تحديات كبيرة في مشاركة الجيش البريطاني بأوكرانيا

آخر تحديث 2025-02-23 15:00:05 - المصدر: اندبندنت عربية

قوة بريطانية تشارك في مناورات لـ"حلف شمال الأطلسي" في رومانيا الأربعاء (أ ب)

عندما ترددت أنباء عن عزم المملكة المتحدة قيادة الجهود الرامية إلى تقديم وحدات لقوة حفظ السلام في أوكرانيا، وتجهيز ربما ما يصل إلى 20 ألف عنصر للمشاركة فيها، بعث إليَّ أحد معارفي من الضباط في مقر الجيش البريطاني في أندوفر برسالة قال فيها: "من أين جاء هذا الرقم؟ ومن الذي يطرح الفكرة؟ إننا بالتأكيد لا يمكننا القيام بذلك!".

لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى تقلص هذا "العرض" إلى ما بين 10 و12 ألف جندي لقوة برية لم تحدد معالمها بعد. لكن الذعر بين مخططي الجيش ظل على ما هو عليه ولم يتغير: فلم يكن هناك أي طلب رسمي لتنفيذ مثل هذا الانتشار، والجيش لا يملك الجاهزية لتقديم هذه الأعداد، وليس لديه التمويل اللازم لتحقيق ذلك.

ما هو أسوأ، أن الجيش البريطاني يفتقر إلى القدرة على نشر قوة قتالية متماسكة تلبي متطلبات الحرب في أوكرانيا - فمعداته إما قديمة أو غير متوافرة أو لا تزال في انتظار التسليم، بينما مخزون الذخيرة لديه لن يصمد لأكثر من أسبوع في حال اندلاع مواجهة، كذلك أنظمة الاتصالات هي الأخرى متهالكة ولا يمكن الاعتماد عليها.

ولن يكون من قبيل المبالغة القول إن الجيش البريطاني يمر بأسوأ حالاته منذ يونيو (حزيران) عام 1940، عندما أجليت "قوة الاستطلاع البريطانية" من ساحل دونكيرك في شمال فرنسا، في إطار "عملية دينامو" Operation Dynamo.

لمزيد من التوضيح، تراجعت قوة "الدبابات القتالية الرئيسة" إلى أدنى مستوياتها. وفي حين أن مجموعة "تشالنجر 2" (التي كان تتألف أساساً من أكثر من 400 دبابة عند شرائها في التسعينيات) تمتلك قوة 213 دبابة بشكل نظري، بعد إرسال 14 منها إلى أوكرانيا. لكن هذه المدرعات تعرضت لأعوامٍ من الإهمال الجسيم مع خفض موازنات الصيانة على مدى العقدين الماضيين، كما لم تُشترَ قطع غيار كافية، فيما انهارت سلاسل التوريد مع إفلاس الشركات المصنعة. وبحلول عام 2023، لم تكن هناك سوى 160 دبابة فقط صالحة للاستخدام (بعد عمليات إصلاح مكلفة وطويلة). ومع ذلك، ازداد الوضع سوءاً منذ ذلك الحين.

أما النتيجة، فكانت عجز "فيلق المدرعات الملكي" عن نشر فوج متكامل من دبابات "تشالنجر 2" يضم 59 دبابة منذ أعوام عدة. ومع محدودية الأعداد المتاحة، تقلصت طموحات المؤسسة العسكرية لتقتصر على تشغيل ما بين 20 و25 دبابة فقط، في أفضل الأحوال.

جنود أوكرانيون قرب بلدة باخموت في منطقة دونيتسك في ديسمبر (كانون الأول) عام 2023 (أ ف ب / غيتي)

 

عندما تمتلك الدنمارك والسويد قوة دبابات أكثر قدرة من المملكة المتحدة، فإن ذلك يشير بوضوح إلى وجود مشكلة. وقد أظهرت الحرب في أوكرانيا أن للدبابات دوراً محورياً في ساحة المعركة، فكيف إذا ما أريد لقوة حفظ السلام أن تكون رادعاً جدياً وقوياً هناك؟

أما سلاح المدفعية، فكانت لديه ترسانة تضم أكثر من 100 مدفع ذاتي الحركة من طراز "أي أس 90" AS90، لكن كما حصل مع دبابات "تشالنجر 2"، تُركت هذه المدافع تتهالك، ولم يتبق منها سوى عدد محدود يُستخدم للتدريب فقط. وقبل جائحة "كورونا" مباشرة تحدثتُ مع مقدمٍ في الجيش يتولى قيادة فوج من مدافع "أي أس 90"، وكان تقييمه شديد الصراحة حين قال: "لدي 24 مدفعاً مخزناً، بلا مسارات ولا محركات. وسيكون الحفاظ على الروح المعنوية تحدياً كبيراً بالنسبة إلينا". كان ذلك قبل أكثر من خمسة أعوام، ومنذ ذلك الحين، ازدادت الأمور سوءاً نتيجة استمرار النقص في قطع الغيار وانهيار سلاسل التوريد.

يُشار إلى أن المملكة المتحدة قدمت ما لا يقل عن 32 مدفعاً من طراز "أي أس 90" لأوكرانيا ـ وهو قرار منطقي تماماً. إلا أن هذا القرار لم يترك للجيش البريطاني سوى القليل من قطع المدفعية أو لا شيء تقريباً. وقد تم الحصول على دفعة صغيرة من 14 مدفعاً سويدياً من طراز "أرتشر" Archer عيار 155 ملم. لكن هذا العدد ليس كافياً على الإطلاق. فقد أظهرت الحرب في أوكرانيا بوضوح أن سلاح المدفعية يظل حاسماً في ساحة المعركة. وأية قوة بريطانية تُرسل إلى أوكرانيا لن تكون ذات صدقية ما لم يكن لديها مزيد من المدافع.

حتى لو تمكن الجيش البريطاني من نشر 12 مدفع "أرتشر" كجزء من قوة برية في أوكرانيا (من الناحية المثالية، سيكون من الضروري نشر 24 إلى 36 مدفعاً في الأقل)، فستبقى هذه الوحدة بحاجة ماسة إلى إمدادات كبيرة من الذخيرة كي تكون فعالة في الميدان.

وبحسب وقائع القتال في أوكرانيا، فقد تبين وجوب تخصيص ما لا يقل عن 200 قذيفة يومياً لكل مدفع - وهذا الرقم يُعد الحد الأدنى فقط، وليس الأقصى. ويتعين تخصيص إمدادات تكفي لمدة 30 يوماً في الأقل، ومن الناحية المثالية 60 يوماً. وهذا يعني أنه سيكون من الضروري توفير ما لا يقل عن 75 ألف قذيفة، بكلفة تُقدر بنحو 350 مليون جنيه إسترليني (441 مليون دولار أميركي)، وربما يصل العدد إلى 150 ألف قذيفة بكلفة 700 مليون جنيه إسترليني. في الوقت الراهن، لا يمتلك الجيش البريطاني ما يكفي من ذخيرة مدفعية مخزنة لخوض صراع بهذا الحجم. وفي الواقع، قد يستغرق الأمر أعواماً عدة للوصول إلى الكميات المطلوبة.

 

هذان المثلان يعطيان فكرة عن الحال الأوسع والأكثر خطورة التي وصلت إليها معدات الجيش البريطاني. فالمركبات المدرعة الأخرى هي أيضاً في وضع يُرثى له. والصورة تبدو على النحو الآتي: قبل 35 عاماً، شاركت مركبات مشاة قتالية مدرعة من طراز "ووريور" Warrior في الهجوم على الكويت. ومنذ 30 عاماً، نُشرت مجموعة قتالية بريطانية مزودة بمركبات من الطراز نفسه في البوسنة، حيث لاقت تقديراً كبيراً. لكن المركبات التي ما زالت في الخدمة اليوم هي نفسها إلى حد كبير، ولم يطرأ عليها أي تغيير يُذكر، وذلك نتيجة تهميش فرص التحديث والترقية بصورة مستمرة.

قد يشير بعضهم إلى مجالات لا تبدو فيها الصورة سيئة للغاية. فقد دخلت ناقلة الجند المدرعة "بوكسر" Boxer في مرحلة الإنتاج الكامل، بحيث تُسلم هذه المركبات إلى الوحدات العسكرية. كذلك فإنه يُجرى العمل على تحديث دبابات "تشالنجر 3" لتصبح نسخة حديثة عن "تشالنجر 2". وفي الوقت نفسه، تُنتج مركبات مدرعة من فئة "أيجاكس" Ajax. وفي العام الماضي، تُوصل إلى اتفاق مع ألمانيا على تطوير نسخة مدفعية مشتركة من "بوكسر". ومن ثم يبدو أننا بدأنا نرى بعضاً من بصيص الأمل بعد فترة مظلمة طويلة.

لكن المشكلة تكمن في أن دبابات "تشالنجر 3" لن تكون جاهزة للتسليم قبل عامين في الأقل. وحتى ذلك الحين، لن تكون متاحة إلا للتجارب، وليس للاستخدام الفعلي. وعلى رغم العروض التي قدمها قطاع التصنيع لتسريع تسليم ناقلات "بوكسر"، فإن الجيش البريطاني ووزارة الدفاع لم يبديا استجابة له، وهذا يعني أن المسألة ستستغرق أعواماً عدة أخرى، قبل أن يصبح الجيش جاهزاً للانتشار الفعلي في مناطق قتال.

وبالمثل، لن تكون منظومات المدفعية الجديدة متاحة حتى نهاية هذا العقد، مما يعني الانتظار لمدة تتفاوت ما بين خمسة وستة أعوام (على سبيل المقارنة، سُلمت أنظمة المدفعية "بوكسر" الأوكرانية في غضون 27 شهراً فقط من الطلب. وقد قُدم عرض بتسريع عمليات التسليم للمملكة المتحدة، لكن لم يُتخذ أي قرار في هذا الشأن حتى الآن). وماذا عن "أيجاكس"؟ إن أحداً لا يستطيع التكهن، فقد تأخر المشروع بالفعل عن الجدول الزمني بنحو عقد من الزمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذاً، ما الذي يمكن للجيش أن يسهم به بشكل واقعي في مهمة حفظ السلام في أوكرانيا؟ يقول مصدري في أندوفر: "هل يمكن جمع 12 ألف جندي مع أسلحتهم، وتنظيمهم وإرسالهم إلى أوكرانيا؟ ربما. لكن ما الذي يمكنهم القيام به لدى وصولهم إلى هناك؟ هناك حقول ألغام غير محددة في كل مكان، لذا فإنهم سيحتاجون إلى كثيرٍ من المركبات المحمية - وهي إما أننا لا نملكها، أو تركناها تتقادم في المستودعات. والسؤال التالي هو: ما الخطة؟ هل ندعهم يقومون بدوريات في سيارات "لاند روفر" غير مدرعة مرة أخرى كما لو أن ذلك كان تجربة ناجحة في كل من العراق وأفغانستان؟

حتى لو أمكن حشد قوة قوامها 12 ألف جندي، فسيتعين استبدال عددها بعد نحو ستة أو ثمانية أشهر بـ12 ألفاً آخرين. ثم الاستمرار مرة أخرى بعد ذلك، في دورات مماثلة. وفي ظل الترتيبات المالية الراهنة، فإن الجيش البريطاني (ومن ضمنه "البحرية الملكية" و"سلاح الجو الملكي") غير مهيأ للقيام بذلك.

أما بالنسبة إلى كلف مهمة حفظ السلام في أوكرانيا، فاستناداً إلى العمليات السابقة في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الـ21، تتفاوت كلف نشر 12 ألفاً إلى 15 ألف جندي ما بين 3 مليارات إلى 5 مليارات جنيه إسترليني (3 مليارات و780 مليون دولار و6 مليارات و300 مليون دولار) في الأقل. ومرة ​​أخرى، لا توجد موازنة لذلك، لذا يتعين تمويلها من الاحتياط المركزي.

بناءً على ما تقدم، لا بد من طرح مجموعة أوسع من الأسئلة. فهل كانت المؤسسة العسكرية البريطانية صادقة مع السلطة السياسية في شأن ما يمكنها تحقيقه بالفعل، أم أن الموقف المعروف المتمثل في "نستطيع القيام بذلك" Can Do كان هو السائد، استناداً إلى المقولة: "لا تقلق، كل شيء سيسير على ما يرام في النهاية"؟ وهل كانت الرغبة في تجنب الإحراج هي التي دفعت إلى إخفاء أوجه القصور، ما جعل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يفتقر إلى الصورة الواضحة عن مدى خطورة الموقف فعلاً؟