كيف يؤثر نشر "ثاد" بإسرائيل في أميركا وحلفائها؟

آخر تحديث 2024-10-20 16:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

تطالب إسرائيل الولايات المتحدة بإرسال بطارية ثانية لحماية تل أبيب ولم يرد على الطلب بعد   (رويترز)

بعدما نشرت الولايات المتحدة في إسرائيل بطارية "ثاد" للدفاع الجوي ضد الارتفاعات العالية لمساعدتها في صد الصواريخ الباليستية الإيرانية المحتملة بعد انتقام إسرائيلي متوقع قريباً، ثار جدل في "البنتاغون" حول تأثير ذلك في جاهزية الجيش الأميركي وقدرته على حماية البلاد في ظل وجود عدد محدود من هذه البطاريات، كما يمكن أن تثير هذه الخطوة استياء بعض حلفاء أميركا مثل أوكرانيا التي طلبت تزويدها منظومة "ثاد" في ديسمبر (كانون الأول) الماضي من دون تلبية طلبها؟ فما طبيعة هذا التأثير وإلى أي مدى يمكن أن يغير من المواقف الأميركية؟

قلق أميركي

بعدما وصلت منظومة صواريخ "ثاد" بأطقم تشغيلها الأميركية المكونة من 100 فرد إلى إسرائيل وأصبحت قيد التشغيل، ذكرت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي طلب من الولايات المتحدة إرسال بطارية ثانية لحماية إسرائيل في حالة رد فعل إيراني بعد الضربات المضادة الإسرائيلية المتوقعة.

ومع عدم صدور أي تأكيد رسمي حتى الآن يبدو أن الأميركيين مترددون أو غير مرحبين بإرسال بطارية ثانية في ظل الجدل المحتدم في أروقة "البنتاغون" حول ما يشكله ذلك من ضغوط إضافية على قوات الدفاع الجوي للجيش الأميركي والتأخيرات المحتملة في تحديث أنظمة الدفاع الصاروخي. كما تجدد الحديث حول ما إذا كان تدفق الأسلحة المستمر لإسرائيل وأوكرانيا يضر بقدرة الجيش الأميركي على الاستجابة لصراع جديد قد يطرأ في أي وقت وبخاصة في المحيط الهادئ، حيث يحاول الجيش تحويل مزيد من انتباهه، في حالة غزو الصين لتايوان أو أن يؤدي النزاع على الأراضي في بحر الصين الجنوبي إلى شيء أكبر.

وما يثير قلق الأميركيين أن الجيش الأميركي لا يمتلك من "ثاد" سوى سبع بطاريات تم تخصيص أربع بطاريات منها الآن خارج الأراضي القارية للولايات المتحدة (اثنتان في الشرق الأوسط، وواحدة في كوريا الجنوبية، وواحدة في جزيرة غوام الأميركية في غرب المحيط الهادئ)، كما أن البطاريات الثلاث الموجودة في الولايات المتحدة ليست في حالة تسمح بانتشارها بصورة فورية كما يقول بيتر ميتشل خبير الدفاع الجوي في معهد الحرب الحديثة الأميركي، إذ يتم استخدام واحدة في الأقل لاختبارات تحديث النظام ضمن في عملية تكرارية مستمرة.

تململ وإجهاد

وظهر بعض التململ من قبل مسؤولين أميركيين بمن فيهم وزيرة الجيش كريستين وورموث والجنرال راندي جورج رئيس أركان الجيش اللذان تحدثا عن مخاوفهما مع نمو الطلب على بطاريات صواريخ "ثاد" وباتريوت بسبب الحرب في أوكرانيا والصراع المتصاعد بين إسرائيل ومقاتلي "حزب الله" و"حماس" المدعومين من إيران.

وعلى رغم أن نشر نظام "ثاد" في إسرائيل لن يضيف قدراً هائلاً من الضغط على قوات الدفاع الجوي الأميركية، فإن هذه الخطوة تزيد من وتيرة انتشار القوات في وقت حاول فيه "البنتاغون" حصول أفراد الخدمة على وقت كافٍ داخل أميركا من أجل التدريب وإعادة الضبط بين عمليات الانتشار منذ أن هدأت وتيرة حربي العراق وأفغانستان المحمومة، ولهذا يخشى كبار القادة العسكريون أن يؤثر ذلك في قدرة الجيش في الاحتفاظ بالجنود الجيدين في القوة.

وفي حين يعد نشر نظام "ثاد" إشارة سياسية وعسكرية قبل الهجوم الانتقامي المتوقع من إسرائيل على إيران، رداً على وابل الصواريخ الباليستية الذي أطلقته الأخيرة في الأول من الشهر الجاري، فإن إرسال قوات أميركية على الأرض ومعدات نادرة لحرب مفتوحة محتملة في الشرق الأوسط يشكل أيضاً أخطاراً، إذ اعترفت وزيرة الجيش ورموث بأن قوات الدفاع الجوي هي الأكثر إجهاداً من أي قوة أخرى في الخدمة نظراً إلى الطلب المرتفع على أنظمتها.

مقامرة إنهاء التهديد

بينما تمنح منظومة الدفاع الصاروخي "ثاد" الوقت والمرونة لإنهاء التهديد الإيراني أو المغامرة بالتصعيد بدلاً من الدخول في صراع استنزاف طويل الأمد، فإنه من المقلق للأميركيين نفاد مخزونهم من الصواريخ الاعتراضية التي يتم تزويد نظام "ثاد" بها، وفقاً لتوماس كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، وذلك نظراً إلى عدم إنتاج قذائف "ثاد" بأعداد كبيرة سنوياً.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي أشارت شركة لوكهيد مارتن، أكبر شركة سلاح أميركية التي تنتج منظومة "ثاد" إلى أنها سلمت 800 صاروخ اعتراضي لوكالة الدفاع الصاروخي التابعة لوزارة الدفاع الأميركية لتزويد أنظمة "ثاد" السبعة حول العالم، بينما تشكل استراتيجيات "حزب الله" وإيران باستخدام الصواريخ ضغوطاً على الدفاعات الإسرائيلية والأميركية.

وعلى سبيل المثال أطلقت السفن الحربية الأميركية في البحر المتوسط خلال هجوم طهران على إسرائيل في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) ​​​​نحو 12 صاروخاً اعتراضياً من طراز "أس أم 3" وأسلحة أخرى لإحباط الهجوم الإيراني، وهو ما يعادل إنتاج عام كامل بحسب ما تشير البحرية الأميركية.

الغرض من "ثاد"

تم تصميم نظام "ثاد" من شركة "لوكهيد مارتن" لإيقاف الصواريخ الباليستية قصيرة المدى (أقل من 1000 كم) ومتوسطة المدى (من 1000 إلى 3 آلاف كم) وفوق المتوسطة (من 3 آلاف إلى 5500 كم)، وتستطيع ذخائره ضرب أهداف على مسافة تراوح ما بين 150 كم إلى 200 كم على ارتفاع 150 كم، إذ تهدف الصواريخ الاعتراضية إلى ضرب الصواريخ داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض أثناء المرحلة الأخيرة من رحلتها.

 

وتعادل قدرات نظام "ثاد" تقريباً نظام "أرو 2" الإسرائيلي و"أرو 3" الأطول مدى إلى جانب نظام "مقلاع داوود" المتوسط ​​إلى الطويل المدى ونظام القبة الحديدة للتهديدات الأقصر مدى، ولهذا لا يمثل نظام "ثاد" بالضرورة تحسيناً كبيراً في القدرات الدفاعية لإسرائيل، لكن الأهمية تنبع من المساهمة الأميركية للمرة الأولى بقوات على الأرض خلال حرب جارية بالفعل وهو ما يرسل إشارة استراتيجية إلى إيران والقوى الوكيلة لها من مغبة التصعيد، لأن وجود نظام "ثاد" (والأهم من ذلك، الجنود الأميركيون المرافقون) هو رمز واضح للالتزام الأميركي والمصلحة الحيوية للولايات المتحدة في عدم خروج الصراع عن السيطرة.

وإضافة إلى ذلك يعمل نشر نظام "ثاد" على توسيع شبكة واسعة بالفعل من أصول الدفاع الجوي الأميركية في الشرق الأوسط، حيث تمتلك الولايات المتحدة بالفعل رادارات عدة متقدمة من طراز "تي بي واي 2" تعمل ضمن منظومة "ثاد" منتشرة في جميع أنحاء المنطقة منذ أكتوبر 2023 لمراقبة إيران من خلال التتبع والمراقبة بعيدة المدى، ومن خلال نشر بطارية "ثاد" كاملة في إسرائيل نفسها، تعمل الولايات المتحدة على توسيع بصمتها الدفاعية الجوية في إسرائيل بقدرات اعتراضية، وهذا يكمل وظيفة النظام الراداري الأكثر تطوراً في العالم (تي بي واي 2)، مما يقدم قدرة أكثر شمولاً على الكشف والاعتراض في حالة وقوع هجوم.

إحباط أوكراني

وعلى رغم التأثير السياسي والعسكري الذي يتركه منح أميركا نظام "ثاد" الصاروخي لإسرائيل، والذي تبلغ قيمته مليار دولار أميركي، فإنه يمكن أن يولد الإحباط لحلفاء آخرين للولايات المتحدة وعلى رأسهم أوكرانيا التي طلبت من واشنطن في ديسمبر 2023 نظام "ثاد" لاستخدامه ضد صواريخ كينجال وإسكندر الروسية.

ومع ذلك لا تزال كييف بعد مرور ما يقارب عام تنتظر رداً أميركياً لا يبدو أنه سيأتي قريباً في ظل إرسال بطارية إلى إسرائيل ولم يتبق في الولايات المتحدة سوى 3 بطاريات فقط لا توف الحاجات الأمنية الأميركية بصورة كاملة.

وعلى رغم أن نظام "ثاد" يعد الأفضل في العالم على حد وصف الجنرال الأميركي المتقاعد مارك هيرتلينغ كونه يحوي ست قاذفات، تستطيع كل منها إطلاق نحو ثمانية صواريخ في وقت واحد، مما يزيد بصورة كبيرة من فرص اعتراضها، فإن اليابان لم تستحوذ على نظام "ثاد"، واختارت عام 2017 التركيز على نظام "آيجيس آشور"، نظراً إلى كلفته الأرخص ومساحته الدفاعية الأكبر، لكن بعد ثلاث سنوات، ألغت اليابان خططها لشراء نظام أيجيس آشور، مشيرة إلى كلفته وطبيعته التي تستغرق وقتاً طويلاً.

حلفاء "الناتو"

على رغم أن ألمانيا أعربت عام 2018 عن اهتمامها بالتعاون في مجال الدفاع الجوي الصاروخي مع الولايات المتحدة، وأجرى الجيش الأميركي محادثات أولية مع ألمانيا في شأن نشر نظام "ثاد"، فإن برلين قررت في النهاية شراء "نظام آرو 3" الإسرائيلي بدلاً من "ثاد".

أما الدول الأخرى المنضوية في لواء حلف "الناتو" فلا تمتلك نظام "ثاد" على رغم أن عديداً من الدول القريبة من أراضي حلف شمال الأطلسي تمتلك صواريخ باليستية، أو تحاول تطويرها أو الحصول عليها، كما اتضح التأثير المدمر لهذه الأسلحة طوال حرب روسيا ضد أوكرانيا.

وفي عام 2010 قرر الحلفاء تطوير قدرة الدفاع الصاروخي الباليستي الموسعة لمتابعة المهمة الأساسية للحلف المتمثلة في الردع والدفاع، غير أن هذه القدرة لا تعتمد على نظام "ثاد" لعدة اعتبارات منها أن دول "الناتو" تدرك التهديدات والحاجات الأمنية بصورة مختلفة، وتعمل على تحديث قدراتها الدفاعية الجوية بسرعات مختلفة، بينما تتباين قدرات نظام "ثاد" عن الأنظمة الأخرى، وبدلاً منه تعتمد دول الناتو حالياً على سفن حربية للدفاع الصاروخي تستخدم للتعامل مع التهديدات، فضلاً عن استخدام الطائرات المقاتلة ضمن مبادرة الدرع الجوية الأوروبية وهي مبادرة بقيادة ألمانية تضم النرويج وفنلندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا.

أسباب أخرى

لكن يبدو أن هناك أسباباً أخرى تحد من قدرة الولايات المتحدة على نشر منظومة "ثاد"، من بينها نظام الرادار المرتبط به والذي يعد الأكثر تطوراً في العالم، وهو "تي بي واي 2"، إذ لا يجعل هذا الرادار عمليات إطلاق الصواريخ عديمة الفائدة فحسب، بل يمكنه أيضاً نقل المعلومات حول برامج الصواريخ داخل أراضي الدول المجاورة وإطلاق مهام مراقبة معقدة ومكثفة، ولهذا أصبحت الصين حاملة لواء معارضة انتشار هذا النظام قرب أراضيها، إذ دانت بكين بشدة نشر نظام الدفاع الصاروخي "ثاد" في كوريا الجنوبية بسبب الشكوك في دوره الحقيقي.

وبفضل أجهزة الاستشعار المتعددة الطبقات والرادارات "تي بي واي 2" يمكن لنظام الدفاع الصاروخي الباليستي التعامل مع الهدف بصورة أكثر تكراراً وتتبعه وتمييزه في وقت مبكر، مما يزيد من احتمالية اعتراضه بنجاح، ويمكنه العمل بمفرده أو بالترادف مع أجهزة استشعار أخرى، وإرسال بيانات الهدف إلى نظام القيادة والتحكم حتى تتمكن أجهزة الاستشعار الأخرى من استخدامه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الصين وروسيا

وأثار نظام الرادار "تي بي واي 2" مخاوف في بكين لأنه يمكنه مراقبة عمليات إطلاق الصواريخ في دائرة نصف قطرها 1500 إلى 2000 كيلومتر، ولهذا انتقدت الصين استخدامه من قبل كوريا الجنوبية عام 2016، كأداة مراقبة وليس لأغراض دفاعية، حتى إنها فرضت عقوبات تجارية وثقافية أسفرت عن خسائر اقتصادية كبيرة.

ولاحظ المحللون أن نشر النظام يشكل مشكلة صعبة بالنسبة إلى الصين التي تشعر بالقلق من أن القدرات المتقدمة للرادار قد تمكن الولايات المتحدة من إجراء مراقبة على الأنشطة الصاروخية الصينية، ولم تكن الصين هي الخصم الوحيد الذي أزعجه رادار "تي بي واي 2"، فعندما طلبت أوكرانيا من الولايات المتحدة بطارية "ثاد" لتعزيز دفاعها الجوي ضد الضربات الجوية الروسية، حذرت موسكو واشنطن وطالبتها بعدم تدهور الوضع أكثر.

وفيما أشارت بعض التقارير إلى أن أوكرانيا طلبت من الولايات المتحدة نشر كتائب عدة من قاذفات الدفاع الصاروخي المتحركة المضادة للصواريخ الباليستية "ثاد" المزودة رادارات قرب خاركيف على الأراضي الأوكرانية، أصبح رادار "تي بي واي 2" يشكل تهديداً لروسيا لأن الرادار أصبح قادراً على تتبع الوضع الجوي الفضائي فوق جزء كبير من الأراضي الروسية وسيمكن كييف وحلفائها في حلف "الناتو" من النظر بعمق في أراضي روسيا لمسافة تصل إلى 1000 كيلومتر. كما تم نشر "تي بي واي 2" في ألاسكا كجزء من تطوير الدفاع الصاروخي الوطني للولايات المتحدة، مما أثار رد فعل قوياً من الرئيس فلاديمير بوتن، الذي صرح عام 2017 بأن وجود نظام مضاد للصواريخ الأميركية في ألاسكا وكوريا الجنوبية يمثل تحدياً لروسيا.