لافتة تحمل صورة بشار الأسد في صنعاء تعود لعام 2016 خلال مناسبة مشتركة (منصات التواصل)
في وقت سقط الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه في دمشق والعواصم التي ظلت تمده بعوامل القوة والبقاء، ما زالت صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين ترى أن ما حدث "مؤامرة صهيونية"، من دون التعليق على ما خلفه الرئيس الهارب إلى موسكو من قتل وفقر وتشريد أكثر من نصف شعبه.
وهو الموقف الذي عده مراقبون واحداً من مفارقات عدة للميليشيات التي تجبر اليمنيين على اتباعها والانصياع لـ"حقها الإلهي في الحكم"، تحت لواء "محور المقاومة" الذي يتهاوى كأحجار الدومينو واحداً تلو الآخر لم تخفها لغة الخوف والارتباك لتهرب كما جرت العادة إلى التصعيد والتهديد الذي جاء على قادة الجماعة.
ومع المفارقة بين تخلي إيران زعيمة المحور عن النظام السوري وانتقاده، حتى من جانب المرشد علي خامنئي، سارع الحوثيون إلى المناورة خشية مواجهة المصير ذاته، وإن استبعدت تكرار السيناريو في اليمن، معللة ذلك بالاختلافات الكثيرة.
وألقى عبدالملك الحوثي مساء أول من أمس الخميس، أول خطاب له منذ انتصار الثورة السورية وتحرير دمشق وهروب الأسد، وانسحاب إيران من هناك، في أقوى ضربة مؤلمة لمحور إيران خلال أسابيع.
وتمحور خطاب زعيم الميليشيات حول سوريا، محاولاً إظهار رباطة الجأش ومحاولاً تبرير ما جرى هناك بأنه مؤامرة صهيونية، مغفلاً الحديث هذه المرة عن "مظلمة فلسطين" كما جرت العادة، متهماً الشعب السوري بالخيانة والعمالة والإرهاب لمصلحة "الاحتلال الإسرائيلي" ضد إيران التي تمثل "الخصم للاحتلال".
وبدت المرارة على حديث الحوثي، فراح يطلق التهم على الثوار السوريين "بالذل والجبن والخور والضعف والمسامحة الكريمة تجاه الاحتلال".
الهروب للوعيد
فيما انبرى المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام في تصريحات إلى قناة المسيرة، لكيل التهديدات في كل اتجاه في تعبير ضمني على الخوف الذي تشعر به الميليشيات من أي تحرك للقوات الحكومية ضدهم، متوعداً بأن لديهم "أعلى معايير الجاهزية والاستعداد وأن المعتدي سيرى نفسه قد سقط في فخ أميركي- إسرائيلي".
وتعبيراً عن قلقه من انتقال السيناريو السوري إلى شمال البلاد التي يسيطرون على معظمها، قال زعيم الحوثيين، لقد "دربنا مئات آلاف المقاتلين ومستعدون لمحاربة أميركا وإسرائيل وكل من سيهاجمنا"، مما اعتبره مراقبون هروباً معتاداً نحو التهديد النابع من الخوف الذي يعتري الجماعة بلغة غاضبة جراء توالي الضربات المميتة لقلاع المحور الإيراني على مدى الأشهر الماضية التي طاولت اغتيال قادة "حزب الله" واحتلال الشريط الحدودي جنوب لبنان وتصفية الضباط الإيرانيين في سوريا ولبنان وتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية بغارات إسرائيلية يقابلها عجز إيراني واضح.
ويقول الباحث السياسي عبدالوهاب بحيبح إن نظام الأسد كان ضالعاً في دعم الحوثيين منذ وقت مبكر مع نشأة الحركة، إذ "كانت سوريا بمثابة مركز تدريب وتأهيل لعناصر الميليشيات، كما أنها شكلت محطة عبور لعناصر الحركة في رحلاتهم إلى إيران للتدريب والتأهيل العقائدي"، ولهذا تشعر الجماعة بأنها "خسرت دولة عربية ظلت تمدها بعوامل عدة للقوة والبقاء".
ويضيف بحيبح أن "المئات من قيادات الحركة منذ البداية اعتمدوا على سوريا كمعبر آمن نحو العالم باعتبار سوريا الأسد جزءاً من المحور الإيراني، فمن الطبيعي أن تشعر الجماعة بالانكشاف والقلق والخوف من انهيار حاجز جديد يحميها وسط محيط محلي وعربي يرفضها".
علاوة على ذلك، تخشى الميليشيات الحوثية، وفقاً لبحيبح من "مواجهة مصير مشابه لما تعرض له نظام الأسد في سوريا، بخاصة في ظل التوجه الدولي الواضح لقطع أوصال النفوذ الإيراني في المنطقة، أو ما يعرف بـ"وحدة االساحات"، مما يعزز لديهم الشعور بوحدة المصير مع بقية الأطراف التابعة للمحور الإيراني في المنطقة، فما بعد لبنان وسوريا بالتأكيد العراق واليمن".
تهاوي الحلم
يرى السفير اليمني السابق لدى سوريا عبدالوهاب طواف أن خطاب زعيم الميليشيات الحوثية الأخير بدت عليه علامات "الغضب الممزوج بخوف من الآتي"، خصوصاً وهو يعاني "عزلة شعبية داخلية بعد افتضاح مشروعها الطائفي".
ويعتبر طواف في تغريدة نشرها على منصة "إكس" أنه بالنظر "إلى كلام وتهديدات الحوثي التي لا تنتهي ضد كل العالم، يتضح للجميع أنه محبط بعد سقوط أعمدة حلم دولتهم الطائفية في سوريا ولبنان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرجع ذلك إلى تهاوي الاعتقاد الحوثي بعد أن اعتقدوا "بأنهم باتوا على مقربة من إعلان دولتهم العلوية الهاشمية بحدود تبدأ من إيران مروراً بالعراق وسوريا ولبنان حتى اليمن ولم يكن يقف أمامهم من عائق لإحكام دائرتهم الطائفية في منطقة شبه الجزيرة العربية إلا القلعة العربية السعودية".
يتابع أنه "أمر جلل ومحبط عندما يرون انهيارات متتالية في شهر واحد قد ضربت استثماراتهم التي بدأت قبل نصف قرن، لبناء دولتهم الطائفية المزعومة في منطقتنا العربية".
بين الشام واليمن
وأنعش انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، آمال اليمنيين المشردين بالعودة لديارهم صنعاء كما فعل أهل دمشق، على المستويين الشعبي والرسمي.
وهنأ رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الشعب السوري "بإسقاط نظام الوصاية الإيرانية على الجمهورية العربية السورية وعودة دمشق للحاضنة العربية".
وشدد عضو المجلس الرئاسي طارق صالح على ضرورة استعداد صنعاء لمصير مشابه لما حدث في دمشق، مشيراً إلى مواجهة كل من سوريا واليمن للمشروع التوسعي الإيراني.
صالح الذي يقود قوات المقاومة الوطنية المتمركزة في السواحل الغربية التي تعد القوة الأكثر جاهزية وقوة وتهديداً للوجود الحوثي، أشار خلال لقاء مرئي مع القيادات العسكرية في محوري البرح والحديدة على ساحل البحر الأحمر إلى أن "سوريا واليمن يواجهان عدواً مشتركاً هو المشروع الصفوي التوسعي الإيراني".
وطالب عضو مجلس القيادة، خلال الاجتماع الذي جاء في ضوء التطورات الإقليمية ضد المشروع الإيراني التي تشهدها المنطقة، بـ "مضاعفة الجهود والبقاء على الجاهزية الكاملة والاستعداد لليوم الذي لا بد من أن تشهد فيه صنعاء ما شهدته دمشق التي عادت لحاضنتها العربية بعد أن أسقط الشعب السوري وصاية النظام الإيراني إلى الأبد".
ولفت إلى أن "سوريا واليمن يواجهان عدواً واحداً هو المشروع الصفوي التوسعي الإيراني، وأن عبدالملك الحوثي يمثل نظام الوصاية الإيرانية في صنعاء، وسيلاقي مصيره عاجلاً أم آجلاً"، بحسب وكالة الأنباء الرسمية "سبأ".
وأضاف "علينا الاستعداد ليوم الخلاص الوطني، وهذا يتطلب من كل القوى الوطنية المخلصة تجاوز الخلافات والتباينات والانتقال إلى وحدة المعركة".
استشعار أممي
النظرة الأممية استشعرت أبعاد هذه التطورات على الملف اليمني، وعلق المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أن المضي بخريطة الطريق في اليمن أصبح غير ممكن حالياً، محذراً من أن استمرار الانتظار قد يعيد البلاد لدوامة الحرب، وفقاً لتصريحات نشرتها الوكالة الفرنسية.
ومع ذلك، قال غروندبرغ في وقت لاحق في كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي إن "إنهاء الحرب هو خيار متاح وهو خيار لا يزال في متناول الأطراف."
وقال غروندبرغ "أدعو جميع الأطراف إلى الدخول بجدية في الجهود التي أقودها لتنفيذ خريطة الطريق والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية تشمل دفع الرواتب بصورة مستدامة، والتمهيد لعملية سياسية شاملة"، مضيفاً "أؤمن بشدة أن هذا الهدف لا يزال قابلاً للتحقيق."