الجيش السوري وحلفاؤه يعدون لهجوم مضاد على الفصل المسلحة في مدينة حلب (اندبندنت عربية)
ما يجري شمال سوريا منذ أيام أعاد للأذهان صور الحرب التي اشتعلت في البلاد بين 2012 و2020، بعدما استولت فصائل مسلحة معارضة لنظام دمشق على محافظات عدة ثم بدأت عملية استردادها من الجيش السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، حتى انتهت بتجميع فصائل المعارضة المسلحة في إدلب ومواقع صغيرة قريبة منها.
مدينة حلب التي استردتها حكومة دمشق عام 2016 عبر اتفاق روسي - تركي قبضت عليها المعارضة المسلحة مرة أخرى بعد ثماني سنوات، ومع سقوطها يحضر السؤال حول حال مدن أخرى عادت إلى أحضان الدولة بقوة السلاح وليس عبر مصالحة وطنية اتفق عليها السوريون وقرروا على ضوئها فتح صفحة جديدة في تاريخهم الحديث.
درعا وريف دمشق وحمص وحماة وأماكن أخرى عاشت تجربة "الخروج عن طاعة" نظام بشار الأسد خلال السنوات الماضية، يتفرج أهلها اليوم على هجوم "تحرير الشام" والموالون لها في حلب ويترقبون رد الفعل الذي يعد له الجيش السوري بالتنسيق مع حلفائه في موسكو وطهران، كي يتلمسوا الفرق بين الماضي والحاضر إن وجد.
اعتاد النظام وحلفاؤه على اتباع سياسة الأرض المحروقة لاسترداد المحافظات الخارجة عن سيطرتهم، فتهدمت أحياء ومناطق واسعة ونزح ملايين البشر في المعارك التي كانت تنتقل من مدينة إلى أخرى، لكن الظروف الداخلية والخارجية تغيرت وعديد من نقاط قوة النظام والدول الداعمة له لم تعد قائمة اليوم سواء في البر أو الجو.
الآلة العسكرية الروسية كانت في أوج قوتها عندما تدخلت موسكو في الحرب السورية نهاية 2015، كانت المدن السورية ميدان اختبار لمختلف أنواع الأسلحة التي أنتجتها موسكو وتود معرفة قدراتها وإمكاناتها، وكانت القوات الروسية تعيش رفاهية في العديد والعدد كي تدعم النظام السوري بكل ما يحتاج إليه على امتداد خمس سنوات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحرب التي يخوضها الروس في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2024 حدت كثيراً من إمكانات موسكو العسكرية، حتى باتت تعتمد على عناصر أجنبية في القتال ضد الأوكرانيين أخيراً، من بينهم سوريون أرسلوا من مناطق بشار الأسد إلى الجبهة الأوكرانية رداً لجميل الحليف الذي وقف مع النظام ضد المعارضة سياسياً وعسكرياً.
الروس أيضاً قبل سنوات كان لهم "دلال" على الأتراك استغلوه للتفاهم مع الرئيس رجب طيب أردوغان في شأن الملف السوري، وما كان خروج المعارضة السورية من حلب في عام 2016 إلا وجهاً من وجوه التفاهم بين أنقرة وموسكو، الذي تغذى على ظروف دولية تغيرت بصورة ملحوظة اليوم لمصلحة الأتراك أكثر من الروس.
الروس أيضاً استغلوا انشغال العالم بالحرب على الإرهاب في سوريا والعراق كي يقفوا إلى جانب الأسد ضد المعارضة، ولكن "دولة الخلافة" سقطت والحرب على "داعش" تحولت إلى عمليات صيد تمارسها قوات التحالف الدولي في حق قادة التنظيم الإرهابي كلما ظهر أحد منهم أو حاولت مجموعة داعشية تنفيذ عملية هنا أو هناك.
الإيرانيون كذلك تذرعوا بالحرب على الإرهاب عندما وقفوا إلى جانب نظام الأسد قبل أكثر من 12 عاماً، أولاً دفعوا بـ"حزب الله" اللبناني إلى سوريا ومن ثم توافدت ميليشيات طهران العراقية والأفغانية وغيرها، تلتها قوافل الضباط والمستشارين والمدربين من الحرس الثوري وعلى رأسهم قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.
يعيش "حزب الله" اليوم أسوأ حالاته ولا يزال يلملم جراحه في حرب اشتعلت بينه وبين إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بعدما هاجمت حركة "حماس" الفلسطينية جنوب إسرائيل، وقرر الحزب نصرتها ودعمها استجابة لمبدأ "وحدة الساحات" في ما يسمى "محور المقاومة" الذي تنتمي إليه سوريا ولكنها لم تلتزم وحدة جبهاته.
فقد "حزب الله" كثيراً من قوته في لبنان وخارجها، لأن إسرائيل تستهدف مسلحيه وجميع عناصر الميليشيات الإيرانية في سوريا أيضاً، كما تطارد ضباط الحرس الثوري الإيراني ومستشاريه الذين ينصحون الأسد ميدانياً ويديرون المعارك مع جيشه عندما تشتعل جبهات بين دمشق وفصائل المعارضة المسلحة، كما يحدث اليوم في حلب.
ولعل ما لحق بـ"حزب الله" والقوات الإيرانية في سوريا هو ما شجع فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "تحرير الشام" على المضي نحو حلب وإطلاق عملية "رد العدوان"، وإن اتضح خلال الأيام المقبلة أن الظرف الدولي والإقليمي يشجع على انتهاز هذه الفرصة والدفع نحو تحرير البلاد من نفوذ طهران فيمكن حينها أن تتسع الحرب.
اشتعال المواجهة مع قوات النظام لا تحتاج إلى أكثر من أسلحة فردية تتوافر بكثرة في سوريا، كذلك فإن رفدها بأنواع ثقيلة لن يكون مهمة مستحيلة بالنسبة إلى أطراف عديدة في المنطقة ترغب باشتعال الحرب السورية مجدداً، وبخاصة بعد ما تبين من ضعف في دفاعات الجيش السوري على خط الجبهة في حلب، المهمة جداً والملاصقة لمحافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة وقريبة من قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري.
على رغم هذا ثمة أمران يدفعان إلى التروي قبل "الخروج" على الدولة مجدداً في أي محافظة كانت، الأول هو أن المعارضة المسلحة لم تنجح في إدارة مناطقها ولم تقدم للعالم نموذجاً بديلاً عن الأسد عندما سنحت لها الفرصة، والثاني هو مدى استعداد السوريين لتحمل مزيد من النزوح والدمار والموت إذا ما اتضح أن العالم يرفض تغيير النظام عسكرياً حتى الآن، وما زال في جعبة الأسد أوراق يساوم عليها الحلفاء والخصوم.