"مشهد" الإيرانية تستقبل السعوديين بعد أعوام القطيعة

آخر تحديث 2024-12-03 22:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

لقطات خاصة من انهاء المسافرين إجراءات سفرهم على الطائرة من الدمام (اندبندنت عربية)

شهدت العلاقات السعودية-الإيرانية زخماً متلاحقاً في الأوان الأخيرة على وقع التطورات الدولية المتلاحقة، مثل اندلاع الصراع في غزة ولبنان مع إسرائيل وانتخاب ترمب مجدداً، والآن أضيفت التطورات في سوريا إلى الملفات الشائكة التي يسارع البلدان خطاهما للتنسيق في شأنها.

يأتي ذلك في وقت تستقبل فيه "مشهد" الإيرانية أول القادمين إليها مباشرة من الدمام شرق السعودية منذ القطيعة السياسية قبل نحو 10 أعوام، في رحلة تابعة للخطوط الإيرانية، جدولت مرتين في الأسبوع، في يومي الثلاثاء والخميس، ذهاباً وإياباً.

وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر سعودية أن السفارة لدى طهران بدأت تستعد للتعامل مع التحول الجديد، إذ كانت العلاقات السابقة بين البلدين تقتصر على الجوانب السياسة، وتوافد الحجاج والمعتمرين الإيرانيين على مكة والمدينة، إلا أن تطور اليوم قد يدفع بالرياض إلى إحياء عمل قنصليتها لدى مشهد، التي يتردد عادة بعض السعوديين من الطائفة الشيعية على مزارات فيها ومراقد يصنفونها مقدسة، بوصفها مثوى أئمة للمذهب الذي يعتنقونه، مثل علي بن موسى الرضا.

محطة لها ما بعدها

وأعرب السفير الإيراني لدى السعودية علي رضا عنايتي عن تثمين بلاده تسهيل عمل رحلة الدمام، بعد رحلات جدة والمدينة المنورة الخاصة بزوار الحرمين الشريفين، إلا أنه لفت إلى أن الطموح أكبر من هذا المستوى من الرحلات، وأنهم يتطلعون إلى رحلات مباشرة بين العاصمتين.

وقال في تصريح لـ"اندبندنت عربية" بعد استقبال مندوبه الطائرة الأولى في الدمام "وقفت هذه الرحلة طوال الأعوام الماضية، واليوم نعبر عن شكرنا وتقديرنا لما قامت به الجهات المسؤولة في المملكة العربية السعودية بتسهيل هذا الأمر"، مؤكداً أن ما سماه "انسيابية التنقل والمرور بين مواطني كلا البلدين"، عامل مهم في "ترسيخ العلاقات البينية بين الدولتين الشقيقتين وتوطيدها وهذه هي ترجمة حقيقية لمعنى الأشقاء".

وأضاف "إن شاء الله هذه المحطات تفعّل بين مختلف المدن الإيرانية ومختلف المدن السعودية بما فيها الرياض، ونحن نطبق وننفذ ما رسمه لنا القادة، ومثل هذا الأمر ليس كل ما نتمناه بل طموحنا أكبر في هذا المجال".

بعد صفقة بكين في مارس (آذار) 2023 عمل الفريق الفني السعودي على إعادة افتتاح سفارة السعودية لدى طهران والقنصلية العامة في مشهد، التي جرى العبث بمقرها في 2016 وإحراق بعض أجزاء المبنى، مما أسهم في انهيار علاقات البلدين حينها.

ماذا تعني "مشهد" للسعوديين؟

وتعتبر مشهد عاصمة إيران الروحية أو "كربلاء صغرى"، والوجهة الأولى للزوار الشيعة في الجمهورية لوجود مرقد الإمام الرضا فيها الذي سميت به، وثاني أكبر مدن البلاد سكاناً وأغناها بالإرث الحضاري والتاريخي، حتى قبل مدينة المرجعية "قم" المشهورة بضمها أشهر الحوزات العلمية للمسلمين الشيعة بعد "النجف" في العراق.

تبعاً لذلك فإن تسهيل الرحلات منها وإليها يمثل انفراجاً كبيراً للمهتمين، ممن تشير المصادر إلى أن بعضهم يقصدها عبر بلد ثالث في أعوام توتر العلاقة.

كان المسؤول في شركة الخطوط الجوية الإيرانية شمس الدين بور، أعلن استئناف رحلات أسبوعية من مشهد إلى مدينة الدمام السعودية اعتباراً من اليوم الثلاثاء، بعد انقطاع دام 14 عاماً.

 وفي مؤتمر صحافي له أمس الإثنين صرح بور بأنه "من أجل زيادة حجم النشاط الاقتصادي والسياسي والسياحي مع المملكة العربية السعودية، سيتم تسيير رحلات أسبوعية"، معتبراً أن توسيع مسارات الطيران وتنشيطها بين دول المنطقة والمدن الدينية في بلاده "له أهمية خاصة".

وذكرت وكالة الطلبة الإيرانية أن "نائباً من السفارة الإيرانية وممثل الخطوط الجوية الإيرانية وممثلين من الهيئة العامة للطيران المدني السعودية رحبوا بالركاب القادمين إلى الدمام وأكدوا ضرورة تسهيل حركة الأفراد بين البلدين".

ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت الرحلتان الأسبوعيتان، تعنيان رفع الحظر عن سفر السعوديين إلى طهران بعد اندلاع الأزمة 2016، أم أنها تقتصر على الجوانب العبادية لشريحة من السكان، وفق ترتيب معين لم يكشف عنه بعد.

ولم يعلق السفير السعودي لدى إيران عبدالله العنزي على سؤال "اندبندنت عربية" حول الآلية التنظيمية في هذا السياق.

تفعيل اتفاقية بكين

لكن المحلل الأمني السعودي اللواء أحمد الميموني، رأى في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن زيارة مسؤول عسكري كبير طهران قبل أسابيع، خطوة من شأنها أن تمهد إلى تفعيل الجانب الأمني والعسكري في اتفاقية بكين، وهو ما قد يتطلبه أي تبادل طبيعي للزيارات بين مواطني الجارتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتربط البلدين اتفاقية أمنية منذ عام 2001، اعتبرت أساساً ومرجعاً لاتفاقية بكين وفق اللواء الميموني، إلى جانب الاتفاقية ذات الأهداف العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة عام 1998. وتضمنت الاتفاقية الأمنية تعهد الطرفين ببذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

ولفت السفير عنايتي من جهته إلى أن وزيري خارجية البلدين لدى لقائهما في بكين "أكدا على مثل هذا الأمر، يعني تيسير شؤون التنقل وتسهيل زيارة مواطني البلدين لبعضهما"، مضيفاً "في كل الأحوال هذه خطوة أخرى نحو تمتين العلاقات، وبخاصة أن الشعبين ينتفعان بها".

سوريا تختبر العلاقة مجدداً

ورأت أطراف إيرانية في إدانة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان استهداف إسرائيل الأراضي الإيرانية أثناء قمة المتابعة المشتركة نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بادرة متقدمة في إظهار حسن النوايا من رجل الإقليم القوي، وهي رسالة انعقد عليها الإجماع الخليجي في قمة المنظومة على مستوى القادة التي أقيمت أخيراً في الكويت، إذ تضمنت الفحوى نفسها في بيانها الختامي.

لكن تطور الأحداث في سوريا، وإصرار طهران على الزج بكل ثقلها خلف النظام في دمشق واعتبار كل معارضيه جماعات إرهابية، قد يدفع بالإقليم إلى مزيد من التوتر، ويضيف اختباراً آخر إلى تفاهمات الرياض وطهران، ويظهر حجم قدرتهما على التأثير الإيجابي في الملفات الإستراتيجية المؤثرة في أمن الإقليم واستقراره في المدى القريب والمتوسط، وربما الأبعد، إذا عاد الصراع الدولي على النفوذ في دمشق، بعد انشغال طويل عنها وانسداد أفق، حاول العرب أن يستغله النظام السوري في إيجاد مقاربة تنقذ البلد من الانهيار، إلا أن الفيتو الإيراني تردد أنه ظل معيقاً لأي تقدم.

ويعلق البلدان بصورة مستمرة على علاقاتهما أن تؤثر إيجاباً ليس في علاقاتهما الثنائية فقط، ولكن أيضاً في المنطقة برمتها، لا سيما في جانب الأمن والاستقرار والتنمية.