بحسب مصادر عسكرية سورية لا يتجاوز عدد مسلحي "داعش" النشطين في سوريا 1200 مسلح (رويترز)
"كنا نياماً قبل أن تدهمنا دورية من تنظيم (داعش) في حدود الساعة الرابعة صباحاً، في منزلنا بقرية محيميدة بريف دير الزور الغربي، كان ذلك بداية شهر يناير (كانون الثاني) سنة 2016، دخل أشخاص ملثمون يتحدثون الفصحى، يبدو أنهم أجانب، سمعت أحدهم ينادي آخر باسم: أبو الحارث، أخذوا أخي الأكبر وخالي، ثم انقطعت أخبارهم عنا".
تبدأ السيدة صباح عبدالكريم حديثها لـ"اندبندنت عربية" عن أفراد من عائلتها كانوا ضحايا لتنظيم "داعش".
في الـ22 من مارس 2019 أعلن ترمب هزيمة "داعش" بنسبة 100 في المئة (رويترز)
تتابع السيدة حديثها، "كان قريباي منتميين للجيش السوري الحر بين الفترة 2012، وحتى 2014، وبعد ظهور (داعش) تركوا القتال وتفرغوا للزراعة، لكن (داعش) اعتقلهم بتهم تتعلق بالانتماء سابقاً لتنظيم مرتد. سألنا عنهم في كل مكان، ودفعنا كثيراً من الأموال ولم نحصل على أية نتيجة، وفي اليوم الأول من عيد الأضحى، صادف منتصف شهر سبتمبر (أيلول) 2016، نشر تنظيم (داعش) تسجيلاً مصوراً أو ما يسمونه إصداراً، يظهر فيه عدداً من الأشخاص يعدمون بطريقة بشعة جداً، شاهدنا الفيديو وكلنا أمل ألا نجد فيه أحداً من أقاربنا، تخيل نبحث عن أقاربنا في فيديو ونتمنى ألا نجدهم، لكن لسوء الحظ وجدنا خالي ظهر بإحدى الصور وهو يموت بطريقة فظيعة، أما أخي فحتى هذا اليوم لا نعرف أين أرضه، إن كان حياً أو ميتاً". تكفكف السيدة السورية دموعها، ثم تتوقف عن الحديث، فاعتذرنا لها لأننا فتحنا لها جرحاً أصاب ملايين السوريين.
الهزيمة الناقصة
في الـ22 من مارس (آذار) 2019، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هزيمة تنظيم "داعش" بنسبة 100 في المئة، وفق ما أفادت به سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض عن وزارة الدفاع الأميركية.
تعد "قوات سوريا الديمقراطية" الفصيل المحلي الأساس الذي تعامل معه التحالف الدولي خلال عملياته ضد "داعش" (أ ف ب)
ترمب أعلن أن الهزيمة تمت بنسبة 100 في المئة، لكن للميدان نسبة أخرى تخالف تلك التي أعلنها زعيم البيت الأبيض، فمنذ ذلك الإعلان، وحتى يومنا هذا يواصل تنظيم "داعش" شن هجمات داخل الأراضي السورية، وخلال السنوات الخمس الماضية، أعلن التحالف الدولي قتل ثلاثة من زعماء "خلفاء" زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، كما قتل المئات من عناصر الجيش السوري والميليشيات الإيرانية في مناطق تدمر والسخنة ودير الزور بفعل المكامن والهجمات المباغتة للتنظيم، الذي غاب عن مناطق سيطرة المعارضة ومناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، واقتصر ظهوره في مناطق سيطرة النظام.
منتصف عام 2024 أطلقت روسيا عملية جوية تزامناً مع عملية برية لجيش النظام السابق في البادية السورية لتمشيطها من مسلحي "داعش"، لكن بعد شهرين من انطلاق العملية شن التنظيم هجوماً على قافلة نفطية تابعة لـ"مجموعة القاطرجي" في منطقة أثريا بريف حماة، مخلفاً قتلى وجرحى في صفوفهم، وتدمير القافلة.
إذاً بالنتيجة تنظيم "داعش" لا يزال نشطاً، وإن كان ضعيفاً.
عدد مسلحي "داعش" في سوريا
بحسب مصادر عسكرية سورية، لا يتجاوز عدد مسلحي تنظيم "داعش" النشطين في سوريا 1200 مسلح، ثلثاهم ينتشران في البادية السورية، وخصوصاً في محيط مدينة تدمر ومنطقة السخنة وجبل البشري، كما ينتشر مئات العناصر منهم في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، لكن هؤلاء نشاطهم أقل، ويعتمد نشاطهم على الإدارة اللامركزية، ويشنون هجمات بين الحين والآخر في محاولة للحصول على عتاد أو سبل البقاء، من دون أن يكون الهدف الرئيس هو السيطرة على مدن أو مناطق جديدة، وبحسب مراقبين يمكن إجراء عملية عسكرية شاملة تنطلق من تدمر إلى دير الزور، يمكن من خلالها، بالفعل، القضاء على "داعش" بصورة كلية، مستبعدين أن يكون التنظيم يشكل خطراً على العودة، كما في 2014، مع وجود قلق محدود من آلاف العناصر المحتجزين في سجون "قسد"، والتهديدات غير المباشرة بإطلاقهم في حال وجود تهديدات عسكرية ضد "قسد".
سجن "الصناعة"... التمرد الأكبر
تعد "قوات سوريا الديمقراطية" الفصيل المحلي الأساس الذي تعامل معه التحالف الدولي خلال عملياته ضد "داعش"، لذلك معظم أسرى التنظيم يقبعون في سجون "قسد"، التي أكبرها سجن "الصناعة" في حي غويران في مدينة الحسكة، إذ يحوي أكثر من 4000 مسلح من "داعش" ينحدرون من عشرات الدول، في وقت ترفض دولهم الأصلية تسلمهم لمحاكمتهم.
معظم أسرى "داعش" يقبعون في سجون "قسد" التي أكبرها سجن "الصناعة" في حي غويران في مدينة الحسكة (أ ف ب)
في الـ20 من يناير 2022 شنت مجموعة تابعة لتنظيم "داعش" هجوماً مباغتاً على سجن "الصناعة"، استمر الهجوم العنيف مدة تسعة أيام متواصلة، أسفر عن مقتل أكثر من 130 عنصراً من قوات "قسد"، إضافة إلى مقتل العشرات من مقاتلي "داعش" ومعتقليه.
عند الساعة السابعة من مساء الأربعاء الـ20 من يناير 2024، هز انفجار سيارة مفخخة باب سجن "الصناعة"، تلا ذلك قيام انتحاري بتفجير نفسه على البوابة الرئيسة، ثم بدأ هجوم عشرات المسلحين من "داعش" على السجن، وتمكنوا من كسر خطوط الدفاع والدخول إلى السجن، تزامناً مع هذا بدأ السجناء بتنفيذ استعصاء داخل السجن فتمكنوا من كسر بعض الإقفال وخلع الأبواب، مما يشير إلى وجود تنسيق مسبق بين السجناء والمهاجمين، وهو مما أسفر لاحقاً عن توجيه تهم فساد لقادة "قسد".
خارج السجن أيضاً وسط معارك طاحنة، قام مسلحو "داعش" بتفجير صهاريج نفط بهدف خلق سحب دخانية تمنع طيران التحالف من تحديد دقة أهدافه في حال التدخل، ثم شن مقاتلو التنظيم هجوماً آخر من حي الزهور القريب من السجن، وبحسب المصادر المفتوحة فإن العملية قادها المدعو "أبو المقداد العراقي".
وبعد ساعات من بدء الهجوم تمكن مسلحو "داعش" من قتل وأسر العشرات من عناصر "قسد"، والتحصن داخل السجن، ثم لاحقاً كان التنظيم يطلق بعض الأسرى مقابل الحصول على الطعام في مفاوضات كانت تجري تحت النار.
وعمت الفوضى المكان، ووصل الدعم من التحالف الدولي، وبقيت المعارك مستمرة، تسعة أيام، قبل استسلام من بقي حياً من مسلحي "داعش"، فأصدرت "قسد" بياناً يعلن نهاية العملية، مشيرة إلى مقتل 117 عنصراً من قواتها، و77 عنصراً من أفراد حامية السجن، وأربعة مدنيين، في المقابل أعلنت مقتل 374 مسلحاً من "داعش".
نحو 10 آلاف من نساء وأطفال "داعش" محتجزين في مخيمات شمال شرقي سوريا أبرزها مخيم الهول (أ ف ب)
محاكمات محلية
وخلال الهجوم الذي يعد أكبر هجوم لـ"داعش" منذ 2019، تمكن العشرات من عناصر التنظيم من الفرار والانتشار في مناطق سيطرة "قسد"، والأخيرة كثفت الحراسة على السجون بصورة أكبر، وعلى رغم ذلك جرت عملية فرار أخرى في يونيو (حزيران) 2023، إذ تمكن 10 سجناء من "داعش" من الفرار من سجن تديره "قسد" في منطقة الكسرة بريف دير الزور الغربي.
طوال السنوات الماضية كان المسؤولون في "قسد" يطالبون الدول الأخرى بتسلم مسلحي "داعش" الذين يحملون جنسياتها، لكن غالبية هذه الدول ترفض تسلم مواطنيها، لذلك قررت "قسد" أن تبدأ بمحاكمتهم، ففي منتصف العام الماضي 2023، قال بدران جيا كرد المسؤول في الإدارة الذاتية التابعة لـ"قسد"، إن قانوناً محلياً لمكافحة الإرهاب جرى تعديله ليصبح أكثر شمولاً سيستخدم لمحاكمة مسلحي "داعش" المحتجزين في سجونها في شمال شرقي سوريا، وذكر جيا كرد في تصريحات لوكالة "رويترز" أنه سيكون للمتهمين "حق توكيل محام"، لكنه لم يفصح عما إذا كانت المحاكم ستعين محامياً لهم، ولا ينص قانون الإدارة الذاتية على إصدار أحكام الإعدام.
من البادية إلى مخيم الهول
مسلحو "داعش" في البادية هم الأشد خطراً، يليهم في ذلك الأسرى في سجون "قسد" كونهم مقاتلين سابقين، ومتعطشين للانتقام، أما الأقل خطراً فهو نساء وأطفال وعائلات "داعش"، وهؤلاء يزيد عددهم على 10 آلاف شخص محتجزين في مخيمات عدة شمال شرقي سوريا، أبرزها مخيم الهول بريف الحسكة قرب الحدود السورية - العراقية.
أنشئ مخيم الهول سنة 1991، بهدف استقبال اللاجئين العراقيين بعد حرب الخليج، ومع اندلاع الحرب في سوريا، عام 2011، بدأ يؤوي نازحين سوريين، لكن بعد سيطرة "قسد" عليه في 2015، تم تخصيص قسم منه لاحتجاز عائلات "داعش".
ويعيش في مخيم الهول نحو 30 ألف سوري وعراقي، وهو مليء بالخيام ومحاط بالأسلاك الشائكة، أكثر من 40 في المئة من قاطني المخيم هم من الأطفال، في القسم المستحدث بالمخيم هناك 8 آلاف طفل من أولاد "داعش"، ونحو 2000 امرأة من زوجات مسلحي التنظيم، وهؤلاء لا يزالون حتى اليوم من أنصار "داعش"، وينتمي هؤلاء الأشخاص لنحو 60 دولة حول العالم، وفق تقرير سابق للصحافي الاستقصائي التركي فائق بولوت، الذي يشير إلى أن المخيم يحوي ستة أقسام، يقيم اللاجئون العراقيون في ثلاثة أقسام، وهناك قسمان للنازحين السوريين، والقسم السادس خاص بعائلات مسلحي "داعش"، ويسمى "قسم الأجانب"، أما اللاجئون العراقيون فيشكلون النسبة الكبرى من سكان المخيم بعدد يتجاوز 24 ألف شخص، جميعهم عائلات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تدريب "أشبال الخلافة"
وبحسب تقرير لصحيفة "اندبندنت تركية"، فإن "القسم المخصص لعائلات (داعش) في مخيم الهول تم تحويله إلى مركز تدريب وتنظيم لـ(داعش)، إذ يقوم قادة التنظيم، بالتعاون مع المقاتلات المواليات له، بوضع خطط وتنفيذ برامج يومية، إذ يقدمون محاضرات تعليمية خلال لقاءات حوارية حول تربية (أشبال الخلافة)، وندوات دينية تتماشى مع فكر داعش، والتدريب العسكري والسياسي والأيديولوجي، والمسؤولون عن هذه الفعاليات هم على اتصال دائم مع الخلايا التنظيمية لداعش في الخارج، وفي هذا الإطار تعمل نساء (داعش) على استخدام المخيم كمنطقة لإعادة التنظيم، ويحاولن تربية أطفالهن بما يتماشى مع تعاليم التنظيم وممارساته، وعلى رغم الرقابة الصارمة، يمكنهم جلب بعض معدات الاتصالات سراً من الخارج، وبفضل الهيكل التنظيمي لداعش، يتم التدريب عملياً من دون سلاح من خلال تمارين بدنية مختلفة في المجال المفتوح، وإضافة إلى التدريب على أسلوب الحركات الثقافية والجسدية، يكرر المسلحون تجاربهم القديمة في تقنيات التمويه والإخفاء، وبهذه الطريقة يكتسبون خبرة في الاختباء أثناء عمليات التفتيش والمسح ضمن نطاق التفتيش داخل المعسكرات، وإخفاء الأطفال، ومراقبة السجناء في الخيام، وإخفاء القواطع والأسلحة النارية المخبأة بداخلها".
الحل المنتظر
وخلال السنوات الماضية، وبضغوط إقليمية، سحبت كل من فرنسا وروسيا وأستراليا وهولندا، عدداً قليلاً من عائلات "داعش" التي تحمل جنسيات هذه الدول، لكن الغالبية العظمى ترفض حتى اللحظة تسلم مواطنيها.
في الميدان، الخطر الحقيقي لـ"داعش" هو أن تستخدمه "قسد" للضغط على إدارة العمليات العسكرية في دمشق لمنع شن عملية عسكرية بالتعاون مع الجيش التركي في شمال شرقي سوريا، وهذا مرهون بإمكانية وصول المفاوضات بين "قسد" ودمشق إلى اتفاق يفضي بحل نهائي لقضية شمال شرقي سوريا، وبحسب مصادر "اندبندنت عربية"، فإن وفداً قيادياً من دمشق سيجري، خلال هذا الأسبوع، مفاوضات مكثفة في دمشق، ويلتقي قائد العمليات أحمد الشرع، فإذا تمكن المفاوضون من تقديم عرض من شأنه أن يخرج عناصر "قسد" الأجانب من سوريا، وفك الارتباط بـ"حزب العمال الكردستاني"، فإن ملف شمال شرقي سوريا سيحل سلمياً، وهذا ينعكس، بصورة مباشر، على أي خطر من الممكن أن يأتي من "داعش".
بالمحصلة، لدى تنظيم "داعش" في سوريا حالياً نحو 1200 مسلح، ينتشرون في البادية السورية وقرب منطقة أثريا، ونحو 400 منهم ينتشرون في مناطق سيطرة "قسد"، وفي السجون هناك نحو 4000 مسلح لـ "داعش" معتقلين بسجون "قسد"، ونحو 10 آلاف من نساء وأطفال التنظيم محتجزين في مخيمات شمال شرقي سوريا أبرزها مخيم الهول، ما يعني أن وجود التنظيم، وعددهم وأماكن تمركزهم واضح ومعلوم، وهذا يعني وجود القدرة على حل هذه القضية والانتهاء من ملف "داعش" في سوريا، وكل هذا مرهون باتفاق الأطراف السورية والإرادة الدولية والإقليمية.