تدمر هي منطقة جغرافية تعد امتداداً للنفوذ الإيراني (اندبندنت عربية)
كمن يرمي حجرة بركة ماء، هذا حال القصف الإسرائيلي الآخذ بالتوسع يوماً بعد يوم على الأراضي السورية عقب نشوب حرب الجنوب اللبناني، وهو قصف يكاد يكون شبه يومي ويلاحق مختلف الفصائل الإيرانية وأذرعها وقيادات "حزب الله"، من دون تفريقٍ إذا ما كانت الأهداف ضمن مقارهم ونقاطهم العسكرية، أو حتى داخل أبنية سكنية مأهولة.
ويظهر الغضب الإسرائيلي في ما تحمله المقاتلات الجوية من رسائل نار وبارود توزعت بين الشمال والجنوب ووسط البلاد، بل وذهبت أبعد من ذلك لتطاول مواقع متاخمة لقواعد عسكرية روسية ومنها قاعدة حميميم الواقعة في جبلة بريف اللاذقية المطلة على البحر المتوسط، وهو حدث أثار حفيظة الروس مطالبين تل أبيب بضرورة توخي الحذر من أخطار القصف المتواصل، ولاسيما في مناطق نفوذهم على الأرض السورية.
والقصف الإسرائيلي الذي وقع في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري على مقار تتحصن بها فصائل إيرانية في الشمال الغربي من مدينة تدمر قرب مدرسة الثانوية الصناعية ومنطقة الفيلات التي تقطنها عائلات لعسكريين مع حركة "النجباء العراقية"، أسفر في إحصاءات نهائية وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصرع ما يزيد على 90 شخصاً معظمهم عسكريون من "حزب الله" اللبناني وحركة "النجباء" العراقية وعناصر سورية تتبع لـ"حزب الله"، أما الجرحى فكانوا 21 بينهم سبعة مدنيين.
الطريق المسدود
ومع هذا التصعيد الجديد لأماكن وسط البلاد وفي منطقة جغرافية تعد امتداداً للنفوذ الإيراني وهمزة الوصل بين قواعد مجموعات المقاومة والمناطق الحدودية من جهة لبنان، تبرز تدمر كمنطقة حساسة على طريق الإمداد، ويرى مراقبون أن إسرائيل تريد خلق منطقة آمنة لها على طول الخط الحدودي بينها وبين سوريا، بغية إبعاد الفصائل الإيرانية حيث تتخذ من البادية في شرق البلاد أماكن نشاط لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولهذا فيمكن ملاحظة تغيير أهداف القصف الإسرائيلي وتحوله ليكون أكثر نوعية بانتقاء الأهداف والأماكن، ولعل اتخاذ ضرب خطوط الإمداد في تدمر الواقعة على طريق إيران البري يعطي رسالة واضحة بنية إسرائيل إغلاق صنوبر الدعم الإيراني لفصائل المقاومة، ووأد أي نشاط مرتقب لها.
وعلى نحو مألوف تتعامل تل أبيب بعنف مفرط حيال الضربات الجوية في وقت يعلن الجيش الإسرائيلي على الدوام حرصه على انتقاء الأهداف وتحييد من يصفهم بالخطر المحدق على الأمن القومي.
ويأتي ذلك مع استفحال دور الفصائل التي أخذت تسيطر على التلال من جهة درعا باتجاه الحدود الأردنية، والطريق الثاني نحو الجولان الواصل إلى مناطق حدودية بمواجهة بلدات حضر ومجدل شمس، ويرجح متابعون أن تل أبيب تنظر إلى الأمر على أنه خطر محدق حيث وصول المقاومة إلى الحدود السورية - الإسرائيلية يعني كشف المستوطنات الشمالية والشرقية مثل كريات شمونة التي تقع على المنحدرات الغربية من سهل الحولة قرب الحدود اللبنانية، مع اعتبار أن وصول هذه المجموعات إلى هذه المناطق الحساسة لن ينتهي بل سيتزايد أكثر مع عمليات الكيان داخل لبنان من الجهة الجنوبية.
وفي هذا السياق يجزم الباحث في مركز الشرق للسياسات والمتخصص في الشأن الإيراني سعد الشارع حول الاستهداف الأخير، أنه يأتي في سياق ضربات على الميليشيات الإيرانية ويهدد بقطع الطريق الإستراتيجي الواصل من إيران إلى لبنان مروراً بسوريا من وسط البادية التدمرية، وهذا الاستهداف يطرح تساؤلات لماذا تدمر؟ ولماذا هذا التوقيت؟
ويجيب الباحث السوري أن "هناك حركة للميليشيات في محافظة دير الزور ولا سيما من طريق معبر البوكمال السوري الذي يربط سوريا مع العراق، ومن ثم الاتجاه نحو الجنوب السوري والمناطق القريبة من إسرائيل، ولذلك بدأت تل أبيب بمراقبة هذه المنطقة من حوض الفرات إلى الجنوب، وبالذات محافظتي درعا والقنيطرة، وركزت على رفع درجة الاستهداف فيها".
تدمر في قلب العاصفة
وتقع تدمر في بادية الشام وسط سوريا على بعد 240 كيلومتراً من العاصمة دمشق عند معبر جبلي على سفح جبل المنطار، وفيها مدينة أثرية تصنف ضمن لوائح التراث العالمي حيث كانت محطة للقوافل التجارية على طريق الحرير بين الصين وروما.
وعانت "عروس الصحراء" من تعرضها لهجمات متلاحقة من قبل تنظيم "داعش" وخضعت في النهاية لسيطرته في الـ 20 من مايو (أيار) قبل أن يتمكن جيش النظام بدعم روسي من إعادة السيطرة على المدنية التي تتاخم حقول الغاز ومنها حقلي "الهيل" و "الأرك".
وتخطف تدمر اليوم الأنظار وبالذات نحو الطريق الرئيس الذي تسير عليه الفصائل الإيرانية، ويربط بين شرق سوريا وتحديداً دير الزور وجنوباً بالعاصمة دمشق، ويعد الشريان البري الوحيد للمقاومة.
مواقع إسناد متقدمة
ويأتي الحديث عن القصف الإسرائيلي لمواقع في تدمر مع وصول رتل عسكري يضم عشرات الفصائل إيرانية إلى مقر عسكري نظامي، تشغله هذه الفصائل كموقع إسناد للنقاط وللقوات المتقدمة باتجاه البادية السورية، بحسب ما أفاد الباحث السوري.
ويتابع الشارع أن "هذه المنطقة تحوي حراكاً متنامياً وعودة لتنظيم 'داعش' حيث تمثل تدمر موقع إسناد، وهي ذات أهمية سواء كمواقع عسكرية مقاتلة أو مواقع لتخزين العتاد والسلاح، أو حتى أسلحة متطورة من الصواريخ والمسيرات وسط البادية والمناطق المحيط بها، وهي منطقة حيوية من ناحية إيصال الإمدادات العسكرية لمواقع الميليشيات سوءا باتجاه الجنوب السوري أو الغرب أكثر نحو القصير وحمص والحدود اللبنانية".
في مقابل ذلك تشير المصادر الميدانية إلى تحركات من قبل ألوية "فاطميون" و"النجباء" الموالية لإيران، وتغيير طبيعة انتشارها، بينما يبرز التخوف الروسي من هذا التطور بقصف تدمر لما تحظى به من أهمية إستراتيجية للروس وقربها من قاعدة التنف أو ما يطلق عليها "منطقة 55 كيلو" التابعة للتحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة والتي أنشئت عام 2014 لمواجهة خطر "داعش"، وما تنفذه القاعدة من نشاطات تدريبة لفصائل "جيش سوريا الحرة" أو ما يطلق عليه "جيش المغاوير"، وكلها تنظر إليها القوات الروسية بعين الريبة، علاوة عن نشاط روسي في الجانب الاقتصادي عبر استخراج الفوسفات وحماية آبار النفط والغاز.
ودانت موسكو الهجوم على تدمر وما ألحقه من تدمير للمباني السكنية، ودعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في بيان صحافي "جميع الأطراف المعنية بالتصعيد الإقليمي إلى الانصات لصوت العقل".
وفي الأثناء توقع المتخصص في الشأن الإيراني سعد الشارع مزيداً من الاستهداف واستمراره طالما أن الفصائل الموالية تركز على اعتماد هذا الطريق البري من البوكمال في ريف دير الزور كطريق إمداد باتجاه الجنوب السوري ولبنان، وإدخال الشاحنات المحملة بالسلاح وإدخال السلاح إلى سوريا من دون توقف، مردفاً أنه "بالنتيجة ستكثف إسرائيل هجماتها الجوية وربما بتقدم ميداني لبعض المواقع داخل سوريا، وإذا ما حصل هذا السيناريو فستكون كل مواقع الميليشيات الإيرانية هدفاً للطيران الإسرائيلي".