رحل كما جاء بتأييد غالبية السوريين... صعود وسقوط بشار الأسد

آخر تحديث 2024-12-28 14:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

جلسة انتخاب بشار الأسد عام 2000 (غيتي)

ولد رئيس النظام السابق بشار الأسد عام 1965 من والدين هما حافظ الأسد وأنيسة مخلوف، وكان والده وقتذاك جزءاً من اللجنة العسكرية التي تدير سوريا باسم "حزب البعث" بعد الانفصال عن مصر عام 1961، رفقة ضباط بارزين من بينهم المقدم محمد عمران والرائد صلاح جديد رفيقا درب الأب الذي حكم سوريا طوال 30 عاماً، بعد أن أرسل عمران إلى منفاه خارج سوريا وجديد إلى سجن مطار المزة العسكري حتى وفاته، وبذلك استأثر بالسلطة يعاونه ضباط آخرون.

الأسد الأب

الأسد الأب تدرج في المناصب من قائد للقوى الجوية إلى وزير للدفاع ثم رئيس للجمهورية عام 1971، إذ ظل منذ عام 1963 يدير سياسة الجمهورية من خلف الستار مستعيناً بأسماء ضعيفة لترؤس الجمهورية.

إذاً نفذ الأسد انقلابه الأخير على رفاق دربه وأصبح الرئيس والحاكم والمالك والإمبراطور وسط تعقيدات إقليمية ودولية ضاغطة، كان يتطلب الخروج منها مناورات سياسية لا تحتمل القسمة على اثنين، فالأسد الأب واجه حرب الخليج الأولى والثانية وأيلول الأسود وملف "الإخوان المسلمين" في سوريا والصراع مع "البعث" العراقي، وعشرات الملفات التي كانت كفيلة بإطاحته لولا الدعم الغربي الذي بدا واضحاً في أكثر من مفصل، بحسب محللين عسكريين.

الأسد الابن

بشار الذي ولد في تلك الظروف المعقدة أواسط الستينيات لم يتخيل لحظة أن يكون رئيساً لسوريا، لا سيما في ظل وجود أخيه الأكبر باسل الأسد الذي جرى إعداده فعلياً طوال أعوام الثمانينيات ليكون رئيس البلاد المقبل، لكن بشار الذي كان في لندن أواسط التسعينيات لم يكن يعلم ما ينتظره.

كان بشار يدرس ويتخصص في طب العيون ببريطانيا خلال تسعينيات القرن الماضي، حتى جاءه نبأ مقتل أخيه باسل في حادثة سير مروري على طريق المطار مطلع عام 1994، لتتغير حياة الشاب إلى الأبد ويستدعى على عجل إلى سوريا، إذ يجب أن يكون هناك خليفة للأب الذي قالت أوساط الحكم حينها إن مقتل باسل كسر ظهر والده.

بعد أن أصبح بشار في سوريا كانت هناك مفاضلة بين من سيتسلم الحكم، الطبيب الهادئ أم شقيقه ماهر ذو الطباع الحادة، فجرى الاستقرار على بشار وبدأت التحضيرات بتعليمه أسس الحكم والبروتوكولات الناظمة للعلاقات الدولية على أيدي ثلة من ضباط الاستخبارات.

ستة أعوام كانت كفيلة بتعليم الرئيس ما يلزم، خصوصاً أنه وجد نفسه وحيداً بعد موت والده خلال يونيو (حزيران) 2000 وأن الأمر بات جدياً أكثر من اللازم، ومع موت الأسد الأب سارعت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية لزيارة سوريا وجلست ساعات على انفراد مع الرئيس غير المتوج بعد، وحذت حذوها دول كثيرة، غربية وعربية.

تدرج الأسد الأب في المناصب من قائد للقوى الجوية إلى وزير للدفاع ثم رئيس للجمهورية عام 1971 (أ ف ب)

مشكلة دستورية ووعود

حينها واجه الأسد مشكلة دستورية تتعلق بوجوب أن يكون عمر الرئيس المنتخب 40 سنة، بينما كان عمره 34 سنة فحسب، وببساطة جرى تعديل الدستور بأكمله وصار رئيساً باستفتاء تجاوزت نسبة نجاحه فيه الـ99 في المئة، بعدها ألقى كلمته الأولى في مجلس الشعب وسط تصفيق حار وهتافات لم تتوقف، لشاب يافع أمسك دفة الحكم.

قدم بشار نفسه كرجل ديمقراطي إصلاحي يحمل مشروعاً تنويرياً سينقل سوريا من منطقة مظلمة إلى الأضواء، لكنه هذه الوعود لم تبصر النور وحكم بعدها 11 عاماً قبل اندلاع الانتفاضة من دون أن يحقق شيئاً منها، ما عدا مزيد من القهر والظلم والمعتقلات وسجن المعارضين وتكميم الأفواه وإعادة سوريا إلى حقبة أشد ظلماً وانعزالاً.

امرأة بريطانية

ولا بد من الإشارة إلى أن الطبيب المتزوج من امرأة بريطانية (أسماء الأسد) حاول تطوير وتحسين بعض القضايا البسيطة والتي تتعلق بالأساسات ولكنها لم تكن كافية، فمقابل كل انفراج بسيط كان يتبعه قمع عظيم، وهكذا دواليك. حاول الأسد الانتقال من نظام السوق الاشتراكية إلى نظام سوق العمل الحر، ولكنه فشل لأنه أبقى ذلك حبراً على ورق بل تمادى ليحاكم صحافيين كشفوا اختلاس مليارات الليرات من مؤسسات حكومية أمام محاكم ميدانية. وكانت حصيلة إيجابيات عقد حكمه الأول السماح بالتقنيات والإنترنت وبعض الانتعاش الاقتصادي ولكن ضمن حدود المراقبة.

لم يكن يتمتع بعلاقات طيبة مع محيطه العربي، وكان يحمل قضية فلسطين على ظهره كشماعة، فلا هو يريد تحريرها ولا المضي في ذلك بحسب مراقبين، بل ظل مع والده يحرسان جبهة الجولان 40 عاماً منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 من دون طلقة واحدة.

ظل الأسد الأب منذ عام 1963 يدير سياسة الجمهورية من خلف الستار مستعيناً بأسماء ضعيفة لترؤس الجمهورية (أ ف ب)

"ربيع دمشق"

بعد تسلم بشار الأسد الحكم خلال يوليو (تموز) عام 2000 علت أصوات كثيرة تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية وقضائية وقانونية وإنسانية، لكنها قوبلت من النظام السوري بسلسلة اعتقالات وحملة قمع استهدفت كثيراً من رموز هذا الحراك، ويربط كثير من المعارضين بين "ربيع دمشق" ذلك والانتفاضة السورية عام 2011.

وبحسب مصادر إعلامية فإنه منذ بداية "ربيع دمشق" وحتى فبراير (شباط) 2001 شهدت سوريا تغيرات نسبية، مع وجود منسوب من حرية التعبير البسيطة والجزئية وإنشاء منتديات سياسية غير رسمية كانت تعقد في منازل المعارضين على صورة أمسيات أو ندوات نقاشية، لكنها ما لبثت أن أغلقت بعد توقيف 10 معارضين للنظام، فانتهى "الربيع" خلال سبعة أشهر فحسب، سبعة أشهر كانت كفيلة ليستشعر النظام الجديد خطورتها، ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تلك الفترة وما لحقها بـ"العقد الضائع" من الزمن السوري.

ضابط الاستخبارات الشهير بهجت سليمان، الذي كان مسؤولاً مضطلعاً بمهام كبرى من بينها تعيين وزراء في الحكومات المتعاقبة، بوصفه رئيساً للفرع الداخلي في إدارة الاستخبارات العامة وحل سفيراً في الأردن قبل طرده من هناك، قال في تصريحات سابقة بحسب وسائل إعلام متابعة لشؤون المعارضة، إن الدولة تعرف بها (المنتديات) وبمحتوياتها وإن "غالبية ما تسمى منظمات المجتمع المدني ما هي إلا وسيلة وغطاء لأنشطة المنظمات الماسونية العالمية، أو مرتبطة بأندية الروتاري التي يتحكم بها اليهود بقصد السيطرة على العالم".

وكانت البداية الرسمية لظهور المطالب بـ"بيان الـ99" الذي وقعه مثقفون وفنانون خلال الـ27 من سبتمبر (أيلول) 2000 أي بعد شهرين من خطاب بشار، وطالبوا فيه بالتعددية السياسية والفكرية وإطلاق الحريات العامة والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء حال الطوارئ التي أعلنت منذ عام 1963.

وتضيف مصادر المعارضة أن ذلك تلاه "بيان الـ1000" خلال يناير (كانون الثاني) 2001، وفيه أصر الموقعون على المطالب السابقة، "التعددية الحزبية ورفع حال الطوارئ المفروضة في البلاد".

كذلك صدر بيان آخر من مجموعة محامين سوريين طالبوا فيه بمراجعة دستورية شاملة، وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية وإطلاق الحريات العامة.

وأخيراً لجملة أسباب مجتمعة متفرقة جرى تكميم أفواه جميع المعارضين واقتلاع شتلة "ربيع دمشق" من جذورها وإيداع قسم من مناصريها معتقلات الأسد، التي وصفها ناشطون حقوقيون بـ"المسالخ الموحشة".

كان بشار الأسد يدرس ويتخصص في طب العيون ببريطانيا خلال تسعينيات القرن المنصرم (أ ف ب)

اغتيال الحريري

في أواسط سبعينيات القرن الماضي دخل الجيش السوري إلى لبنان تحت مظلة "قوات الردع العربية" لإيقاف الاقتتال الأهلي، وظل هناك زهو ثلاثة عقود "يتحكم بمصير البلد وتعييناته ويدعم طرفاً على حساب آخر ويؤجج النعرات الطائفية"، كما قال لبنانيون لـ"اندبندنت عربية".

بعد ثلاثة عقود وخلال عام 2005 أرغم جيش الأسد على الخروج من لبنان بين أبريل (نيسان) ومايو (أيار) بعيد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري خلال الـ14 من فبراير عام 2005.

حينذاك وجهت اتهامات رسمية للنظام السوري بالضلوع في اغتيال الحريري، واستُصدر القرار الأممي الذي دعا إلى حل جميع الميليشيات ونزع سلاحها، ودعم إجراء انتخابات الرئاسة اللبنانية بصورة حرة وعادلة، ومطالبة جميع القوات الأجنبية بالانسحاب من لبنان (أي السورية).

لكن مصدراً مقرباً من دوائر القرار السياسي في النظام السوري السابق كان أخبر "اندبندنت عربية" مرة أن من أبلغ الرئيس السوري بعملية الاغتيال هو وزير الإعلام حينها مهدي دخل الله، والذي نقل وقتها للمقربين منه أن الأسد تفاجأ بالخبر، وهو ما ترفضه المعارضة السورية ومؤيدو الحريري المصرون على اتهام الأسد باغتيال الرئيس الحريري.

عملية الاغتيال هذه فتحت "أبواب جهنم" على سوريا، لا سيما بعد تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بالقضية، وازدياد الضغط الدولي على دمشق لتسليم ضباط مركزيين لديها للمحاكمة وظهور ملف شهود العيان، ومن بين أكثر الدول التي ضغطت كانت فرنسا برئاسة جاك شيراك، وبدأت تتوالى العقوبات الدولية على سوريا ونظامها الفتي وما قابله من اشتداد أواصر العلاقة بين النظام السابق و"حزب الله" وحلفائه في لبنان، وكل ما جرى لاحقاً في الساحات.

التظاهرات الجماهيرية التي بدأت عام 2011 بالمناداة بالحرية والديمقراطية سرعان ما حولت شعاراتها إلى إسقاط النظام (أ ف ب)

الانتفاضة السورية عام 2011

وهناك قصة متداولة تقول إن قريب الرئيس السابق المدعو عاطف نجيب كان مسؤولاً في مدينة درعا جنوب سوريا، هناك حيث تأثر بعض ومن بينهم أطفال بما يحدث من انتفاضات في دول عربية أخرى، فكتب بعض الأطفال عبارة على أحد الجدران تقول "إجاك الدور يا دكتور" إشارة إلى بشار، فكان التعامل الوحشي معهم بقلع أظافرهم وتعذيبهم.

ولاحقاً رفض نجيب كل الوساطات العشائرية للتهدئة وإطلاق سراح الأطفال، وكانت تلك الأحداث نهاية فبراير 2011، وسرعان ما اشتعلت بوادر الانتفاضة داخل المحافظات السورية مع منتصف مارس (آذار) عام 2011، من درعا إلى حمص وحماة وبانياس واللاذقية وغيرها، وشهدت الساحات حينها تجمعات مئات الآلاف لكنها قوبلت بالنيران والرصاص الحي والحزم والشدة، فولدت "الانتفاضة السورية".

ومع اندلاعها ورفض الأسد الحلول السلمية وجد نفسه شيئاً فشيئاً معزولاً عربياً ودولياً، مستنداً على روسيا وإيران لاحقاً في الحرب التي اتخذت صورة الطابع المسلح في ما بعد.

التظاهرات الجماهيرية التي بدأت بالمناداة بالحرية والديمقراطية سرعان ما حولت شعاراتها إلى إسقاط النظام، تحت وطأة ما استخدمته الأجهزة الأمنية من عنف وفرط قوة وصرف للنفوذ واعتقال الناشطين والمتظاهرين.

عهد الانشقاقات

مع دخول الانتفاضة شهرها الثاني بدأت موجة من الانشقاقات العسكرية تجتاح بنية مؤسسة وزارة الدفاع، وكان المجند وليد القشعمي من الحرس الجمهوري في قيادة قاسيون من أوائل من انشقوا عن الجيش النظامي عبر تسجيل مصور بث على الإنترنت خلال الـ23 من أبريل 2011، أعلن فيه انشقاقه عن الجيش النظامي مبرراً ذلك برفضه تلقي أوامر من قيادته بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.

وكان انشقاق وليد الانطلاقة التي حرضت آخرين على ذلك فتتالت الانشقاقات لتطال رتباً عسكرية مختلفة، فخلال صيف 2011 انشق الضابط عبدالرزاق طلاس ابن مدينة الرستن في حمص منضماً لصفوف المتظاهرين، مبرراً ذلك بـ"الممارسات غير الأخلاقية واللا إنسانية للنظام بحق المواطنين". وبذلك يكون بدأ عهد الانشقاقات التي استمرت لتشمل رتباً كبيرة في الأمن والجيش والشرطة وعموم القوات المسلحة النظامية.

في أواسط سبعينيات القرن الماضي دخل الجيش السوري إلى لبنان تحت مظلة "قوات الردع العربية" لإيقاف الاقتتال الأهلي (أ ف ب)

تأسيس الجيش الحر

خلال الأشهر الأولى من الانتفاضة السورية كان الضابط الأرفع رتبة من بين المنشقين العقيد رياض الأسعد، والذي أعلن تأسيس "الجيش الحر" خلال أغسطس (آب) 2011، داعياً من خلاله الجنود والضباط المنشقين إلى الالتحاق وتنظيم أنفسهم ضمن قوة موحدة، لتزداد أعداد الجيش.

وقال وقتذاك إن "الجيش الحر" هدفه "حماية المدنيين وأرواحهم وممتلكاتهم من بطش النظام وإجرامه ومداهماته واعتقالاته واعتداءاته على المدنيين العزل"، ثم اتبع لاحقاً سياسة شن الهجمات على مقار النظام الأمنية أو العسكرية مستهلاً عهده بهجوم على مقر تابع للاستخبارات الجوية في مدينة حرستا على أطراف دمشق الجنوبية، أواسط نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، أي بعد مضي أقل من عام على اندلاع الانتفاضة.

القوة الكردية

وخلال أكتوبر 2015 أعلن عن تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" أو كما تعرف باسم "قسد"، وعرفت عن نفسها بأنها "قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع العرب والأكراد والسريان والمكونات الأخرى كافة"، وتتألف من مجموعة من الفصائل المسلحة معظمها تابع للأكراد. وتتمركز سيطرتها على مناطق شمال شرقي سوريا.

وما زالت هذه القوات التي يشكل الكرد معظمها من الناحية البنيوية القيادية تسيطر على مساحات واسعة من الشمال والشمال الشرقي السوري، بما فيها من سلة سوريا الغذائية والقمحية والنفطية، مدعومة بصورة ملحوظة من القوات الأميركية التي تملك قواعد هناك ونحو 900 مقاتل أساس و2000 آخرين يتناوبون حسب الحاجة.

وطوال الأعوام الـ10 الماضية خاض الأكراد معارك طاحنة مع الجانب التركي الذي يرى فيهم تهديداً مباشراً لأمنه القومي، ولعل أشد هذه المعارك التي تدور منذ نحو أسبوعين على الأراضي السورية بين الجانبين الكردي والتركي عبر "الجيش الوطني السوري"، الذي يرعاه الأتراك.

دولة الخلافة

تزامناً عرف السوريون إنشاء واضمحلال عشرات وربما مئات الفصائل كان أبرزها تنظيم "داعش" والتي سيطرت في ذروة قوتها على أكثر من 70 في المئة من الأراضي السورية، إضافة لمساحات واسعة من العراق.

ولمواجهة التنظيم الذي كان يترأسه حينها أبو بكر البغدادي القرشي شكلت أكثر من 80 دولة تحالفاً بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للقضاء عليه من جهة، فيما شكل الجيش السوري مع حلفائه تحالفاً آخر للهدف ذاته ضم سوريا وإيران وروسيا و"حزب الله" والفصائل المتحالفة معهم، وكان ذلك بداية عهد الدخول والهيمنة الروسية شرق المتوسط، تحديداً خلال أكتوبر 2015.

استمرت المعارك العنيفة مع التنظيم حتى عام 2019، إذ خيضت آخر معركة في منطقة الباغوز السورية وفيها مُني التنظيم بهزيمته الميدانية النهائية، وأسر منه آلاف المقاتلين مع عائلاتهم على أيدي الأكراد الذين كانوا جزءاً من التحالف الدولي، وبذلك قُضي نهائياً على التنظيم المتطرف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حصار المدن

بعد أن فرغ النظام السوري من التهديد الأكبر المتمثل في "داعش" انتقل لحصار المدن والبلدات المناوئة له، فعمد إلى قطع طرق الإمداد الطبية واللوجيستية عنها وكذلك تجويعها وقهرها حتى الاستسلام، مع معارك كانت تدور على الدوام وتنتهي إما بحصار طويل للمنطقة، أو دخول النظام إليها مع اشتراط إخلائها ومغادرة المسلحين منها إلى إدلب.

حصل ذلك في حمص القديمة والقلمون ومضايا والزبداني والغوطة الشرقية وعشرات المدن الأخرى، يدعمه في ذلك حلفاؤه على الأرض السورية غير مكترث باستخدام أبشع أنواع الأسلحة وأحياناً المحرمة منها، بل وتسوية المنطقة على الأرض حتى بات أكثر من نصف سوريا مهدماً ضمن سياسة الأرض المحروقة.

مسارات دولية وعقوبات

خلال تلك الأعوام طبق على النظام السوري أكثر من 2500 عقوبة دولية كانت أشدها قوانين "قيصر" ومكافحة الكبتاغون، وهي القوانين التي غيرت صورة البلاد وأفضت لحال تشبه المجاعة العامة بوصول أكثر من 90 في المئة من السوريين إلى ما دون خط الفقر بحسب الأمم المتحدة، وكان ذلك تحديداً مع بدء عام 2020.

وقبل عام 2020 كان هناك مساران لخفض التصعيد في إدلب حيث تتجمع الفصائل المناوئة للسلطة، مسار أستانا عام 2017 مع رعاته الروس والأتراك والإيرانيين، ومسار سوتشي الروسي عام 2019، ونجح المساران، حتى بدأت المعارك الأخيرة التي أطاحت النظام السوري بعد هدوء دام أعواماً على جبهات القتال، يتخلله بين الحين والآخر قصف سوري-روسي للمناطق المتفق على تحييدها في خرق للاتفاقات الدولية.

يد العرب الممدودة

كانت كل المؤشرات الميدانية على الأرض هادئة، حتى إن الأسد حظي بانفتاح عربي غير مسبوق اعتباراً من عام 2023 وعادت سوريا إلى جامعة الدول العربية، وبالفعل حضر الأسد قمتين عربيتين، الأولى عام 2023 وخلالها ألقى خطبة من خطبه التي عرف بها والثانية عام 2024 حين التزم الصمت التام، مما أثار الشكوك حول اشتراطات عربية معينة ألا تكون له كلمة، وكذلك حضر قمتي العالم العربي-الإسلامي.

خلال ذلك عقدت لجان مشاورات وزارية عربية حضرتها سوريا لتطبيق ما عرف بنظام خطوة بخطوة، وكان يعني أن يقدم الأسد خطوة أو شيئاً إيجاباً مقابل كل خطوة يخطوها العرب نحوه، وكانت المطالب العربية واضحة بضبط الحدود الجنوبية ووقف تدفق المخدرات وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار من دون قيد أو شرط، وهو ما سوفه الأسد وماطل به ولم يحقق شيئاً منه حتى مل العرب وعوده، على حد قول مصادر مطلعة على تلك المشاورات حينها.

"معنويات جيشك منهارة"

ظن الأسد نفسه قوياً كإمبراطور لا يمكن خلعه عن عرشه مهما تداعت عليه دول وممالك، وظل هذا الوهم يدور في رأسه حتى الـ27 من نوفمبر الماضي، حين دخلت قوات المعارضة (إدارة العمليات العسكرية) التي يترأسها أحمد الشرع وسيطرت على مدينة حلب خلال ثلاثة أيام، ثم بقية أرياف إدلب فحماه وحمص وأخيراً دمشق ليل السابع من ديسمبر، الليلة التي شهدت هرب الأسد نحو مطار حميميم في مدينة اللاذقية على الساحل السوري، ومن هناك تمكن الروس من إنقاذه ونقله إلى موسكو مستغلاً وجود عائلته هناك.

الدعم الذي تلقاه الأسد خلال فترة المعارك الأخيرة أعطاه انطباعاً بالانتصار، ليأتي التصريح الإيراني حاسماً الجدل على لسان وزير الخارجية عباس عراقجي الذي التقى بشار قبل أسبوع من سقوط النظام، قائلاً "حذرته أن معنويات جيشه منهارة".

دستور من ورق

وبذلك يكون انتهى عهد الأسد الابن الذي استمر لنحو عقدين ونصف العقد وقبلها ثلاثة عقود من حكم أبيه ولربما كان ابنه ليخلفه في عقود مقبلة، فكانت أصبحت سوريا أول دولة بنظام جمهوري يتم حكمها ملكياً بالدم والرصاص والقوة والإخفاء القسري وتغييب المعتقلين.

انتهت الأعوام الـ24 وتنفس السوريون الصعداء، وباتوا يأملون في ألا يكون هناك أفرع أمنية بعد اليوم ومعتقلون وتقارير كيدية ولا "بالروح بالدم نفديك"، ولا "قائدنا إلى الأبد" ولا استفتاءات نتيجتها 99 في المئة.