بشار الأسد امتد حكمه إلى 24 عاماً (أ ف ب)
استعان الرئيس السوري بشار الأسد بالقوة العسكرية الروسية والإيرانية لصد قوات المعارضة خلال أعوام الحرب الأهلية لكنه لم يتمكن من إلحاق الهزيمة بهم قط، مما ترك حكمه هشاً أمام تقدمهم المذهل في وقت انشغل فيه حلفاؤه بحروب أخرى.
قال ضابطان كبيران في الجيش السوري لـ"رويترز"، إن الأسد الذي امتد حكمه لـ24 عاماً غادر دمشق إلى وجهة غير معلومة في ساعة مبكرة من صباح اليوم الأحد.
وأعلنت المعارضة "تحرير مدينة دمشق وإسقاط الطاغية بشار الأسد"، وقال ضابط سوري، إن قيادة الجيش أبلغت الضباط أن حكم عائلة الأسد، الذي بدأ قبل نحو 50 عاماً، انتهى.
وأطلقت الفصائل المعارضة المسلحة في بيانها على بشار الأسد صفة "الطاغية"، وأعلنت "الطاغية بشار الأسد هرب من دمشق".
وأسقط مقاتلون تماثيل للرئيس الراحل حافظ الأسد، والد بشار، وأخرى لباسل شقيق بشار في المدن التي سيطرت عليها المعارضة، ومزقوا صور بشار في الشوارع والمباني الحكومية، أو داسوا عليها أو أحرقوها أو ثقبوها بالرصاص.
أصبح الأسد رئيساً عام 2000 بعد وفاة والده ليواصل حكم العائلة الصارم وهيمنة الطائفة العلوية في الدولة ذات الغالبية السنية مع الحفاظ على وضع سوريا كحليف لإيران معاد لإسرائيل والولايات المتحدة.
وكثيراً ما قدم الأسد نفسه حامياً للأقليات وحصناً ضد التطرف والفوضى، وحظي بدعم من روسيا وإيران و"حزب الله" اللبناني في النزاع مكنه من استعادة السيطرة على الأرض اعتباراً من عام 2015 بعدما كانت قواته خسرت أجزاء واسعة من الأراضي السورية.
باستثناء صور قليلة له بالزي العسكري قد يصادفها زائر دمشق أو مدن أخرى عند نقاط أو حواجز أمنية، ظهر الأسد دائماً بطوله الفارع وبنيته الجسدية النحيلة، ببزات رسمية وربطة عنق. وكانت لافتة مشاهد الأيام الماضية عندما أقدم مقاتلون معارضون في مناطق مختلفة من سوريا على إحراق هذه الصور أو تمزيقها أو تحطيمها.
في اجتماعاته الرسمية، وخلال استقباله ضيوفاً، في المقابلات أو حتى خلال تفقده الجبهات في أشد سنوات النزاع عنفاً، يتكلم بشار الأسد، طبيب العيون السابق دائماً بنبرة هادئة ولكن حازمة تتخللها لحظات توقف وابتسامات غامضة.
تأثر حكم بشار في سنواته الأولى بحرب العراق والأزمة في لبنان قبل أن تشتعل الحرب الأهلية التي اندلعت في أعقاب الربيع العربي عام 2011 عندما خرج السوريون إلى الشوارع مطالبين بالديمقراطية، ليواجهوا قوة غاشمة.
في عام 2018، وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه "حيوان" لاستخدامه أسلحة كيماوية، وهو الاتهام الذي نفاه، وصمد الأسد رغم أن عديداً من القادة الأجانب اعتقدوا أن نهايته وشيكة في الأيام الأولى من الصراع عندما فقد مساحات شاسعة من سوريا لمصلحة المعارضة.
وبمساعدة الضربات الجوية الروسية والجماعات المسلحة المدعومة من إيران، تمكن الأسد من استعادة معظم الأراضي خلال سنوات من الهجمات العسكرية بما في ذلك فرض حصار على بعض المناطق شبهه محققو الأمم المتحدة بأنه من أساليب "القرون الوسطى".
ومع انحصار المعارضة إلى حد كبير في زاوية من شمال غربي سوريا، شهد حكم الأسد هدوءاً نسبياً لسنوات عدة إلا أن أجزاء كبيرة من البلاد ظلت خارج سيطرته وعانى الاقتصاد من العقوبات الدولية.
استأنف الأسد العلاقات مع الدول العربية التي تحاشته في السابق لكنه ظل منبوذاً بالنسبة لمعظم دول العالم ولم ينجح قط في إحياء الدولة السورية المدمرة التي تقهقر جيشها سريعاً أمام تقدم المعارضة.
ولم يدل الأسد بأي تصريحات علنية منذ سيطرة المعارضة على حلب قبل أسبوع، لكنه قال في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني، إن التصعيد يهدف إلى إعادة رسم المنطقة من أجل المصالح الغربية، وهو ما يعكس وجهة نظره في شأن الانتفاضة باعتبارها مؤامرة مدعومة من الخارج.
وفي تبريره للتعامل مع المعارضة في المراحل الأولى، شبه الأسد نفسه بالجراح. وقال عام 2012 "هل نقول له: أيديك ملطخة بالدماء؟ أم نشكره على إنقاذ المريض؟".
وفي بدايات الصراع مع استيلاء المعارضة على مدينة تلو الأخرى، كان الأسد يتمتع بقدر كبير من الثقة، وقال للجيش الحكومي بعد استعادة بلدة معلولا عام 2014 "سنضربهم بيد من حديد وستعود سوريا كما كانت".
وأوفى الأسد بالوعد الأول لكنه لم يف بالوعد الثاني، فعلى رغم مرور سنوات ظلت أجزاء كبيرة من سوريا خارج سيطرة الدولة ودمرت المدن وتجاوز عدد القتلى 350 ألفاً وفر أكثر من ربع السكان إلى الخارج.
خطوط حمراء
حظي الأسد بدعم سوريين اعتقدوا أنه ينقذهم من الإسلاميين المتشددين، ومع بزوغ الجماعات المسلحة المتأثرة بفكر تنظيم "القاعدة"، تردد صدى هذا الخوف بين الأقليات، وسعت قوات المعارضة إلى طمأنة المسيحيين والعلويين وغيرهم من الأقليات بضمان حمايتهم خلال تقدمها في الأيام الماضية.
تشبث الأسد بفكرة أن سوريا هي معقل القومية العربية العلمانية حتى مع اتخاذ الصراع منحنى أكثر طائفية، وفي حديثه لمجلة "فورين أفيرز" عام 2015، قال الأسد إن الجيش السوري "يتألف من كل أطياف المجتمع السوري"، لكن بالنسبة لخصومه، كان الأسد يذكي نيران الطائفية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتزايدت النزعة الطائفية للصراع مع وصول مقاتلين شيعة مدعومين من إيران من مناطق بالشرق الأوسط لمد يد العون للأسد، وفي ظل دعم دول سنية مثل تركيا وقطر للمعارضة
أكد مسؤول إيراني كبير أهمية الأسد لبلاده عندما أعلن عام 2015 أن مصيره يشكل "خطاً أحمر" بالنسبة لطهران.
وفي حين ساعدت إيران الأسد، لم تتمكن الولايات المتحدة من فرض "خطها الأحمر" الذي حدده الرئيس باراك أوباما عام 2012 ضد استخدام الأسلحة الكيماوية، وخلصت التحقيقات المدعومة من الأمم المتحدة إلى أن دمشق استخدمت الأسلحة الكيماوية.
في عام 2013، أدى هجوم بغاز السارين على الغوطة التي كانت تحت سيطرة المعارضة إلى مقتل المئات، لكن موسكو توسطت في اتفاق لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية بهدف تجنب أي تحرك من الولايات المتحدة.
ومع ذلك، استمر استهداف مناطق المعارضة بالغاز السام ودفع هجوم بغاز السارين عام 2017 ترمب إلى إصدار أمر بتوجيه ضربة صاروخية، ونفى الأسد الاتهامات الموجهة إلى حكومته بالمسؤولية عن الهجوم الكيماوي، كما نفى أن يكون الجيش ألقى براميل متفجرة تسببت في دمار عشوائي، وبدا أنه يستخف بالاتهام في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عام 2015 حين قال، "لم أسمع عن استخدام الجيش للبراميل، أو ربما أواني الطهي".
كما أنكر عشرات الآلاف من الصور التي تظهر تعذيب أشخاص أثناء احتجازهم على يد الحكومة ووصفها بأنها جزء من مؤامرة تمولها قطر.
ومع تراجع حدة القتال، اتهم الأسد أعداء سوريا بشن حرب اقتصادية.
ومع بقائه منبوذاً لدى الغرب، بدأت بعض الدول العربية التي كانت تدعم معارضيه في السابق تفتح أبوابها له، واستقبل زعماء الإمارات الأسد وهو في قمة السعادة خلال زيارة له عام 2022.
طبيب العيون
قدم الأسد نفسه في كثير من الأحيان كرجل متواضع قريب من الشعب، وظهر في مقاطع مصورة وهو يقود سيارة خاصة متواضعة، وفي صور مع زوجته في أثناء زيارتهما لقدامى المحاربين في بيوتهم، وتولى منصبه عام 2000 بعد وفاة والده رغم أنه لم يكن مقدراً له في البداية أن يكون رئيساً.
كان حافظ قد أعد ابنه الأكبر، باسل، لخلافته، لكن عندما توفي باسل في حادثة سيارة عام 1994، تحول طيب العيون بشار من طالب دراسات عليا في لندن، إلى وريث للحكم.
بعد أن أصبح رئيساً، بدا أن الأسد قد تبنى إصلاحات ليبرالية تم الترويج لها على أنها "ربيع دمشق"، وأطلق سراح مئات المعتقلين السياسيين وقدم مبادرات إلى الغرب وفتح الاقتصاد أمام الشركات الخاصة.
وساعد زواجه من المصرفية السابقة المولودة في بريطانيا أسماء الأخرس التي أنجب منها ثلاثة أبناء، في تعزيز الآمال في قدرته على قيادة سوريا على مسار إصلاحي.
من بين أبرز محاولاته المبكرة للتودد الزعماء الغربيين حضوره قمة في باريس حيث كان ضيف شرف في العرض العسكري السنوي بمناسبة يوم الباستيل، لكن مع بقاء النظام السياسي الذي ورثه على حاله، تلاشت علامات التغيير سريعاً.
وزج بالمعارضين في السجون وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية فيما وصفه دبلوماسيون أميركيون، في برقية لسفارة واشنطن عام 2008 سربتها "ويكيليكس"، بالمحسوبية "الطفيلية" والفساد.
وفي حين كانت النخبة تعيش حياة مترفة، دفع الجفاف الفقراء إلى النزوح من المناطق الريفية إلى الأحياء الفقيرة حيث بدأت شرارة الانتفاضة.
وتسببت التوترات مع الغرب التي نشأت بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 في قلب ميزان القوى في الشرق الأوسط رأساً على عقب.
وكان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في بيروت عام 2005 سبباً في ضغوط غربية أجبرت سوريا على الانسحاب من جارتها، وخلص تحقيق دولي أولي إلى تورط شخصيات سورية ولبنانية بارزة في عملية الاغتيال.
في حين نفت سوريا تورطها، قال عبدالحليم خدام نائب الرئيس السابق إن الأسد هدد الحريري قبل أشهر من الاغتيال، وهو اتهام نفاه الأسد.
وبعد 15 عاماً، دانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة أحد أعضاء جماعة "حزب الله" اللبنانية بالتآمر لقتل الحريري، ونفى "حزب الله"، حليف الأسد، أي دور له في الأمر.