من غنيمة حزب إلى غنيمة حرب

آخر تحديث 2025-01-08 02:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

أحد أفراد القوات الموالية للحكومة السورية الجديدة يلوح بيده في محافظة درعا (أ ف ب)

ليس قدر الشام، وإن بدا كذلك أيام المحن، تخريب الثورة بعد تدمير الدولة، والتعامل مع سوريا كأنها غنيمة لمنتصرين، ولا أحد يعرف إن كان الانتقال من غنيمة حزب إلى غنيمة حرب سيصطدم في النهاية بشيء من الضوابط القوية، فعلى مدى نصف قرن بقيت سوريا غنيمة حزب تحكّم قادته بكل ما في البلد، المال والسلطة وكل فنون الشر وأصناف القمع والعنف، وكأن المواطنين مجرد خدم لأهل النظام وأرقام للتصفيق أو السجن والمنفى والقتل.

وما كان لبنان سوى جوهرة الغنيمة للكبار والصغار من المسؤولين والضباط في حقبة الوصاية السورية خلال ثلث قرن، واليوم تتعرض سوريا، وسط الوعود الكبيرة والارتياح لسقوط النظام وكابوسه، لتجربة التصرف على أساس أنها غنيمة حرب مفتوحة لثلاثة أطراف تعمل على المكشوف، وأطراف أخرى تتهيأ للمكاسب في الوقت المناسب.

الثلاثة المستعجلون هم تركيا وإسرائيل والفصائل المسلحة، تركيا التي رفض رئيسها رجب طيب أردوغان انسحاب قواته من شمال سوريا كشرط من أجل تسوية مع دمشق قبل سقوط النظام، ودفعت الفصائل المسلحة إلى إسقاط النظام وبات المفتاح في يد رئيسها الذي يقول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إنه قوي وذكي وعاقل، وهي تمسك اليوم بالمفتاح في دمشق وتبدأ توسيع سيطرتها على شمال سوريا وصولاً إلى شرقها وتهديد الإدارة الذاتية للكرد، وإنشاء سياج أمني على طول الحدود التركية - السورية، من المتوسط إلى الحدود مع العراق، فضلاً عن أحلام حلب والموصل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإسرائيل التي وجدت فرصة مفتوحة عسكرياً وأمنياً للتوسع الجغرافي دمرت الأسلحة الإستراتيجية للجيش السوري، وسيطرت على المنطقة العازلة في الجولان وجبل الشيخ وتوسعت نحو حوض اليرموك ودرعا، وسمعت زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع يعلن أنه لا يريد صراعاً عسكرياً مع إسرائيل ويميل إلى الحلول الدبلوماسية.

وهيئة تحرير الشام نقلت حكومة إدلب إلى دمشق وأمسكت بمفاصل السلطة على أساس أنها في مرحلة ما قبل الحكومة الانتقالية المفترض أن تشهد النور في مارس (آذار) المقبل، وكل الكلام عن الانفتاح والدستور والمشاركة لا يزال كلاماً أسير الغموض، فالشرع يقول "إن سوريا ليست أفغانستان ولا يمكن أن تكون"، لكن مسؤولين في فصيله المسلح يتحدثون عن نظام أخف قليلاً من نظام "طالبان" في أفغانستان، نوع من "طالبان لايت".

مفهوم أن سوريا في مرحلة دقيقة بلا جيش ولا دستور ولا قانون بعد سقوط النظام، لكن الحد الأدنى لأي ضوابط تضعها تركيا وأميركا على الفصائل المسلحة هو المشاركة والدستور والانتخابات الحرة، فضلاً عن أنه من الصعب، بعد كل ما حدث في سوريا منذ عام 2011 وقبل ذلك، أن يعيش نظام آخر كنسخة معكوسة من نظام بشار الأسد، ومن الوهم أن تتغلب حسابات القوة لدى اللاعبين على المصلحة الوطنية للسوريين، والعيون العربية والدولية مفتوحة على دمشق، وكذلك عيون السوريين، ولنتذكر قول ماركس "إن الأفراد يصنعون التاريخ، ولكن ليس بالضرورة بالطريقة التي يختارونها".