إسرائيل ترسم طريقها في سوريا عبر لبنان والأسد "نقطة أرخميدية" في الحرب

آخر تحديث 2024-11-21 10:00:07 - المصدر: اندبندنت عربية

الأسد مستقبلاً وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده في دمشق، في 17 نوفمبر الحالي (أ ف ب)

لم تقتصر الرسائل التي وجهتها إسرائيل للمبعوث الأميركي، آموس هوكشتاين، المتواجد في المنطقة في محاولة لتسوية بين إسرائيل ولبنان، على قصفها المكثف لضاحية بيروت الجنوبية وتوسيع رقعة بنك أهدافها هناك، إنما أيضاً في الجانب السوري، من خلال تكثيف القصف وتعميق الأهداف على هذه الساحة أيضاً، بعدما حاول الإسرائيليون في طرحهم للتقدم في تسوية، أن تشمل أيضاً الحدود السورية، كونها جزء لا يتجزأ من مخطط إيراني في المنطقة، وفق ما يؤكد أكثر من مصدر أمني وعسكري إسرائيلي.

التخلي عن الصمت

ولم تعد إسرائيل تلتزم الصمت بعد أي قصف على سوريا أو أهداف أخرى في المنطقة، كما كانت سياستها قبل الحرب على لبنان، بل تسارع لنشر خبر تنفيذ سلاح الجو للقصف وحتى أن مراسليها العسكريين، وفي معظم المرات، يكونوا سباقين في كشف التفاصيل وحتى هوية المستهدف، بحال كانت عملية اغتيال، أو نشر التفاصيل حول قوة القصف ونتائجه.

واعتبر الإسرائيليون استهداف مدينة تدمر في ريف حمص وسط سوريا، ضربة نوعية ضمن سياق تحقيق أهداف إسرائيل بالقضاء على أي بنى تحتية تابعة لـ "حزب الله" وإيران وتنظيمات أخرى معادية لإسرائيل، ومن ضمن ذلك، تقويض محاولات تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان، حيث تحاول إسرائيل أن تجعل من الضغط على روسيا وسيلة لضمان شروط تسويتها بكل ما يتعلق بتهريب الأسلحة إلى لبنان، على رغم من أن التوقعات بان التطورات الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا ستساهم أيضاً في تغيير الوضعية في المنطقة.

سبل التعامل مع سوريا

تحييد سوريا عن لبنان وجعلها منطقة مراقبة، ملف شغل الإسرائيليين في مناقشات سبل التعامل مع سوريا، عشية التقدم نحو تسوية مع لبنان. وتمهيداً لشرعنة عمليات تخطط لها في سوريا، روّجت إسرائيل لتقارير خلال اليومين الأخيرين تظهر فيها الأسلحة التي صادرتها من لبنان وتبيّن أنها روسية الصنع. وبحسب تقرير للجيش فإن مخابئ كثيرة في لبنان كانت تشمل كميات كبيرة ونوعية من الأسلحة الروسية تم تصنيع بعضها في السنوات الأخيرة وقد نُقلت عبر سوريا، وفق ما قال الجيش الذي ادعى أن ما بين ستين وسبعين في المئة من الأسلحة التي ضُبطت في لبنان، روسية الصنع، من بينها صواريخ "كورنيت" المضادة للدبابات المصنعة في روسيا في عام 2020، إلى جانب الصواريخ المضادة للدبابات الأكثر تقدماً، وفيها نظام توجيه إلكتروني، وبحسب التقرير الإسرائيلي فإن هذه الأسلحة وصلت من روسيا حيث يتواجد هناك عناصر من الجيش الروسي.


إسرائيل قلقة

السفير الإسرائيلي السابق لدى روسيا، أركادي ميلمان، وهو باحث في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، قال إن إسرائيل لا تخفي قلقها من أن روسيا تحرص على تعزيز العلاقات مع "حزب الله"، على الرغم من نفي الكرملين المتكرر تقديم الدعم النشط لطرف أو آخر في الصراع. وأضاف ميلمان أن "إسرائيل بحاجة إلى أن تكون أكثر حزماً في حماية مصالحها بحيث توضح للروس أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وتقبل بتقديم المساعدات لـ 'حزب الله' وإيران".
في هذه الاثناء، ومنذ بداية عملية "سهام الشمال" في لبنان، يكثف الجيش الإسرائيلي نشاطه أيضاً في المنطقة الحدودية مع سوريا وبعدما فجّر مئات حقول الألغام في منطقة قريبة من الحدود، باشر بأعمال بناء جدار وعوائق على طول الخط الذي يفصل بين مرتفعات الجولان عن سوريا الأم. ويسعى الجيش لأن تكون هذه منطقة منزوعة السلاح، كما يخطط لاقامة أبراج مراقبة على طول المنطقة الحدودية بعد أن ينهي هذه المهمة في المنطقة الحدودية تجاه لبنان، والتي باشر بها هذا الأسبوع.

حرب ثانوية

ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، المستشرق تسفي برئيل، أن "إسرائيل اليوم تدير حرباً ثانوية في سوريا وأهدافها المعلنة هي المس بالبنى التحتية لـ ’حزب الله' وتدمير مصانع إنتاج الصواريخ والمسيرات وشل الطرق المستخدمة في نقل السلاح من سوريا إلى لبنان". وأضاف أنه "وفق ما تظهر خارطة الهجمات على أهداف القصف، تستغل إسرائيل السماء المفتوحة التي توجد لها في سوريا، بفضل روسيا، في محاولة لدفع قوات الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المسلحة إلى الخارج"، وبرأيه فإن هذه مهمة طموحة جداً، "حيث أن القوات الايرانية والقوات المؤيدة لايران تمتلك تقريباً 530 قاعدة وموقع عسكري على الأراضي السورية". وبحسب استطلاع معهد "جسور" للأبحاث، فإن إيران قلصت عدد قواعدها في سوريا، "لكنها ما زالت تمتلك القوة الأجنبية الأكبر في سوريا".

ونُقل عن باحث في المعهد قوله إن "ما يظهر من الكثافة التي تعمل فيها إسرائيل في سوريا فإنها تستهدف أيضاً إقناع رئيس النظام السوري بشار الأسد بعدم الانضمام إلى 'وحدة الساحات' الإيرانية، والقيام بخطوات مهمة لتقليص تواجد ايران في سوريا، وعلى الاقل التوقف عن ارسال السلاح إلى لبنان". وأضاف الباحث، "يبدو أن إسرائيل تلمّح للرئيس بشار الأسد بأن لها حرية المس بشكل متعمد ايضاً بمنشآت الجيش السوري وهي الأهداف التي امتنعت عن المس بها حتى الآن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إسقاط الأسد يضعف سيطرة ايران

ولم يتوقف مخطط إسرائيل عند كيفية تقويض إمكانيات تقديم روسيا السلاح لـ "حزب الله" بل أنها تريد إنهاء الحرب مع لبنان وتوقيع اتفاق تسوية كمرحلة أولى في تخطيطها لتنفيذ ما تكرره القيادة الإسرائيلية في هذه الحرب "بجعل الشرق الأوسط جديد"، أي من دون المحور الايراني.
وترددت بين الإسرائيليين في الأيام الأخيرة، أفكار عدة في كيفية التعامل مع الأسد في ذروة الحرب التي تخوضها إسرائيل على أكثر من جبهة، ويرى بعضهم فيه هدفاً مستقبلياً، ويعتبرون انشغال روسيا في أوكرانيا والوضع الداخلي في سوريا غير المستقر، فرصة نادرة لإسرائيل لتحقيق أهدافها وقطع مسار السلاح الإيراني الذي يغذي "حزب الله"، هكذا يقول المحاضر في اكاديمية "رمات غان"، كفير تشوفا، الذي يرى أنه في النزاع المتواصل بين ايران و"حزب الله" وإسرائيل توجد نقطة تتيح تغييراً جذرياً للوضع الراهن وخلق واقع جديد بعدما نجحت إيران في تثبيت نفوذها في المنطقة كالعراق، وسوريا، ولبنان ورسمت بذلك طوقاً نارياً حول إسرائيل.
وبرأيه "حين يكون الروس مشغولين بالمعارك في أوكرانيا، ونظام الأسد متعلق بشعرة رفيعة، وإسرائيل التي تكاد توجد وحدها أمام التوسع الإيراني، يمكنها أن تضرب في اللحظة المناسبة. وربما إسقاط نظام الأسد بالذات كفيل بأن يسمح لإسرائيل وحلفائها بإضعاف سيطرة إيران في المنطقة وتقليص نفوذ حزب الله".

النقطة الأرخميدية

الخبير العسكري يوآف ليمور يرى أن "الانشغال المكثف لإسرائيل بجبهات القتال النشطة يقلل من الانشغال بالشخص الذي قد يكون نقطة أرخميدية في هذه الحملة، وهو الرئيس الأسد". ويضيف "خلافاً للأعضاء الآخرين في المحور الإيراني، فإن الأسد ليس مدفوعا بأيديولوجية إسلامية نقية وراسخة أو معادية للصهيونية، بل بالمصالح بشكل أساس. تحالفه مع المحور نابع من حقيقة أن إيران (مباشرة ومن خلال 'حزب الله') أنقذته ونظامه في ذروة الحرب الأهلية في بلاده". "الأسد براغماتي"، برأي ليمور، "وهو نفعي وإذا رأى فرصة أخرى فقد يقبلها".

ويرى ليمور أن الإسرائيليين بقترحون فرصتين محتملتين على الأسد، الأولى إخراجه من قائمة الدول المنبوذة. والثانية انضمامه إلى محور الازدهار بالمنطقة.
الفرصة الأولى، تتطلب من واشنطن، العفو عن الأسد، والفرصة الثانية تتطلب دعمه مالياً، بما يغريه بترك المحور الإيراني، باعتبار أن "تركه المحور الإيراني يعني أنه لم يعد هنا محور إيراني". ويضيف ليمور، "عندها لن يتم تهريب مجاني عبر الحدود السورية العراقية، ولا يوجد تهريب جوي مجاني عبر مختلف المطارات في سوريا، ولا يوجد إنتاج إيراني مجاني للأسلحة في مختلف المنشآت على الأراضي السورية (بما في ذلك تلك التابعة لسوريا نفسها)، ولا يوجد تهريب مجاني للأسلحة من سوريا إلى 'حزب الله' في لبنان، ولا توجد هجمات إسرائيلية يومية تدفع نظام دمشق إلى الجنون وتشكل خطراً دائماً عليه. وإذا كانت سوريا خارج المعادلة، فسيؤثر ذلك بقوة على 'حزب الله'".

قطع أنبوب التنفس

وفي تقدير الإسرائيليين فإن قطع سوريا عن المحور الإيراني سيؤدي إلى قطع ما أسموه "أنبوب التنفس" عن "حزب الله". ويدعي تشوفا أن "نقل السلاح والمقاتلين والبضائع، التي تتدفق من سوريا إلى لبنان، ستتوقف إذا ما تم إبعاد سوريا عن المحور الإيراني، وعندها، إذا تدخلت إيران كي تحمي نفوذها في سوريا في وجه قوات الثوار من شأنها أن تكون مطالبة بنقل قوات ومقدرات أخرى إلى سوريا ما يقيد قدرتها على العمل بالتوازي ضد إسرائيل في ساحات أخرى". ويتساءل تشوفا حول ما إذا كانت إسرائيل ستنجح في استغلال الفرصة المتاحة وتغيير ميزان القوى أم أن هذا الرهان سيعقد المنطقة أكثر فأكثر؟ ويجيب أن "الرد سيكون ما يصمم وجه الشرق الأوسط في السنوات القريبة المقبلة".