اجتماع بين علي السيستاني ورئيس بعثة "يونامي" في النجف بتاريخ 4 نوفمبر الماضي (أ ف ب)
"رسائل حمراء" تلقاها المرجع الشيعي الأعلى في العراق، السيد علي السيستاني، ممثل المرجعية الاثني عشرية في العالم، المخالف لمرجعية إيران التي تتبع "ولاية الفقيه"، حملها رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، العماني محمد الحسان، الذي تخطى على ما يبدو المهمة التي كلفها بتصفية متعلقات "يونامي" في العراق خلال عام، بطلب من الحكومة العراقية، بعد مغادرة الممثلة الأممية السابقة جنين بلاسخارت. ومهمة الحسان، وهو أول عربي يتولى هذه المهمة اللافتة، تتعلق بنزع سلاح الميليشيات في العراق وتفكيك معسكراتها المنتشرة في عموم البلاد.
وزيارة الحسان للسيستاني هي الثانية خلال شهر واحد، في سابقة لم يسبق ان تكررت كثيراً والمتمثلة بزيارتين الى المرجع خلال فترة قصيرة، حيث كانت الزيارة الأولى في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما جاءت الأخيرة في 12 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
الحكومة تنفي التورط
وتتخذ ميليشيات موالية لإيران من الأراضي العراقية منطلقاً لشن عمليات، توافقاً مع ما تسميه طهران "محور المقاومة" و"وحدة الساحات" التي بدأت تتقلص بعد أحداث غزة ولبنان وسوريا، وسط مخاوف من أن يأتي الدور على العراق كي لا يكون مأوى للفارين من تلك البلدان، تحت أغطية شتى، نفتها الحكومة المركزية في بغداد مراراً وتكراراً.
الحسان الذي يدرك تأثير المرجعية الشيعية وسطوتها الروحية على المكون الشيعي في العراق، سعى إلى مقابلة السيد السيستاني في بيته بالنجف، ليبلغه بتطور الموقف الدولي إزاء العراق، بدعوى محاولة تجنيب العراق أية تطورات قد تؤذيه، جراء السلاح المنفلت خارج سيطرة الحكومة المركزية الذي تملكه فصائل "الحشد الشعبي" وميليشيات أخرى رديفة.
واكتفى ممثل "يونامي" الحسان بالتشديد على التعجيل بالإجراءات مع التأكيد أن بعثة الأمم المتحدة في العراق تدعم الجهود المبذولة من الحكومة العراقية لتجنب التصعيد الذي تشهده المنطقة والحيلولة دون اتساع الصراع وحماية المدنيين، فيما تؤكد البعثة "أهمية دور العراق في منظومة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط".
لكنه عاد ليؤكد الأمور التالية بعد لقائه مع المرجع السيستاني ورداً على "دعوات التغيير" التي تُناقش بجدية في الأوساط السياسية لا سيما الشيعية، عاد ليؤكد بأن "على العراق أن يعجل بالتغيير، خير البر عاجله. والرسالة وصلت" من دون أن يفصح عن فحواها. وأضاف خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد أن "العراق بحاجة ماسة وعاجلة إلى التخلص من أعوام الألم".
الدعوة إلى حل الميليشيات
وقال الحسان، "ناقشنا مع السيد السيستاني نزع سلاح الميليشيات، ليس اليوم وإنما قبل شهر من الآن"، وهذه الإشارات الحذرة التي أطلقها المبعوث الأممي تكشف عن أنه يحمل رسالة واضحة من المجتمع الدولي والأمم المتحدة، مفادها أن ما يحدث في العراق من فوضى أمنية بات يؤرق المجتمع الدولي، وذلك تحت طائلة تعرض البلاد إلى عقوبات من نوع لم يفصح عنه.
مرحلة صعبة
وتعليقاً على ذلك، رأى الباحث غالب الدعمي أن "التمعن بما ذكره مبعوث الأمم المتحدة محمد الحسان يؤكد بما لا يقبل الشك أننا مقبلون على مرحلة جديدة ستغيب عنها أسماء كبيرة، ووجوه لم تصن الأمانة وخانت الشعب، وأسهمت في تمزيق العراق، وبددت الأموال، وأراقت الدماء بفعل بث الأحقاد، والدمار الذي ساد البلاد والعباد".
كذلك قال الباحث ثامر التميمي، المسؤول السابق في "صحوات العراق"، "كانت زيارة لافتة للمبعوث الأممي إلى النجف، للمرة الثانية خلال شهر، تحدث في الأولى عن حصر السلاح بيد الدولة، وفي هذه الزيارة تحدث عن أوضاع المنطقة، وعن مصالحات داخلية، وترتيبات جديدة للمنطقة. واللافت أن هذه الزيارة، نظراً إلى أهميتها لم تؤجل على رغم الظرف الصحي للمرجع. وبسبب الأهمية القصوى لتسلم الرسالة الأممية، تم التفاهم مع نجله محمد رضا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ممانعة شيعية لافتة
لكن موضوع تصفية الميليشيات والدعوات إلى سيطرة الدولة عليها، تصطدم عموماً بممانعة كبيرة من أوساط شيعية "مؤدلجة" داعمة بغالبها وموالية للمشروع الإيراني في المنطقة. ومن جهة أخرى هناك خوف من تجريد القوى الشيعية التي تتحكم في إدارة الدولة، وتدير مدناً، وتوصف مهمتها بالضرورة القصوى لحكم الغالبية الشيعية، نظراً إلى وجود مدن أخرى، ذات غالبية سنية وكردية سئمت على ما يبدو الطريقة التي تُدار بها البلاد، وعمليات الفساد التي لم تتوقف وأنتجت معارضة للمشروع الشيعي في العراق، الذي تروج له كثير من قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي الحاكم وبعص مفكري الطائفة.
كما أثارت دعوة الأمم المتحدة إلى حل الميليشيات حفيظة رجل الدين الشيعي أياد جمال الدين، فعبّر عن حنق حيال الدعوة الأممية المقرونة بالتحذيرات، وقال إن "إسرائيل أرسلت للمرجع الأعلى رسائل بواسطة الأمم المتحدة" وأن خلاصة ذلك بنظره هي تدمير العراق وتقسيمه وأن على شيعة العراق أخذ العبرة مما جرى في سوريا.
وأمام هذه الممانعة وسواها ينقسم شيعة العراق بين مدني يسعى وينشد حياة طبيعية من دون تحديات واحتراب، والالتفات إلى العمران والبناء واستثمار الإمكانات المالية الضخمة التي تغذي الموازنات السنوية للعراق حالياً، ومجتمع آخر يؤمن بالأيديولوجيات الدينية أو السياسية وإشاعة الغلو والفرقة التي تمزق أوصال الوعي العام، وتأتي دعوة الأمم المتحدة اليوم لتفجر فتيل المسكوت عنه لأعوام والمطروح همساً وتنقله إلى العلن.