خامنئي قال في 11 ديسمبر إن ضعف "المقاومة" المناهضة لإسرائيل بعد الإطاحة ببشار الأسد لن يقلل من قوة طهران (أ ف ب)
رُبطت التطورات الأخيرة في سوريا بإيران واعتبار سقوط الأسد فشلاً إيرانياً، وبدأ يطرح التساؤل حول هل انتهى المشروع الإيراني بسقوط نظام بشار الأسد حليف إيران؟ وهل خرجت سوريا مما يسمى محور المقاومة نهائياً؟ وما هو مستقبل الاستثمارات الإيرانية في سوريا على مدى أكثر من 12 عاماً منذ تدخلها المباشر في الحرب الأهلية السورية؟ وما هو تأثير سقوط نظام الأسد في إيران؟ وهل تستطيع طهران التفاوض مع النظام السوري الجديد؟
لن تكون "طوفان الأقصى" عملية فاصلة في مستقبل غزة بل ستكون نقطة تحول مهمة يؤرخ لها في تاريخ الشرق الأوسط، فما قبلها ليس كما بعدها، ولا سيما بالنسبة إلى دور إيران ومعها ما يسمى "محور المقاومة" الذي تلقى ضربات متتالية خلال الأشهر الماضية، بدأت بالقضاء على القدرات العسكرية لـ "حماس" ثم "حزب الله" وأخيراً إسقاط نظام الأسد.
وعلى رغم خطاب المرشد الإيراني منذ أيام والذي أشار فيه إلى أن خسارة إيران الأكبر كانت في "حزب الله" وليس سوريا، لكن نظام الأسد كان بالفعل يحتل مكانة كبيرة في إستراتيجية إيران الإقليمية، مما يفسر لماذا استثمرت فيها عسكرياً ومالياً واقتصادياً، وعملت على خطوات "فرسنة" للمجتمع السوري وتأليب النعرات الطائفية فيه، ويقدر حجم ما استثمرته إيران المأزومة اقتصادياً في سوريا بما بين 30 إلى 50 مليار دولار، واليوم يسود الجدل الداخلي في إيران عن جدوى ما أنفق على نظام الأسد، وأنه كان يمكن توجيه تلك الموارد للداخل الإيراني.
وتنبع أهمية سوريا من كونها كانت الممر اللوجيستي لخطوط الإمداد الإيرانية إلى "حزب الله"، فضلاً عن كونها الحليف العربي الوحيد منذ الحرب العراقية - الإيرانية، كما أنها كانت منفذاً لطهران على البحر المتوسط، ومن ثم ستضعف قدرة إيران على إعادة بناء "حزب الله" عسكرياً، والذي كان يعتمد على تدفق الأسلحة عبر سوريا.
وتعتبر إيران كذلك أنها خسرت الحليف الأساس في ما تسميه بـ "الهلال الشيعي" الذي كان يربط بين إيران والعراق عبر حدود لبنان وسوريا، كما تنظر إيران إلى أن وجود الجولاني في سوريا وذكره إيران هو استهداف لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وربما تعي إيران الآن أنها المرشحة للاستهداف الإسرائيلي عبر استهداف برنامجها النووي أو إشعال التوترات الشعبية الداخلية، ولا سيما على خلفية الاستثمارات المهدرة على نظام الأسد، ومن ثم يمكن للتظاهرات أن تخرج وتطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية بدلاً من توجيه الموارد نحو دول الصراعات، لذا يحاول الإعلام الإيراني الترويج لكون مساندة نظام للأسد نوع من رد الجميل، لأن النظام السوري دعم إيران خلال حربها مع العراق في الثمانينيات، كما يروج أن الدعم الإيراني كان ضرورياً للقضاء على "داعش" التي ظهرت في سوريا والعراق وتستهدف إيران، ومن جهة أخرى فقد منح سقوط الأسد تركيا، المنافس الإقليمي لإيران، اليد العليا في صنع مستقبل سوريا مقابل تضاؤل نفوذ طهران.
كيف ستتحرك إيران خلال الفترة المقبلة؟
ربما ستحاول طهران فتح علاقات مع الحكومة السورية الجديدة، وبالفعل بدأ المسؤولون الإيرانيون بإجراء اتصالات مع اللاعبين الجدد في سوريا، وستحاول أن تتفاوض حتى لا تخسر الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية الموجودة هناك والتي قد تجري السيطرة عليها، لذا جاءت تقارير إعلامية تؤكد أن طهران تبادلت رسائل دبلوماسية مع "هيئة تحرير الشام" قبل سقوط حكومة بشار الأسد، وهي تعتبر أن التطورات تحتم عليها أن تتحدث مع الطرف الآخر في سوريا، لذا أصدرت الخارجية الإيرانية بياناً جاء فيه أنه "بالنظر إلى التطورات الأخيرة في سوريا، وإذ تذكر موقف إيران المبدئي المتمثل في احترام وحدة سوريا وسيادتها الوطنية وسلامة أراضيها، فإنها تؤكد أن تحديد مصير وقرار مستقبل سوريا يعود لشعب هذا البلد وحده من دون تدخلات هدامة أو فرض أجنبي".
وقد جاء البيان كلاسيكياً تقليدياً ولا يوضح حقيقة العلاقات بين سوريا وإيران لأكثر من أربعة عقود، لكن طهران تحاول أن تفتح حواراً مع اللاعبين الجدد، ومن جهة أخرى ستعمل على تجنيد شباب سوري من السنّة وتشكيل ميليشيات تشحنها بالعداء ضد التحركات الإسرائيلية في سوريا لخلق ميليشيات تعتمد عليها، إضافة إلى محاولتها فتح حوار مع الأكراد والاستفادة من العلاقات المتوترة بينهم وبين وتركيا، ولذا ستحاول ليس فقط خلق حلفاء تربط مصالحها معهم داخل سوريا، بل إضعاف نفوذ تركيا هناك.
إن سقوط الأسد سيجبر إيران على التمهل فترة حتى لا يجري استدراجها من إسرائيل لمواجهات عسكرية فتخسر ما كانت تحاول الحفاظ عليه خلال الفترة الماضية، وذلك عبر تجاهل الاستهدافات الإسرائيلية التي دفعتها للتخلي عن "حزب الله" أولاً، ثم حليفها الأسد بعد ذلك.
ومن دون شك ستعمل إيران على مراجعة إستراتيجيتها الإقليمية وإستراتيجية الردع في ضوء المعطيات الجديدة، والتي ستوضح هل سيظل اعتمادها على سوريا ضمن محورها؟ أم أن سوريا خرجت إلى الأبد من المحور الإيراني؟
وأخيراً لا بد من التنبيه إلى أن إيران دولة كبيرة لديها قدرات وطموحات للتوسع والنفوذ والتفاخر والشعور بالاستثنائية، وإدراك ذاتي يؤثر في نفسية حكامها ويحرك تطلعاتها لما وراء الحدود، وكلها عوامل ترسم وتحدد أهداف وأدوات سياستها الخارجية القائمة على التوسع والتمدد ومزج الميدان بالدبلوماسية، مما أضفى العسكرة على سياستها الإقليمية، فضلاً عن أن إستراتيجية طهران وعقيدتها الدفاعية قائمة على الدفاع المتقدم، أي خلق أدوات تحقق أهدافها لكن بعيداً من حدودها، ولذا فإن محاولات الاستثمار الإيراني في الأدوات الإقليمية ودول جوارها ستبقى.