منهم هتلر وهرقل وصدام… زعماء خلدوا عبارات في الرمق الأخير

آخر تحديث 2024-12-22 15:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

وللكلمات، عنوة جاءت أو اختياراً عمق وحقائق ودلالات (اندبندنت عربية)

يقول الذي عنده علم من غيب دهاليز الليلة الأخيرة في "قصر الشعب" إن السوري بشار الأسد قال، "ائتوني ببثينة شعبان لتكتب خطابي الذي سألقيه"، وحين سئل عن التفاصيل، قال كلمته الأخيرة "غداً نرى" قبل أن يعبر سراديب دمشق ويستقل سرباً من أسراب "حميميم" نحو صقيع المنفى الأخير.

وتلك كلمات ليست كالكلمات، إذ إن للقول الذي يقال قبل سقوط الدول والممالك وقع على أوتار الذاكرة والتاريخ، لأنه باق وخالد أشبه ما يكون بـ"وصية الموتى". وما قصة الليلة الأخيرة وكلماتها للرجل الذي امتد حكمه مع حكم أبيه لخمسة عقود سوى واحدة من قصص كثيرة ستروى عنه، مع، أهوال صيدنايا، وعمليات الإعدام والتعذيب، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، ومعامل صناعة الكبتاغون، وفظائع أخرى تكشفت بين عشية وضحاها عن النظام الذي حكم واحدة من أقدم الحضارات في العالم.

هرقل "وداعاً يا سوريا، وداعاً لا لقاء بعده".

ولأرض الحضارات وملتقى الشرق والغرب قدر كبير من الكلمات والنصر والانكسارات لكن قول بشار ليس كقول هرقل قبل نحو 1300 عام، وهو الذي قال حين أودت به الشيخوخة وهزيمة "اليرموك"، "وداعاً يا سوريا، وداعاً لا لقاء بعده!". قالها قبل الوداع على أطلال حماة بعد حياة زاخرة بالفتوحات.

وهرقل (575–641 م) أحد أشهر أباطرة الإمبراطورية البيزنطية الذي حكم بين عامي 610 و641م، وللمفارقة أن الحاكم الهارب الأخير استعان برجال من الفرس لحماية ملكه طويلاً بعكس الإمبراطور الذي شن حملة عسكرية ضد الفرس (622–628 م)، وقام بطردهم من الشام ليستعيد "القدس والصليب المقدس" بعد احتلال ونهب وسرق، وأنهى بذلك الهيمنة الساسانية في المنطقة. ولنصره جاءت كلمات من السماء في كتاب المسلمين المقدس (القرآن) ستظل تتلى إلى الأبد "غلبت الروم".

أخيراً وفي كبره ونهايات عهده خسر معركة شهيرة في أدنى الأرض وهي معركة "اليرموك" عام 636م، وخسر البيزنطيون من خلالها السيطرة على بلاد الشام أمام الجيوش الإسلامية بقيادة الخلفاء الراشدين. وردد قبل انسحابه جملته الشهيرة "وداعاً يا سوريا، وداعاً لا لقاء بعده".

 

 

هتلر: لقد خذلني الجميع

وللكلمات، عنوة جاءت أو اختياراً عمق وحقائق ودلالات. تأخذنا كلمات أحد أبرز قادة القرن العشرين الزعيم النازي أدولف هتلر (1889–1945) وهو أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ لحقيقة تعرضه للخيانة والخذلان.

وباح الرجل الذي قاد ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية لرفيقه في الحرب والسلاح هانز باور وهو طياره الخاص أثناء الحملات السياسية بقوله، "لقد خذلني الجميع، ولا أريد السقوط في أيدي الأعداء".

 

 

وثمة حديث عاطفي دار بينهما أورده باور في كتابه "كنت طيار هتلر" وضم الكتاب تدوينات تكشف عما قاله في آخر لحظات حياته الأخيرة، يقول الطيار "حاولت إقناعه بأنه لا تزال هناك طائرات متاحة، وإنني أستطيع أن أذهب به إلى اليابان أو الأرجنتين، لكنه رفض". وقال، إن "الحرب ستنتهي بسقوط برلين، أنا أقف أو أسقط مع برلين".

ومع اقتراب نهاية الحرب وهزيمة ألمانيا كانت القوات السوفياتية تحاصر برلين. وفي الـ30 من أبريل (نيسان)، لجأ هتلر إلى مخبئه تحت الأرض "الفوهرربنكر" حيث قرر إنهاء حياته بدلاً من مواجهة الهزيمة.

انتحر هتلر بإطلاق النار على رأسه بينما ابتلعت زوجته إيفا براون كبسولة سم السيانيد. كان ذلك في 30 أبريل 1945، لتنتهي بذلك حياة أحد أكثر الطغاة قسوة في التاريخ.

صدام حسين: (الشهادتين) "يسقط الخونة والأميركيون والجواسيس والفرس"

أعطت فسحة القدر وقتاً وأملاً طويلاً للرئيس العراقي الراحل صدام حسين (1937 – 2006) ليقول ما يشاء عن حقبة حكمه التي امتدت لـ24 عاماً، وللمفارقة أنها الفترة المماثلة لمن يشاطره هوى "البعث" بشار. وقضى الرجل الذي وصفه جورج بوش الأب بـ"هتلر القرن العشرين" الثمانية أشهر الأخيرة قبل إعدامه مختبئاً بداخل مزرعة على مقربة من مسقطه تكريت هرباً من الجيش الأميركي، وكان يرافقه رجل اسمه قيس النامق هو صاحب المزرعة وخازن الثمار الأخيرة من أسرار "التكريتي المجيد".

ولحظات ما قبل حبل الإعدام في الـ30 من ديسمبر (كانون الأول) 2006 كانت ملء السمع والبصر إذ وثقتها كاميرا هاتف بلغ صداها أقاصي الكرة الأرض وكان يردد "أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، وهي الشهادة التي يتلوها المسلم عندما يعلم أن منيته قد قربت. وهي وسيلة كما يقول دين المسلمين نحو الجنة والنجاة.

 

 

وتحت عنوان "حتى في المشنقة ظل صدام يلعن أميركا والخونة"، وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" اللحظات الأخيرة من حياة الرئيس العراقي مسلطة الضوء على ما بدا عليه من رباطة جأش وتحد. وذكرت أن آخر كلماته (قبل نطقه بالشهادة) "يسقط الخونة والأميركيون والجواسيس والفرس"، ويقول علي المسعدي الذي صور لقطات الفيديو الشهيرة لمجلة "النيوزربك" الأميركية، إن صدام حسين قال قبل إعدامه "العراق بلا صدام لا شيء".

 

 

زين العابدين: "تونس بين يديكم (حذاري) تونس بين يديكم"

"فهمتكم.. فهمتكم" قالها الرئيس التونسي الراحل، زين العابدين بن علي (1936 – 2019) وهو الرئيس الثاني للبلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956 بعد الحبيب بورقيبة، وأول رئيس تونسي يتم خلعه من منصبه إثر احتجاجات شعبية ضد نظامه 2011.

ولم تكن عبارة "فهمتكم.." الأخيرة كما يظن كثر، إذ ثمة كلمات قالها زين العابدين بين السماء والأرض على متن طائرة تتأرجح بين خيارات الوطن والمنافي، وهي الكلمات التي كشفت عنها "هيئة الإذاعة البريطانية" وكانت عبارة عن مجموعة تسجيلات صوتية مسربة مع كبار رجاله. وعلى سبيل الأمنية يقول زين العابدين، "أنا عائد في غضون أيام"، قالها لوزير دفاعه آنذاك رضا قريرة. وفي مكالمة أخرى سأل، "هل تنصحني أن أعود؟" ليأتي الرد "الشارع غاضب.. لا يمكننا ضمان سلامتك". وبعد يأس وحديث طويل ردد "تونس بين يديكم (حذاري) تونس بين يديكم".

 

 

وتولى بن علي الرئاسة في نوفمبر 1987 بانقلاب غير دموي قال فيه، إن الرئيس الحبيب بورقيبة لم يعد أهلاً لممارسة مهام الرئاسة، بسبب سوء صحته.

لويس السادس عشر: "أنا بريء.. آمل أن يعزز دمي الحظ السعيد للفرنسيين".

قادت أعمدة الرأي وكتب فولتير وروسو ومونتسكيو والفلاحين وعمال المخابز إلى واحدة من أبرز الأحداث التي غيرت مسار التاريخ خصوصاً الأوروبي، وهي الثورة الفرنسية 1789 – 1799 التي انتهت بإعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت لتتحول فرنسا من ملكية مطلقة إلى نظام جمهوري بصعود نابليون بونابرت إلى السلطة.

عن العبارات التي جاءت من مسرح المقصلة الأداة الأشد فتكاً بالرقاب، يقول الإيرلندي هنري إسيكس إيدجوورث، وهو رجل دين شهد اعترافات الملك لويس السادس عشر، في مذكراته إن الملك قال قبل إعدامه بالمقصلة "أنا بريء من كل ما اتهمت بها، أغفر لهم يا الله، وآمل أن يعزز دمي الحظ السعيد للفرنسيين". وكانت تلك جملة تعكس شعوراً بالظلم مع قبول المصير.

 

 

ماري أنطوانيت: "سامحني، لم أقصد ذلك"

وأعدمت زوجته الملكة ماري أنطوانيت النمسوية التي راحت لنفس المقصلة والمصير بعد نحو تسعة أشهر من إعدامه، وكان من أشهر المقولات المنسوبة لها في حياتها قولها "دعهم يأكلون الكعك" حين قيل لها "الناس لا يجدون الخبز".

لكن كلماتها الأخيرة قبل لحظات من إعدامها قالت لجندي داست قدمه بالخطأ "سيدي.. أرجوك العفو.. لم أقصد ذلك". وهي كلمات بسيطة فسرها محبوها أنها تعكس "إنسانيتها" حتى في لحظات الموت.

علي عبدالله صالح: يا شعب اليمن لن أكون سلطوياً ولا أحب السلطة

أمضى "الراقص فوق رؤوس الثعابين" كما يقال عنه، الرئيس اليمني علي عبدالله صالح 33 عاماً في الحكم، إذ بدأ مسيرته رئيساً للجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) عام 1978 بعد اغتيال الرئيس أحمد الغشمي، لكن قدره الأخير لم يكن يليق بمن لعب دوراً محورياً في توحيد شمال اليمن وجنوبه عام 1990 ليصبح بذلك أول رئيس للجمهورية اليمنية الموحدة واستمر في الحكم حتى عام 2012.

 

 

الزعيم الذي نجا بضع مرات من النار والرصاص، قضى نحبه في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) 2017 على يد الميليشيات الحوثية التي انقلب عليها بعد تحالف قصير، وقتل رمياً بالرصاص بينما كان في طريقه إلى قريته في مديرية سنحان مسقط رأسه جنوب العاصمة.

وقال صالح في مقطع فيديو بثه من منزله قبل ساعات قليلة من مقتله وتصوير جثمانه وهو بين يدي قاتله وعدوه (الحوثي) "أنا خادم لك أيها الشعب، وسأظل إذا كتب الله لي السلامة والحياة سأظل خادماً معك غير سلطوي، لن أكون في السلطة ولا أعشق السلطة". ومضى في حديث طويل، "يا شعب اليمن إن كتبت لي الشهادة فأنا أنتظرها بين شعبي وفي وطني، ثوروا ثوروا يا شعب اليمن ضد الحوثي الكهنوتي الذي أهان كرامتكم وعزتكم وحريتكم لتحيا الجمهورية اليمنية". وأضاف مهاجماً الجماعة التي أمهلته لساعات ليقول قوله الأخير، "الحوثيون دخلوا حفاة عراة إلى العاصمة صنعاء.. الآن امتلكوا العقارات والسيارات الفاخرة والملابس الضخمة والأراضي والعقارات".

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

محمد رضا بهلوي: "أنا متعب جداً"

"أنا متعب جداً"، اختصر بها شاه إيران محمد رضا بهلوي مرارة فقدان حقبة ملكية استمرت لـ2500 عام في إيران، وقالها الرجل الملقب بـ"شاهنشاه" أي ملك الملوك، حين كان يهم بركوب طائرة قيل إنه كان يقودها نحو قبلة المنفى. ومهد الطريق رحيله أمام عودة آية الله الخميني وقيام الجمهورية الإسلامية التي لا تزال قائمة.

 

 

ودائماً ما تضيق في السماء خيارات المنافي، ذلك بعد أن تنقل سليل الملوك بين المغرب وجزر البهاماس والمكسيك والولايات المتحدة وبنما، ليلجأ أخيراً إلى مصر في 24 مارس (آذار) بعد أن استقبله صديقه الوحيد الرئيس أنور السادات. ولم يمهله القدر طويلاً ففي أقل من عام توفي في القاهرة بسبب مضاعفات إصابته بسرطان الغدد اللمفوية، في الـ27 من يوليو (تموز) 1980.

معمر القذافي: حرام عليكم.. إنتو ما تعرفوا الحرام؟

الزعيم الليبي الذي أحكم قبضته على الحكم لـ42 عاماً راح ضحية احتجاجات واسعة واجهها في بادئ الأمر بالقمع العنيف، لكن ذلك أدى إلى تفاقم الأمر واندلاع حرب أهلية. بدعم من تحالف دولي بقيادة الناتو، ولاحقاً تمكنت قوات المعارضة في 2011 من السيطرة على البلاد.

وكان للقذافي جملة من الخطابات والكلمات ومنها خطابه الشهير الذي توعد فيه خصومه بالقول إنه سيتعقبهم، "شبر.. شبر، بيت.. بيت، دار.. دار، زنقة.. زنقة". وكلمة زنقة في ليبيا تعني الشارع الضيق.

 

 

لكن تلك لم تكن الأخيرة للرئيس الذي قاد انقلاباً عسكرياً أطاح بالنظام الملكي بقيادة الملك إدريس السنوسي، ليعلن قيام "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" في عام 1977. وقال في مشهد مقتله مستجدياً الثوار بعد إلقائهم القبض عليه في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 "حرام عليكم.. حرام عليكم.. إنتو ما تعرفوا الحرام؟ ومات بمدينة سرت التي ولد بها.

عمر البشير: في قضية الوطن الكل فيها كاسب.. فلا منتصر ولا مهزوم

بعد أن سبق السيف العذل، قالها الرئيس السوداني السابق عمر البشير بعد قضائه أطوال فترة حكم في تاريخ السودان الحديث امتدت لـ30 عاماً بعد انقلاب على السلطة عام 1989 مدعوماً من الجبهة الإسلامية القومية. وبعد مظهرات حاشدة اندلعت في ديسمبر 2018 بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.

 

 

وكان الرئيس الذي يبلغ اليوم 80 عاماً وتزوج مرتين من دون إنجاب نجا مراراً وتكراراً من أزمات كثيرة تعرض لها، من العزلة الدولية إلى مطاردته من المحكمة الجنائية الدولية، لكن بإعلان الجيش السوداني في أبريل (نيسان) 2019 الإطاحة به واحتجازه يكون قد أسدل ستار "عمر البشير الرئيس".