"صافرة الشرع" تلهب حلبة الجعفري والمعلمي غريبة الأطوار

آخر تحديث 2024-12-10 17:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

 المندوب السوري السابق لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري والسفير السعودي عبدالله المعلمي (اندبندنت عربية)

لا ندري إن كانت المبارزة الممتدة لسنوات تنتهي هذه المرة بإطلاق أحمد الشرع صافرته في سوريا، أم أن هناك جولة أخرى للحسم، بعد أن سدد المندوب السوري السابق لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري اللكمة إلى نفسه، وهو يرفع علم الثورة التي أسرف في هجائها فوق سفارة بلاده في موسكو، ويكيل المديح لأعداء الأمس حكام دمشق الجدد.

لكن بالنسبة إلى السعوديين والمعلقين العرب فإن الضربة هذه المرة كانت قاضية، ويصعب بعدها النهوض، غير أن فارس الحلبة على الناحية الأخرى زميله السعودي لدى الأمم المتحدة حينها السفير عبدالله المعلمي، لم يشأ تفويت الفرصة عندما رأى خطوة الجعفري الجديدة تتسم بـ"المفارقة".

وقال في حديث مع "اندبندنت عربية" إنه مع ذلك لا يشعر "بأية نشوة انتصار شخصية، الشعب السوري هو الذي انتصر، أما أنا فكنت جندياً لبلدي أدافع عن مواقفها، وظلت ثقتي دائمة بأنه ’لا يصح إلا الصحيح‘، ولم يكن عندي شك في أن النتيجة ستظهر ولو بعد حين".

وأكد أن معاركه الخطابية مع النظام السابق لم تعكس أكثر من اصطفاف بلاده مع الشعب السوري، إذ "لم تتوقف المملكة عن دعم سوريا بشتى الوسائل الممكنة في أي وقت من الأوقات. نعم قد يتخذ أشكالاً مختلفة، ويتطلب أسلوباً معيناً، لكنه كان دائماً في تزايد وتجدد".

أجاب بذلك عن سؤاله عما إذا كان للرياض دور غير مرئي في انتهاء الأمور إلى ما هي عليه اليوم، معتبراً أن ترحيبها بالتغيير الذي جرى وإظهار مساندته في العلن كانت "في سبيل المضي قدماً، وتحقيق أهداف الشعب السوري، ليس هناك تأخير ولا رغبة في التردد".

انقلاب بشار السفير على بشار الرئيس

وكان سفير سوريا لدى موسكو بشار الجعفري لفت الأنظار إليه حين قال في بيان تزامن مع رفع علم الثورة على سفارة بلاده إن "انهيار منظومة الفساد خلال أيام يشهد على عدم شعبية هذه المنظومة وعدم وجود حاضنة مؤيدة لها في المجتمع وفي صفوف الجيش والقوات المسلحة"، مشدداً على أن "فرار رأس المنظومة بهذه الصورة البائسة والمهينة تحت جنح الظلام وبعيداً من الإحساس بالمسؤولية الوطنية يؤكد صوابية التغيير والأمل بفجر جديد وإعادة إعمار الإنسان والحجر وإصلاح الخراب والدمار الذي لحق بسوريا".

كان ذلك انقلاباً غير متوقع من المدونين السوريين والعرب، الذين وثقوا من كل وجهة استماتة الجعفري بالمستوى نفسه من البلاغة في الدفاع عن جرائم النظام الراحل، مما جعل كثيرين يضيقون بهذا التناقض منه ويقولون "ليته سكت". لكن بالنسبة إلى آخرين هو ليس أكثر من موظف، وليس مستعداً للتقاعد بعد، غير أن قبول لجوء الأسد في روسيا، فتح موقف أحد المقربين من النظام على كل التأويلات والشكوك.

شروط تجاوز الامتحان

أما غريمه السابق المعلمي فإنه علق بأن "الصراع تحت سقف الأمم المتحدة بيننا لم يكن شخصياً، وكان الحوار مسؤولاً، وحتى عندما يكيل لنا الشتائم نقول له إن ذلك ينتمي إلى طبيعته ونظامه، فيضيق أكثر، وهو على أية حال لا يزال أخي في العروبة والإسلام".

ولفت لدى حديثه مع "اندبندنت عربية" إلى أن ما يدعو إلى التفاؤل هو "الخطاب الذي خرج من القيادات السورية الأيام الماضية بعد انتصارها، أما الحكم على الفصائل فهو مبني على سلوكها الآن وفي المستقبل، ولا ينبغي إصدار الأحكام المسبقة".

ورجح أن المجتمع الدولي لا يرى ما يمنع "من قبول إرادة الشعب، والبناء على قرار مجلس الأمن 2254 هو السبيل الأفضل، لأنه متفق عليه دولياً وسورياً".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكنه شدد على ضرورة "التحلي بالحكمة والتسامح والانفتاح والابتعاد من الثارات والعنف، وأن يفتحوا كل الأبواب فهم يحتاجون إلى كل جهد. وإذا أثبتوا أنهم قادرن على الانفتاح وتقبل بعضهم، سيكون النجاح حليفهم".

إذا ما عدنا للبدايات الأولى للمبارزة الدبلوماسية على حلبة الأمم المتحدة، فإن القصة التي استعادها العرب والسعوديون بعد إطلالة بشار السفير وهرب بشار الرئيس تعود ليوم كان الاثنان يتلاسنان في مناسبات عدة، مما دفع المعلمي إلى لمز الجعفري بأنه أخطأ في "بيت شعر"، والجعفري إلى الصراخ في وجه المعلمي قائلاً: "لست أخاك" في مناسبة أخرى.

"كفاءة مهدرة في قضية خاسرة"

لكن ما يجعل المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة أكثر اختلافاً، هو عدم نقله "معارك المبنى الأممي" إلى خارج أسواره، فعندما سألته حينها عما أعقب سجاله الشهير مع المندوب السوري من توتر، أجاب "علاقتي مع الأخ الدكتور بشار الجعفري هي من طرفي في الأقل مبنية على الاحترام والتقدير لما يتمتع به الدكتور الجعفري من كفاءة مهنية وثقافة واسعة، ومن سوء الحظ أن تكون هذه القدرات لديه مسخرة لخدمة قضية خاسرة".

وعندما سألته يومئذ، هل ترى الشعر والفصاحة مجدية في مجلس الأمن، أجاب بأن شواهده الشعرية كانت ناجعة في إيصال مقصوده، حتى إن دبلوماسياً غربياً ذرف الدموع على دمشق متأثراً برثاء المعلمي إياها، يوم أورد تحت قبة المجلس رائعة أحمد شوقي "سلام من صبا بردى أرق.. ودمع لا يكفكف يا دمشق"، ليكشف له الدبلوماسي الغربي عن أن الأبيات أثارت أشواقه يوم كان سفيراً لبلاده لدى سوريا. 

وفي لقاء نظمه نادي الشرقية الأدبي بعنوان "منبر الأمم المتحدة.. بين الأدب والسياسة" قال السفير السعودي حينها إنه وجد الأدب والشعر "أبلغ في كثير من الأحيان، وأقدر على إيصال الرسالة من الكلمات الجوفاء المنمقة التي لا تحمل مشاعر ولا أحاسيس ولا تخاطب الوجدان، مثلما أن ردود أفعال السفراء الحاضرين، حتى من لا يتقن العربية، كانت تنبئ بأن مضمون الرسالة وروحها وصلا".

ولفت إلى أنه وإن كانت سجالاته مع مندوب سورية لدى الأمم المتحدة الجعفري هي التي أثارت الانتباه، إلا أن ردوده على السفير الإسرائيلي كانت أقسى وأكثر.

"ضابط حيناً وحيناً شاعر"

وذكر أنه وجد في سفراء عرب سابقين مزجوا بين السياسة والأدب أسوة، "فعندما أصبحت مهمتي الرئيسة تستوجب إلقاء الخطابات، وجدت أمامي تاريخاً حافلاً من الدبلوماسيين الأدباء بمختلف اللغات من بينهم السفير جميل البارودي مندوب المملكة الدائم بين عامي 1963 و1979، وكذلك سفير قطر السابق بين عامي 1989 و1992 الدكتور حسن النعمة، وكذلك من السفراء الأدباء في الأمم المتحدة كان سفير ليبيا الشاعر عبدالرحمن شلقم بين عامي 2009 و2012، وسفير العراق الشاعر سمير الصميدعي بين عامي 2004 و2006".

وإذا كان مهندس النفط عبدالله المعلمي تخصص باكراً في تقنيات "الذهب الأسود"، فإنه في "منهاتن" حيث تجتمع الأمم، كشف عن شخصية أقرب نسباً، وهو يرتدي زي أبيه، عضو مجمع اللغة العربية، الفريق يحيى المعلمي، الذي استعار بزته مرات عدة، وهو يبارز أقرانه الدبلوماسيين، باحثاً عن أي انتصار أو نقطة يسجلها لصالح بلاده التي شاء القدر أن يتزامن عصر حزمها الجديد مع مهمة المعلمي في "الأمم المتحدة"، وهو تأثير لا ينكره المعلمي الابن بل يفاخر به.

ويقول "الفضل يعود بعدالله لوالدي الذي قال: يا سليل المجد عفواً إنني// أنا من ضم إلى السيف القلم. إن نظمت الشعر حلواً سائغاً// صغت من ألحانه عذب النغم. أو نضوت السيف في يوم الوغى// خلتني عند اللقا ليث الأجم. ضابط حيناً وحيناً شاعر// وكلا الحالين من عالي الهمم".