سمحت هذه الشبكة لطهران بتهريب الخام وحققت مليارات الدولارات من العوائد (اندبندنت عربية)
تمتلك إيران شبكة سرية واسعة تعمل في تهريب الأموال بمليارات الدولارات، تعود بالنفع على طهران في ظل الضغوط الاقتصادية والعقوبات الدولية، بحسب ما كشفه تقرير مجلة "إيكونوميست" البريطانية.
وبحسب التقرير، فإن إيران ستحتاج إلى هذه الأموال في حال اندلاع حرب مع إسرائيل ليس فقط لشراء الأسلحة، ولكن أيضاً لإعادة تسليح الميليشيات مثل "حماس" و"حزب الله".
ومع أن هذه الأنشطة تعد تحدياً للغرب فإنها أيضاً تمثل تهديداً للأمن العالمي، خصوصاً في ظل استمرار طهران في سعيها نحو تطوير برنامجها النووي.
ازدهار على رغم العقوبات
يتوقع كثر أن تكون إيران تأثرت اقتصادياً بعد أعوام من العقوبات القاسية لكن الواقع يتجاوز هذا الافتراض، فطهران تحول عشرات المليارات من الدولارات سنوياً من مبيعات النفط السرية إلى حسابات بنكية في جميع أنحاء العالم.
هوذا الكنز الضخم والسري استخدم لتمويل هجوم "حماس" على إسرائيل قبل عام وسرب الطائرات المسيرة الروسية في أوكرانيا وبرنامج إيران النووي، وتسبب بالفعل في عديد من الأزمات وقد يكون قريباً مصدراً لأكبر أزمة على الإطلاق، وفقاً للتقرير.
نمو صادرات النفط
قبل ستة أعوام شهدت إيران انهياراً في صادراتها من النفط بسبب العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، لكن منذ ذلك الحين ارتفعت الصادرات بمقدار 12 ضعفاً لتصل إلى 1.8 مليون برميل يومياً خلال سبتمبر (أيلول) الماضي. وبلغت عائدات هذه المبيعات العام الماضي ما بين 35 و50 مليار دولار، مع إضافة من 15 إلى 20 مليار دولار من صادرات البتروكيماويات، لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تحويل هذه الأموال عبر النظام المصرفي العالمي.
وتنتشر منشآت إيران النفطية في أماكن عديدة داخل البلاد وتتنوع ما بين آبار نفط وخطوط أنابيب ومصاف ومعامل تكرير وموانئ ومحطات تصدير ومصانع بتروكيماويات.
وتمتلك طهران أكثر من 208 مليارات برميل من الاحتياطات المؤكدة وتبلغ طاقتها الإنتاجية أكثر من 2.4 مليون برميل يومياً عام 2023، يصدر منها نحو 1.4 مليون برميل يومياً إلى الصين.
قنوات مالية سرية
التقرير الذي أجرته "إيكونوميست" استناداً إلى معلومات من مصادر عديدة، بما في ذلك مسؤولون سابقون ومحللو الاستخبارات، كشف أن طهران أسست قنوات مالية سرية تمتد من منصات النفط إلى الخزائن الافتراضية للبنك المركزي.
وتلعب الصين المشتري الرئيس للنفط الإيراني دوراً محورياً في هذا النظام إذ تعد المهندس الأساس لهذا النظام والمستفيد الرئيس منه، فيما تستخدم البنوك العالمية والمراكز المالية غالباً من دون علمها كعناصر أساس في هذا النظام.
ووفقاً لمصدر مطلع على الحسابات الإيرانية فإن طهران كانت تمتلك 53 مليار دولار و17 مليار يورو (19 مليار دولار) وأموالاً أخرى من العملات الأجنبية في الخارج، حتى يوليو (تموز) الماضي.
العقوبات الأميركية
وأوضح التقرير أنه على رغم فرض أكبر مجموعة من العقوبات الأميركية على إيران فإن تطبيق هذه العقوبات تراجع خلال الأعوام الأخيرة، مما أسهم في تعميق الشبكة المالية الإيرانية، وهذه العقوبات تستهدف قطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني، ومع ذلك تمكنت طهران من التغلب على الحظر بصورة كبيرة بفضل مساعدتها من شركاء مثل الصين.
لذا من الناحية النظرية، يمكن لمعظم الدول التعامل مع إيران لكن في الواقع قلة قليلة تفعل ذلك علناً، إذ تمنع الولايات المتحدة شركاتها ليس فقط من التجارة مع طهران بل أيضاً من التعامل مع أجانب يتعاملون معها عن علم.
ومن الصعب خصوصاً على الحكومة الإيرانية تلقي وتحريك الدولار الأميركي، إذ تجب تصفية أية معاملة بالعملة الخضراء في نهاية المطاف عبر بنك في الولايات المتحدة تقريباً داخل أي مكان في العالم.
نظام الخام المعقد
ولفت التقرير إلى أن النفط يعد صورة بديلة من السيولة في إيران إذ تسوق القوات المسلحة النفط بمليارات الدولارات، وفي موازنة العام الماضي سمح للقوات المسلحة ببيع خام بقيمة 4.9 مليار دولار وحصل الحرس الثوري الإيراني على كميات ضخمة من هذه المبيعات غالباً بصورة غير رسمية. ويقول مسؤول إيراني سابق إن "فيلق القدس" الجناح الخارجي للحرس الثوري حصل على 12 مليار دولار من هذه المبيعات خلال عام 2022.
وتدير كل من هذه الكيانات قنوات بيع متميزة وتستخدم شركات وهمية في الخارج لتسويق النفط الإيراني، وهو ما يعكس مشهداً معقداً يشبه في بعض جوانبه عمليات "كارتلات المخدرات" لتسويق المنتجات وإعادة تدوير العائدات في مشاريع أخرى مظلمة غالباً عبر أعمال تجارية تبدو شرعية، لذلك فإن نظام النفط الخفي في إيران تحكمه القوانين بقدر ما تحكمه التهديدات، والمهمة هي بناء شبكة معقدة لخداع القائمين على تطبيق العقوبات.
وتمتلك شركة النفط الوطنية الإيرانية "نيوك" الحكومية احتكاراً للإنتاج، فيما تعمل شركة نفط إيران للتجارة الدولية التابعة لها ومقرها سويسرا على تسويق النفط في الخارج.
ومع ذلك يخصص جزء متزايد من النفط للوزارات الإيرانية والمنظمات الدينية وحتى صناديق التقاعد لتبيعها بنفسها. ويقول مسؤول أميركي سابق "الأمر أشبه بالعصور الوسطى، إذ يجرى منح الإقطاعيين قطعاً من المملكة"
وعلى رغم أن "نيوك" والحرس الثوري كثيراً ما يقدمان خدماتهما للآخرين، لكن في بعض الأحيان تدير شركة وهمية العملية بأكملها وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، إذ تدير الشركة التي تدعى "صحرا ثاندر" (Sahara Thunder) في إيران مبيعات لمصلحة القوات المسلحة، بينما تتظاهر بأنها شركة تجارية خاصة.
وغالباً ما توكل إيران مبيعاتها إلى طرف ثالث في الخارج مثل شركة "ASB" التركية بحسب ما ذكرت وزارة العدل الأميركية، لكن طهران تصر على الحصول على ضمانات. ووفقاً لعقد مسرب بين "ASB" وقائد في الحرس الثوري نقلت شركة "Baslam" وهي شركة فرعية لـ"ASB" 51 في المئة من أسهمها إلى "فيلق القدس" حينما بدأت العمل معهم.
كيف تجرى عملية التهريب؟
بحسب التقرير فإن شركات وهمية تعمل على توفير ناقلات النفط والتي تغير أسماءها وتستخدم تقنيات لتجنب الرصد، وتصدر الحمولة من موانئ إيرانية وتعالج في دول مثل العراق وعمان حيث تنقل حمولتها إلى سفينة جديدة، وقد يحدث شحن آخر قبالة سواحل ماليزيا أو سنغافورة قبل أن تتجه الحمولة إلى الصين وتجرى مراقبة كل مرحلة من الصفقة بعناية، مع استخدام شهادات منشأ مزيفة لتضليل الجهات المعنية.
وتظل المهمة الأولى للبائعين هي العثور على مشتر، وعلى رغم أن بكين تشتري 95 في المئة من صادرات النفط الخام الإيرانية فإن الشركات الحكومية الصينية الحذرة من العقوبات لا تريد التعامل مع النفط، لذلك يتعين على ثلاث أو أربع شركات وهمية إيرانية استكشاف السوق.
ووفقاً لتقرير "إيكونوميست" فإن هناك أكثر من 100 شركة وهمية تعمل على توفير ناقلات النفط معظمها سفن قديمة مسجلة في بنما، وهي ميناء متساهل، وغالباً ما يجرى تغيير أسمائها للتلاعب بأجهزة التتبع، لتبدأ السفن بتحميل النفط في أحد الموانئ التصديرية الإيرانية.
وتظهر القصة حتى الآن مدى اعتماد بقاء إيران الاقتصادي على الصين، ويتضح هذا الاعتماد أكثر في الفصل المقبل إذ تؤمن طهران بأنها وجدت أقوى حليف لها في محور مناهض للغرب.
لكن في المقابل فإن بكين تهتم في الأساس بصفقة جيدة وتستغل ضعف الموقف الإيراني، فتقدم لها المساعدة طالما لا تخاطر بحرق جسورها المهمة مع واشنطن، التي تعد منافستها الجيوسياسية وأكبر شريك تجاري لها في الوقت نفسه، وهكذا تهيئ الظروف المثالية لازدهار تهريب إيران من دون أن تظهر رسمياً أنها متورطة.
البنوك السرية الإيرانية
يتميز النظام المصرفي الإيراني بالبراعة البيروقراطية، إذ تدير أكبر شركات النفط الإيرانية مكاتب صرافة تتعامل مع التحويلات المالية عبر منصات إلكترونية، وعلى رغم ارتفاع الكلفة تبقى الشبكة قوية، إذ تظهر شركات جديدة بسرعة بعد الكشف عن أخرى، ومع ذلك تعاني الأسر الإيرانية من تداعيات هذا النظام، إذ يتحمل المواطنون الأعباء الاقتصادية في ظل تضخم مستمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحافظ مكاتب الصرافة الإيرانية على سجلات دقيقة من خلال جداول بيانات ضخمة تجمع فيها الأرصدة والديون عبر مئات الشركات الوهمية، ويعمل عملاؤها من الشركات الإيرانية على تسوية الأوضاع من طريق شراء أو بيع دولارات افتراضية عبر منصة إلكترونية تسمى "نيمة"، عادة بأسعار صرف مدعومة.
وعلى رغم أن العملات الصعبة تظل خارج البلاد فإنها في النهاية مملوكة للبنك المركزي الإيراني الذي يدير "نيمة". ويقول مصدر مطلع على كيفية إدارة إيران لدفاترها إن البنك لديه جدول بيانات رئيس يسجل الاحتياطات الافتراضية التي يحتفظ بها في الخارج.
ومع هذه التعقيدات المهدرة فإن الشبكة السرية لإيران تبقى قوية، فعلى رغم كشف الأميركيين عن مئات الشركات المرتبطة بطهران تظهر شركات جديدة بسرعة.
ويقول مؤيدو هذه التدابير غير الحاسمة إنها تحقق الهدف بتقليص إيرادات إيران من مبيعات النفط من دون الإضرار بإمدادات الخام العالمية، لكن المشكلة أن الكلفة يتحملها في الغالب الأسر الإيرانية التي تواجه تضخماً من خانتين، والتجار المستقلون الذين يفتقرون إلى العلاقات اللازمة لتأمين الواردات.
وفي المقابل يستفيد الموالون للنظام ويجمعون الصواريخ، وفي حين أن البلد يقترب من بناء أسلحة نووية تعد مغسلة الأموال الإيرانية إهانة للغرب ونعمة للصين وتهديداً للعالم، وفق التقرير.