قاعدة للقوات الأميركية في سوريا (رويترز)
تتسع دائرة احتدام المعارك في البادية السورية بين الفصائل الموالية لإيران والقواعد الأميركية، وتزداد حدة بأعقاب التوترات بين طهران وتل أبيب في سياق الرد والرد على الرد مع ما يرافقها من صخب حول المواقع العسكرية والاستراتيجية، ومعها تتجه الأنظار إلى المجموعات المقاتلة الموالية لإيران في كل من سوريا والعراق والدور الذي يمكن أن تؤديها.
على خطوط النار
واستقدمت قوات التحالف الدولية التي تتزعمها الولايات المتحدة تعزيزات عسكرية إلى قاعدة حقل "كونيكو" وشملت مدافع وآليات ثقيلة، وهبطت في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري طائرة شحن محملة بالمعدات العسكرية والصواريخ في قاعدة خراب الجير بريف الرميلان، شمال محافظة الحسكة، وسبق ذلك بيوم وصول 20 شاحنة تحمل معدات عسكرية ولوجيستية وطبية في قاعدة مطار خراب الجير العسكرية.
التعزيزات الأميركية لقوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش" جاءت في وقت ترجح أوساط مراقبة محايدة تكثيف الحراسة في محيط القواعد الأميركية تخوفاً من ضربات من الفصائل الموالية لإيران التي بدأت قبل سنوات من توسيع وجودها في شرق سوريا ولا سيما في ريف دير الزور الشرقي، وبمنطقتي البوكمال والميادين الحدوديتين بين سوريا والعراق.
منطقة الـ55 كيلومتراً
ومنذ سقوط "داعش" في آخر معاقل التنظيم المتشدد بقرية الباغوز الواقع في ريف دير الزور، شرق سوريا تمكنت القوات الأميركية (بلغ تعداد الجنود 2500 وانخفض حالياً إلى 900 جندي) بمساندة من فصائل محلية من المعارضة، علاوة على الحليف الأساسي قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية، من بسط هيمنتها على مواقع استراتيجية في الشمال والشمال الشرقي للبلاد، وتحديداً حول آبار النفط وحقول الغاز، وغيرها من القواعد الاستراتيجية.
في هذا الوقت برزت قاعدة "التنف" الأميركية كإحدى القواعد الاستراتيجية، والتي تقع على المثلث الحدودي (السوري والعراقي والأردني)، وعلى بعد 24 كيلومتراً من الغرب من معبر التنف-الوليد في محافظة حمص، ومكّنت من تقويض النفوذ الإيراني، وهذا ما يفسر وقوعها في البادية "الشامية" بينما كل القواعد الأميركية تقع شرق نهر الفرات وفي بادية الجزيرة.
وانتزعت قوات التحالف بقيادة أميركية في أوائل أغسطس (آب) من عام 2016 التنف بموقعه الاستراتيجي من أيدي أخطر الجماعات المتشددة "داعش" بعدما استولى التنظيم عليه في مايو (أيار) 2015 بينما عكفت القاعدة الأميركية التي تحتوي على عدد كبير من جنود الولايات المتحدة بحراسة القاعدة والتي تسمى أيضاً منطقة الـ55 كيلومتراً مع مواظبتها على إجراء تدريبات لفصيل محلي أطلق عليه عدة تسميات منها "مغاوير الثورة" أو "جيش سوريا الجديد" ومن ثم "جيش سوريا الحرة".
هجمات على التنف
وإلى ذلك الوقت ظلت هذه القاعدة مركز قوة وتعرضت للقصف المستمر آخرها قصفت فصائل مسلحة عراقية أطلقت على نفسها "الثوريون" قاعدة التنف في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقالت في بيان لها "طاول القصف القاعدة بعدة صواريخ وطائرات مسيّرة" وتوعدت بمواصلة عملياتها والتصعيد حتى خروج آخر جندي أميركي من العراق، ولا يعد هذا القصف الوحيد بل زادت وتيرته في الآونة الأخيرة.
وأجرى "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ومقره لندن توثيقاً للهجمات على مجمل القواعد الأميركية، حيث رصد 86 هجوماً منذ بداية العام وحتى نهاية أكتوبر الماضي، وكان لقاعدة "كونيكو" الحصة الأكبر بـ 20 هجوماً، بينما تعرضت قاعدة التنف لـ 10 هجمات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الذراع الأميركية
في هذه الأثناء تفيد المعلومات الواردة في شرق سوريا عن حالة تأهب تسود مواقع ونقاط المجموعات الموالية لإيران لا سيما بعد الرد العسكري المتبادل بين تل أبيب وطهران حين استهدفت إسرائيل بصواريخ موجهة مقراً دبلوماسياً إيرانياً قرب السفارة الإيرانية في دمشق، ونتج منها مصرع قادة أمنيين من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وتشي المعلومات عن تغيير خطط القادة وعناصر "حزب الله" اللبناني، وكافة الفصائل الموالية لإيران مع اتباع تكتيك أمني بعد كثافة الضربات الإسرائيلية، واندلاع الحرب في جنوب لبنان تبعتها سلسلة من الاغتيالات لشخصيات قيادية في سوريا، بينما يتوقع الناشط الحقوقي من دير الزور، أحمد الشيخ دوراً واسعاً ومرتقباً لما يسمى "جيش سوريا الحرة"، والذي يتبع لتدريبات عالية من قبل القوات الأميركية في الصراع الأميركي مع الفصائل التابعة لإيران بخاصة التأثير على الممر البري الإيراني إلى لبنان، والمساعي الإسرائيلية والأميركية بتجفيف مجموعات ما يعرف بـ "محور الممانعة".
ويعتقد الناشط الحقوقي الشيخ في حديثه لـ "اندبندنت عربية" ارتفاع مستوى قدرات فصيل "جيش سوريا الحرة" من حيث التدريب والعتاد، ويمكن أن يتحول إلى ذراع للقوات الأميركية في مهاجمة القوات الإيرانية في سوريا وصولاً إلى نجاحه في قطع الطريق الاستراتيجي للسلاح، أو التأثير في خطوط الإمداد بالاشتباك مع المجموعات وشبكات التهريب التي تتوافد بشكل سري وبطرق معقدة، ومنها عبر أنفاق هرباً من أنظار القوات الأميركية.
ويتشكل جيش "المغاوير" أو ما يطلق عليه اليوم بـ "جيش سوريا الحرة" بعدد جنود يبلغ 500 مقاتل من فصائل متنوعة، ومن بينهم منشقون عن القوات النظامية منذ بداية الأحداث السورية عام 2011، وعين في فبراير (شباط) الماضي قائداً للجيش سالم العنتري في وقت تحاول السياسة الأميركية النأي بنفسها عن مجريات الأحداث وعدم الدخول بصراعات واسعة مع الحرس الثوري الإيراني، والاكتفاء بمناكفات ميدانية بين قواعدها في سوريا، ومجموعات مقاتلة.
وبالحديث عن جيش "المغاوير" لا يخفي الشيخ الدور المحوري لهذا الفصيل في حماية الحدود السورية- الأردنية من جهة سوريا، وقد أبدى التعاون مع الأردن بمكافحة عمليات تهريب المخدرات، والأسلحة إلى الجنوب اللبناني.
وأضاف "يدور الحديث عن كونها ستحظى بدور جديد في شن هجمات ضد القوات النظامية أو الموالية لإيران، لكن لا يمكنها منفردة من اتخاذ هكذا خطوة أولاً لضآلة العدد، ومن جهة ثانية لاتساع وامتداد رقعة التنف والبادية السورية مترامية الأطراف، لا سيما تعرض المنطقة للحصار".
في وقت كشف جهاز "الشاباك" الإسرائيلي عن ضلوع طهران بتمرير أسلحة متطورة لفصائل موالية لإيران، تصل إلى الضفة الغربية. ولعل أجهزة أمنية سماها "الشاباك" بالاسم تلعب هذا الدور المحوري في تهريب السلاح، منها "الشعبة 4000"، وشعبة العمليات الخاصة بالاستخبارات التابع للحرس الثوري، ووحدة العمليات في فيلق القدس، الوحدة 804 وتحدث الشاباك في بيان عن "ضبط كمية كبيرة من السلاح إيرانية الصنع منها عبوات ناسفة، وألغام مضادة للدروع وقذائف آر بي جي وغيرها".
تكاليف باهظة
في هذا الوقت كشفت مؤسسة "بروكينغز" الأميركية عن تكاليف ملموسة وغير ملموسة للحفاظ على الوجود الأميركي في التنف، وبلغت الموازنة المطلوبة لتدريب وتجهيز القوات المتمركزة في القاعدة ومكافحة "داعش" في عام 2020 وحده ما يقارب 200 مليون دولار.
إلى ذلك، نفى قائد جيش سوريا الحرة، العنتري تواصله مع أي قوة عسكرية خارج منطقة الـ (55) أو (التنف)، وأعلن في وقت سابق عن انفتاح فصيله حول التنسيق مع أية قوة للتعاون في محاربة "داعش" وترك إشارة إلى العلاقة القائمة على الاحترام مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" للشراكة مع التحالف الدولي في محاربة التنظيم وفلوله، كما وصف في تصريحات صحافية.
وأماط مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرغي ناريشكين اللثام عن تحويل الولايات المتحدة لقاعدة التنف العسكرية منذ فترة طويلة إلى مركز تدريب لما وصفهم "الإرهابيين" ويتلقى فيها نحو 500 عنصر التدريبات اللازمة وهم من أنصار تنظيم "داعش" وتنظيمات متطرفة أخرى، وقال إنها تعطي الأولوية للمهاجرين من جمهوريات شمال القوقاز الروسية، ودول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى.
ويعد الهجوم في 28 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي 2024 من أكثر الهجمات القاسية على منطقة قريبة جداً من التنف، وتقع على الحدود السورية ـ الأردنية، وأودى إلى مصرع ثلاثة مقاتلين من القوات الأميركية، وإصابة 25 آخرين عبر طائرة مسيرة، وردت واشنطن في فبراير (شباط) الماضي على مواقع للفصائل الموالية لإيران في كل من سوريا والعراق.
ويرى متابعون الهجوم الأميركي هذا قد وضع حداً للفصائل الإيرانية والحرس الثوري على القواعد الأميركية التي تزايدت كثافة مع اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي 2023، وهو ما يفسر الهدوء الذي ساد بعد ذلك من دون تسجيل أي هجمات على القواعد الأميركية في مارس (آذار) الفائت بينما سجلت مناوشات وهجمات محدودة في بقية شهور العام الحالي.
ويصل عدد المواقع الإيرانية وفصائلها الموالية 570 موقعاً منها 55 قاعدة عسكرية، ويمثل بحسب دراسة نشرها مركز "جسور" عام 2023 أكبر نفوذ خارجي في الخريطة السورية، وضمت دير الزور سبع قواعد و70 نقطة عسكرية، تعمل على تأمين الممر الإيراني البري، حيث تراهن عليهن طهران على الصعيد العسكري والسياسي، وهو ما تخشاه إسرائيل، ومن جهة ثانية على الصعيد الاقتصادي كطريق بري يصل بها إلى واجهة بحرية على البحر المتوسط.