حراك دولي لرسم ملامح حكومة كردستان الجديدة

آخر تحديث 2025-01-12 17:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية

تكمن العقبات أمام تشكيل حكومة ائتلافية في عدم تمكن أي من القوى من تحقيق الغالبية النيابية في الانتخابات (اندبندنت عربية)

تخوض القوى السياسية في إقليم كردستان العراق سباقاً مع الزمن للإسراع بتشكيل حكومة جديدة عبر مفاوضات تتطلب توافقاً داخلياً، لتحقيق استقرار سياسي مقبول ينسجم مع سياقات المصالح الدولية المتشابكة وسط التحولات المتسارعة في المشهد الجيوسياسي بالمنطقة.

ويجد الإقليم الكردي شبه المستقل عن بغداد نفسه ميداناً لتنافس خارجي عقد من فرض استقلال قراره السياسي، إذ مع تزايد رغبة تركيا بتعزيز مكاسبها السياسية والعسكرية في مقابل محاولات إيران الساعية إلى الحفاظ على ما تبقى من نفوذها المتراجع، يلعب القطب الأميركي والغربي عموماً دوراً فاعلاً في اتجاه الحفاظ على استقرار الإقليم، وقد ظهر ذلك أخيراً من خلال اتصالات ولقاءات أجراها زعماء ومسؤولون من الدول المعنية مع القيادات الكردية لتبرز تساؤلات حول أسباب هذا التنافس وتبعاته على خطوات تشكيل حكومة كردية قادرة على موازنة متطلبات واقع داخلي هش في محيط ساخن.

وتكمن العقبات أمام تشكيل حكومة ائتلافية في عدم تمكن أي من القوى من تحقيق الغالبية النيابية في الانتخابات التي جرت في الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، في ظل وضع كل من الحزبين التقليديين الحاكمين، "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، سقف مطالب مرتفعاً على رغم خوض الحزبين سلسلة اجتماعات على المستويين السياسي والفني، مع صعوبة استقطاب قوى في المعارضة التي حسم معظمها قراره بعدم المشاركة في أية حكومة، بينما يفرض "الجيل الجديد"، أكبر القوى المعارضة، شروطاً توصف بأنها تعجيزية.  

تحرك ثلاثي

وبدا جدول اللقاءات والاتصالات خلال الأيام الماضية مزدحماً، إذ توجه رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني إلى تركيا واجتمع مع رئيسها رجب طيب أردوغان ومسؤولين حكوميين تزامناً مع استقبال نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز زعيم "الجيل الجديد" الكردي المعارض شاسوار عبدالواحد، في خطوة فسرت بكونها محاولة تركية لإقناع الأخير بالتحالف مع بارزاني وسحب البساط من تحت حزب طالباني، الذي تتهمه أنقره بدعم حزب العمال الكردستاني، ويرتبط بصلة وثيقة مع الإيرانيين.

 

وجاءت الخطوة التركية متزامنة مع عقد القنصل الإيراني الجديد في أربيل، فرامرز أسدي، لقاءات مع قيادات كردية كان أبرزها مع زعيم "الديمقراطي" مسعود بارزاني، وسبق له أن التقى قادة في الحزب قبل انتخابات الإقليم الماضية. ووفقاً لمؤسسة "درو" الكردية الإعلامية الممولة من برنامج "الصندوق الوطني الأميركي للديمقراطية" فإن حزب بارزاني كانت لديه تحفظات على تعيين قنصل في أربيل، قبل أن يتغير موقفه بعد تطبيع العلاقات بين الطرفين.

وفي غضون هذا التحرك يضغط التحالف الغربي على الحزبين باتجاه الإسراع بتشكيل الحكومة، وظهر الموقف من خلال لقاء القنصل الأميركي في أربيل ستيف بيتنر، رئيس الدائرة التنظيمية في "الديمقراطي" هيمن هورامي وكذلك مع بافل طالباني، فضلاً عن لقاء جمع بين القنصل البريطاني أندرو بيزلي مع القيادي في حزب "الاتحاد" نائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني.

قلق إيراني

ويجمع سياسيون ومراقبون على أن الإقليم منقسم عملياً بين نفوذ إيراني في السليمانية حيث نطاق سلطة حزب طالباني، ونفوذ تركي في أربيل الخاضعة لسلطة حزب بارزاني، وقد باتت طهران التي انحسر نفوذها في سوريا ولبنان تخشى من أن يمتد هذا التراجع إلى الإقليم الكردي، حال حصول تحالف بين حزب بارزاني الحليف لأنقرة مع قوى كردية معارضة على حساب حليفها حزب طالباني.  

وفي هذا السياق يربط السياسي الكردي هوشيار عبدالله تزايد قلق الإيرانيين بالتحولات التي طرأت على المنطقة، وهم "ينظرون إلى العراق كآخر الخنادق المتبقية، ويخشون من أن يضرب الأتراك نفوذهم في كردستان عبر حليفهم التقليدي حزب الاتحاد، ويطمحون إلى التقريب بين الحزبين بخاصة أن الديمقراطي يعمل لضم حلفاء يحققون له الغالبية لإدراكه أن أية حكومة مع الاتحاديين لن تتعدى النقطة الفاصلة بين منطقتي نفوذ كل طرف حيث أربيل والسليمانية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح عبدالله وهو نائب سابق في البرلمان الاتحادي أن "العراق منذ عام 2003 كان ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، ومعظم قواه السياسية تستقوي بفاعل خارجي، وهذه الصيغة ظهرت في مختلف المستويات بخاصة في الانتخابات وتشكيل الحكومات، وما حصل من لقاءات وزيارة قادة وسياسيين كرد دولة جارة كان أكثر علنية هذه المرة، حتى في فترة ما قبل إجراء انتخابات، وقد برزت مزاعم جدية حينها بأن نتائجها صيغت تحت تأثير دول الجوار".

وحول طبيعة الانقسام بين الحزبين، قال إن "الخلاف لا يدور حول البرنامج الحكومي بقدر ما هو صراع على المناصب والإيرادات، وعليه فإن التوصل إلى حل يبدو أسهل مما لو كان الخلاف على النهج السياسي والفكري العام".

حكومة توافقية

رؤية أخرى تذهب إلى استحالة تشكيل أية حكومة من دون اتفاق بين الحزبين، وفق المحلل السياسي ياسين عزيز الذي وصف الضغط الخارجي هذه المرة تحديداً بأنه أكثر حدة من السابق، فـ"الإيرانيون يعملون للتقريب بين الحزبين، لكن الأتراك يحاولون تعزيز مكاسب حليفهم الديمقراطي أو في الأقل استدامة سلطته، وهذا يأتي انعكاساً للتحولات في المنطقة التي أتت في صالحهم"، مستدركاً "لكن في آخر المطاف لن تتشكل أية حكومة كردية من دون أي من الحزبين التقليديين، بخاصة أن بقية القوى الفائزة تفرض شروطاً صعبة لا تصب في غير هذا السيناريو".

 

وفي شأن قراءته الموقف الإيراني يرى عزيز أن "نفوذ طهران في الإقليم يبقى محصوراً في نطاق جزئي ضمن إدارة حزب طالباني على رغم تطبيع علاقاتها بالديمقراطي، وفي الغالب فإن الإيرانيين يركزون على بغداد عبر حلفائهم من القوى الشيعية الحاكمة للتأثير في الإقليم"، وعلى رغم ذلك يعتقد عزيز أن "الإسراع في التشكيلة الحكومية المقبلة يصب في صالح معظم الأطراف، وقد أعطت نتائج الاجتماعات مؤشرات إيجابية".

الكلمة الفصل

على رغم تصدر حزب بارزاني النتائج بحصوله على 39 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان الكردي البالغة 100 مقعد، فإنه أخفق هذه المرة في الحفاظ على الغالبية النيابية، فيما حل حزب طالباني ثانياً بـ23 مقعداً، وكان اللافت تحقيق "الجيل الجديد" قفزة في الحصول على 15 مقعداً، متصدراً نتائج القوى المعارضة.

وفي ضوء ما سبق يرى المحلل السياسي طارق جوهر أن الخلافات تبدو أعمق هذه المرة على رغم أن التأخير كان سمة تجارب تشكيل كل الحكومات السابقة، إذ إن "المؤثرات الخارجية لم تغب قط للتقريب بين الحزبين، صحيح أن ميزان المعادلة في المنطقة مال لمصلحة الأتراك على حساب الإيرانيين، لكن التأثير الغربي بقيادة واشنطن أكثر فاعلية، وهو الضاغط باتجاه صون حال الفيدرالية في العراق من خلال الحفاظ على استقرار إقليم كردستان، ومردود ذلك يصب في صالح استراتيجية الغرب في المنطقة".

 

ويشير جوهر إلى ماهية الاختلاف في سياسة دول الجوار تجاه الإقليم، قائلاً إن "الثقل الإيراني يرتكز على بغداد لكونها مصدر القرار الذي يؤثر في باقي المنظومة العراقية، ناهيك بارتباط طهران بعلاقة تاريخية بالقوى الكردية، بينما الأتراك يعولون على العامل العسكري، وقد أنشأوا عشرات القواعد العسكرية في الإقليم وصولاً إلى محافظة نينوى بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني".

وختم قائلاً إن هذا الواقع "يحتم في الإقليم انتهاج علاقة متوازنة مع الدولتين، وألا يكون جزءاً من الصراع القائم في المنطقة، ولن تجدي زيارة الساسة الكرد أياً من الدولتين ما دام لم يتحقق التوافق داخل البيت الكردي نفسه".

فرصة للتمدد

ليس خافياً أن الإقليم الكردي يعد منطقة نفوذ إقليمي ودولي في آن واحد، فهو منقسم اقتصادياً وأمنياً بين أنقرة وطهران، كما أن الدولتين كانتا متخوفتين على الدوام من القوى الكردية المعارضة والمسلحة التي تنشط ضدهما في الإقليم، وفي هذه النقطة لا يستبعد الباحث الأكاديمي ياسين طه أن "تستغل أنقرة ظرف التحولات الجارية في المنطقة لصالحها بعد تجاوزها الخطوط الحمر الإيرانية في سوريا، لتعزيز نفوذها على الساحة العراقية وتحديداً في إقليم كردستان".

بناء على هذه الرؤية يستبعد طه أن يتمكن الحزبان من "التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف من دون وساطة أو مؤثرات خارجية، وبطبيعة الحال هما تركيا وإيران وكذلك التحالف الدولي بقيادة واشنطن، إلى جانب بعض الأطراف العراقية التي تربطها مصالح مباشرة بملفات الإقليم".