مع عودة ترمب إلى الرئاسة قد يتعين على لندن الاختيار بين بروكسل وواشنطن (إماجين 3/ جيميني)
افتتح رئيس الوزراء البريطاني خطابه الذي ألقاه في "مانشن هاوس" بلندن حول السياسة الخارجية البريطانية بإعلان آخر من تصريحاته المبالغ فيها، إذ قال "الفكرة القائلة بأنه يجب علينا الاختيار بين حلفائنا، وأن نحسم أمرنا إما إلى جانب أميركا أو أوروبا، هي فكرة خاطئة تماماً. وأنا أرفضها تماماً".
وسخرت جملته التالية مما طرحه آنفاً عندما قال "إن رئيس الوزراء السابق أتلي لم يختر بين الحلفاء"، لكن في الواقع لقد فعل أتلي ذلك تحديداً. فقد رفض كليمنت أتلي المشاركة في الخطوات الأولى لعملية التكامل الأوروبي - واعتبر أن التحالف البريطاني عبر الأطلسي، هو العلاقة الأساسية في سلم أولويات بلاده.
قد يشعر أولئك الذين يبجلون أسطورة رئيس الوزراء أتلي الذي قد يبلغ في نظرهم مستوى القديسين، بالرعب بسبب رده على طلب [رئيس وزراء بريطانيا] هارولد ماكميلان للانضمام إلى السوق المشتركة عام 1962، حين أجاب، "أنا أعترف أنني أشعر بانزعاج شديد. فهل نتحالف مع ست دول من القارة الأوروبية... أربع من بين تلك الدول كنا قد قمنا في إنقاذها قبل 20 سنة فحسب، أو نحو ذلك، من هيمنة الدولتين الأخريين. والآن علينا أن نذهب إليهم وأن ننحني أمام من كنا نظن أننا قد هزمناهم في الحرب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كير ستارمر كان محقاً عندما قال "إن المصلحة الوطنية تقتضي منا أن نعمل مع كل منهما"، أي أميركا وأوروبا. ولكن فكرة أنه لن يتحتم على بريطانيا أبداً أن تقوم في المفاضلة بينهما هو "تمني مستحيل". رئيس الوزراء ستارمر يختلف عن بوريس جونسون في نواح كثيرة، لكن أحياناً يتطابق منطقهما، خصوصاً حول اعتقاد بقدرتنا على الحصول على الكعكة وأكلها في الوقت ذاته [والمقصود تمني شيئين يتعارضان مع بعضهما بعضاً].
في أحيان أخرى، يبدو ستارمر أشبه برئيس الوزراء السابق توني بلير، الذي كانت مواقفه المفضلة مرتكزة على إعلانه أنه لن يتبنى سياسة متطرفة إلى جانب هذه الجهة أو تلك، معتمداً على أنه قادر على سلوك خط وسطي بينهما. بلير أيضاً كان يعتقد أنه ليس مضطراً للاختيار بين أميركا وأوروبا وربما في أيامه البريئة الأولى كان يصدق مثاليته التافهة بأن بلاده يمكنها أن تكون جسراً بين الجانبين.
إلى أن انهار ذلك الجسر تحت وطأة وضغوط الحرب الوشيكة في العراق. وعلى رغم أن أوروبا كانت منقسمة على نفسها بسبب تلك الحرب، مع تأييد كل من إسبانيا ودول "أوروبا الجديدة" في شرق القارة لتلك الحرب، فيما كان معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي معارضة لها. لذلك كان بلير قد واجه المعضلة من دون أن يتوفر لديه في حينه موقف وسطي كخيار.
وإذا واجه ستارمر خياراً مماثلاً في شأن مسألة مستقبل التجارة، فلا شك في أنه سيتخذ الخيار المعاكس، وهو الانحياز إلى جانب أوروبا، إذ إن بريطانيا لديها تجارة مع الاتحاد الأوروبي تبلغ ضعف حجم تبادلها التجاري مع الولايات المتحدة، وتتوافر لدى بريطانيا خيارات واقعية لتسهيل التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حين أن أي وهم حول إمكانية عقد اتفاق بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، سرعان ما يصطدم بعقبات الدجاج [الأميركي] المغسول بمادة الكلورين، ولحوم الأبقار [الأميركية] التي تحوي الهرمونات، والعراقيل في الكونغرس.
من المفترض أن يكون رئيس الوزراء مسروراً بالأخبار التي وردت الإثنين الماضي عن ترشيح دونالد ترمب أحد كبار الممولين للحزب الجمهوري وارن ستيفانز، سفيراً لبلاده لدى المملكة المتحدة. ويعد ستيفانز من أشد المدافعين عن التجارة الحرة، إذ قال ذات مرة، "لقد رفع النظام الرأسمالي والتجارة الحرة عدداً أكبر من الناس من الفقر بالمقارنة مع أي نظام اقتصادي آخر على مر التاريخ".
ولكن هذا لا يعني أن التهديد الأميركي بفرض تعريفات جمركية إضافية قد زال تماماً. فقبل أسبوعين فحسب، عبر ستيفن مور، مستشار الرئيس المنتخب بصورة أكثر واقعية عن رؤية الرئيس ترمب للعالم عندما قال، "على بريطانيا أن تقرر - هل تريد أن تنحاز نحو النموذج الاشتراكي الأوروبي أم أنها تريد أن تخطو لاعتماد مثال السوق الحرة الأميركية؟".
عملياً، يميل تبجح الرئيس ترمب إلى أن يكون أقوى من أفعاله. فقد كانت لديه نفس الغرائز الحمائية في آخر مرة كان فيها رئيساً - وهو لم يقم بفرض سوى رسوم جمركية محدودة، لكنه شخصية متنمرة وسيرغب في جعل ستارمر يتلوى فزعاً. فقد كان من اللافت للنظر، على سبيل المثال، أن خطاب ستارمر في "مانشن هاوس" قد تضمن إشارة للمرة الأولى إلى "المفاوضات" لإنهاء الحرب في أوكرانيا. من المؤكد أن التنصيب الوشيك لترمب قد حول الأذهان في جميع أنحاء العالم نحو كيفية إنهاء تلك الحرب في أوكرانيا، ولكن إذا أجبر ترمب ستارمر على الاختيار بين إعطاء الأولوية للتجارة مع الولايات المتحدة أو التجارة مع الاتحاد الأوروبي، فلا شك أن ستارمر سيكون ملزماً في أن يختار الاتحاد الأوروبي.