سوريا تعيش تجربة النزوح المرير مجدداً (أ ف ب)
كتبت هذه المقالة عبر "تشات جي بي تي" وأجريت عليها تعديلات لغوية بما يناسب أسلوب "اندبندنت عربية"
تشهد سوريا تصاعداً في التوترات العسكرية والسياسية بعد أعوام من الصراع الذي تحول إلى أزمة إنسانية وسياسية معقدة. واليوم فإن عودة الاشتباكات وتصاعد العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من البلاد يؤشر إلى استمرار تعقيدات النزاع السوري، إذ تتقاسم القوى الإقليمية والدولية النفوذ والمصالح. لفهم هذه الديناميات، يتعين تحليل أدوار القوى الفاعلة في سوريا، والنظر إلى مستقبل البلاد في سياق التطورات الإقليمية والدولية.
على مدار أكثر من عقد، أصبحت سوريا ساحة مفتوحة لصراع متعدد الأطراف. عودة التوترات الحالية تعكس ديناميات متجددة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية. تركيا، على سبيل المثال، تسعى جاهدة لتوسيع نفوذها في الشمال السوري تحت مبرر مكافحة الجماعات الكردية التي تعدها تهديداً لأمنها القومي. في المقابل تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على وجودها العسكري في شمال شرقي سوريا، إذ تدعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بهدف مواجهة تنظيم "داعش"، فإن هذا الوجود يثير حفيظة كل من تركيا وروسيا.
روسيا بدورها تعد أحد أبرز اللاعبين في المشهد السوري، إذ تدعم النظام السوري عسكرياً وسياسياً. تدخلها في الصراع منذ 2015 أعاد للنظام السوري سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد، لكنها تواجه تحديات في الحفاظ على هذا النفوذ، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة والتوترات مع الدول الغربية. إلى جانب روسيا، تلعب إيران دوراً رئيساً في دعم النظام، إذ تعتمد طهران على سوريا كجزء من استراتيجيتها الإقليمية لتأمين نفوذها في الشرق الأوسط وربط حلفائها في العراق ولبنان.
الدور الأميركي يتركز على محورين رئيسين، محاربة الإرهاب، ومحاولة تقليص النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة. فإن سياسات واشنطن تجاه سوريا تبدو غير مستقرة، مما يترك مجالاً للقوى الأخرى للتقدم وفرض رؤاها. تركيا، على سبيل المثال، تستغل التردد الأميركي لتعزيز عملياتها في المناطق الحدودية. أما إسرائيل، فتواصل تنفيذ ضربات جوية متكررة داخل سوريا، مستهدفة مواقع إيرانية وأخرى تابعة لـ"حزب الله"، في محاولة لإضعاف الوجود الإيراني وتقليص تهديداته.
التوترات الأخيرة تأتي في سياق إقليمي مضطرب، إذ تشهد المنطقة تحولات سياسية وأمنية مهمة. فالموقف في سوريا في ظل دعم إيران النظام السوري كجزء من استراتيجيتها الإقليمية. من ناحية أخرى يشير التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وروسيا، على خلفية الحرب الأوكرانية وتداعياتها العالمية، إلى أن سوريا قد تظل ساحة للصراع بالوكالة بين القوى الكبرى.
في الوقت ذاته، يبدو أن النظام السوري يعتمد استراتيجية متعددة الجوانب للبقاء في السلطة. على رغم ضعفه الاقتصادي والعسكري، يستفيد النظام من الدعم الروسي والإيراني للحفاظ على سيطرته. كما أنه يسعى إلى تحسين علاقاته مع الدول العربية، إذ شهدنا أخيراً خطوات لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية. لكن هذه الجهود تصطدم بواقع معقد يتمثل في استمرار العقوبات الغربية، واستمرار النزاعات على الأرض، وفشل النظام في تقديم إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مستقبل سوريا يظل غامضاً في ظل هذه التشابكات. عودة التوترات العسكرية قد تشير إلى استمرار الصراع لفترة أطول، إذ يبدو أن الأطراف المختلفة غير مستعدة للتوصل إلى تسوية شاملة. من جهة، هناك احتمال لتعزيز التقسيم الفعلي للبلاد، مع بقاء مناطق نفوذ مختلفة تحت سيطرة تركيا، والولايات المتحدة، والنظام السوري المدعوم من روسيا وإيران. من جهة أخرى فإن استمرار الأزمة الاقتصادية داخل سوريا، والتحديات الإنسانية، يفاقم معاناة الشعب السوري ويدفع بمزيد من اللاجئين إلى البحث عن الأمان خارج الحدود.
التطورات الإقليمية قد تؤدي إلى إعادة صياغة المواقف، خصوصاً إذا استمر التقارب بين الدول العربية وإيران، أو إذا قررت تركيا تحسين علاقاتها مع النظام السوري ضمن إطار اتفاقات إقليمية. ولكن، لتحقيق السلام والاستقرار، ستحتاج سوريا إلى جهود دولية حقيقية تركز على إنهاء النزاع بصورة شاملة، مع ضمان احترام تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة.
ومن ثم، فإن عودة التوترات في سوريا ليست مجرد تصعيد عابر، بل انعكاس لصراعات متشابكة بين قوى داخلية وخارجية تسعى لتحقيق مصالحها. ومع غياب أفق واضح للحل، يظل الشعب السوري هو الخاسر الأكبر في هذا الصراع المستمر، مما يجعل الحاجة إلى تسوية شاملة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.