"الدولارات المزورة" تهدد الصرافة القانونية في لبنان

آخر تحديث 2024-12-15 01:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

تسود حال من الخوف السوق اللبناني بسبب دولارات مزورة من فئة 50 دولاراً (اندبندنت عربية)

تعيش سوق الصرافة اللبنانية حالاً من الذعر مع اكتشاف عمليات تزوير واسعة لأوراق العملة من فئة "الـ50 دولاراً أميركياً". وما جرى كان ليمر مرور الكرام في دولة طبيعية، دولة تتعامل بعملتها الوطنية بصورة أساس، إلا أن جملة عوامل فرضت نفسها على سوق القطع والتعاملات في لبنان. فمن ناحية أولى، شهدت البلاد "دولرة كاملة" للأنشطة الاقتصادية خلال الأعوام الثلاثة الماضية بعد أن تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية من مستوى 1507 ليرات للدولار الواحد في ظل تثبيت سعر الصرف خلال عام 2018، إلى 90 ألف ليرة بعد الانهيار الاقتصادي عام 2019. إلا أن عاملاً آخر أسهم في حال الاضطراب بسبب "انتشار الاقتصاد النقدي" في ظل انعدام الثقة بالقطاع المصرفي الشرعي، ناهيك بـ"فوضى سوق الصرافة" إذ تحولت مهنة الصيرفة إلى "عمل ثان إضافي" لشرائح واسعة من "تجار الشنطة" المنتشرين على الأرصفة والطرقات والساحات العامة.

ورقة "الـ50 دولاراً" مزورة

خلال الأسبوعين الماضيين، ساءت سمعة ورقة الـ50 دولاراً أميركياً في لبنان بسبب انتشار أعداد كبيرة من الأوراق المزورة بمهارة عالية، إذ فشلت آلات فحص العملات في تمييزها واكتشاف الزائف منها، وزاد من حال الإرباك الإعلان الصادر عن كبرى شركات تحويل الأموال في لبنان لناحية التوقف عن استقبال الأوراق النقدية من فئة 50 دولاراً. ومن جهتها، أكدت قوى الأمن الداخلي "ضبط 15 ورقة نقدية مزيفة من فئة 50 دولاراً وأن العمل جار لمعرفة المروجين بإشراف القضاء المختص".

الحل قادم

ويعيش لبنان أمام موجة جديدة من الصدمات المالية التي تتمثل في انتشار العملات المزورة، التي لا تحديد دقيقاً لحجمها، وما يحكى عن مبلغ "6 ملايين دولار مزورة أمر غير دقيق، وهو من باب الدعاية وحديث المقاهي، لأنه لا يمكن إعطاء تقديرات دقيقة لما هو مزور حتى الساعة" بحسب نقيب الصرافين في لبنان مجد المصري الذي يضيف أن "المسألة تحتاج تدخلاً أمنياً، وتحقيقات مكثفة لمعرفة حجم المزور، ولكننا الآن بتنا على يقين بوجود أموال مزورة منتشرة في لبنان، وعندما نكتشفها نعطي الزبون الخيار بين تلفها أو الاستغناء عنها من أجل استخدامها في تطوير أجهزة الكشف".
ويعزو مجد المصري المشكلة إلى أسباب عدة، يأتي في مقدمها انتشار الصرافين غير القانونيين في لبنان، ويقدر عدد هؤلاء بالآلاف ولا يخضعون للمراقبة أو المحاسبة. ويفيد المصري بأن "هناك 300 صراف شرعي في لبنان فحسب، يخضعون للرقابة وقانون النقد والتسليف"، منوهاً "اكتشفنا عدداً من الأوراق النقدية المزورة التي لم تتمكن أجهزة الكشف من التعامل معها، إلا أن الخبرة المهنية ساعدت في اكتشافها من خلال اللمس باليد، إذ ننبه الزبون إليها وهو ما لا ينسحب على العامة".

4
" style="background-image: url('/sites/all/themes/independent_v2/img/blank.gif');">
  • " style="background-image: url('/sites/all/themes/independent_v2/img/blank.gif');">
  • " style="background-image: url('/sites/all/themes/independent_v2/img/blank.gif');">
  • " style="background-image: url('/sites/all/themes/independent_v2/img/blank.gif');">
    • 1/4

      أسهم في حال الاضطراب "انتشار الاقتصاد النقدي" في ظل انعدام الثقة بالقطاع المصرفي القانوني (اندبندنت عربية)
    • 2/4

      شهد لبنان "دولرة كاملة" للأنشطة الاقتصادية خلال الأعوام الثلاثة الماضية بعد أن تدهور سعر صرف الليرة (اندبندنت عربية)
    • 3/4

      ساءت سمعة ورقة الـ50 دولاراً أميركياً في لبنان بسبب انتشار أعداد كبيرة من الأوراق المزورة بمهارة عالية (اندبندنت عربية)
    • 4/4

      تحولت مهنة الصيرفة إلى "عمل ثان إضافي" لشرائح واسعة من "تجار الشنطة" المنتشرين على الأرصفة والطرقات والساحات العامة (اندبندنت عربية)


    الشرعي هو الحل

    وتثير عمليات الصرافة غير المشروعة مخاوف واسعة النطاق في لبنان، ولذلك يدعو المصري إلى "التعامل مع الصراف الرسمي بوصفه ملاذاً آمناً وموثوقاً، لأنه لا يتعامل إلا من خلال الطرق الرسمية، ويمنح الزبائن فاتورة بالأوراق المتسلسلة وإيصال مختوم، إذ يمكن له مراجعة المصدر لتبديلها في حال وجود أوراق مزورة". ويشكو نقيب الصرافين من "تعدي شركات تحويل الأموال على أعمال الصرافة من خارج نطاق مهامها، فهم تجاوزوا التفويض الممنوح من حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، والطلب منهم جمع الدولارات من السوق حصراً لمصلحة مصرف لبنان، لتنتقل إلى تصريف العملات"، متحدثاً عن "إخبارات بسبب التعدي على مصلحة الصرافة دون رخصة".

    الدولارات المجمدة

    في موازاة الدولارات المزورة، تنتشر مجموعة من الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي التي تروج لما يسمى "الدولار المجمد"، ويزعم هؤلاء بأن مصدر تلك الدولارات هو العراق أو ليبيا. ويستدرج أصحاب الصفحات هؤلاء الزبائن من خلال إثارة الرغبة للربح والمكاسب السريعة، إذ تباع الدولارات بأسعار رخيصة و"بنصف ثمنها". ويجزم مجد المصري "نحن أمام عملية نصب واضحة المعالم، يستجيب لها كثير من الناس"، مشبهاً إياها بالمصيدة، مستعرضاً بعض التجارب "ففي اليوم الأول، يقوم المروج بإعطاء الشاري ألفي دولار صحيحة لقاء الألف دولار التي يدفعها، وعندما يعرضها للكشف يتحقق من سلامتها. وعندها يسير الزبون مع لعبة المروج، فيقرر شراء 20 ألف دولار لقاء دفع 10 آلاف دولار وهنا تقع الكارثة، إذ يكتشف الزبون أنها مزور، وأنه ضحية عملية نصب وخداع عبر السوشيال ميديا".   

    تحديث الأجهزة

    وتمكنت الدولارات المزورة من المرور على الجهاز دون النجاح في كشفها، وهو ما أحدث بلبلة في سوق الصرافة اللبناني. ورجح المصري أن "عملية التزوير تحصل بتقنية عالية، وبحبر وأوراق شبيهة بتلك المواد المستخدمة في طباعة الأصلية، وهو ما يؤدي إلى حال الخداع". ويكشف عن "بدء الشركات الأم في تحديث الأجهزة والبرامج الخاصة بالكشف، إذ بدأت بجمع عينات من الأموال المزورة من دول عدة، لأن المشكلة لا تقتصر على لبنان وبدأت بدول أخرى على نطاق واسع، وخير دليل ما جرى في تركيا وحظر استقبال أوراق الدولار من فئات محددة".
    وطمأن المصري إلى أن "شركات الصرافة الكبرى تلقت برامج جديدة ومحدثة، فيما تنتظر استقبال شحنات البرمجيات الإضافية، وقطع الغيار للماكينات خلال الأسبوعين المقبلين. من ثم، فإنه سيقود إلى تجاوز الأزمة الراهنة التي تستهدف الشك بفئة الـ50 دولاراً التي تعد فئة وازنة في السوق".

    جريمة اقتصادية

    "تقليد العملة ومخالفات الصيرفة ليسا مجرد جرائم اقتصادية بسيطة، بل هما اعتداء على استقرار الدولة وعلى الثقة بالعملة النقدية" بحسب الباحث القانوني المحامي رفيق هاشم، الذي يشير إلى أن "تقليد العملة يعد من الجرائم ذات الآثار العميقة، التي لا تقتصر على الأضرار الفردية فحسب بل تمتد لتصيب المنظومة الاقتصادية بأكملها. كما أن انتشار العملات المزورة يؤدي إلى تآكل الثقة بالعملة النقدية". ويضيف المحامي هاشم أن "جريمة تقليد العملة تؤدي إلى تشويه الدورة الاقتصادية من خلال إدخال كميات من النقد المزيف إلى الأسواق، مما ينتج منه تضخماً وهمياً يعرقل النشاط الاقتصادي ويضعف النمو". وأضاف أن "المؤسسات المالية ولا سيما محال الصيرفة تتحمل العبء الأكبر، إذ تتعرض لتجارب وخسائر مباشرة وتتأثر نزاهة تعاملاتها المالية، مما يهدد استمراريتها في ظروف اقتصادية حساسة".

    اقرأ المزيد

    يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


    مكافحة تقليد العملة؟

    ويتعامل القانون اللبناني بجدية مع جرائم تقليد العملات، ويوضح رفيق هاشم أن "المشرع خصص المواد من 440 إلى 449 من قانون العقوبات لتجريم تقليد العملات والإسناد. وتنص هذه المواد على عقوبات صارمة تشمل الأشغال الشاقة في بعض الجرائم، إضافة إلى فرض غرامات مالية ومصادرة الأدوات المستخدمة في عملية التقليد".
    ويتطرق المحامي هاشم إلى ملاحقة المشترع اللبناني للشركاء في الجريمة، إذ "لم تقتصر الملاحقة على معاقبة مرتكبي التقليد فحسب، بل شمل النص كل من صنع آلات أو أدوات معدة لتقليد أو تزوير العملات. وعاقب المشترع بعقوبة جنحية كل من يسهم في تداول العملات المزورة أو يروجها، إدراكاً منه لخطورة هذه الجرائم وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني".

    أين الرقابة؟

    يبقى السؤال عن دور السلطات الرسمية والرقابية في مكافحة الظاهرة التي تهدد سوق الصرافة. وفي هذا الإطار، يحذر النائب رازي الحاج عضو لجنة الاقتصاد من اتساع نطاق الاقتصاد غير الشرعي وعمليات التزوير، ويحمل السلطة التنفيذية الجزء الأكبر من المسؤولية لأنه "يقع على عاتقها عملية المكافحة والمراقبة".

    ويضع الحاج المشكلة الراهنة ضمن المشهد العام، إذ "يجب على مؤسسات الحكومة مكافحة جميع أوجه ’الاقتصاد الموازي‘ وضبط جميع المؤسسات العاملة في السوق بصورة غير مشروعة، والتي يأتي في مقدمها فروع جمعية ’القرض الحسن‘"، التابعة لـ"حزب الله". ويستدرك الحاج "لا نعتبر أن ’القرض الحسن‘ هو المسؤول المباشر عما يجري، ولكننا نشتبه بأية عملية مالية ومصرفية وتعامل بالنقد خارج الإطار الشرعي والمصرفي اللبناني"، مؤكداً أن "عمليات تبييض الأموال وتزوير العملات تجد حقلاً خصباً في الاقتصاد الموازي".
    ويعلق الحاج على "حال الرعب التي خلفها اكتشاف الدولارات المزورة في السوق اللبناني"، معتبراً أن "نظام التعاملات اللبناني يعد من الأنظمة المدولرة، إذ يعتمد إلى حد كبير على الدولار. واتسع نطاق تلك الظاهرة في ظل الانهيار المالي والاقتصادي بوصفها ’عملة آمنة‘، لا يتغير سعرها على ضوء التقلبات في السوق"، مستدركاً "نحن نلجأ لضخ الدولار لوقف تدهور العملة الوطنية، وقد بادرنا في لجنة الاقتصاد باقتراح تسعير البضائع بالدولار إلى جانب الليرة بانتظار التعافي الاقتصادي والمصرفي لتأمين ثبات سعر السلعة ووقف عمليات التلاعب، دون إلزام المستهلك الدفع بالدولار".
    من جهته، يؤكد نقيب الصرافين في لبنان مجد المصري أن "مسؤولية مكافحة التزوير والصرافة غير القانونية تقع على عاتق النيابة العامة المالية، التي يفترض بها التحرك من أجل قمع المخالفات التي تهدد السوق المالي في البلاد"، إذ يمكن الانطلاق من قانون العقوبات اللبناني لملاحقة أعمال التزوير وجرائم المس بالاستقرار النقدي، وتبييض الأموال لملاحقة المروجين العابرين للحدود.

    القضاء يتحرك

    وأدت البلبلة إلى تحريك مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال في وحدة الشرطة القضائية. وأشارت التحقيقات الأولية إلى أن "مالك أحد المحال المعدة لبيع وبرمجة آلات عد وكشف الأموال المزيفة، علم من عدد من زبائنه أنهم استلموا أوراقاً نقدية مزيفة من فئة 50 دولاراً ولم تتمكن الآلات كشفها"، وأنه "نشر أرقام الفئات المزورة على باقي زبائنه عبر ’واتساب‘ دون أن يتوافر لديه القصد بإرباك المواطنين والسوق المالي". وأفادت القوى الأمنية بأنه لا وجود لأي شيء غير معتاد، وأدت مراجعة حاكمية مصرف لبنان إلى تأكيد عدم وجود أية أموال مزيفة دخلت أو قبضت من قبل المصارف اللبنانية. وكشفت عن عدم تلقي مكتب مكافحة الجرائم المالية لأية شكوى.