في المستقبل القريب سنقوم بإعادة تقييم الوضع العسكري الميداني والسياسي في سوريا (أ ف ب)
منذ سيطرة قوات "هيئة تحرير الشام" على العاصمة دمشق، اندلعت حوداث كبيرة في المناطق التي سيطرت عليها المجموعات المتطرفة المسلحة، ويطرح السؤال في واشنطن والعواصم العالمية حول المعادلة القائمة الآن التي تتطور بسرعة، ولا يمكن ضبط حدودها بين يوم وآخر، بسبب سرعة تلاحق الأحداث وتطور المواقف السياسة وعدم انتهاء الحرب كما ظن الجميع مع انهيار نظام البعث الذي قادته عائلة الأسد منذ 1970.
في المستقبل القريب سنقوم بإعادة تقييم الوضع العسكري الميداني والسياسي في سوريا على ضوء عقد كامل من الزمن، وصولاً إلى عملية الاستيلاء على السلطة، ولكن السؤال الأكبر والضاغط على الرأي العام ومجمل الأطراف هو إلى أين ستذهب عمليات "تحرير الشام"؟ وإلى أين تذهب الأطراف الأخرى في مواجهة أو مهادنة هذه الميليشيات المتطرفة؟
وهل ستستمر المعادلة بالتطور؟ أم أن هناك خطوطاً لـ"ستاتيكو" جديد سيبرز مع الوقت؟
ورداً على السؤال الأول فإن القوى "الجهادية المقاتلة" التي بدأت في إدلب وذهبت إلى حلب ثم اجتاحت حماة وحمص، وصولاً إلى دمشق، وهذه الاجتياحات لا تزال قائمة، وستقرر مراحلها المستقبلية الهيئة العسكرية المشتركة لهذه القوى.
وكما كتبت الأصوات المحللة السوفياتية في الماضي، فإن المبدأ الأول لحسم المعارك والحروب عند الأطراف المعترضة التي تبغي إسقاط الأنظمة يتجسد بمواصلة التقدم ما دام هناك باب للتقدم، وما دامت الظروف مناسبة، فالقوى الراديكالية ستستمر في شق طريقها عبر كل المناطق من دون التوقف عند حدود، وستذهب قوى "هيئة تحرير الشام" جنوباً وشرقاً نحو الحدود اللبنانية - السورية، وتتقدم باتجاه البلدات التي عرفت بمعارضة نظام الأسد خلال هذا العقد، ولن تتوقف قبل أن تشعر أن هناك قوة محلية أو إقليمية مصممة وقادرة على إيقاف المد.
والمنتظر هنا أن هذا الخط سيكون بمكان ما في شمال منطقة الجولان، لذا فستتكون حدود فصل بين الميليشيات المتطرفة والقوات الإسرائيلية وبعض قواتها غير النظامية المؤلفة من ميليشيات درزية وسنية معتدلة موجودة في المنطقة.
إذاً الحدود الأولى التي ستنتظر تفعيلها هي الحدود بين أقصى تمدد لـ"هيئة تحرير الشام" وإسرائيل، فالقوى المتطرفة تتقدم جنوباً والقوات الإسرائيلية قد تصنع "جداراً عسكرياً" شمال الجولان وشرق الجبال اللبنانية وعبر الصحراء إلى حيث تتوقف قوات "الهيئة" من التقدم.
هناك منطقة في وسط سوريا وتعد مفصلاً كبيراً، ونعني بها تدمر، في تلك المنطقة تسابقت القوات الأميركية وقوات "داعش" في الماضي والنظام للسيطرة على هذه المواقع قبل أن تتغير.
هنا نرى أن كل الأطراف تريد السيطرة على تدمر في قلب الصحراء، وستكون هذه المدينة النقطة الفاصلة بين شرق سوريا وغربها، ولكن إقامة هذا الخط الفاصل تعتمد على واشنطن، إذ إن القوات الأميركية الموجودة في شمال شرقي سوريا وجنوب شرقيها، وعلى طول الخط الحدودي مع الأردن، ووصولاً إلى الجولان، ستكون الحدود الجديدة بين نظام "الإسلاميين" بين دمشق وحلب من ناحية، ومجموعة القوى والميليشيات والوجود الدولي شرق هذه النقطة.
ومن أهم المناطق التي ستقرر التوازن الجديد في المنطقة الحدود الأردنية - السورية، إذ إنه بعد سقوط النظام باتت الحدود هذه المجال الذي سيوصل سوريا بجميع قواها سواء كانت ميليشيات الهيئة أو من ناحية أخرى المجموعات العربية السنية، أي القبائل في الجنوب، وصولاً إلى ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبتقديرنا أن المنطقة التي ستسيطر عليها إسرائيل في هذه المرحلة وصولاً إلى تدمر إن قرر الأميركيون المكوث فيها صعوداً إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية كل هذه المساحة ستتحول عملياً إلى سوريا أخرى تسيطر في جنوبها المجموعات المسلحة القريبة من أميركا وإسرائيل، وفي الشمال تسيطر القوات الكردية السنية المسيحية، بمواجهة "هيئة تحرير الشام" والجيش الوطني السوري.
تبقى منطقة واحدة مهمة، ولا سيما بنظر السلطة الجديدة، وهي الحدود السورية - العراقية، ولها مفتاحان الأول البوكمال، وتمت السيطرة عليه من "قسد"، والثاني قاعدة التنف ومحيطها التي تسيطر عليها الميليشيات القريبة من الولايات المتحدة.
وإذا قررت واشنطن إغلاق هذه الممرات، ليس عليها سوى الانتشار على تلك الحدود بين الشمال الغربي والوسط، أي واحة تدمر.
وإذا قررت واشنطن نشر قواتها في شرق هذا الخط، أي السيطرة على الحدود السورية - العراقية كما تسيطر على الحدود مع الأردن، فإن ذلك سيضمن لسوريا الشرقية ظهرها، لأنها قادرة على أن تحشد قواتها في تلك المناطق الصحراوية التي لأميركا وإسرائيل أفضلية فيها، إذ ليس هناك عدد سكان كبير وبإمكانهم السيطرة بواسطة القدرات التكنولوجية.
طبعاً هناك القوات الروسية التي انسحبت من المناطق الغربية وتجمعت على الساحل الشمالي الغربي، وهي تبقى فيه باتفاق تركي - روسي، لذا فإن خط المواجهة بين حلفاء إسرائيل والعرب والأكراد على طول الحدود الأردنية - السورية والعراقية - السورية وربما حتى الإسرائيلية - السورية، هذه الخطوط مهمتها العلنية وضع حد لتقدم المتطرفين.
أما في الشرق فالحدود السورية - العراقية التي لم تقفل بعد ستكون عنواناً للسماح للهيئة بالوصول إلى الحدود مع المناطق الإسلامية السنية في العراق، ويبقى ملف لبنان دقيقاً، إذ إن كل هذه الطوائف لها وجود في لبنان.
أخيراً وليس آخراً، ومع انتشار التقارير بدخول الميليشيات المتطرفة إلى مناطق العلويين في غرب سوريا، ومباشرتها بملاحقة العناصر العلوية المنتمية إلى الجيش السوري سابقاً، ووصولها إلى شاطئ اللاذقية وطرطوس والسيطرة عليه. ينتج من ذلك تطور كبير، وهو دخول القوات الميدانية التي كانت مرتبطة سابقاً بالقاعدة وبعضها بتنظيم "داعش"، واقتطاعها أكثر من 150 كيلومتراً من السواحل السورية على سواحل البحر المتوسط.
إن كل هذه التوسعات العسكرية للهيئة ومن ورائها الإخوان المسلمين ستغير من توازنات المنطقة، وتجعل من سوريا دولة شبيهة بليبيا، فمن جهة تجمع ميليشيات طرابلس، ومن جهة أخرى جيش وطني ليبي يمسك بالأرض ضد التكفيريين، فيتكرر المشهد في سوريا، إذ ينطبق على الإمساك بالمؤسسات والأرض من الهيئة والجيش الوطني السوري من ناحية، ومن ناحية أخرى الأكراد والدروز والعرب البدو والمسيحيين حلفائهم الإقليميين.
هذه هي الصورة الآن، وقد نشهد تبدلاً في هذا الاتجاه أو ذاك في الأسبوع المقبل.