تغييرات جذرية تجري داخل السعودية وفي إيران يبدو أن الطريق أكثر تعقيداً (غيتي)
خلال مؤتمر عقد عام 2018، أعرب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن رغبة بلاده في التحديث والابتعاد من الإسلام المتشدد، وقلة كانوا يتوقعون أنه سيكون قادراً على تنفيذ مثل هذه الإصلاحات بالنظر إلى التركيبة الاجتماعية للسعودية، ومنذ ذلك الحين خطت السعودية خطوات كبيرة نحو تعزيز الحريات الاجتماعية والاقتصادية في إطار خطة "رؤية 2030" التي تهدف إلى تحقيق تحول واسع النطاق على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
وعلى رغم كثير من الانتقادات والشكوك الواسعة التي أبداها عدد من المجتمعات، ومنها المجتمع الإيراني، فإن الإصلاحات حدثت بالفعل وإن كانت بصورة تدرجية، فخلال عام 2018 رفعت السعودية الحظر المفروض على قيادة النساء، وخلال العام التالي سُمح للنساء بالسفر إلى الخارج من دون الحاجة إلى موافقة ولي أمر، وبحلول عام 2021 سمح للنساء بأداء فريضة الحج من دون مرافق ذكر، وخلال عام 2020 ألغت السعودية عقوبة الإعدام للقصر وحظرت العقوبات البدنية مثل الجلد.
وشهدت السعودية طفرة في عرض الحفلات الموسيقية والمناسبات الثقافية والعروض الفنية، حتى إن عدداً من المغنين الإيرانيين الذين نفتقد عروضهم في بلدنا إيران يقيمون حفلات داخل السعودية، وتبدو فكرة مشاهدة فنانين مثل إيبي وغوغوش يؤديان عروضهما في إيران وكأنها حلم بعيد المنال للغاية.
وخلال وقت تواصل فيه النساء الإيرانيات نضالهن لاستعادة حقهن في دخول الملاعب الرياضية، تشجع النساء السعوديات المحبات لكرة القدم رياضيين مثل رونالدو ونيمار في ملاعب حديثة ومشيدة حديثاً في بلادهن، ومع ذلك فليست الحريات الاجتماعية سوى عنصر واحد من عناصر الأجندة الخاصة بـ "رؤية 2030"، إذ يشكل تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز السياحة ركيزتين أساسيتين لهذه الإصلاحات الهيكلية، ويجب النظر إلى استضافة السعودية لـ "كأس العالم 2034" في هذا الإطار أيضاً.
لا شك في أن التغييرات الجذرية داخل السعودية تتطلب مزيداً من التحول وتسريعاً في الوتيرة، وليس الهدف من عرض هذه التطورات هو تصوير السعودية كجنة، بل إجراء مقارنة مع إيران حيث يبدو أن الطريق نحو التقدم أصبح أكثر تعقيداً بسبب سياسات الطبقة الحاكمة.
تعد إيران اليوم من بين الدول القليلة التي لا تزال تفرض عقوبة الجلد على شرب الكحول، وتشمل العقوبات الأخرى البتر بسبب السرقة والرجم وإعدام القصر دون سن الـ 18 سنة وزواج الأطفال، وهي ممارسات غير إنسانية منصوص عليها في القانون، وهذه الإجراءات لا تليق بأمة ذات تراث ثقافي غني وعريق، فقد فرضت هذه الأساليب والقوانين القاسية على الشعب الإيراني بعد "ثورة 1979" لتصبح دافعاً رئيساً وراء الحركات الاجتماعية في البلاد.
من الناحية الاقتصادية تتخلف إيران أيضاً بصورة كبيرة عن السعودية، فخلال عام 1978 كان دخل الفرد في إيران نحو 7 آلاف دولار سنوياً، في حين كان دخل الفرد في السعودية نحو 8500 دولار سنوياً، ولكن بحلول عام 2022 انخفض دخل الفرد في إيران إلى نحو 2200 دولار، في حين ارتفع دخل الفرد في السعودية إلى نحو 23 ألف دولار.
أسباب الاختلافات
تبنت السعودية خلال الأعوام الأخيرة خططاً واسعة للتنمية المستدامة وتقليل اعتمادها على النفط، وتتمثل أبرز هذه الخطط في مبادرة "رؤية 2030" التي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتنمية الموارد غير النفطية وزيادة الرفاه العام، وتشمل استثمارات في قطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة والتعليم، وقد تحسن مستوى الرفاه الاقتصادي في السعودية من خلال ارتفاع عوائد النفط والدعم الحكومي ومشاريع البنية التحتية الضخمة، إذ تسعى البلاد إلى رفع مستويات المعيشة من خلال الحد من البطالة وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
أما في إيران، وعلى رغم وفرة الموارد الطبيعية، فإن الرفاه الاقتصادي والتنمية المستدامة يواجهان تحديات كبيرة تشمل العقوبات الدولية ومعدل التضخم المرتفع وانخفاض قيمة العملة الوطنية، ونتيجة لذلك تتقدم مبادرات مثل توسيع استخدام الطاقة المتجددة والحد من الاعتماد على النفط ببطء، وكان للمسائل الاقتصادية وتقلبات العملة أثر سلبي في الرفاه العام، ولمواجهة هذه التحديات تحتاج الحكومة إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومكافحة الفساد وجذب الاستثمارات الأجنبية.
أثر السياسة الخارجية في التنمية المستدامة داخل دولتين
اعترف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بذكاء بأن تنفيذ مبادرات "التنمية المستدامة يتطلب تحقيق السلام المستدام"، واغتنم لحظة مناسبة لإنهاء الحرب مع الحوثيين في اليمن، وهو صراع تأثر بسياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإضافة إلى تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة فقد وسع علاقاته مع الصين وامتنع من اتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران، وأعاد العلاقات الدبلوماسية مع خصمه التقليدي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسعى إلى اتفاق سلام مع إسرائيل عُلق حالياً بسبب النزاع الدائر في غزة، ومع ذلك فقد سمح للرحلات التجارية الإسرائيلية بعبور المجال الجوي السعودي، وهو في الجوهر يُظهر للبلدان المجاورة والعالم الغربي أنه لا ينوي شن حروب، وأهدافه الأساس هي رفاه مواطنيه والتنمية المستدامة لبلاده.
أما الجمهورية الإسلامية وبعد سيطرتها على إيران عام 1979 فقامت ببناء عقيدتها على معاداة الولايات المتحدة والقضاء على إسرائيل وتصدير الثورة، وسعياً إلى تحقيق هذه الأهداف انزلقت إلى الحرب الإيرانية - العراقية التي استمرت ثمانية أعوام وتسببت بخسائر مالية وبشرية فادحة، وقد هاجم أنصار الجمهورية الإسلامية، بتأييد مباشر من زعيم الثورة الخميني، السفارة الأميركية واحتجزوا الدبلوماسيين الأميركيين كرهائن لـ 444 يوماً، وبعد ذلك بوقت قصير شنوا هجمات على السفارات والقنصليات السعودية والبريطانية مما تسبب في أضرار جسيمة، ويذكر أن إيران أنشأت بعد سقوط صدام حسين في العراق عدداً من ألوية الميليشيات العراقية، وتدخلت بصورة فاعلة في الشؤون الداخلية للعراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك استخدمت إيران سوريا منصة لنقل الأسلحة إلى لبنان، ولعبت دوراً محورياً في إشعال واستمرار الحرب الأهلية السورية من طريق دعم بشار الأسد في مواجهة الانتفاضات الشعبية، وعلاوة على ذلك قدمت إيران تدريبات عسكرية وتلقيناً أيديولوجياً وأنواعاً مختلفة من الأسلحة لتعزيز الحوثيين في اليمن خلال قتالهم ضد السعودية والحكومة اليمنية، وربما الأهم من ذلك أنها استثمرت أكثر من 35 عاماً في دعم وتعزيز دور "حزب الله" في لبنان، وكانت نتيجة هذه السياسات الخاطئة عزلة إيران وانتشار الفقر على نطاق واسع، فدفعت العقوبات الاقتصادية الشديدة أسس البلاد الاقتصادية إلى حافة الانهيار.
وإضافة إلى ذلك تتسبب السياسات غير الفعالة والمسؤولين غير المؤهلين الذين يتولون مناصب حيوية، مع اعتماد منهج التجربة والخطأ المتكرر وانتشار الفساد الإداري والاختلاسات الواسعة النطاق، في وضع مأسوي يعيش فيه اليوم واحد من كل ثلاثة مواطنين إيرانيين تحت خط الفقر.
هل تستطيع الجمهورية الإسلامية الإفلات من المستنقع الذي صنعته بنفسها؟
يستخدم مصطلح "المستنقع" هنا لوصف الأزمات المعقدة والمركبة التي تواجه إيران وتشمل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتشير هذه الاستعارة إلى أن سياسات إيران الحالية قادتها إلى وضع يصعب فيه تخليص نفسها منه، وتتوقف الإجابة الإيجابية عن هذا السؤال على تحقيق شرطين رئيسين، أولهما إحداث تحول في السياسة الخارجية، بما في ذلك التخلي عن الميليشيات التي دعمتها على مدى أعوام حين قدمت دعماً واسعاً لجماعات مسلحة إقليمية مثل "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن، لتلعب هذه الجماعات أدواراً محورية في النزاعات الإقليمية أسهمت في توتر علاقات إيران مع الدول المجاورة وزيادة عزلتها الدولية، ويتطلب هذا التغيير التخلي عن فكرة "تصدير الثورة"، إذ يشير مفهوم "تصدير الثورة" إلى جهود إيران في نشر المبادئ الأيديولوجية لثورتها الإسلامية عام 1979 خارج حدودها، وهذه السياسة تهدف إلى التأثير في البلدان الأخرى وبخاصة بلدان الشرق الأوسط، لتبني نماذج حكم ومواقف أيديولوجية مماثلة، وإضافة إلى ذلك سيكون من الضروري إقامة علاقات تعاونية وسلمية مع العالم، وبخاصة مع بلدان المنطقة.
أما ثانيهما فهو تغيير الدستور وسن قانون جديد قائم على مبادئ الديمقراطية والعلمانية، وهو مطلب غالبية الشعب الإيراني.
الأفكار الواردة في هذه المقالة تحمل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "اندبندنت عربية"