هل من أفق للأكراد في سوريا بعد الأسد؟

آخر تحديث 2024-12-14 02:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

هل سيميل أحدهم على كتف جو بايدن قريباً ويقول له "سيدي الرئيس، لقد وصلت في فترة رئاستك إلى المرحلة التي يمكنك فيها خيانة الأكراد" (أ ف ب)

ترى مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية أن عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض يشكل تهديداً وشيكاً للتوافق الثنائي الحزبي في قضايا السياسة الخارجية.

كان ينظر إلى سياسة جو بايدن باعتبارها عودة إلى النهج "الطبيعي" في السياسة الخارجية بعد الاضطرابات التي شهدتها إدارة ترمب الأولى. فبايدن انتقد بشدة الكرملين، وكان داعماً قوياً لإسرائيل. كما زاد الضغط على الصين ولم يخفف منها على كوريا الشمالية.

ولكن، في منطقة واحدة من العالم ــ وهي منطقة حيوية بالنسبة لأمن أولئك الذين يعيشون فيها في الأقل ــ خالفت إدارة الرئيس بايدن تقليداً متبعاً في السياسة الخارجية الأميركية يعود تاريخه إلى عام 1919. وفيما لم يتبق على عهد الرئيس بايدن في السلطة إلا أقل من ستة أسابيع في البيت الأبيض [يمكنه خلالها] أن يتخلى عن الأكراد.

منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، أطلق رؤساء الولايات المتحدة من الحزبين الرئيسين تصريحات تؤكد حقوق الأكراد في الحصول على دولة مستقلة أو في الأقل حكم ذاتي في المناطق التي يعيشون فيها بكثافة في دول مثل تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا.

وعلى غرار الشعب اليهودي قبل إقامة دولة إسرائيل عام 1948، فإن الأكراد يشكلون مثالاً كلاسيكياً على "الأمة من دون دولة".  

قبل أكثر من قرن بقليل، وبفعل الحماسة التي أثارتها دعوة الرئيس الأميركي وودرو ويلسون إلى تقرير المصير عقب انهيار الإمبراطوريات الكبرى عام 1918، حمل وفد كردي من الإمبراطورية العثمانية المنهارة نسخة من نقاط ويلسون الـ14، وضعوها داخل مصحفهم، وانطلقوا مليئين بالأمل إلى مؤتمر باريس للسلام، لكن ما واجهوه كان خيبة أمل قاسية.

وزير خارجية ويلسون في حينه، روبرت لاسينغ، كان قد اعترف بعد ذلك أنه ورئيسه وقادة الحلفاء الآخرين، لم يكن لديهم أدنى فكرة عن عدد "الأقليات" العرقية والدينية المختلفة التي كانت تضمها شعوب كل من الإمبراطوريات العثمانية وهابسبورغ والإمبراطورية الروسية، والذين طالبوا الرئيس ويلسون بتطبيق حق "تقرير المصير" لصالحهم.

كما يظهر بوضوح في سوريا اليوم، تقدمت العرب (السنة والشيعة) والأكراد، إضافة إلى التركمان والأرمن (في الأقل من نجا منهم عام 1915)، بمطالب متنافسة على الأراضي نفسه.

أما المشكلة الأكبر بالنسبة لواشنطن، في الماضي كما هي الحال الآن، فهي أن القوى الكبرى المتحالفة معها، التي لم تكن تكترث كثيراً بحقوق الأقليات ولا بمبدأ تقرير المصير، كانت تسعى إلى استخدام الأراضي المأهولة بالأكراد أو الجماعات الأخرى لتحقيق أهدافها الإمبريالية والاستراتيجية.

في عام 1919 كانت للبريطانيين والفرنسيين طموحاتهم الكبرى، كما هو الحال اليوم بالنسبة إلى الأتراك والإسرائيليين، إذ وضعوا للسكان في سوريا، في أفضل الأحوال، دوراً ثانوياً يخدم خططهم. وإذا كان نظام الأسد قد حكم يوماً ما دولة تعمل بكامل أجهزتها، على رغم كل مساوئها، فإن انهياره أفسح المجال لحقيقة قاسية مفادها أن سوريا المرسومة على الخرائط والموجودة في مقعد الأمم المتحدة ليست سوى وهم.

كل الأنظار تتجه اليوم إلى دمشق ومسألة وصول جماعة "هيئة تحرير الشام" كحكام جدد، وربما جهاديين متجددين. لكن في أنحاء سوريا الأخرى، تعمل مجموعات مسلحة أخرى على ترسيخ وجودها كحكام محليين أو تخوض صراعات مع منافسين لتحقيق ذلك الهدف.

لقد أدى تركيزنا على ما يجري فقط في العاصمة السورية إلى تشتيت أنظارنا عما يجري من حروب أهلية متصاعدة في أماكن أخرى من سوريا، وكل الألعاب الجيوسياسية المختلفة التي تلعبها الجارتان الكبيرتان، إسرائيل وتركيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان إضعاف إسرائيل لحليف الأسد "حزب الله" في الأسابيع التي سبقت الانتفاضة السورية الأخيرة، ترك إيران عاجزة عن التدخل. وتلى ذلك قيام إسرائيل بتدمير إرث نظام الأسد العسكري.

لم تقتصر الضربات الجوية الضخمة [التي نفذتها إسرائيل على مدى الأيام الماضية] على نزع سلاح سوريا كدولة بالكامل، بل حرمت أيضاً أي جماعات معادية لليهود من امتلاك مزيج من الأسلحة الكيماوية المتبقية والذخائر العادية أو الصواريخ اللازمة لمهاجمة إسرائيل.

لكن الغارات الإسرائيلية أجهضت أيضاً فرصة جماعات مثل الأكراد لوراثة أنظمة الدفاع الجوي أو الأسلحة الأخرى التي كان يمكن أن تحميهم من عدوهم الرئيس، تركيا، وحلفائها المحليين من العرب والتركمان في شمال شرقي سوريا.

تتمتع إسرائيل بعلاقات جيدة مع الأكراد الذين يحكمون مناطق في شمال العراق، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن كليهما يخشى تهديدات إيران المجاورة، لكن إسرائيل لا تثق أيضاً في الزعيم التركي رجب طيب أردوغان. وعلى عكس إسرائيل، تمتلك تركيا أقلية كردية كبيرة تفوق عدداً المناطق الكردية في شمال العراق وسوريا.

فأي حكم ذاتي قابل للتطبيق على مناطق أكراد تركيا من شأنه أن يهدد وحدة الأراضي التركية. والأمر نفسه قد ينطبق على كل من إيران ومن يحكم في بغداد أو دمشق.

فمنذ عهد الرئيسين الأميركيين ترومان وأيزنهاور، مروراً بعهد كل من الرئيس نيكسون، ووصولاً إلى عهد الرئيس بوش الابن، كثيراً ما لمحت واشنطن إلى دعم حقوق الأكراد... قبل أن تتراجع عن ذلك.

خلال الحرب الباردة، كان بعض قادة الأكراد يوصمون بأنهم شيوعيون – و"أبو"، كما يعرف عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني التركي وفروعه السورية، كان كذلك بالنسبة إلى الأميركيين بالتأكيد. لاحقاً، وبعد انتهاء الحرب الباردة، لم يعد التركيز على اتهامهم بالشيوعية، وإنما أصبح ينظر إلى الأكراد كعائق أمام تنفيذ مخططاًت إعادة تقسيم المنطقة أو حتى كعقبة أمام تحقيق "السلام" في المنطقة.

تقوم الولايات المتحدة بحماية الأكراد في الأجزاء الشمالية والشرقية من سوريا، منذ أن بلغت المعارك الطاحنة ضد تنظيم "داعش" ذروتها عام 2017.

ما تقوم به القوات الجوية الأميركية ونحو 900 جندي على الأرض السورية هو حماية الأكراد ليس من "داعش" أو حتى من قوات الأسد، بل يحتاج الأكراد إلى رعاية أميركية تحميهم من حليف واشنطن في "الناتو"، تركيا.

وكان القتال الوحشي حول مدينة منبج قرب الحدود التركية وفي مناطق الجنوب الشرقي في دير الزور على نهر الفرات قد أدى للتضييق على ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، من قبل القوات المتحالفة مع تركيا، تزامناً مع سماح الجيش الأميركي لهيئة تحرير الشام بالاستيلاء على حقول للنفط في المنطقة، وحقول زراعية واسعة انتزعت السيطرة عليها من الأكراد.

ولا يزال من غير المؤكد بعد ما إذا كانت واشنطن ستتخلى نهائياً عن الأكراد، أم أنها ستقوم في حماية إقليم صغير لهم.

إلا أن التودد الأميركي إلى هيئة تحرير الشام التي كانت في الماضي معادية للنموذج العلماني الذي يطرحه الأكراد ــ خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة ــ يثير مخاوف من أن تتخلى واشنطن عنهم مرة أخرى لأسباب جيوسياسية براغماتية.

هل سيميل أحدهم على كتف جو بايدن قريباً ويقول له "سيدي الرئيس، لقد وصلت في فترة رئاستك إلى المرحلة التي يمكنك فيها خيانة الأكراد"؟ أم أن بايدن سيكسر القالب ويغادر البيت الأبيض بوعد واحد في الأقل تم الوفاء به ولو جزئياً؟

أم أن مسألة أكراد سوريا ستكون واحدة من المسائل العالقة على طاولة الرئيس دونالد ترمب؟

مارك ألموند هو مدير معهد أبحاث الأزمات، أكسفورد