخ الموجهة بدقة التي يمكن أن يؤدي إطلاقها إلى زيادة العبء على نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي.

وتوضح الصحيفة أنه بمشاركة واشنطن، تم إنشاء نظام دفاع جوي واسع النطاق لإسرائيل، شاركت فيه القوات الجوية الإسرائيلية والولايات المتحدة ودول أخرى، إضافة إلى أنظمة الرادار في الدول المجاورة. ويتم تنسيق عمل هذا النظام بصورة أساسية من قبل القيادة المركزية الأميركية، مما يسمح لإسرائيل بالتفاعل حتى مع تلك الدول العربية التي لا تقيم معها علاقات دبلوماسية.

وفي سياق متصل، كشفت صحيفة "فايننشيال تايمز"، نقلاً عن مسؤولين في الصناعات العسكرية والأمنية وضباط سابقين وخبراء، عن أن "إسرائيل تواجه نقصاً كبيراً في الصواريخ الاعتراضية"، مما يفسر الشروع في إرسال منظومة "ثاد" الأميركية المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية وقوى بشرية لتشغيلها في إسرائيل تحسباً للرد الإيراني.

وطبقاً لما نقلته الصحيفة البريطانية عن المسؤولة السابقة عن ملف الشرق الأوسط في وزارة الدفاع الأميركية دانا سترول، فإن "مشكلة الذخيرة في إسرائيل جدية بالفعل، وإذا ردت إيران على هجوم إسرائيل وانضم ’حزب الله‘ إليها، فستواجه الدفاعات الجوية الإسرائيلية مأزقاً كبيراً"، وأوضحت أن كميات الصواريخ الاعتراضية التي توفرها واشنطن لتل أبيب عبر إرساليات عسكرية "ليست غير محدودة"، إذ بحسبها "ليس بإمكان الولايات المتحدة تزويد كل من أوكرانيا وإسرائيل بالتوازي بالوتيرة القائمة نفسها. لقد وصلنا بالفعل إلى نقطة تحول".

في المحصلة يعتبر السكرتير السابق لهيئة التطوير والتسليح في الحرس الثوري إبراهيم رستمي أن إيران تمتلك أسلحة قوية للغاية، وقال "لدينا معدات متفوقة بكثير على الأسلحة النووية"، لكنه لم يكشف عن التفاصيل وعما إذا كانت هذه الأسلحة روسية الصنع.

والأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت إن هناك ظروفاً تاريخية في الشرق الأوسط لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

وفي أعقاب ذلك، دعا 39 برلمانياً إيرانياً المجلس الأعلى للأمن القومي إلى التصريح بإنشاء أسلحة نووية بسبب تهديدات إسرائيل. فالعقيدة الدفاعية الإيرانية، بعد فتوى المرشد الأعلى علي خامنئي، تحرم إنتاج الأسلحة النووية لأن هذا يعتبر مخالفاً للإسلام.

ختاماً، فإن العلاقات بين روسيا وإيران تعززت بصورة كبيرة منذ أطلقت موسكو عمليتها العسكرية في أوكرانيا عام 2022، ويعتقد على نطاق واسع بأن طهران تزود روسيا بأسلحة تحتاج إليها في مواجهة الغرب في أوكرانيا، فليس من العجب إذا كانت روسيا تسلح إيران بأنظمة وصواريخ تحتاج إليها إيران لمواجهة إسرائيل حليفة الغرب، لا سيما أن البلدين يخضعان لعقوبات غربية قاسية.