هل باتت أيام بوتين معدودة بعد نفي الأسد إلى موسكو؟

آخر تحديث 2024-12-15 02:00:05 - المصدر: اندبندنت عربية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعانق رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد في منتجع سوتشي على البحر الأسود في روسيا، في نوفمبر 2017 (أ ب)

مما لا شك فيه أن نهاية حكم الأسد في سوريا أضعفت موقف روسيا في الشرق الأوسط وأضرت بمكانة موسكو الدولية بما هي عليه اليوم.

فبعد التقارب مع الغرب في وقت سابق، بما في ذلك زيارته المملكة المتحدة عام 2002، أصبح بشار الأسد حليفاً مقرباً لموسكو كما كان والده حافظ الأسد في العهد السوفياتي. في عام 2015، دعمت روسيا الدولة السورية بالدعم الجوي الذي أسهم في تحويل مجرى الحرب الأهلية السورية - وكانت موسكو أيضاً هي من قدمت الأسبوع الماضي ملاذاً له ولأسرته في وقت كانت فيه قوات المعارضة تقترب من العاصمة دمشق.

وبصرف النظر عما سيحل بالقاعدتين العسكريتين الروسيتين في سوريا، فإن استعراض روسيا القوة في الشرق الأوسط يبدو وكأنه قد وصل إلى خواتيمه - أقله في الوقت الراهن. مما يجعل روسيا خاسراً كبيراً في ديناميكية القوة الإقليمية على غرار إيران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن بالنسبة إلى روسيا، فإن تأثير سقوط الأسد قد لا يقتصر على نطاقها العسكري والسياسي في الخارج بل قد تكون له تداعيات أقرب بكثير إلى الداخل.

قبل ما يناهز 12 عاماً، تردد صدى الانتفاضات، التي عرفت آنذاك باسم الربيع العربي، في روسيا بطريقتين مختلفتين تماماً: فمن جهة، وعلى رغم فشلها في ترسيخ الديمقراطية، أظهرت أن الشعب، وبخاصة الشباب، يتمتع بالقدرة على المقاومة. ومن جهة أخرى - وكانت تلك هي الحجة السائدة آنذاك - قدمت الاضطرابات درساً آخر في قيمة الاستقرار وذلك في أعقاب الاضطرابات العنيفة التي اندلعت في العراق وليبيا قبل عقد من الزمن.

كانت تلك الحجة التي استخدمها فلاديمير بوتين في مواجهة احتجاجات الشارع ضد قراره بالترشح مرة أخرى للرئاسة عام 2012. فقبل أربع سنوات، أقدم على تبادل المنصب مع رئيس وزرائه امتثالاً للحدود الدستورية لفترات الولاية. وأثار قراره بالعودة إلى منصب الرئيس غضباً عارماً، وبخاصة في أوساط جيل جديد من الروس ما بعد الشيوعية الذين كانوا يأملون في التغيير.

عاد بوتين لتولي منصب الرئيس مجدداً وأدار سفينة مستقرة، وإن كانت قمعية بصورة متزايدة، مستفيداً من عملية ضمه الناجح وغير الدموي إلى حد كبير شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014. كانت احتفالات النصر في الكرملين عبارة عن بحر من الوجوه المتوهجة والعيون اللامعة. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذي اعتبر إذلالاً، استعيد الفخر الوطني. بالنسبة إلى عديد من الروس قد يعد هذا ذروة رئاسة بوتين، بيد أن ذكريات تلك الأيام المجيدة كانت قصيرة الأمد.

وفي العودة إلى الأسبوع الأخير، لم يحظ سقوط الأسد ونفيه إلى موسكو سوى بقدر ضئيل من التغطية الإعلامية في روسيا، باستثناء الإعلان الصارخ عن منحه وعائلته حق اللجوء لأسباب إنسانية. ولكن ذلك لا يعني بأن التطورات في سوريا لم تحظَ بالاهتمام، أو أنها لا تملك القدرة على إحداث تأثير مزعزع للاستقرار بصورة عميقة. ذلك لأن سقوط الأسد لم يعكس حدود القوة الروسية في الخارج فحسب، بل أثبت حدود قوته الشخصية في الداخل أيضاً.

وفي هذا السياق، تبخرت سلطة بشار الأسد بشكل دراماتيكي ومذهل. فلم يتمكن المركز من الصمود في مواجهة شعب منقسم ومنهك، وجيش كان في السابق موالياً للنظام ثم شهد انشقاقات بأعداد كبيرة. ونجحت مجموعة مسلحة ومنظمة بصورة جيدة في الوصول إلى السلطة، من دون أن تواجه أي مقاومة تذكر.

من المحتمل أن يكون ما سيحدث في سوريا في المستقبل مختلفاً حق الاختلاف عن صورة الابتهاج الشعبي الذي نشهده اليوم على نطاق واسع. ولكن ما يحدث في روسيا قد يخالف التوقعات أيضاً.

روسيا ليست دولة سعيدة. فاستطلاعات الرأي، إلى الحد الذي يمكن الوثوق بها، تشير إلى أن نصف السكان يؤيدون إنهاء الحرب في أوكرانيا. وإن كان بوتين أظهر جميع مظاهر السيطرة القوية، فإن الدرس المستخلص من الأسد هو أن الزعيم قد يبدو وكأنه يمسك زمام السلطة في لحظة ثم يفقدها فجأة في اللحظة التالية.

القوة تنبع من الصدقية، والصدقية قد تتلاشى في لحظة. أحد الجوانب التي لفتت الانتباه بصورة كبيرة في تمرد فاغنر القصيرة [قاده يفغيني فاغنر ضد السلطات الرسمية في يونيو 2023] هو غياب المقاومة، ليس في الشوارع وحسب، بل من قبل بعض القيادات العسكرية أيضاً، في وقت كانت دبابات فاغنر تتقدم على الطريق السريع نحو موسكو.

وعلى رغم عدم وجود قوة معارضة مسلحة في روسيا، كما كانت الحال في سوريا، فلا يمكن استبعاد وجود مجموعة من الضباط ممن هم أقل حماسة من غيرهم تجاه العمليات [العسكرية] الحالية، أو أن تفقد بعض الوحدات الإرادة لمحاربة العدو، وتنضم إليها وحدات أخرى. في نهاية المطاف، كان هذا السبب الرئيس والطريقة التي أنهت فيها روسيا حربها مع ألمانيا عام 1917.

ولعله من الجدير ذكره أن التنازل عن العرش، على غرار ما فعله القيصر نيكولاي الثاني، قد يكون السبيل الذي يقرر بوتين اتباعه، بدلاً من إثارة أي مقاومة. وفي سياق متصل تشير المعلومات إلى أنه نصح الأسد بقبول المنفى بدلاً من المخاطرة بالعار الذي حل بكل من صدام حسين أو القذافي جراء التمسك بالسلطة.

ليس بالضرورة أن يشكل غياب أي بديل واضح عائقاً في هذا الإطار. فلم يتصور أحد أن الأسد سيطاح بطريقة محددة، أو على يد مجموعة معينة، كما حدث. وليس بالضرورة أيضاً أن يكون أولئك الذين يقومون بإطاحته هم الذين سيتولون السلطة بعدها.

ويبقى التساؤل سواء كانت أيام بوتين معدودة أو كيف ستنتهي سلطته موضوعاً في خانة التكهنات البحتة. ولكن منذ أن بدأ بوتين بوضع العصي في عجلات الغرب وربما تحديداً منذ هجومه على توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، رأى البعض أن نهايته هي بمثابة نوع من الحل. ربما يكون ذلك صحيحاً أو ربما قد يجعل ذلك الأمور أسوأ. لا أسمح لنفسي بإبداء رأي منحاز في هذا النقاش.

ولكنني ضد التوقع بأن روسيا من دون بوتين ستكون مختلفة تماماً، إما "أفضل" أو "أسوأ"، عما هي عليه اليوم. والحكمة التي تؤكد أن الدول لديها مصالح دائمة، وليس أصدقاء أو أعداء دائمين، لا تزال قائمة.

فقد عكس غزو أوكرانيا مخاوف بوتين في شأن أمن روسيا في حال انضمام أوكرانيا إلى تكتل عسكري أو دفاعي غربي. يشكل هذا تصوراً للمصلحة الوطنية الروسية الذي من المرجح أن يستمر - حتى لو لم يستمر بوتين في السلطة.