ماذا يعني فقدان سوريا "حق الرد" العسكري على إسرائيل؟

آخر تحديث 2024-12-15 09:00:05 - المصدر: اندبندنت عربية

جندي في الجيش الإسرائيلي يطوي صورة لبشار الأسد بالقرب من قرية "مجدل شمس" الدرزية في الجولان (أ ف ب)

في صيف عام 2001 بادر الرئيس الأميركي جورج بوش بالاتصال بنظيره السوري بشار الأسد لإقناع دمشق بضبط النفس وعدم الرد على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت موقعاً سورياً للرادار في لبنان، فقد كان مجرد تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق الأجواء السورية استفزازاً عسكرياً يهدد الهدنة القائمة بين البلدين العدوتين منذ اتفاقية فض الاشتباك عام 1974، ويحتاج لمزيد من العمل الدبلوماسي لتهدئته والاحتفاظ لنظام دمشق بماء الوجه في ظل تهديده بالرد على إسرائيل من خلال ترديد مقولة إن "سوريا تحتفظ لنفسها بحق الرد" على إسرائيل في المكان والزمان المناسبين.

تلك المقولة ظلت مثار سخرية المعارضة في الداخل وخصوم الخارج على حد سواء، فدمشق خلال حكم آل الأسد طالما اتهم نظامها بالتزام الخنوع لإسرائيل بعدم الرد على قصفها ومنع إطلاق رصاصة صوب الجولان المحتل لعقود.

مع مرور سنوات حكم الأسد الابن ستصبح الغارات الإسرائيلية في سوريا متكررة على مدار عقدين، وإن كانت على فترات متباعدة، ومعظمها غير معلن عنه من جانب تل أبيب، وضد أهداف استراتيجية مثل ضرب مفاعل "دير الزور" في 2007 عقب أربع سنوات من الغارات على منطقة "عين الصاحب" قرب دمشق في 2003، والتي جاءت ضمن حرب نفسية وبعد شهرين من تحليق طائرات حربية إسرائيلية فوق منزل بشار الأسد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بامتداد شرارة ما سمي الربيع العربي إلى سوريا عادت الغارات الإسرائيلية لاستهداف الترسانة العسكرية السورية الضخمة، وتركزت عشرات الغارات على المطارات ومراكز الأبحاث العسكرية ومواقع للجيش ومصانع ومخازن للصواريخ الإيرانية ومعاقل لميليشياتها خلال سنوات الثورة على الأسد الابن، والتي اكتفى النظام بإدانتها وترديد الموقف السلبي لنظام الأسد الأب بأن سوريا "تحتفظ لنفسها بحق الرد في الزمان والمكان والمناسبين"، من دون أن يأتي هذا الزمن المناسب أبداً، باستثناء حدث نادر فاجأ المراقبين حينما تحطمت مقاتلة إسرائيلية من طراز "أف 16" بعد إصابتها بنيران الدفاعات الجوية السورية أثناء هجوم داخل سوريا عام 2018، إذ كانت سوريا معبراً لشحنات الأسلحة الإيرانية لـ"حزب الله"، لكن الرد الإسرائيلي لم يستغرق كثيراً من الوقت، فبعد ساعتين من إسقاط الطائرة بدأت إسرائيل بمهاجمة أهداف إضافية داخل سوريا، بما في ذلك مواقع الدفاع الجوي السوري وقواعد لـ"الحرس الثوري" الإيراني.

ويرى مراقبون أن الإجهاز على ما تبقى من مقدرات "الجيش العربي السوري" وبنيته العسكرية التحتية خلال 48 ساعة بشن نحو 500 غارة جوية مدمرة، وتنفيذ محرقة لأسطول سفن البحرية السورية، ربما يخرج سوريا للأبد من معادلة القوة العسكرية بالمنطقة، لتتحقق خطوة أخرى من نبوءة ووصية الزعيم الصهيوني ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل بضرورة القضاء على ثلاثة جيوش عربية رئيسة وتفتيت دولها، وهي العراق وسوريا ومصر على الترتيب، فيما تظل التساؤلات من دون إجابة حول طبيعة موقف المعارضة السورية حالياً من الغارات الإسرائيلية وغموض موقف النظام السوري الجديد من هجمات إسرائيل وقضية احتلال الجولان، في ظل استمرار تل أبيب تنفيذ وعيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتغيير خريطة الشرق الأوسط منذ عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

تهديد الأمن القومي العربي

على رغم تأكيده أن "الجيش العربي السوري تحت حكم بشار الأسد ليس هو الجيش السوري الذي حارب معنا عام 1973"، يحذر اللواء أحمد إبراهيم كامل نائب مدير الاستخبارات الحربية المصرية السابق في تصريح إلى "اندبندنت عربية" من أن تدمير إسرائيل قدرات الجيش الاستراتيجية في سوريا وإخراجه لسنوات من حسابات وتوازنات القوى يهدد الأمن القومي بالمنطقة العربية، حتى وإن ظلت دمشق شبه غائبة عنها لعقود.

ويعتبر كامل أن إسرائيل حققت نبوءة بن غوريون عام 1955 حين طلب تدمير ثلاثة جيوش عربية على الترتيب هي العراق وسوريا ومصر، وأن نجاحها في تدمير الجيش السوري خلال 48 ساعة بعدما ظل لعقود معبراً عن جبهة الرفض والصمود والتصدي والممانعة، سيكون له تأثير ملموس في الأمن القومي العربي كله.

ويتوقع المسؤول الاستخباراتي السابق إمكان فتح جبهة جديدة بعد سوريا، فبحسب كامل "إسرائيل ونتنياهو وحكومته يحققون ما صرحوا به يوم الثامن من أكتوبر 2023 بتغيير خريطة الشرق الأوسط، إذ بدأ تقليم أظافر إيران وتم الإجهاز على أذرعها في المنطقة بعدما قضى على معظم قدرات حركة (حماس) وأكثر من 50 في المئة من أسلحة (حزب الله) وتدمير كامل قدرات الجيش السوري، فضلاً عن التأثير في العراق وتحييد قدراتها، والدور القادم على العراق واليمن، وربما الجبهة الثامنة التي تلوح في الأفق هي الأردن بذريعة عملية تهريب السلاح إلى الداخل الإسرائيلي أو دعم المقاومة في الضفة الغربية".

 

من جهته يعتقد محمد حسن الباحث في السياسات الدفاعية أن حرب أكتوبر 1973 أسست لتوازن قوى جديد في منطقة الشرق الأوسط كان يستند بالأساس إلى ثلاثي عربي يمثل مجمل القدرة العسكرية العربية، مصر والعراق وسوريا، لكن موجات الاضطرابات التي بدأت باحتلال العراق 2003، واندلاع الحرب في سوريا 2011، أخرجت كلا البلدين من معادلة القوة العربية مع احتفاظ سوريا بقدرة الرد على إسرائيل حتى مع بدء اشتباكها مع عشرات من التنظيمات الإرهابية التي استهدفت بالأساس تدمير مجمل القدرة العسكرية السورية".

ويضيف حسن، "طوال مدة الصراع ظلت دمشق تحتفظ بالقدرة على الرد على إسرائيل براً وبحراً على وجه التحديد، وهو ما شكل هاجساً إسرائيلياً لسببين، أولهما محاولة إسرائيل استغلال الصراع في سوريا لإخراجها تماماً من معادلة القوة العربية الاستراتيجية مما يعنى سياسياً وعسكرياً سلب سوريا قدرة حق الرد على العدوان أو صده. وتحولت سوريا تدريجاً إلى منصة تضم بنية تحتية عسكرية إيرانية على طول الحدود بعمق 80 كيلومتراً من الجولان المحتل، لذلك بدأت إسرائيل تنفيذ مئات الغارات لتدمير القدرات العسكرية السورية ذات المستوى الاستراتيجي مع سقوط الدولة السورية وانتهاء دور الجيش السوري في الدفاع عن الأراضي السورية ومقدرات البلاد.

لماذا التدخل الإسرائيلي؟

لم تمر سوى ساعات على هرب بشار الأسد من دمشق فجر الأحد الماضي حتى سارع الجيش الإسرائيلي إلى استغلال الفراغ ليشن 480 غارة جوية استهدفت ما يزيد على 80 في المئة من قدرات الجيش السوري وبنيته التحتية وأسلحته الرئيسة، وأظهرت بعض الخرائط توغل إسرائيل العسكري في جنوب سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق، والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وعدد من القرى والبلدات بعمق يصل إلى 18 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

ويرى نائب مدير الاستخبارات الحربية المصرية سابقاً أن الهدف الأساس لتدخل إسرائيل ليس فقط تدمير جيشها، ولكن الاحتفاظ بدور مهيمن في إعادة تشكيل الدولة السورية، ولن تكون هناك علاقات عدائية متوترة للحكومة القادمة مع تل أبيب، فثمة تلميح بأن إسرائيل هي من ستختار النظام الحاكم في سوريا، ولا يوجد تصريح لـ"جبهة تحرير الشام" بإدانة الأعمال الإسرائيلية، على رغم أن كل ذلك من قدرات الشعب السوري.

 

ويستكمل أن إسرائيل على رغم نجاحاتها العسكرية تظل مكاسبها حتى الآن تكتيكية، فإنها أكبر خاسر استراتيجي في ما يتعلق بوضعها المستقبلي بالمنطقة، وما ستفرضه الوقائع الجديدة من أعباء أمنية وعسكرية على إسرائيل والولايات المتحدة، "كما أنه بعد ما فعلته إسرائيل في حربها ضد معظم الدول العربية مدة 14 شهراً كل العرب سيعيدون حساباتهم في العلاقة والسلام مع إسرائيل، بخاصة بعدما حذر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب نتنياهو من أنه لا بد من علاقات حسن جوار في المنطقة، فالعدو الرئيس لإسرائيل هو السلام لأن الحروب هي التي تجمع الشعب الإسرائيلي خلف حكومته. كما أنه إذا تمخض الوضع السوري عن نظام للإسلاميين والمتطرفين فستصبح إسرائيل إزاء تهديد أكبر من الجيش السوري الذي ظل يحتفظ فقط بحق الرد في التوقيت المناسب والزمان المناسب، من دون أن يفعل شيئاً من ذلك إلا نادراً".

وبحسب محمد حسن الباحث في السياسات الدفاعية، فإن مبررات إسرائيل لتدمير ما تبقى من قدرات عسكرية سورية تذهب لمنع وقوع هذه الأسلحة والقدرات في أيدي متطرفين كما زعمت، لكن ما تغفله إسرائيل هو أن الدولة في سوريا بأكملها أصبحت تدار من قبل "هيئة تحرير الشام" التي ظلت لفترات الوكيل السوري لتنظيم "القاعدة"، مما يثير عديداً من التساؤلات، فهل تستمر الغارات إلى ما بعد تدمير القدرات العسكرية السورية؟ وإلى أي مدى يمكن منع إسرائيل من استباحة الأراضي العربية والتنصل من اتفاقات فض الاشتباك الموقعة بعد حرب أكتوبر؟ وهل تظل علاقة العداء بين سوريا وإسرائيل؟ لذلك تذهب سوريا تدريجاً إلى مفهوم سوريا المفيدة، ذلك المصطلح الغربي الذي يري في سوريا منزوعة القدرة العسكرية بلداً مفيداً، مما يعنى أن قرار نزع السلاح من سوريا كان معداً بصورة مسبقة قبل سقوط الدولة.

نموذج الجيش اللبناني

كيف سيكون شكل الجيش السوري في المستقبل؟ سؤال يشغل الجميع بعد تواري "جيش الأسد" عن المشهد وتدمير إسرائيل لقدراته، فهل ستظل سوريا منزوعة السلاح أم تتجه للحال اللبنانية؟ في مفارقة تاريخية تأتي بعد عقود ظلت فيها بيروت على مرمى حجر من المدفعية السورية وعلى بعد دقائق من دباباتها. يقول محمد حسن الباحث في السياسات الدفاعية، إن النتائج المباشرة لخسارة سوريا قدراتها العسكرية هي تحول دورها العسكري لما يشبه نموذج الجيش اللبناني في القدرات والمهام، وهذا على المدى الطويل لأن مسألة إعادة بناء القدرات العسكرية قد تستغرق عقوداً، هذا إن سمح لسوريا أصلاً بإبرام صفقات تسليحية في ظل وجود حكومة وطنية.

من جهته يشير كامل إلى أن السيناريو الأكيد أن إسرائيل لن تسمح بإعادة بناء الجيش السوري، بل ربما إعادة استنساخ الجيش اللبناني المنزوع السلاح. كما لا يمكن إعادة تأسيس الجيش السوري حالياً قبل البدء في عملية سياسية، فلمن ستعطي السلاح والدعم؟ إن عملية التسليح ستعتمد على الحليف المستقبلي لسوريا، ومدى إمكانية إعادة تجميع الفصائل تحت جيش واحد في ضوء تبعية الميليشيات للقوى الإقليمية والدولية، كما أن السيناريوهات مفتوحة على احتمال عودة الاقتتال والاحتراب، مما يمكن أن يؤدي لتقسيم سوريا، وفي ما يتعلق بالحدود فعملية السيطرة على الحزام الأمني للجولان وضرب اتفاق 1974 نوع من الضغط على الحكومة السورية لتقبل نوعاً من التطبيع يعيد الوضع في الجولان لما كان عليه قبل سقوط الأسد إذا قبلت سوريا تطبيعاً لعلاقاتها مع إسرائيل، ومن ثم القضاء على حلم "عودة الجولان السوري المحتل إلى حضن الوطن".

 

البديل لنموذج "سوريا بلا جيش" وفقاً لكامل أن تبحث دمشق عن حليف جديد يمد لها المظلة الأمنية، وهنا ستجد نفسها أمام خيار وحيد هو الارتماء في أحضان الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن السيناريو الأمثل أن يعاد تأسيس الجيش على أسس وطنية بعيداً من الطائفية، فالجيش السوري خلال السنوات الأخيرة ظل "جيش بشار وليس جيش الشعب ولا الجيش الوطني، فالنظام البعثي هو ما أوصل سوريا إلى هذه المرحلة، وكان بإمكانه حماية طائراته وأسلحته الاستراتيجية حتى لو تم إرسالها إلى دولة أخرى، فعلى سبيل المثال خلال حرب تحرير الكويت عام 1991 حافظ العراق على طائراته وأرسلها إلى إيران التي كان في عداء معها قبل وقت قريب".

ويرى العميد طارق سكرية المتخصص العسكري اللبناني أنه في ظل التدهور ووصول رواتب بعض العسكريين والموظفين بالجيش إلى أقل من 10 – 18 دولار شهرياً، وما خسرته في حروبها مع الثوار منذ 2011، وعدم حصولها على منظمات صاروخية أو دفاعية متطورة، كل ذلك أدى إلى انهيار معنويات الجيش بصورة كبيرة، ومهما كان لدى الجيش من أسلحة فإن الجيوش تزحف على بطونها، كما يقول نابليون، ولكن كانت بطونهم خاوية ومعنوياتهم منهارة، ناهيك بعدم شعبية هذا الجيش، فهو جيش طائفي قائم على الطائفة العلوية، وغير مؤسسي أو محترف بصورة كاملة، وكان العريف العلوي يأمر العميد السني، وهذا ما رأيناه في لبنان حيث ظل هذا الجيش هنا لمدة 29 سنة". ويتابع، "سوريا أصبحت مكشوفة تماماً أمام إسرائيل التي قامت خلال 48 ساعة بأكثر من 450 غارة دمرت بنية الجيش تماماً، مما جعل إسرائيل تقوم بهذه الغارات وتتوسع في الجولان وتدخل القنيطرة، ولو أرادت لاحتلت دمشق خلال ساعة أو ساعتين، وهذا ما أرى أنه يعود لقصر نظر أو سوء نية بشار الأسد"، والآن إسرائيل في وضع مرتاح جداً على المستوى العسكري، ولنتخيل ماذا ستكلف الدولة السورية لإعادة بناء هذا الجيش الذي كان لديه نحو 2700 دبابة و1500 مدفع و450 طائرة، وإن كانت قديمة بعض الشيء، ومنها 100 مقاتلة، وكم تحتاج سوريا من الوقت لإعادة الإعمار التي تقدر قيمتها بـ500 مليار دولار، فالطائرة الحربية الحديثة ثمنها من 50 - 100 مليون دولار أميركي، والدبابة 5 - 10 ملايين، فمن أين تأتي سوريا بهذه الأموال وكم تحتاج من الوقت؟".

شعارات المقاومة الزائفة

استكملت إسرائيل ما قام به الأسد على مدار سنوات بتدمير الجيش السوري وإرهاقه وفقاً لكثير من الآراء، ويرى العميد طارق سكرية أن "بشار تعمد ترك سوريا بلا جيش"، ليس فقط بوضعه في وجه الشعب لسنوات، ولكن خلال الشهرين الماضيين بعدما كانت أمامه فرصة للوصول إلى حل سياسي مع المعارضة وتطبيق قرارات مجلس الأمن. ويضيف، "سوريا تعلم أنها لا تقدر على مواجهة مع إسرائيل منفردة، لذلك ظل همها منذ حرب تشرين 1973 وبعد السلام مع مصر، هو الحفاظ على بقائها، وقد بقيت في مواجهة إسرائيل وحدها، وما زاد الطين بلة الغزو الأميركي للعراق، مما جعل النظام يعمل على تسويق هزائمه خلال السنوات الماضية بأنه سيرد في المكان والزمان المناسبين، بمعنى أنه يمكن أن يرد من خلال ضرب مصالح إسرائيلية أو دعم منظمات المقاومة من دون الدخول في مواجهة مباشرة، وهو يواجه حصاراً اقتصادياً وتنظيمات إرهابية وحرباً كونية وقصف طيران شبه يومي من إسرائيل، مما أضعف قدرته على الرد".

 

بدوره يذهب مثنى العبيدي المتخصص في مجال العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة "تكريت" إلى أن حق الرد السوري ظل ضمن شعارات المقاومة الزائفة التي روجها النظام السوري جزافاً، لذلك لم يكن متوقعاً أن يكون هناك رد سوري على الغارات والاجتياح الإسرائيلي، مما يؤدي لاختلال توازن القوى الإقليمي بالمنطقة في ظل استغلال إسرائيل للوضع الدولي وتأييد الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، وما استطاعت فعله من تحييد "حزب الله" وإخراجه من المواجهة ليصبح الطريق ممهداً أمام التدخل في سوريا واستغلال الوضع السوري فور هرب بشار، ربما ضمن سيناريو مسبق، لإنهاء أية قدرات عسكرية يمكن أن تدخل تحت سيطرة المعارضة بعدما كانت تحت يد النظام السوري. وفي ظل سعي المعارضة لتطمين المجتمع الدولي ومحاولة الحصول على ضوء أخضر أميركي للحكم، وقلق دول الجوار وبعض الدول العربية، من التحول في سوريا، تريد إسرائيل إنهاء أية مقدرات يمكن أن تشكل تهديداً عليها في المستقبل".

ووفقاً للعبيدي، فإن إسرائيل تخشى النظام السوري الجديد، أو تحول مواقفه مستقبلاً، لا سيما أنه على رغم شعارات المقاومة ظلت جبهة إسرائيل من جهة سوريا هي الأكثر أماناً لها، وفي ظل التوجهات الدينية للنظام وتغير ميزان التوازن الاستراتيجي الإقليمي بصورة كبيرة لمصلحة إسرائيل وقضائها على وكلاء إيران، ربما لا يجعل أمامها عدو جديد سوى نظام معاد لها في سوريا ذي خلفية سياسة دينية متطرفة.  

الحق السوري في الرد

فقدت سوريا قدرة الردع، لكن ذلك لا يعني نظرياً سلبها الحق في الرد على هجوم إسرائيلي، فالهجمات الإسرائيلية التدميرية تأتي تحت مبررات استباقية فضفاضة وذرائع واضحة للعدوان، وليست ضمن ما يمكن تصنيفه بتدخلات شرعية للدفاع عن النفس أو وفق قرار لمجلس الأمن، وبالتأكيد ليست استجابة لطلب سوري بالتدخل العسكري.

وعلى مدار عقود باتت عبارة "تحتفظ سوريا بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين" مألوفة لكل متابع للملف السوري - الإسرائيلي. ومع توالي الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ السبعينيات، اتضح عجز دمشق عن الرد بصورة عملية على رغم أن التصريحات السياسية لم تتوقف عن تأكيد هذا الحق، فهل انتهى "حق الرد السوري" فعلياً وقانونياً مع تدمير إسرائيل لمعظم قدرات الجيش السوري الاستراتيجية؟

يلفت هيثم عمران مدرس العلوم السياسية والقانون الدولي بجامعة "قناة السويس" إلى أن الهجمات الإسرائيلية على سوريا تعد خرقاً واضحاً لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص في المادة (2) على تحريم استخدام القوة ضد سيادة الدول. كما أن ضرب إسرائيل أهدافاً داخل دولة ذات سيادة من دون تفويض أممي يمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ويتابع عمران، "منذ حرب أكتوبر 1973 وحتى اليوم تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية. وتصاعدت هذه العمليات بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، إذ استغلت إسرائيل الفوضى الأمنية وضعف الجيش السوري لاستهداف مواقع يقال إنها مرتبطة بإيران أو (حزب الله)، لكن الرد السوري ظل غائباً أو محدوداً، مما يشير إلى تفوق إسرائيلي واضح في ميزان القوى. وفي الوقت الحالي تتحدث تقارير عن أن إسرائيل نجحت إلى حد كبير في شل قدرات الدفاع الجوي السوري واستنزاف بنيته التحتية وقصف أهداف حساسة، بما في ذلك مواقع استراتيجية قرب دمشق. هذه الهجمات لم تواجه برد فعل سوري مكافئ مما يعزز التساؤل حول صدقية التصريحات المتكررة عن حق الرد".

وعلى رغم هذه الانتهاكات تعتمد إسرائيل في تبرير عملياتها على مفهوم الدفاع عن النفس وفق المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، إذ تدعي أن ضرباتها تستهدف منع تهديدات مباشرة من إيران أو "حزب الله" على أمنها. ومع ذلك يبقى هذا التبرير محل خلاف كبير، إذ يتطلب الدفاع عن النفس وجود تهديد وشيك ومباشر، وهو أمر غالباً ما تفتقر إليه الذرائع الإسرائيلية، بحسب الباحث هيثم عمران الذي يعتقد أنه بالنظر إلى العوامل السياسية والعسكرية والدبلوماسية الراهنة يبدو أن "حق الرد" السوري أصبح أكثر رمزية منه واقعاً، فقد نجحت إسرائيل ليس فقط في تقويض القدرات العسكرية السورية، ولكن أيضاً في خلق حال من الردع الاستباقي، إذ أصبحت تتجنب الانجرار إلى مواجهة قد تفاقم من أزمتها الداخلية.

وعليه، فإن تكرار عبارة "الزمان والمكان المناسبين" من دون أفعال ملموسة لا يحفظ حق الرد للدول، ويعكس بوضوح أن ميزان القوى يميل بشدة لمصلحة إسرائيل. وإذا استمر هذا النمط من دون تغير، فإن "حق الرد" السوري قد يظل حبيس الخطابات السياسية، فيما تواصل إسرائيل فرض قواعدها على الأرض في ظل غياب ردع حقيقي، وفقاً لعمران.