وقف الحرب في لبنان لا يشمل التصعيد ضد إيران

آخر تحديث 2024-11-30 17:00:05 - المصدر: اندبندنت عربية

ما موقف إدارتي بايدن وترمب من التصعيد ضد إيران؟ (اندبندنت عربية)

على رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" يهدئ من أخطار حرب شاملة في الشرق الأوسط، فإن الاتفاق يضع إسرائيل وإيران أقرب إلى مواجهة شاملة أكثر خطورة تبدو فيها طهران مكشوفة، وتتعالى الأصوات في تل أبيب لانتهاز الفرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما لمح إليه ضمناً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حينما تحدث عن التركيز على إيران في الفترة المقبلة. فما موقف إدارتي الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب من التصعيد ضد إيران؟ وهل يمكن أن توفر واشنطن المعدات العسكرية والقنابل اللازمة لتدمير هذه المنشآت النووية تحت الأرض؟

 

اتفاق وقف النار بين إسرائيل و"حزب الله" يضع تل أبيب وطهران أقرب إلى مواجهة شاملة أكثر خطورة (أ ف ب)

إيران ومستقبل الاتفاق

بعد أكثر من عام توصلت إسرائيل ولبنان إلى اتفاق وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب التي اندلعت في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في محاولة "حزب الله" لإجبار إسرائيل على وقف حملتها العسكرية في غزة، لكن في حين تمكنت إسرائيل من القضاء على قيادة الحزب، وقطع الاتصال الوثيق بين لبنان وغزة بطريقة تضعف روح "محور المقاومة" المدعوم من إيران، إلا أن الحقيقة التي يجب أن تقال، بحسب المتخصص في مشروع استراتيجية إيران في المجلس الأطلسي داني سيترينوفيتش، هي أن "حزب الله" الذي تعرض لخسائر فادحة لم يفكك، ولا يزال أقوى منظمة في لبنان عسكرياً وسياسياً.

كما أن إسرائيل وجماعة "حزب الله" وصلتا إلى اتفاق وقف إطلاق النار في ضوء الفهم بأن الفشل في التوصل إليه أثناء إدارة بايدن قد يطيل أمد الحرب بصورة كبيرة، وهو ما لا يصب في مصلحة أي من الطرفين، ومع ذلك فإن مستقبل الاتفاق لن يتحدد من خلال بنوده أو الرسالة الجانبية التي قدمتها الإدارة الأميركية لإسرائيل، وإنما وفقاً لاستعداد إسرائيل للذهاب إلى أبعد مدى في محاولة منع إيران من إعادة بناء قدرات "حزب الله"، التي قد تراها طهران ضرورة في ضوء الضرر الواسع الذي لحق بقدرة الردع الإيرانية نتيجة لضعف الحزب العسكري والسياسي الذي يفتح الباب أمام تغييرات كبيرة في الشرق الأوسط.

ولا تزال الصورة الوسعى مقلقة للغاية، إذ الحرب لا تزال تتكشف على جبهات متعددة وتحاول الأطراف إعادة تموضعها في ما يتعلق بإدارة ترمب القادمة، وهو ما يتضح من خلال الهجوم المفاجئ للفصائل المسلحة السورية المعارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) المدعومة من تركيا، وتمكنها من السيطرة على أحياء عدة في مدينة حلب ثاني أكبر مدن سوريا.

 

يرى بعض الإسرائيليين أن ضعف إيران وميليشياتها فرصة يمكن استغلالها بخاصة من خلال استهداف البرنامج النووي لطهران (أ ب)

تغييران مهمان

ووفقاً للمتخصصة في مركز "سكوكروفت" للاستراتيجية والأمن جينا أبركرومبي وينستانلي، "فإن نجاح الاتفاق ربما يعتمد على تغييرين مهمين، أولاً أن إيران قد تشعر بفرصة سانحة لتقليل عزلتها مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي يصف نفسه دائماً بأنه رئيس ’السلام‘، وقد يكون لديها الدافع للمساعدة في ضمان التزام ’حزب الله‘ الهدنة في الوقت الحالي. وثانياً، قد يشعر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه لم يعد يتمتع بالحرية الكاملة في تصرفاته، إذ يشير سجل ترمب الذي جعل من سمعته كرئيس قوي أولوية له، إلى أنه من غير المرجح أن يرتكب خطأ مماثلاً كالذي اقترفه سلفه بايدن، فقد رأى الرئيس المنتخب استعداد نتنياهو لإحراج القيادة الأميركية مراراً وبصورة صارخة على رغم التزام بايدن ما تريده إسرائيل، كما لا يؤمن ترمب بأن دعم إسرائيل يتطلب بالضرورة دعم نتنياهو، مما يجعل التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي أكثر احتمالاً".

الاستعداد لإيران

لكن في الوقت نفسه، فإن صفقة الهدنة لمدة شهرين بين إسرائيل ولبنان كانت مصممة جزئياً للسماح للجيش الإسرائيلي بإعادة تجميع صفوفه وإعادة تسليح نفسه، لأن إسرائيل تعتمد على جنود الاحتياط بدوام جزئي، وكثر منهم لا يظهرون بأعداد متزايدة، وما زالت لديهم مهام على جبهات أخرى في الضفة الغربية وغزة.

وفيما قدم نتنياهو الحجج التي دفعته إلى الاتفاق، قال إن إسرائيل تريد التركيز على مواجهتها مع إيران، لكن الحرب في غزة أدت إلى اندلاع حرب إقليمية أكبر وتبادل لإطلاق النار المباشر بين إسرائيل وإيران، للمرة الأولى، في التاريخ، لذا كان هناك كثير من القلق في شأن أسوأ السيناريوهات المحتملة لحرب شاملة بين هذين العدوين اللدودين في الشرق الأوسط.

طهران مكشوفة

وعلى رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" الذي توصل إليه قبل أيام يبعد الشرق الأوسط عن شفا حرب شاملة، فإن الاتفاق يحمل أيضاً خطراً وضع إسرائيل وإيران على مقربة من مواجهة مباشرة أكثر خطورة، وعلى مدى أكثر من عام هاجمت الميليشيات المتحالفة مع إيران، التي يعد "حزب الله" عضواً مركزياً فيها، إسرائيل من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في أول جهد موحد من جانب ما يسمى "محور المقاومة" الذي تتبناه طهران لمواجهة إسرائيل.

والآن بعد أن تدهور هذا المحور بسبب عام من الحرب مع إسرائيل، بدأت هذه الوحدة تظهر أولى علامات التصدع، مما ترك إيران مكشوفة، إذ قبل "حزب الله" وقف إطلاق النار مع إسرائيل من دون أي اعتبار لحركة "حماس"، كما أن الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق على رغم كونهم متحدين في كراهيتهم لإسرائيل والولايات المتحدة فإنهم خففوا من وتيرة الهجمات في الأسابيع الأخيرة.

فرصة يمكن استغلالها

وبينما يرى بعض الإسرائيليين أن ضعف إيران وميليشياتها فرصة يمكن استغلالها وبخاصة من خلال استهداف البرنامج النووي لطهران، يحذر آخرون من أن القيام بذلك ربما يدفع المنطقة إلى وضع أقل استقراراً، وعلى سبيل المثال اعتبر المدير السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي أفنير غولوف أنه لا يمكن أن تكون هناك ظروف أفضل لحملة عسكرية إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

ويزيد من هذه التوقعات ما صرح به نتنياهو علناً بأن وقف إطلاق النار في لبنان من شأنه أن يسمح لإسرائيل بالتركيز على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية التي تعدها إسرائيل تهديداً وجودياً، ووصف القيام بذلك بأنه أولوية قصوى بالنسبة إليه، بعدما دمرت إسرائيل بالفعل كثيراً من الدفاعات الجوية الإيرانية في الغارات الجوية الأخيرة.

ويتسق كل هذا مع تهديد إسرائيل المستمر منذ عقدين باستخدام العمل العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، إذ اعتقدت أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع طهران من تطوير أسلحة نووية، وناقشت الحكومة الإسرائيلية مثل هذه العملية منذ عام 2010، وفقاً لتصريحات مسؤولين إسرائيليين سابقين.

وخلال الأشهر القليلة الماضية شهدت الحرب الحالية أول تبادل مباشر لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بما في ذلك هجومان صاروخيان واسعا النطاق على إسرائيل، وجولتان من الغارات الجوية الإسرائيلية في إيران، التي قال نتنياهو إنها استهدفت الدفاعات الجوية للبلاد ومواقع إنتاج الصواريخ وموقعاً مرتبطاً بالبرنامج النووي للبلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المواجهة المباشرة

وفي حين كانت المواجهات بين طهران وتل أبيب تتجه نحو خفض التصعيد، إلا أن التصعيد الحالي قد يقود إلى المواجهة المباشرة بينهما، ومع ذلك بدت المناقشات في إسرائيل حول مهاجمة المواقع النووية الإيرانية وكأنها لا تزيد على مجرد أحاديث تهديدية قاسية، لأن إسرائيل تفتقر إلى القاذفات والقنابل الخارقة للتحصينات اللازمة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض، كما يقول المدير الأول لبرامج الشرق الأوسط في "المجلس الأطلسي" في واشنطن العاصمة ويليام ويكسلر.

وعلى رغم إجماع الخبراء في الشأن الإيراني في واشنطن على أن ثمن مثل هذا التصعيد قد يكون مرتفعاً للغاية، فإنه مع تجريد إيران من الدفاعات الجوية وحال الفوضى التي يعيشها "حزب الله" و"حماس"، فإن احتمالات توجيه ضربات إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني أعلى بكثير مما كانت عليه في الماضي.

لكن العقبة الأهم هي أن المنشآت النووية الإيرانية منتشرة في جميع أنحاء البلاد وبعضها محصن في أعماق الأرض، مما يجعل أي محاولة من جانب إسرائيل لتدميرها تحدياً عسكرياً يمكن أن يضع المنطقة، مرة أخرى، على شفا صراع أوسع نطاقاً.

وفي الوقت نفسه يعتقد الصقور في طهران أن تسليح برنامج إيران النووي يمكن أن يخلق الردع الذي فقدته مع ضعف حلفائها من الميليشيات المختلفة، لكن التحرك في هذا الطريق من شأنه أن يدعو إلى هجمات.

بايدن وترمب

وخلال المراحل الأخيرة من الصراع العسكري والضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، حذرت إدارة بايدن إسرائيل من ضرب المنشآت النووية الإيرانية تجنباً لتوسيع نطاق الحرب الذي سعت إليه إدارة بايدن منذ بدء الحرب، وعلى النقيض من ذلك يبدو أن الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي قال إنه يريد إنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، قد يكون منفتحاً على عملية عسكرية لمرة واحدة ضد إيران، ومن الأفضل أن تأتي قبل موعد تسلمه السلطة في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025.

وربما يكون السبب وراء ذلك أن إيران خططت لاغتيال ترمب وفقاً لتقارير استخباراتية أميركية، كما أشرف ترمب على عمليات استراتيجية في الماضي، مثل إصداره أوامر بقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في عام 2020.

وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل ستكون في مأزق إذا فضل ترمب محاولة عقد صفقة مع إيران، لأنه من دون الدعم الأميركي العسكري لتل أبيب ستواجه إسرائيل صعوبة في شن حملة عسكرية فعالة ضد إيران، بخاصة أن تنفيذ هذه الضربات يحتاج إلى قاذفات ثقيلة أميركية من نوع "بي-1"، أو "بي-2" الشبحية، التي يمكن لها أن تحمل الذخائر الثقيلة للغاية الموجهة بدقة والقادرة على اختراق الحصون الضخمة، وهو ما لم تفعله أي إدارة أميركية سابقة مع أي دولة أجنبية أخرى.

ومنذ انتخاب ترمب في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري ظل المسؤولون الإيرانيون يرسلون إشارات إلى أنهم مستعدون للمشاركة في الجهود الدبلوماسية في شأن البرنامج النووي، كما عبر ترمب عن اعتقاده بأنه لا يسعى إلى إطاحة القيادة الإيرانية ولا يريد صراعاً مع طهران، كما أشاد بالشعب الإيراني.

وفي ولايته الأولى انسحب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني، بحجة أنه لم يكن صارماً بما يكفي لمنع طهران من تطوير برنامج للأسلحة النووية.

ومع استمرار الحرب في غزة بسبب تواصل المواقف المتحجرة بين الجانبين تبدو الأمور مقلقة حيال ما يمكن أن يحمله المستقبل، وهو ما عبر عنه وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر، حين قال "نحن لسنا في نهاية البداية، ولكننا بالتأكيد لسنا في بداية النهاية، لأن لدينا كثيراً من العمل الذي يتعين علينا القيام به".