يرى مراقبون للمشهد السوري أن وتيرة الاغتيالات زادت بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، لا سيما منذ اندلاع حرب إسرائيل ضد "حزب الله" (اندبندنت عر بية)
لا يهدأ التصعيد الإسرائيلي باتجاه العاصمة السورية دمشق في الفترة الأخيرة، وبالذات في مناطق محددة باتت أكثر عرضة للاستهداف، كما أن حرب الاغتيالات من جانب واحد لم تنتهِ فصولها في حي المزة السكني وحي كفرسوسة في دمشق. وبين الحين والآخر تهتز العاصمة السورية على قصف يطاول المباني السكنية وهجمات لا تكف عن تعكير هدوئها.
بين المباني السكنية
آخر تلك العمليات جرى الخميس في الـ24 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، حين استُهدف مبنى سكني في حي كفرسوسة لقي على إثره جندي سوري مصرعه وأصيب سبعة أشخاص آخرون، بالتزامن مع قصف نقطتين عسكريتين في ريف حمص (وسط البلاد). ويأتي استهداف كفرسوسة في وقت لم تمضِ أيام على استهداف مشابه في حي المزة لسيارة تقل شخصين أدى إلى مصرعهما، الإثنين في الـ21 من أكتوبر الجاري وأعلنت تل أبيب بعده عن اغتيال قيادي بارز في "حزب الله" مسؤول عن عمليات التحويلات المالية.
وتكرر سيناريو الاغتيال بالطريقة نفسها في الحيين السكنيين اللذين يُعدّان من الأحياء السكنية الراقية، حيث توجد مقار استخباراتية ودبلوماسية وحكومية فضلاً عن هيئات المنظمات الأممية والدولية. ومن أبرز الاغتيالات في المزة، ما حدث في الأول من أكتوبر الجاري حين استهدف أربعة أشخاص أبرزهم حسن جعفر القصير، صهر الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله.
تكتيك مختلف
ويرى مراقبون للمشهد السوري أن وتيرة الاغتيالات زادت بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، لا سيما منذ اندلاع حرب إسرائيل ضد "حزب الله" في سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ كثفت تل أبيب هجماتها على دمشق وريفها. وبات واضحاً التغير في نوعية الاستهداف، إذ تتجه نحو اغتيال الشخصيات واستخدام أسلوب نوعي في اختيار قياديين في الأحزاب الموالية لإيران مقيمين في سوريا عبر صواريخ موجهة. فبعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بدأت القوات الإسرائيلية تنتقي أهدافاً مباشرة لشخصيات من حركة "حماس" أو "حزب الله" أو شخصيات إيرانية من "الحرس الثوري" و"فيلق القدس" الناشطَين في سوريا.
بنك الأهداف
في المقابل، كانت تل أبيب تعتمد قبل اندلاع عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها "حماس" على هجمات المسيّرات أو الطيران الحربي عبر الجولان أو من الأجواء اللبنانية لتصيب أهدافاً عسكرية إيرانية، أو مواقع تتبع لـ"حزب الله"، من بينها مستودعات الإمداد ونقاط عسكرية في سوريا.
بالتالي يمكن ملاحظة هذا التغير في بنك الأهداف، بخاصة في ظل ما يسري من حديث عن اختراقات أمنية واسعة في البيت الداخلي لقيادات الميليشيات الموالية لإيران في كل من سوريا ولبنان، مما دفعها إلى تقليص نشاطها إلى أدنى مستوى لها مع تغيير في التكتيك الأمني والميداني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سلسلة هجمات
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ مطلع العام الحالي 2024 عدد الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، فبلغت 121 هجوماً، 99 منها جوية، بينما 22 برية، وأسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 201 هدف ما بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقار ومراكز وآليات.
في الوقت ذاته وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان ما تسببت فيه تلك الضربات من خسائر بشرية، لا سيما مصرع 261 من العسكريين، إضافة إلى إصابة 188 آخرين منهم بجروح متفاوتة، وسجّل المرصد مقتل 25 إيرانياً تابعين للحرس الثوري و50 من "حزب الله" و28 عراقياً و75 سورياً تابعين للفصائل الموالية لإيران، و24 من عناصر الفصائل الإيرانية من جنسيات أخرى، في وقت سقط 57 عنصراً من قوات النظام السوري وشخص واحد مجهول الهوية في حي كفرسوسة.
ولقي 42 مدنياً حتفهم جراء الهجمات الإسرائيلية منذ بداية العام، من ضمنهم عائلة كاملة، طبيب يمني وزوجته وأطفاله الثلاثة، إضافة إلى سيدة وطفل في استهداف لحق بمبنى سكني في حي المزة، ومصرع رجل أعمال مقرب من إيران.
الجار الإيراني
وتُعدّ أحياء كفرسوسة من الأحياء التي بات مطلوباً السكن فيها خلال السنوات الماضية من عمر الصراع السوري الداخلي الذي اندلع عام 2011، تحديداً مع التدخل الإيراني في 2013 حين وصل مستشارون عسكريون إيرانيون لمساندة النظام السوري.
وعملت طلائع الفصائل الإيرانية التي يقدر عددها بما يزيد على 60 ألفاً من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية على حماية الأماكن المقدسة الخاصة بالطائفة الشيعية من هجمات فصائل المتشددين، بينما دخلت فصائل أخرى في الصراع الدائر وتمكنت من فك الحصار عن مدينة حلب شمال سوريا عام 2017، مع التوسع شرقاً في مناطق حدودية مع العراق حماية للطريق الواصل من إيران إلى لبنان.
وفيما اختارت شخصيات قيادية إيرانية أن تقطن في حي كفرسوسة، كان الخيار الثاني الذي لا يقل أهمية هو حي المزة الدمشقي حيث تقع السفارة الإيرانية على الطريق السريع الرئيس للحي الذي تعرض أيضاً لقصف إسرائيلي في الأول من أبريل (نيسان) الماضي، فدمرت الغارة مقراً دبلوماسياً إلى جوار السفارة ويتبع لها، أسفر عن مقتل 16 شخصاً من بينهم القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني محمد رضا زاهدي.
يُذكر أن كفرسوسة حي دمشقي يقع في منطقة تاريخية، وتبعد من مركز العاصمة نحو ثمانية كيلومترات وتعني بالسريانية "مزرعة الخيل"، ومع التوسع العمراني بنيت سلسلة مبانٍ سكنية بطراز عمراني مميز وحديث.
وتعود تسمية حي المزة بالأصل لكلمة يونانية تعني المرتفع عن سطح مدينة دمشق. كما يقال إنه أخذ هذه التسمية نسبة إلى المذاق الحلو لفاكهة التين الشوكي التي اشتهرت بها البساتين الواقعة خلف حي الفيلات الشرقية، وكان المارة يتذوقون الفاكهة ويقولون "مزة" وتعني "طيبة"، أما بالآرامية فتعني الغلال والمؤنة.
وكانت المزة قرية من قرى غوطة دمشق غرب المدينة، وبدأت تكتسب أهمية بعد ازدياد العمران فيها وحين أنشئ على أرضها مطار المزة العسكري، وظل المطار الرئيس في دمشق حتى إنشاء مطار دمشق الدولي، وانقسم إلى أحياء عدة بعد التوسع، إضافة إلى حي المزة القديم الذي يسمى "الشيخ سعد"، ويضم مزة جبل والربوة والجلاء ومزة فيلات غربية ومزة فيلات شرقية وبساتين المزة.