شهدت مناطق لبنانية اعتصامات شعبية للمطالبة بالعفو العام (اندبندنت عربية)
تحرك ملف الموقوفين الإسلاميين في لبنان أخيراً، إذ يعبر أهاليهم عن تفاؤلهم بقرب خروج أبنائهم من السجون. ويراهن هؤلاء على سلة من التغيرات الكبرى، في مقدمها سقوط نظام بشار الأسد وانتصار المعارضة في الجارة سوريا. ويقول أحمد، وهو قريب لأحد الموقوفين، "أبناؤنا سجنوا بسبب دعمهم الجيش السوري الحر والمعارضة السورية، وها هم المسؤولون اللبنانيون يتقاطرون إلى دمشق للحصول على أفضل العلاقات مع الحكم الجديد". ويعتقد آخر من بين الأهالي أن "تراجع نفوذ 'حزب الله' في لبنان وسوريا، سينسحب على المؤسسات القضائية العسكرية في لبنان التي كانت تستهدف جميع معارضي الحزب ونظام الأسد ومؤيدي الثورة السورية".
كما يسود اعتقاد بأن أوضاع البلاد الاقتصادية المتردية، وسوء الخدمات والاكتظاظ في السجون، والتأخر في المحاكمات، تشكل أسباباً كافية لإطلاق سراح السجناء الذين قضى بعضهم أكثر من الفترة المحتملة لعقوبته، من دون محاكمة.
وخلال الاعتصام الحاشد الذي نظمته مجموعات إسلامية وحقوقية قبل أيام في ساحة عبدالحميد كرامي في طرابلس (شمال) حمل الأهالي القادمين من صيدا وعرسال وطرابلس، صور الشيخ أحمد الأسير المتهم بـ"أحداث عبرا" في شرق صيدا والشيخ عمر الأطرش والشيخ خالد حبلص المتهمين بتشكيل خلايا تمس الأمن القومي اللبناني. وترافقت تلك الصور مع عبارات عن "المظلومية" التي تستهدف هؤلاء، كما اقترنت صور أبنائهم الآخرين مع القائد الجديد لسوريا أحمد الشرع. كما صدرت مطالبات بالعفو عن الفنان فضل شاكر، الهارب من العدالة بعدما كان من ضمن مجموعة الشيخ الأسير، معتبرين أنه "ناصر الشعب السوري المظلوم، وعبر عن ندمه للتعرض لفظياً إلى المؤسسات الرسمية اللبنانية".
اقتراح معجل مكرر
عادت مسألة العفو العام عن الموقوفين الإسلاميين في لبنان إلى الواجهة، وهذه المرة من خلال اقتراح قانون معجل مكرر تقدم به نواب من كتلة "الاعتدال الوطني"، و"الجماعة الإسلامية"، ومستقلون.
ويرمي الاقتراح الذي وقعه النواب محمد سليمان وعبدالعزيز الصمد وعبدالرحمن البزري وبلال حشيمي وأحمد الخير ووليد البعريني وبلال بدر إلى نيل العفو وتخفيض مدة بعض العقوبات بصورة استثنائية عن مرتكبي الجرائم قبل نفاذه مع استثناء شريحة واسعة من الارتكابات التي تطاول المال العام، وجنايات المخدرات والفساد والإثراء غير المشروع وقوانين الغابات والثروة الحرجية وبعض الجرائم الواقعة على الأفراد المقترنة بادعاء شخصي وجرائم البيئة.
العفو والعهد الجديد
يشكل مطلب العفو العام محطة ثابتة مع انطلاقة كل عهد رئاسي جديد. وتطرق النائب عماد الحوت (الجماعة الإسلامية) عبر "اندبندنت عربية" إلى الأسباب الموجبة لتقديم اقتراح قانون العفو العام، حيث ينطلق من "المظلومية التي تعرض لها السجناء، وتأخر المحاكمات"، حيث "يقضي الموقوف فترة في السجن من دون محاكمة بمدة تتجاوز، وأطول مما يمكن أن يكون عليه الحكم القضائي، وهذا أمر غير طبيعي". وتابع "كما تعاني السجون من نسبة اكتظاظ عالية جداً، تصل إلى نسبة 330 في المئة". ويعزو ذلك الاكتظاظ إلى تأخر المحاكمات، والحرب الإسرائيلية الأخيرة التي دفعت إلى نقل السجناء من المناطق المستهدفة إلى مناطق آمنة نسبياً. ولفت الحوت إلى أثر الوضع الاقتصادي على الخدمات المقدمة داخل السجون، حيث "تراجعت الأوضاع الصحية والطبية، وكذلك نوعية الطعام وكميته والنظافة، مما ينذر بكارثة في حال تفاقم المشكلة".
وتحدث الحوت عن تطبيق "العدالة الانتقالية" من خلال "إفراغ السجون ما أمكن، وإعطاء فرصة للدولة لإعادة تنظيم السجون لكي تتحول إلى أداة إصلاحية، وليست أداة انتقامية".
في المقابل، يشير إلى "اللاعدالة في التوقيفات"، فقد شهدت بعض الملفات التي نظرت فيها المحاكم الاستثنائية أحكاماً "يشوبها الضعف" بسبب عدم منح المتهمين فرصاً كاملة للدفاع عن أنفسهم داخل المحكمة، وعدم توافر طرق المراجعة والطعن على مرحلتين، من ثم فإن "فرص الدفاع عن النفس غير متوافرة"، محدداً المحكمة العسكرية الناظرة في قضايا السلاح، والمجلس العدلي الناظر بقضايا المساس بأمن الدولة.
وبينما يتخوف البعض من إطلاق سراح "أشخاص خطرين على المجتمع والنظام العام"، يؤكد الحوت "لقد استثنينا جميع جرائم القتل العمد أو القصد، والجرائم ذات الحق الشخصي، وجرائم التكرار، وما يمس المال العام والفساد، وغيرها من الجرائم التي تمس أملاك الدولة"، متحدثاً عن "كليشيه" تشكيل عصابة و"الإرهاب"، التي "كانت تستخدم لملاحقة الأشخاص، حيث كان يوقف البعض لمجرد وجود صورة على هاتف"، حيث "شهدنا استخفافاً بحقوق وحريات الأفراد". ويقول الحوت، إنه "عوضاً من إصلاح السجين في الداخل، اطلعنا على أعمال انتقامية وهو ما ولد زيادة في منسوب الاحتقان".
"أعيدوهم إلى سوريا"
خلال زيارة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي إلى دمشق نهار السبت السابع من يناير الجاري، أثارت القيادة السورية الجديدة قضية إعادة السجناء السوريين، بينما شهدت ساحة مجلس الشعب السوري اعتصاماً طالب خلاله الأهالي بالإفراج عن أبنائهم المعتقلين في لبنان.
والتقت "اندبندنت عربية" في طرابلس اللبنانية، عائلة المعتقل الشيخ عماد جمعة المتحدرة من منطقة القصير السورية الحدودية. وتعتقد الأسرة أن "الشيخ عماد تعرض لظلم كبير بفعل موقفه الطبيعي بالوقوف إلى جانب الثورة السورية، ووقوفه في وجه محاولات المجموعات المدعومة من إيران احتلال أرضه، واعتقل قبل اندلاع معركة عرسال". وتتحدث شقيقة عماد جمعة عن "موضوع سياسي بسبب معركة القصير ضد 'حزب الله'"، وتمضية شقيقها مدة سجنه في "المبنى ج" بسجن رومية، حيث الظروف الصحية سيئة، مشيرة إلى "تأخر عودة العائلة إلى سوريا بسبب اعتقال ابنها الوحيد في لبنان، بعدما توفي شقيقه في إدلب"، مضيفة أن "زوجته وبناته ينتظرنه منذ 10 أعوام، وهو المعيل الوحيد لهن. وكانت الظروف المادية تحول دون زيارته في السجن بانتظام". وتتمسك شقيقة عماد جمعة "بالحل الشامل الذي يضم السوريين، وكذلك اللبنانيون الذين تعرضوا للملاحقة والاضطهاد بسبب مناصرتهم الثورة السورية، واعتقلوا في سجن رومية".
ويلفت عبدالمعين عنقور، صهر عماد جمعة، إلى "وجود أشخاص مفقودين من بين من تم تسليمهم لنظام الأسد، من بينهم الضابط عبدالله الزهوري الذي لم يظهر له أثر رغم التحرير". ويعول عنقور على "إقرار العفو العام، وعدم عرقلته من بعض الكتل النيابية"، كاشفاً عن "تواصل الأهالي مع الحكم الجديد في سوريا، الذي أبلغهم بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية لإيجاد حل لعدم تضخيم المشكلة في حال استثناء السوريين من العفو".
من جهته، يلفت النائب عماد الحوت إلى شمول اقتراح القانون المحكومين السوريين وآخرين من جنسيات مختلفة، مع الالتزام بتسليمهم لدولتهم في حال صدور الأحكام. ويتحدث الحوت عن "مراعاة هواجس الكتل النيابية"، ويضيف "لا نتعامل مع القانون من منطق المقايضة، وإنما تطبيق العدالة الحقيقية، حيث بالإمكان العفو عمن تعاطى المخدرات لمرة واحدة، ولكن عند ثبوت التكرار لا جواز لذلك. كما ليس بالمستطاع العفو عن مرتكبي انفجار المرفأ أو الاغتيالات السياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السجون مشكلة متعاظمة
تتجاوز مشكلة السجون اللبنانية ملف العفو العام، ومحاولات إفراغ السجون في المرحلة الانتقالية. ويتحدث الأب نجيب بعقليني، مدير جمعية "عدل ورحمة" عن تعميق الحرب الإسرائيلية على لبنان لمشكلة السجون بسبب إفراغ سجون البقاع والجنوب، ويقول بأسف "نتجه إلى وضع أسوأ في مفاقمة مشكلة السجون اللبنانية"، مشيراً إلى أن "الوضع مستتب أمنياً، ولكن هناك حال سخط لدى السجناء الذين ينتظرون تحسين الطبابة ونوعية الأكل وتسريع المحاكمات، ولكن الجمود لا يزال سائداً".
ويرى الأب بعقليني أن "ثمة تأثيرات للتركيبة اللبنانية المعقدة مناطقياً وطائفياً في التعاطي مع ملف العفو العام". ولذلك يأسف لـ"تقديم السياسة على العوامل الإنسانية"، معبراً عن رؤيته لحل المشكلة، "فعلى المستوى المتوسط هناك مطلب تسريع المحاكمات، ودراسة الملف القانوني سريعاً لإنصاف المظلومين داخل السجن، كما يجب الاستعانة بفرق قانونية وحقوقية وأطباء نفسيين ومساعدين اجتماعيين لمعالجة الملف بسرعة وليس تسرعاً، وطمأنة المجتمع الرافض للعفو العام من جهة، وترتيب إعفاءات لمستحق الفرصة الجديدة، من أجل العودة إلى الحرية". ويعتقد الأب بعقليني أن "السجناء في حاجة إلى آمال واقعية، وعدم اقتصار العلاجات على وعود انتخابية عند كل استحقاق دستوري"، متحدثاً عن "حاجة وطنية لمعالجة ملف السجون بطريقة علمية وسليمة بغية الحفاظ على حقوق الإنسان والكرامة".
الإسلاميون والملف المتشعب
يوصف ملف الموقوفين الإسلاميين بالمتشعب، إذ لا يضم مجموعة أفراد، اعتقلوا بسبب حادثة معينة، وإنما تراكمت الملاحقات مع مرور الزمن. وتشكل أحداث الضنية (شمال) عام 2000 علامة فارقة في مقارعة الدولة اللبنانية التنظيمات المتشددة ومواجهة مجموعات ادعت انتمائها إلى "التكفير والهجرة".
تعاظمت المشكلة مع سيطرة فصيل "فتح الإسلام" على أحياء من مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، حيث خاض الجيش اللبناني معركة مفصلية للقضاء على التنظيم الذي رأسه المعتقل السابق في السجون السورية شاكر العبسي.
كما ضمت إلى الملف، مجموعات من الملاحقين بـ"أحداث طرابلس"، حيث دارت 21 جولة قتال على طول شارع سوريا بين باب التبانة وجبل محسن. في حينه، تحولت عاصمة شمال لبنان إلى صندوق بريد، ومتنفس للاحتقان المذهبي في أعقاب اجتياح بيروت من قبل "حزب الله" و"حركة أمل" وحلفاء لهما في السابع من مايو (أيار) 2008.
تعاظم الملف مع اندلاع الثورة السورية، ومن ثم جاء تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، وما تبعه من صعود ظاهرة أحمد الأسير و"أحداث عبرا" في صيدا وأحداث عرسال، وظهور "خلايا داعشية" استغلت تطبيق "تيليغرام" لجذب شباب يافعين وتجنيدهم للقتال في العراق.
ويفيد الأهالي عن "مظلومية طاولت أبناءهم لمجرد الشبهة"، حيث صدر 45 حكم براءة لموقوفين من تهم الإرهاب في ملف "فتح الإسلام" بعد مرور 14 عاماً سجنية من دون محاكمة. وحكم بالسجن لعامين على عشرات الإسلاميين بعدما أمضوا أعواماً عدة في التوقيف. ويطالب أبوعمر بوعيد الناشط في الدفاع عن الموقوفين إلى ضرورة إقرار العفو العام عاجلاً وليس آجلاً، مذكراً بوجود آلاف "وثائق الاتصال" في حق شبان من طرابلس، التي تعرقل سير حياتهم اليومية والمهنية، فعلى سبيل المثال، عندما يتجه أحد الشبان لإنجاز جواز سفر، يطلب منه مراجعة الأجهزة الأمنية "بسبب وجود اتصال بحقه".
محاولات من دون حل
منذ عام 2018، برزت محاولات عدة للوصول إلى تسوية "العفو العام" إلا أن عقبات سياسية وقانونية، حالت دونه. في البداية، لم تتوصل الكتل السياسية إلى توافق حول قانون موحد وسقطت المحاولات في حينه التي اشترك بها حركة "أمل" و"تيار المستقبل"، حيث اتخذت التسوية مظهر المقايضة بين موقوفين إسلاميين ومطلوبين في ملفات ترويج المخدرات والاتجار بها، فما كان من البعض إلا أن طالب بحل معضلة شريحة اضطرت إلى التعامل مع إسرائيل، أو غادرت لبنان في أعقاب انسحاب إسرائيل من الجنوب في 25 مايو (أيار) 2000.
ويثير طرح "العفو العام" مشكلة قانونية تتعلق بالسياسة العقابية في لبنان، وإمكانية تفريغ السجون من عناصر "خطرة" من دون محاكمة عادلة. ناهيك بإعطاء الأولية لحل مشكلة الموقوفين، على حساب البحث عن تصور جديد للسجن، والتوجه نحو بناء سياسة إصلاحية.