انكسار المحور الإيراني شكل أحد أبرز دوافع الترحيب بسقوط بشار الأسد (إعلام إيراني)
تفاعل الرأي العام في دول الخليج مع سقوط النظام السوري على صعد شتى، ولا سيما من الجانب الشعبي والسياسي، الذي حمّل الرئيس المخلوع بشار الأسد مسؤولية المصير الذي انتهى إليه بسبب رفضه تنفيذ أية إصلاحات سياسية تنهي حقبة القمع التي أثارت شعبه ضده.
وتداول المدونون في السعودية مقاطع فيديو ذكرت بمواقف بلادهم الثابتة في دعم خيارات الشعب السوري وفتح أبواب سبل العيش الكريم لهم من دون منة أو تخصيص مخيمات لجوء مثل بقية البلدان، إذ جاءت تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير معبرة عن تلك المواقف، حين أكد أن "سقوط النظام مسألة وقت فقط"، وأنه كما فشل الإيرانيون في كسر إرادة الشعب السوري وفرضه عليهم فسيفشل الروس أيضاً، وهو ما قال المعلقون إنه حدث بالفعل.
وزاد من حفاوة المتفاعلين مع الحدث اعتبارهم أن نهاية حقبة الأسد تعني "انكسار المحور الإيراني" الذي لمسوا أثر تغوله في عدد من المناطق العربية، بما فيها بعض دول الخليج واليمن.
وقوف سعودي صريح مع التحول
وأكدت السعودية وقوفها إلى "جانب الشعب السوري الشقيق وخياراته في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا لتدعو إلى تضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها، بما يحميها - بحول الله - من الانزلاق نحو الفوضى والانقسام، وتؤكد المملكة دعمها لكل ما من شأنه تحقيق أمن سوريا الشقيقة واستقرارها بما يصون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها".
ودعت في بيان للخارجية المجتمع الدولي للوقوف إلى "جانب الشعب السوري الشقيق والتعاون معه في كل ما يخدم سوريا ويحقق تطلعات شعبها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومساندة سوريا في هذه المرحلة بالغة الأهمية لمساعدتها في تجاوز ويلات ما عانى منه الشعب السوري الشقيق خلال سنين طويلة راح ضحيتها مئات الألوف من الأبرياء والملايين من النازحين والمهجرين وعاثت خلالها في سوريا الميليشيات الأجنبية الدخيلة لفرض أجندات خارجية على الشعب السوري".
وفي هذا السياق قال مسؤول سعودي لـ "رويترز" إن الوضع الحالي في سوريا هو "نتيجة مباشرة لعدم دخول الحكومة السورية في العملية السياسية"، مشيراً على رغم ذلك إلى أن بلاده "عازمة على بذل كل ما في وسعها لتجنب حدوث فوضى في البلاد".
#بيان | تابعت المملكة العربية السعودية التطورات المتسارعة في سوريا الشقيقة، وتعرب المملكة عن ارتياحها للخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق وحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومقدراتها. pic.twitter.com/OjYlM8PmiE
— وزارة الخارجية (@KSAMOFA) December 8, 2024
وأضاف المسؤول "نحن على اتصال بكل الأطراف الفاعلة في المنطقة وعلى اتصال دائم مع تركيا وجميع الأطراف المعنية"، مؤكداً أن السعودية لا علم لها بمكان بشار الأسد، في إشارة إلى أنها لم تستضفه.
وترددت معلومات لم تؤكدها المصادر الرسمية بأن بشار الأسد استنجد بالسعودية فور اندلاع الأحداث قبل تحرير حلب، لكن القيادة لم ترغب في فتح الباب له مجدداً.
وكانت السعودية وقطر والعراق عقدت على مستوى وزراء الخارجية اجتماعاً مع أطراف عملية "استانا" الذي يمثل الجانب الروسي والتركي والإيراني، تردد أنه أوحى بتفاهم حول وضع الأسس الانتقالية للمرحلة المقبلة في دمشق، على رغم انعقاد الاجتماع قبل سقوطها بساعات.
لا بديل عن الحوار
لكن مشاهد الاحتفاء بالتغيير الذي كان طبقاً لمطالب الشعب السوري، لم يحجب المخاوف الخليجية من تطور الوضع إلى مستوى يخرجه عن السيطرة، وشددت قطر على ضرورة منع سوريا من "الانزلاق نحو الفوضى" بعدما أعلنت فصائل المعارضة المسلحة دخول قواتها دمشق وإسقاط الرئيس بشار الأسد، وقالت الخارجية القطرية في بيان إنها "تتابع باهتمام بالغ تطورات الأوضاع في سوريا، وأكدت ضرورة الحفاظ على المؤسسات الوطنية ووحدة الدولة بما يحول دون انزلاقها نحو الفوضى"، داعية "الأطياف كافة إلى انتهاج الحوار بما يحقن دماء أبناء الشعب الواحد"، مجددة "وقوف دولة قطر الثابت إلى جانب الشعب السوري وخياراته".
وفسرت الإمارات من جهتها كذلك "أسباب الانهيار السريع للحكومة السورية بالفشل السياسي لنظام الأسد"، وذلك في تصريحات نقلتها "سكاي نيوز" عن المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة والتي أكد فيها أن "تفكير الردع" الإيراني تحطم بسبب الأحداث في غزة ولبنان وسوريا، لكنها لا تزال طرفاً مهماً في المنطقة"، محذرة من أن "الأدوار الدفاعية والعسكرية ينبغي ألا تكون تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وعلينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث في سوريا بعد ذلك"، قبل أن يردف أن "الحل هو دولة يمكن الوثوق بها".
عوامل أدت للانهيار
ويشير مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض إلى أن "سقوط نظام بشار الأسد لم يكن مجرد تطور داخلي أو تحول مفاجئ في موازين القوى المحلية، بل كان نتيجة مباشرة لتشابك معقد بين الأزمات الداخلية للنظام كانت في قلب هذه التحولات، إذ قدمت دعماً مكثفاً ومباشراً لفصائل المعارضة المسلحة من خلال التدريب والتخطيط والتزويد بالأسلحة الحديثة"، ومن غير المعروف ما إذا كان يعني السعودية أم سواها، بوصف المركز من بين مؤسسات الأبحاث المطلعة على كواليس الأحداث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أنه ذكر من بين الأمثلة تركيا وإسرائيل، إذ فتحت الأولى "حدودها أمام تدفق السلاح والمقاتلين، كما أنشأت قواعد تدريب مخصصة على أراضيها لتأهيل القوات المعارضة، وشاركت في عمليات التخطيط والإمداد لتعزيز مصالح تركيا الإستراتيجية"، فيما كان دور إسرائيل بارزاً حين "استهدفت مواقع عسكرية ومخازن أسلحة تابعة للنظام السوري وللميليشيات الإيرانية، وتسببت في إضعاف النظام والحد من نفوذ إيران و'حزب الله' في الوقت نفسه"، وكان نتنياهو أكد تعليقاً على انهيار النظام قائلاً إن "سقوط الأسد نتيجة مباشرة لضرباتنا ضد إيران و’حزب الله‘".
كلمة السر في تخلي إيران عن استثمارها لعقود
ومع هذا النوع من التفسيرات إلا أن "نيويورك تايمز" الأميركية رأت أن كلمة السر في الحدث البارز هي موقف النظام الإيراني حيال شريكه في أكثر وقت يحتاجه فيه، واعتبرت أن "انهيار الشراكة التي بنيت على مدى أربعة عقود من الزمن من شأنه أن يعيد تشكيل توازن القوى في الشرق الأوسط".
وفصلت ذلك في تقريرها بأن إيران على مدى عقود من الزمن "بذلت كثيراً من الدماء والمال لدعم الرئيس السوري بشار الأسد ومساعدته في النجاة من الحرب الأهلية التي هددت حكمه الأسري، واستخدمتها كخط أنابيب لتسليح حلفائها المتشددين في مختلف أنحاء المنطقة، والآن وبينما يحتاج الأسد إلى المساعدة تخرج وتتركه وحيداً".
وترى أن ذلك "تحول ملحوظ، إذ لا يبدو أن إيران تتخلى عن السيد الأسد، أقرب حلفائها العرب وحسب، بل تتخلى أيضاً عن كل ما بنته وقاتلت من أجل الحفاظ عليه لـ 40 عاماً في سوريا، موطئ قدمها الرئيس في العالم العربي".
وبالعودة للجبير في تصريحاته التي تلخص المشهد، يؤكد في جانب منها أن "السعودية لن تتخلى عن الشعب السوري الشقيق، فهو يقاتل بلا دبابات ولا طيارات ومع ذلك صامد، والنظام استعان بإيران وفشلت إيران، وإيران استعانت بميليشيات شيعية سواء من 'حزب الله' أو من العراق أو باكستان أو أفغانستان وفشلت، ثم دخلت روسيا ولن ينتصر بشار الأسد فالصورة واضحة، والأمر النهائي واضح مسألة وقت، فعندما نقول إن بشار الأسد "رايح رايح" نعني بذلك أنه إما أن يرحل عن طريق عملية سياسية أو سيبعد عن طريق عملية عسكرية"، وهذا ما كان.
وكانت الجامعة العربية أعطت الرئيس المخلوع فرصة أعادته لها إثر التعاطف مع حال المهجرين واللاجئين الإنسانية بعد زلزال تركيا عام 2023 الذي ضرب أجزاء من سوريا، لكنه بدلاً من استثمار ذلك في إنهاء معاناة شعبه أهدر الوقت في المزايدات والانسياق خلف محور إيران حتى انتهى إلى مصيره.