اجتماع لمجلس القضاء الأعلى العراقي (إعلام المجلس)
اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها الحكومة العراقية بتوسيع نطاق عمليات الإعدام "غير القانونية" ووتيرتها خلال العام الحالي، داعية السلطات إلى "الإلغاء الكامل" للعقوبة.
وفي السنوات الأخيرة، أصدرت المحاكم العراقية مئات أحكام الإعدام والسجن المؤبد لمدانين بالانتماء إلى "جماعة إرهابية" وبجرائم القتل العمد، وفي سبتمبر (أيلول) الماضي نفذت وزارة العدل العراقية أحكام الإعدام بحق 21 مداناً، 20 من بينهم بتنفيذ أعمال إرهابية.
وأشارت المنظمة في التقرير ذاته إلى تعرض سجناء للتعذيب قبل إعدامهم، لافتة إلى أنها اطلعت على صور لـ"ثلاث جثث أفرج عنها بعد الإعدام"، ظهرت عليها "علامات مرئية لسوء المعاملة أو التعذيب، بما في ذلك كدمات شديدة وكسور في العظام وجروح وهزال".
ووثقت كذلك حالات تشير إلى "قيام السلطات العراقية بصورة متزايدة بتهديد نزلاء محكوم عليهم بالإعدام وجماعات غير حكومية لتحدثهم علناً عن الظروف في سجن الناصرية المركزي" في محافظة ذي قار جنوب البلاد.
ولم يكُن هذا التقرير الأول الذي ينتقد أحكام الإعدام في العراق، فسبق أن أكد المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ضمن تقرير له في الـ27 من يونيو (حزيران) الماضي، أن خبراء في مجال حقوق الإنسان قالوا إن "عمليات الإعدام المنهجية التي تنفذها الحكومة العراقية ضد السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بناءً على اعترافات مشوبة بالتعذيب، وبموجب قانون غامض لمكافحة الإرهاب، ترقى إلى مستوى الحرمان التعسفي من الحياة بموجب القانون الدولي وقد ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية".
الحكومة العراقية من جانبها ردت على لسان وزير العدل خالد شواني حينها وأكدت على "الضمانات القانونية الواردة في القوانين العراقية وأن إجراءات السلطة التنفيذية متوافقة مع تلك الضمانات وخاضعة لرقابة القضاء".
واعتبر الوزير أن "ما ورد في النداء العاجل لم يراعِ الظروف التي مر بها العراق بوصفه الخط الأول في الدفاع عن الاستقرار العالمي بمواجهة الإرهاب في أشد هجمة تعرض لها العالم وكان مسرحها على الأراضي العراقية من دون استثناء".
وجاء تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" وسط جدل في مجلس النواب العراقي حول تشريع قانون العفو العام الذي خضع لقراءة أولى وثانية بانتظار المصادقة البرلمانية، إلا أن كثيراً من الكتل، بخاصة الشيعية منها، ترفض تشريع القانون، بدعوى أنه سيؤدي إلى الإفراج عن إرهابيين.
مطالبات مستمرة
وغالباً ما تنتقد المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان أحكام الإعدام وتطالب بإلغائها في وقت يؤكد المسؤولون العراقيون أهمية تلك العقوبة لردع المجرمين، لا سيما المتهمين بأعمال إرهابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب تصريح صحافي لوزير العدل خالد شواني في منتصف عام 2023، فإن هناك ثمانية آلاف مدان بقضايا الإرهاب محكوم عليهم بالإعدام.
ووسط هذا كله يعمل أعضاء في لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي على قانون العقوبات البديلة، وسط معارضة كبيرة من الكتل الرئيسة، وقالت عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي فاطمة العيساوي "نعمل على قانون العقوبات البديلة للجرائم غير الكبيرة بدلاً من سجن المدان".
وأضافت أن "لجنة حقوق الإنسان تعمل على كثير من القوانين لتخفيف العقوبات ومن ضمنها قانون العفو العام وقانون الاختفاء القسري وقوانين أخرى تخص حقوق الإنسان، إلا أن هذه القوانين لا تأخذ طريقها للنور مما يضطرنا إلى تأجيلها، فتشريع مثل هذه القوانين يعتمد على الأحزاب التقليدية المسيطرة على الأمور". وشددت على "ضرورة استبدال عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد ولا بأس أن نضع هذه التقارير الدولية في الاعتبار".
العراق غير مهيأ
ويشير مدير المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي من جهته إلى أن أحكام الإعدام تجري وفق أوامر قضائية ومصادق عليها من رئاسة الجمهورية، ويعتقد بأن الوضع في العراق غير مهيأ لإلغاء عقوبة الإعدام.
وأضاف أن "عقوبة الإعدام هي مادة في قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب وهذه العقوبات وضعت لجرائم معينة وهي تصدر من القضاء بإجراءات أصولية وتمر بمراحل الاستئناف والتميز ومن ثم إرسالها إلى رئاسة الجمهورية لغرض المصادقة ثم إرسالها لوزارة العدل لغرض التنفيذ".
وأكد أن موضوع حكم الإعدام يمر بإجراءات قانونية عدة وشائكة لحين الوصول إلى التنفيذ، موضحاً أن "هذه العقوبة لم تشرع اليوم وإنما تعود لعام 1969، إضافة إلى أن العراق تعرض لهجمات إرهابية كبيرة أدت إلى إبادة جماعية لشعبه وكم هائل من المقابر الجماعية وإلى الآن يتعرض للإرهاب وليس من المعقول أن تكون العقوبة مخففة، بينما المنطق يقتضي أن تكون مشددة، وكثير من الدول التي تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام لا تزال تعمل بها".
ولفت إلى ضرورة "إزالة الظروف التي على أساسها وضعت هذه العقوبة وألا تكون هناك جرائم إبادة جماعية وجرائم إرهاب ومن الممكن أن يكون هناك تدرج بالعقوبة بعد أن يستتب الأمن"، وبيّن أن إلغاء العقوبة يتطلب تعديل قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب ومن ثم إيقاف العقوبة إذا ما توافرت الظروف لإلغائها.
الإعدام وفق القانون
الباحث القانوني علي التميمي يشير إلى أن أحكام الإعدام جاءت وفق المادة 285 من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، مؤكداً أنه ليس من حق المنظمات الدولية الاعتراض على هذه القوانين.
وقال "لا ينفذ حكم الإعدام وفق هذه المادة إلا بعد صدور المرسوم الجمهوري وهو من ضمن الاختصاصات الممنوحة لرئيس الجمهورية، والإجراءات الخاصة بتنفيذ العقوبة منصوص عليها في المادة 286 وما بعدها، فإذا صدقت محكمة التمييز على الحكم الصادر من محكمة الجنايات فإن الأولى ترسل الملف إلى وزير العدل ليرسلها بدوره إلى رئيس الجمهورية".
وبيّن أن مناصري عقوبة الإعدام يرون أنها تحقق الردع والعدالة الاجتماعية، ومعارضيها يرون أن تبدل المجتمعات وتطورها يحتاج إلى الاستبدال بالمؤبد، فيما أوضح أن إلغاء العقوبة يحتاج إلى تشريع قانون.