هل خسرت إيران نفوذها بالإقليم بعد "فخ التمدد"؟

آخر تحديث 2024-12-21 15:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

أنصار "حزب الله" يحملون صورة قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني في بيروت (أ ف ب)

 

على رغم أن إيران ووكلاءها حققوا نجاحات تكتيكية، فإنهم لم يتمكنوا من تحقيق انتصارات استراتيجية حاسمة ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل. وأظهرت تدخلات إيران في سوريا واليمن ولبنان قدرتها على إطالة أمد الصراع، لكنها لم تؤد إلى هزيمة كاملة لأعدائها.

اختلطت ملفات المنطقة وتعقدت من بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ويمكن القول إن المنطقة تشهد تحولاً جذرياً يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني الإقليمي. ذلك أن سقوط النظام السوري، الذي ظل لأعوام محوراً لتحالفات وصراعات إقليمية ودولية، سيخلط الأوراق بصورة أكبر ويعيد رسم التوازنات داخل المنطقة، مما يجعل خطوط التحالفات والعداوات أكثر تشابكاً.

ومن أهم تداعيات ذلك السقوط هو التأثير في التحالف الإيراني، الذي كان يعد نظام الأسد أحد أهم ركائز نفوذ طهران في المنطقة، وشكل جسر التواصل بينها و"حزب الله" في لبنان، وبسقوطه تلقى "محور المقاومة" ضربة قاسية ودفع بإيران إلى إعادة حساباتها في الإقليم. ومن دون مظلة النظام ستواجه طهران صعوبة في الحفاظ على نفوذها وستعيد ترتيب تحالفاتها الدولية، ولكنها قد تسعى مجدداً إلى تعزيز وجودها عبر الفصائل المسلحة التابعة لها.

أيضاً روسيا من المتضررين من سقوط النظام السوري، لأن موسكو استثمرت كثيراً في دعم بشار الأسد، وستجد نفسها مضطرة للتفاوض مع قوى إقليمية ودولية لإعادة تشكيل نفوذها في سوريا، مما قد يؤدي إلى تحالفات غير متوقعة. فالولايات المتحدة وحلفاؤها قد يسعون إلى استغلال الفراغ لتقليص النفوذ الإيراني والروسي، مما يفتح المجال لمزيد من التصعيد أو التفاهمات الجديدة. وذلك السقوط سيقابله صعود لقوى محلية جديدة ستطالب المشاركة في السلطة، مما يتيح للقوى المتنوعة (الكردية والسنية وحتى المتطرفة) السعي إلى السيطرة على مناطق النفوذ، وسيزيد من تشابك المشهد.

 

 

في السياق ستتعمق الانقسامات الإقليمية، وستسعى تركيا التي كثيراً ما عدت النظام السوري تهديداً لأمنها إلى تعزيز نفوذها في شمال سوريا، مما قد يضعها في مواجهة مباشرة مع الأكراد وحلفائهم الغربيين. وستجد دول الخليج التي انقسمت بين داعمي المعارضة السورية ومؤيدي إعادة تأهيل النظام نفسها في موقف يعيد صياغة مواقفها وتحالفاتها. هذا المشهد سيؤثر بصورة مباشرة على الصراع العربي-الإسرائيلي، وقد يغير ديناميكيات الصراع مع إسرائيل، إذ ستواجه الأخيرة تهديدات من جماعات مسلحة قد تملأ الفراغ، أو قد تستغل الموقف لتعزيز سيطرتها على الجولان. وقد تكون إسرائيل استبقت الأحداث ودخلت المنطقة المنزوعة السلاح بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة، وأعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستبقى في موقع جبل الشيخ الاستراتيجي على الحدود السورية لحين التوصل إلى ترتيب مختلف.

إعادة تشكيل المشهد الإقليمي

ومع غياب الأسد، تصبح الإجابة عن سؤال "من حليف من؟ ومن عدو من؟" أكثر تعقيداً، وقد تجد قوى كانت متحالفة ضد النظام السوري نفسها متنافسة على السيطرة على الأرض والنفوذ. وقد تدخل القوى الإقليمية في مواجهات غير مباشرة، حتى مع وجود تقاطعات في المصالح أحياناً. وستضطر الأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة وروسيا لإعادة ترتيب أولوياتها، مما قد يؤدي إلى تقارب غير متوقع أو تصعيد جديد.

من هنا لم يعد المشهد الإقليمي محصوراً بثنائية واضحة بين الحلفاء والأعداء، بل أصبح متشابكاً بصورة غير مسبوقة، وتداخلت المصالح مع الأيديولوجيات وتشابكت النزاعات مع التحالفات الموقتة. وعلى أرض الواقع، يمكن أن نجد خصوم الأمس يتعاونون اليوم في ملفات محددة، بينما الحلفاء التقليديون يتواجهون في ساحات أخرى. أضف إلى ذلك الصراعات المتعددة الأبعاد، من الحرب في سوريا واليمن إلى التطبيع مع إسرائيل جعلت المشهد أكثر ضبابية وتعقيداً. وتداخل الأزمات الداخلية مع الأجندات الخارجية، ودخول قوى عالمية وإقليمية جديدة على خط التأثير، أسهم في تحويل المنطقة إلى رقعة شطرنج متغيرة، إذ لم يعد من السهل التمييز بين من يقف في صف من، أو إلى أين تتجه التحالفات المتبدلة.

هذا التشابك يطرح أسئلة جوهرية حول استقرار المنطقة ومستقبلها، وسؤالاً محدداً وهو هل خسرت إيران نفوذها في الإقليم؟.. ببساطة الجواب هو لم تخسر ذلك النفوذ بصورة كاملة، ويستطيع النظام الإيراني عبر براغماتيته المعهودة أن ينهض مجدداً أو أن يمد يده للحكم الجديد في سوريا. ولكن مع هذا فإن طهران تواجه تحديات حقيقية قد تضعف من قدرتها على التحرك بحرية.

 

 

وفي الوقت نفسه، تعتمد إيران على استراتيجيات طويلة الأمد ترتكز على التحالفات الأيديولوجية وشبكات الدعم غير الرسمية، وقدرتها على التكيف مع الضغوط. وتعد طهران أحد اللاعبين الأساسيين في الشرق الأوسط، مستندة إلى شبكة واسعة من الميليشيات والحلفاء في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكن، الضربات التي تلقتها هذه الميليشيات، سواء عبر المواجهات العسكرية المباشرة أو العقوبات الاقتصادية، أثارت تساؤلات حول قدرة إيران على الاحتفاظ بنفوذها الإقليمي.

ويرتكز النفوذ الإيراني على دعم الميليشيات المسلحة، وتعزيز الأيديولوجيا السياسية واستغلال الفراغات الأمنية والسياسية في الدول المجاورة. وتسعى طهران إلى توسيع عمقها الاستراتيجي، وضمان الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، والحفاظ على قدرة الردع ضد خصومها مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.

الضربات الموجهة للميليشيات الإيرانية وتأثيرها

تعرضت الميليشيات المدعومة من إيران لضربات متكررة من القوات الأميركية والإسرائيلية، وبخاصة الحشد الشعبي. ومع تصاعد الغضب الشعبي ضد الفساد والنفوذ الإيراني، بدأت طهران تواجه تحديات داخلية في العراق. وفي سوريا تعرضت المواقع الإيرانية لقصف متكرر من إسرائيل بهدف تقليص وجود طهران قرب الحدود مع هضبة الجولان المحتلة.

أما في لبنان فيعد "حزب الله" الركيزة الأساس لنفوذ طهران، لكن حربه الأخيرة مع إسرائيل أنهكته بصورة أصبح من الصعب عليه النهوض مجدداً، أو في الأقل لن يعود بتلك القوة العسكرية التي ارتكز عليها محور إيران في المنطقة، إضافة إلى أن الأزمات الاقتصادية والمعارضة الداخلية أثرت في قدرته على التعبئة ودعم المشروع الإيراني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي اليمن استمر الحوثيون في تلقي دعم طهران، لكن التحركات الدولية لتسوية الصراع إلى جانب تقارب السعودية مع إيران أثرت في نفوذها هناك، هذا من دون ذكر الغارات الإسرائيلية المكثفة التي حصلت خلال الأيام الأخيرة، كدليل على أن المشروع الإسرائيلي هدفه تقليص أو قطع أذرع إيران في الإقليم.

مرونة الاستراتيجية الإيرانية

ومع ذلك فإن إيران قادرة على التكيف مع الضغوط عبر تغيير تكتيكاتها، بما في ذلك تعزيز القدرات غير النظامية، ودعم الحلفاء السياسيين. وتستند في ذلك إلى ضعف الحكومات المركزية وعدم استقرار الأنظمة في العراق وسوريا ولبنان، مما يسمح لها باستغلال هذه الفجوات السياسية والأمنية. وعلى رغم الضربات لا تزال إيران قادرة وإلى حد ما على تهديد مصالح خصومها عبر وكلائها، مما يمنحها قدرة على التفاوض من موقع قوة.

وفي المقابل، لا تزال إيران تعاني العزلة الدولية والضغوط الاقتصادية والعقوبات المستمرة مما يضعف اقتصادها، من ثم قدرة النظام على تمويل الميليشيات. وهي دخلت في تفاهمات إقليمية عبر التقارب مع دول الخليج (مثل السعودية)، مما قد يضعف خطاب "المقاومة" والحجة الداعمة لتوسع النفوذ العسكري الإيراني. لكن في حال استمرت الفوضى داخل المنطقة وافتقار الدول لبدائل إقليمية متماسكة، فسيظل لإيران دور مؤثر وإن كان أقل فاعلية مما كان عليه في الماضي.

طهران والأوهام السياسية والعسكرية

في المقابل، هل أغرقت طهران حلفاءها في الإقليم بأوهام قدرتها على هزيمة الولايات المتحدة وإسرائيل؟ عملت طهران على ترسيخ صورة ذاتية قوية لحلفائها تقوم على قدرتها الاستثنائية بمواجهة البلدين، مستخدمة خطاباً يمزج بين الأيديولوجيا والعمليات العسكرية والسياسة الخارجية. ومع ذلك، يمكن القول إن هذا السرد الإيراني حمل معه أوهاماً سياسية وعسكرية أغرق الحلفاء في تصورات غير واقعية حول قدرتها على تحقيق الانتصار الحاسم.

 

 

وعلى مدى عقود قدمت طهران نفسها كقوة إقليمية قادرة على الوقوف في وجه "الاستكبار العالمي" أي الولايات المتحدة و"العدو الصهيوني" أي إسرائيل. ورسخت هذه الصورة من خلال استخدام لغة مقاومة جذابة لحلفائها. وتعمدت إيران تضخيم نجاحاتها العسكرية والسياسية، مثل حرب لبنان 2006 أو صمود الحوثيين في اليمن، لتبدو كأنها قوة غير قابلة للهزيمة. وركزت على تطوير الأسلحة محلية الصنع مثل الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، وعرضتها كأدوات فعالة في كسر التفوق العسكري الإسرائيلي والأميركي. مما دفع بحلفائها في المنطقة مثل "حزب الله" للاعتقاد أن هذه القوة تكفي لتحقيق نصر استراتيجي.

الفجوة بين الخطاب والواقع

وعلى رغم أن إيران ووكلاءها حققوا نجاحات تكتيكية، لم يتمكنوا من تحقيق انتصارات استراتيجية حاسمة ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل. وأظهرت تدخلات إيران في سوريا واليمن ولبنان قدرتها على إطالة أمد الصراع، لكنها لم تؤد إلى هزيمة كاملة لأعدائها. أضف إلى ذلك الضربات الموجعة التي تلقتها، والهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقعها في سوريا والعراق، واغتيال قادة بارزين مثل قاسم سليماني وصولاً إلى اغتيال أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، أظهرت هشاشة إيران في مواجهة العمليات الاستخباراتية والعسكرية المتطورة، ناهيك بفشل إيران في الرد على هذه الضربات بصورة فعالة، مما عزز الانطباع بأن خطابها القوي يفوق قدرتها الفعلية.

تأثير الأوهام في حلفاء إيران

وعبر تبني حلفاء إيران خطاباتها وتعميق الانخراط في صراعات خاسرة مثل الحوثيين والميليشيات العراقية، واعتقادهم بقدرتهم على تحقيق نصر حاسم، مما أدى إلى انخراطهم في حروب طويلة الأمد استنزفت مواردهم. وعلى رغم القوة التي كان يمتلكها "حزب الله" أصبح عالقاً في وضع داخلي وإقليمي معقد نتيجة لرهاناته المرتبطة بإيران. أضف إلى ذلك الانعزال الإقليمي والدولي عبر اتباع سياسات التصعيد المستوحاة من إيران، مما جعل حلفاءها عرضة لعقوبات دولية وعزلة إقليمية، كما حدث مع الحوثيين و"حزب الله".

ولعل تكرار خطاب الانتصار من دون تحقيق إنجازات ملموسة تسبب في إحباط قاعدة وكلاء إيران الشعبية، إذ تعاني مجتمعاتهم وبيئاتهم الحاضنة من أزمات اقتصادية وسياسية خانقة. ومما لا شك فيه أن إيران تعتمد على وكلائها لتخفيف الضغوط المباشرة عليها ولإبقاء أعدائها منشغلين، لكن هذا التكتيك على رغم نجاحه النسبي لا يكفي لتحقيق انتصار شامل. ويمكن الاستدلال عبر مراقبة السياسة الإيرانية أنها لا تسعى بالضرورة إلى تحقيق نصر عسكري شامل، بل إلى تحقيق توازن ردع يحمي نظامها ويعزز نفوذها الإقليمي. من هنا عمدت على تصدير الوهم بالقوة المطلقة، لخدمة أهداف داخلية وخارجية، لكن هذا وعلى مر العقود أصبح خطراً يهدد حلفاءها لأنهم صدقوا هذه الأوهام وتجاهلوا الواقع.

"كبوة جواد"

يعلق الدبلوماسي الإيراني أمير الموسوي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" على الزلزال الذي ضرب المنطقة، بالقول "نأمل في أن يولد بعد هذا المخاض ما نريده نحن وليس ما يريده الصهيوني والأميركي". ويتابع "ما دامت إسرائيل موجودة لا يوجد أمان ولا استقرار في المنطقة. الآن كل الأعمال الإجرامية يُسكت عليها، لكن الشعوب لن تسكت". ويصف ما حصل مع "محور الممانعة" بأنه "كبوة جواد"، مشيراً إلى أن "إيران والمحور دخلوا في مرحلة كبوة جواد، وسيقوم الجواد مرة أخرى وسيخلط الأوراق من جديد، وسينقلب السحر على الساحر".

وعن الحكم الجديد في سوريا وإذا ما كان يدخل ضمن "كبوة الجواد"، يجيب بأن "تجربتنا في المنطقة، تقول إنه حتى الحكم الجديد ممكن أن يستبدل لمصلحة المقاومة كما حصل في أفغانستان، إذ إن ’طالبان‘ عندما بدأوا عام 2002 اختلفت سياستها عن الآن. ومن هنا نتوقع أن يكون السيد الجولاني (أحمد الشرع) والجماعات المسلحة، وهم بداياتهم مبشرة ويختلفون عن عام 2011، حين كانت شعارتهم (جئناكم بالذبح)، أما اليوم فاستلموا الحكم وشعارهم هو التغيير والعدالة والديمقراطية، لذا استقبلهم الشعب السوري. والجيش السوري لم يحاربهم وحلفاء الأسد لم يتدخلوا، وعلى قدر المستطاع تمت العملية بحقن الدماء".

وتابع "من هنا فإن التغييرات تعد إيجابية وقد تكون لمصلحة المنطقة، لأن بشار الأسد عندما كان حاكماً كان يعمل حساباته الإقليمية والدولية ولا يدخل في مواجهات مع الكيان الصهيوني، كل ما تضرب دمشق وأطرافها ومراكز للحرس الثوري ولحزب الله وللجيش السوري كان يسكت عنها، أما الآن فإن الوضع في سوريا في حل من هذه الحسابات ومن الممكن أن تتشكل مقاومة قوية، لأنه بالنتيجة الشعب السوري لن يسمح أن يسيطر الصهيوني على أرضه، ويضرب هذه الإمكانات العسكرية الهائلة، وهي ليست ملك بشار إنما للوطن والدولة السوريين".

ويؤكد الموسوي "نتوقع كما دخل الكيان الصهيوني إلى بيروت عام 1982 وتشكل ’حزب الله‘ لمقاومته، من الممكن ومن بعد هذا التوغل الصهيوني أن تتولد مقاومة خطرة وكبيرة، ولا يستطيع أحد أن يقف أمامها، لأن الحكم الجديد جرد من كل إمكاناته العسكرية بسبب الضربات الصهيونية. الآن هذا الحكم لا يمتلك القوة العسكرية لديه الرشاشات والسكاكين. من هنا قد تتشكل مقاومة وقد يسكت عنها الحكم الجديد أو يؤيدها، لأنه من المستحيل أن يقف بوجه المقاومة التي تريد أن تحرر أرض سوريا التي احتلها الصهيوني، وعندما يقول نتنياهو إنه سيبقى لأشهر طويلة فهذا الكلام غير صحيح، ذلك أن مسافة 450 كيلومتراً سيبقى فيها ولن يخليها، وسيطر عليها وسيضمها للكيان، وربما يقضم أراضي أخرى ويصل إلى دمشق، وبعد سكوت الولايات المتحدة والعالم تعد فرصته الذهبية كي يحتل المناطق التي يسيطر عليها".

سؤال آخر، هل سنشهد في المستقبل تقارباً إيرانياً مع الحكم الجديد في سوريا، وهل ستعود إيران لتسليح "حزب الله" ومن أين ستكون طرق الإمداد؟ يجيب الموسوي "حزب الله سيرمم نفسه، عبر إمكانيته الموجودة لأنه يمتلك كثيراً من القدرات ومصانع الأسلحة، كما أن لديه شبكة عالمية وتصله الإمدادات بأساليب مختلفة".

 

 

 

ولكن ووفقاً للاتفاق الموقع مع إسرائيل لتطبيق القرار 1701 فإن لبنان يخضع ضمنياً للحصار والرقابة الدولية، إذ يشير الموسوي إلى أنه "مرت 15 شهراً وغزة تحارب ومحاصرة بصورة غير طبيعية، واليمن يحارب وهو محاصر منذ 10 أعوام وهذا الحصار فاشل أمام (محور المقاومة)، فالإسرائيلي يأتيه الإمداد من مختلف دول العالم ودائماً ما يصرح بأن لديه مشكلة في الذخائر، بينما ’حماس‘ و’الجهاد الإسلامي‘ تقاتلان وحدهما في هذه الظروف الصعبة، لذا فإن المقاومة تستطيع الصمود عبر طرق مختلفة. كما أن إيران لن تتخلى عن ’حزب الله‘ وعن كامل المحور مهما كلفها الأمر. ومن ثم فإن الأمور في سوريا ستكون خيراً أكثر مما كان بشار الأسد، لأن المقاومة ستكون في حل من كل التزامات النظام السابق".

وكانت طهران أملت بعودة قريبة لسفارتها لدى سوريا، وأعرب السفير الإيراني حسين أكبري عن أمله في أن تستأنف السفارة والقنصلية الإيرانية لدى دمشق عملهما خلال وقت قريب، موضحاً أن الحكومة الانتقالية قدمت "الضمانات الأمنية اللازمة للسفارة والأنشطة الأخرى". وأضاف أكبري أن طهران تلقت تأكيدات من حكومة تصريف الأعمال في سوريا بعدم استهداف أي إيراني أو أضرحة شيعية في سوريا.

ويرى الموسوي أن "إيران ساعدت على حقن الدماء ودخول المجموعات المسلحة إلى دمشق عبر الاجتماع الذي عقد في قطر، إذ إن طهران هي من بادرت وساهمت وأيدت دخول تلك المجموعات المسلحة إلى العاصمة السورية".

ويتابع أن "إيران كانت تقاتل في الماضي في سبيل الحفاظ على وحدة سوريا والأقليات والمراقد المقدسة، ولكن في هذه المرحلة اعتمدت الدبلوماسية للحفاظ عليها. كما أن مرقدي الإمام الحسين والسيدة زينب في مصر الحكومة هي التي تحافظ عليهما، ولمصلحة الحكومة السورية الجديدة الحفاظ على المراقد من أجل الوحدة الوطنية، كي لا تقع فتنة كما حاولوا في العراق".

وأوضح أن "الحكم الجديد في سوريا إذا منع المقاومة والإمدادات في فلسطين المحتلة فهو من سيتضرر، وسيتضرر الفلسطينيون وأهل السنة تحديداً، فـ’حماس‘ مصنفة من ’الإخوان المسلمين‘ وهم الذين يحكمون الآن في دمشق، وقبل ذلك عام 2011 رفع خالد مشعل علم الثورة السورية. وإيران لن تتضرر هي تتألم حالياً لأنه يهمها تحرير فلسطين، وإذا أرادوا إبعاد طهران من المنطقة فليتولى الجولاني دعم المقاومة".

"التشدد عنوان المرحلة القادمة"

في حين، يقول الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية خالد العزي في تصريح خاص، "إذا حاولنا الوقوف أمام الأحداث التي عصفت بالمنطقة أخيراً وبخاصة بعد عملية طوفان الأقصى، فنحن أمام حال جديدة في التعامل مع المنطقة من جانب الطرف الأميركي، عكس الأيام السابقة التي كانت طهران تغزو المنطقة من خلال السيطرة على الدول وبناء الكيانات المذهبية والطائفية، والتي كانت تحاول دعمها كبديل للدول القائمة بحد ذاتها، بسبب إطلاق اليد لطهران بالتصرف ضمن استراتيجية قائمة على تحالف الكيانات التي تضمن لإسرائيل الأمن والاطمئنان والسيطرة الميدانية لإيران، وهذا ما عبر عنه مستشار الرئيس حسن روحاني عام 2016 عندما قال (سيطرنا على أربع عواصم عربية والأيام المقبلة سيكون لنا السيطرة على المنطقة العربية وأكثر)".

ويضيف أنه "في اعتماد إيران سياسة خارجية قائمة على ابتزاز الولايات المتحدة والحصول على حوافز ثمينة لها، يظل اعتماد أميركا في المقابل على طهران باعتبار أن سياسة حلف الأقليات ركيزة المنطقة. ولكن الاستراتيجية الأميركية تغيرت عام 2022 وأصبحت ترى أن إيران دولة مزعجة، ومفهوم حكم الأقليات بات غير نافع لبناء الاستقرار في المنطقة مما دفع القمة الاقتصادية عام 2021 في الهند التي اجتمعت فيها دول الـ20 وتبنت موقفاً لبناء طريق التوارث، إذ جرى استثناء إيران ومستعمراتها العربية من الخريطة الاقتصادية الجديدة، مما أزعج طهران ومهدت لعملية طوفان الأقصى لكي تعيد ابتزاز واشنطن".

ومضى في حديثه "التحليل الإيراني فشل نهائياً، لذلك قررت أميركا ضرب إمكانات طهران وإعادتها نحو حدودها الطبيعية، ولم يقرأ النظام الإيراني جيداً التغيرات الجديدة في العالم والإقليم. عوضاً عن أن وضع الداخل الإيراني سيكون صعباً جداً، بسبب العقوبات الاقتصادية مما سيدفع طهران إلى تقديم تنازلات كبيرة جداً للحفاظ على نظامها، الذي سيعطي تعهدات كثيرة من أجل البقاء أو سيكون الصدام من قبل الكتل والمكونات الشعبية التي تعاني اقتصاداً منهاراً. كما أن إيران الواقعة تحت التهديد الإسرائيلي بضرب قواتها العسكرية والنووية، إضافة إلى أن إدارة الرئيس القادم دونالد ترمب ستضغط أكثر على إيران من الناحية الاقتصادية، لأن التشدد سيكون عنوان المرحلة المقبلة".