تمزيق صور قادة "محور المقاومة"... حملة عراقية تغضب الميليشيات

آخر تحديث 2024-12-21 18:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

تنتشر الصور في شواع العاصمة بغداد والساحات العامة وبشكل عشوائي (اندبندنت عربية)

في شوارع العراق، ربما من دون سواها، بات تمزيق صور "محور المقاومة" الموالي لإيران، جريمة يحاسب عليها القانون، خصوصاً إذا كان المستهدف هو صورة الراحل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

سيناريو لم يتخيله العراقيون، وأزاح الستار عنه صورة شاب (22 سنة) أظهرته معتقلاً في قيادة شرطة محافظة ديالى، وهو مصاب في عينه ويرفع اسمه لتصويره لتدوين سجل جنائي له. أما التهمة فهي تمزيق صورة سليماني.

وعلى رغم إطلاق سراح الشاب العراقي أثارت قضيته والتهمة التي دين بها جدلاً واسعاً، وطرحت تساؤلات حول قانونية محاسبة واعتقال أي مواطن وتعذيبه بسبب تمزيق صور لما يعرف بقادة "محور المقاومة" التي تنتشر على نحو عشوائي في شوارع المدن.

لم تكن واقعة الشاب عبدالله حسين محمد هي الأولى من نوعها، بل سبقتها حادثة مشابهة في بغداد عندما مزق أفراد من "سرايا السلام" الجناح العسكري التابع للتيار الصدري صوراً لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس" والأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله قبل أن يتولى قائد "سرايا السلام" تحسين الحميداوي بنفسه تسليم هؤلاء الأفراد إلى الأمن العراقي بعد طردهم من تشكيلات جناحه.

فوق القانون

يغرق فضاء بغداد وغالب المحافظات العراقية بصور عشوائية لقادة الميليشيات الموالية لإيران. صور بأحجام مختلفة تتوزع على الطرقات والساحات العامة وبعض المؤسسات الحكومية، ولا تقتصر على القادة، بل إن غالب الميليشيات تضع صوراً لأفرادها ترفقها بعبارة (الشهيد السعيد).

 

 

يعلق الأكاديمي والباحث القانوني أسامة الجعفري على تلك التصرفات بقوله إن الساحات العامة ضمن التصميم الأساس لمدينة بغداد والمدن الأخرى، وهي من الأموال العامة التي لا يجوز استعمالها إلا بعد موافقة أمانة العاصمة، حسب قانونها رقم 16 لسنة 1995 وموافقة بلدية المحافظة المعنية حسب قانون إدارة البلديات رقم 165 لسنة 1964، فهما الجهتان المتخصصتان بتنظيم الساحات العامة داخل المدن، بالتالي فإن استعمالها بنشر الإعلانات والصور يجب أن يسبقه موافقة إحدى هاتين الجهتين.

وأوضح الجعفري أنه في حال الحصول على موافقة رسمية من أمانة بغداد على وجود هذه الصور فإن الاعتداء عليها يمثل تجاوزاً للقانون، وإن إزالة الصور التي لم تحصل على الموافقات الرسمية لا تتم بتصرف شخصي، وإنما يكون باتباع الطرق القانونية من خلال إبلاغ أمانة بغداد أو البلدية المعنية على حصول التجاوز لرفعها من خلال كوادرها العاملة وبحسب كل بلدية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى ما يبدو أن أمانة بغداد غير قادرة على تنظيم عشوائية الصور التي تفرضها الميليشيات، وفي الوقت ذاته غير قادرة على إزالتها على رغم أن تلك الخطوة من صلاحيتها.

وبحسب مصدر حكومي رفض ذكر اسمه فإن الميليشيات لا تلتزم بالقانون ولا تلجأ إلى الجهات المتخصصة للحصول على موافقتها لوضع الصور، بل تفرض ما تريد الإعلان عنه وتضع الصور في الأماكن التي تريدها من دون اتخاذ الإجراءات القانونية.

وعلى رغم محاولات الجهات الرسمية التخلص من فوضى الصور التي تعم شوارع بغداد عبر إقناع هذه الميليشيات بعرض صور قادتها على الشاشات الرسمية المتوزعة في ساحات العاصمة، وهي 30 شاشة بمعدل صورة لكل 30 ثانية، لا تستجيب لطلبات الجهات الرسمية ولا تلتزم القانون الخاص بنشر الإعلانات والصور.

تدوير الطائفية

غالباً ما تكون قضية تمزيق الصور الموجودة على نحو مخالف للقانون في الشوارع والساحات العامة مادة خصبة لإعادة تدوير الطائفية، بحسب الباحث الأكاديمي في علم النفس السياسي حيدر الجوراني الذي أضاف، "أثارت حادثة تمزيق صور القادة في ديالى لغطاً كثيراً، والمؤلم أن بين طيات سيناريوهاتها فضاءً خصباً للاصطياد في مياه الطائفية حتى ضجت السوشيال ميديا محلياً في صناعة ما وجدته بعض الجهات السياسية قوتاً لها من أجل إعادة تدوير الطائفية".

وأوضح الجوراني أن التخليد الرمزي للأبطال والقادة هو جزء من سيكولوجيا البشر، وقد يمتزج الرمز معرفياً وعاطفياً كدينامية من الوفاء، مطالباً بضرورة وجود تقنين لطريقة التخليد الرمزي، "فمن الأفضل أن يكون التخليد من خلال المتاحف التي تتضمن صوراً وتماثيل بطريقة عصرية، وهو أفضل من ملصقات تكون عرضة للتآكل والتلف والغبار، وهو تقليل من تخليد الرمز وقد لا يليق به ما يجعله عرضة للسخرية أو ربما أي سلوك عبثي، سواءً عن قصد أو غير قصد".

 

 

وختم، "من غير السليم وضع الصور في الساحات العامة، وإن المجتمع العراقي متنوع وتعافى من الجرح الطائفي السياسي، ولكيلا تكون طريقة التخليد الرمزي عشوائياً فتصبح ربما مادة لاستثمار تخريبي الغاية منه تهديد السلم الأهلي، كما حدث في ديالى مثلاً".

وسيلة للاحتجاج

يرى الموالون للميليشيات المرتبطة بإيران أن تمزيق الصور المنتشرة في شوارع المدن لقادتهم هو انتهاك لتوجهاتهم الفكرية وما يؤمنون به من عقائد وهو ما يغضبهم من الأفراد الناقدين لوجود هذه الصور.

وعلى خلفية اعتقال عبدالله حسين في ديالى أيضاً انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ حمل اسم "شككها"، أي مزقها مرفقاً بصور لقادة الميليشيات الموالية لإيران.

 

 

في هذا السياق قال الشاعر والناشط السياسي سيف الدين المهنا إن الشاب العراقي يرفض وجود صور في شوارعه ومدنه، خصوصاً المفروضة من الميليشيات الموالية لإيران، مضيفاً "لا يخفى على الجميع الدور الإيراني الواضح للتدخل في شؤون العراق من خلال أذرعها المتمثلة بالفصائل المسلحة وبعض القيادات والأحزاب السياسية الحاكمة". واعتبر أن إطلاق حملة لتمزيق الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي تمثل وسيلة احتجاج على تلك الميليشيات، وهي في الوقت ذاته تأكيد على رفض رفع الصور لشخصيات أسهمت في خراب العراق.