ضيوف مصر حيارى بين حلم العودة وواقع الفوضى

آخر تحديث 2025-03-07 18:00:07 - المصدر: اندبندنت عربية

كثير من اللاجئين السودانيين اصطدموا بمصاعب التكيف في مصر (أ ف ب)

تتقاطع مسارات اللاجئين في مصر بين تطلعات متباينة، فبين من يحلم بالعودة إلى وطنه على رغم النزاعات وانعدام الأمن وانقطاع الخدمات، ومن تأقلم مع حياته الجديدة بعد أعوام من الاندماج، ومن يترقب فرصة للعبور إلى أوروبا، تتشكل صورة معقدة لواقع اللجوء، وعلى رغم هذه التباينات تظل مصر موطناً لملايين اللاجئين من جنسيات متعددة، اندمجوا في نسيجها الاجتماعي وأصبحوا جزءاً من تركيبتها السكانية.

منذ سقوط بشار الأسد بدأت الدعوات تتوالى من داخل سوريا لحث الفارين على العودة، في الأيام الأولى لما بعد نظامه نقلت وسائل الإعلام مشاهد لشاحنات تغادر القاهرة نحو دمشق، تقل سوريين قرروا العودة.

المشهد لم يكن مختلفاً كثيراً بالنسبة إلى السودانيين، إذ أطلق نشطاء مبادرات لإعادة من لجأوا إلى مصر عقب اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في أبريل (نيسان) 2023، وهي الحرب التي لا تزال مستمرة.

لكن تلك المشاهد لم تحدث تغييراً جذرياً في خريطة اللاجئين في مصر، وفقاً لما استطلعت "اندبندنت عربية" من آراء لاجئين من جنسيات عربية وأفريقية، فإن قرارات البقاء أو المغادرة ترتبط بعوامل عدة، بعضهم يربط عودته باستقرار بلاده، بينما يرى آخرون في مصر وطناً جديداً بعد عقود من التأقلم، في المقابل هناك من يعدها محطة انتظار قبل التوطين في أوروبا، كما أكد بعض اللاجئين السودانيين والسوريين أن أعداداً من مواطنيهم بدأوا بالفعل في العودة إلى ديارهم.

وفقاً للمصادر الرسمية المصرية يتزايد تدفق اللاجئين إلى مصر، إذ صرح وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، بأن مصر تستضيف نحو 10 ملايين لاجئ ومهاجر، وخلال اتصال هاتفي مع مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة ماغنوس برونر، أكد عبدالعاطي أن الدعم الدولي لا يزال محدوداً ولا يتناسب مع حجم الأعباء التي تتحملها البلاد.

بانتظار إعادة الإعمار

يحدد رئيس الهيئة العامة لشؤون اللاجئين السوريين في مصر تيسير النجار أسباباً عدة تدفع غالبية السوريين في القاهرة إلى عدم الاستجابة لنداءات العودة، ويقول "العائق الأكبر لعودتنا إلى سوريا قد زال، لكن هناك عوامل أخرى تمنع معظم السوريين من العودة، أبرزها أن عملية إعادة الإعمار لم تبدأ بشكل فعلي، فمنازلنا ومزارعنا ومتاجرنا دمرت، تمسك كثير من السوريين بالبقاء في مصر مرتبط بانتظار الحد الأدنى من إعادة البناء، مما يجعل العودة غير ممكنة في الوقت الحالي."

وأكمل "العودة تتطلب استقراراً حقيقياً، هناك فئات مختلفة من السوريين في مصر، أولها المستثمرون الذين لن يعودوا في الوقت الراهن، وإن فكروا في العودة فسيكون ذلك لإنشاء فروع جديدة لأعمالهم فقط، وهناك سوريون ميسورون لن يتخذوا هذه الخطوة إلا بعد التأكد من استقرار الأوضاع في سوريا، فئة أخرى تنتظر انتهاء العام الدراسي قبل اتخاذ قرار العودة، إلى جانب ذلك هناك من يحملون بطاقات طالب لجوء من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لكن إجراءات إلغائها تستغرق أشهراً، مما يعطل قدرتهم على العودة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار النجار إلى فئة أخرى من السوريين في مصر، ممن تراكمت عليهم غرامات الإقامة، ولا يستطيعون دفعها أو تحمل كلفة تذكرة العودة، وأضاف "كان من المتوقع تشكيل حكومة واسعة الطيف في الأول من مارس، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن، إذا تحقق الاستقرار في سوريا فسنعود إلى وطننا".

في يناير (كانون الثاني) 2024 أصدرت السفارة السورية في القاهرة بياناً للسوريين المقيمين في مصر، أعلنت فيه تقديم خدمات مجانية للراغبين في العودة إلى سوريا، وأوضحت السفارة أنها ستوفر تذاكر المرور وتمدد صلاحية جوازات السفر لمدة ستة أشهر مجاناً لمرة واحدة، إضافة إلى التصديق المجاني للوثائق الخاصة بالمواطنين السوريين.

سودانيون يعودون وآخرون يستوطنون

تستضيف مصر أكثر من 902 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من 58 جنسية مختلفة لدى مفوضية الأمم المتحدة، وتشير المفوضية إلى أنه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً، تليها الجنسية السورية، ثم تأتي أعداد أقل من جنسيات جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال والعراق.

تقول تيسير عبدالرؤوف، سيدة في عقدها الخامس، إن والدتها عادت أخيراً إلى السودان ضمن حافلات انطلقت من مصر، في إطار مبادرات أطلقها سودانيون لإعادة الفارين من الحرب. وتوضح "والدتي عادت منذ أسبوعين إلى أم درمان، حيث انضمت إلى آخرين، في يوم مغادرتها تحركت 10 حافلات من منطقة عابدين إلى أم درمان، لكن كثراً ما زالوا مترددين في العودة بسبب القصف العشوائي والخوف من التحذيرات المتداولة عبر مواقع التواصل، إضافة إلى المشاهد الصعبة القادمة من الداخل".

وتشير إلى أن السودانيين الذين استقروا في مصر قبل الحرب الأخيرة لا يفكرون في العودة: "لدينا مساكن، وأبناؤنا في مراحل تعليمية مختلفة، أنا شخصياً عشت في مصر 28 عاماً، ومن الصعب التفكير في المغادرة. في المقابل من غادروا السودان بسبب حرب أبريل بدأوا فعلياً في ترتيب العودة، بينما الذين لجأوا إلى مصر خلال 2023 يجدون صعوبة في العودة الآن".

وتضيف "القادمون خلال الحرب الأخيرة لم يتمكنوا من التأقلم مع الأوضاع في مصر، بسبب صعوبة إيجاد عمل وارتفاع كلف المعيشة، لذلك يرون أن العودة إلى السودان هي الخيار الأنسب حالياً".

 

وبحسب إحصاء صادر عن الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي كانت مصر أكبر دولة مستضيفة للسودانيين الفارين من النزاع الأخير، إذ استند الإحصاء إلى البيانات الصادرة عن الحكومة المصرية التي تشير إلى أن أكثر من 1.2 مليون سوداني قد فروا إلى مصر منذ اندلاع الحرب.

ويرى الناشط السوداني أمير خالد أن العودة الطوعية ستكون خياراً مطروحاً لو شهد السودان تغيرات جذرية، لكن الأسباب التي دفعت كثراً إلى الفرار لا تزال قائمة، ويؤكد أن الذين عادوا أخيراً فعلوا ذلك ليس برغبتهم، بل بسبب صعوبة تحمل كلف المعيشة في مصر.

ويشير إلى أن هناك عودة ملحوظة لبعض السودانيين الذين لجأوا إلى مصر خلال الحرب، لكن في المقابل فإن الذين استقروا في مصر قبل اندلاع النزاع الأخير أصبحوا جزءاً من المجتمع المصري بعد أعوام من الاستقرار.

الحوثيون عقبة أمام حلم العودة

مريم صالح، يمنية في عقدها الرابع، تؤكد أن الأوضاع في اليمن ما زالت فوضوية، ولا يوجد حل سلمي أو عسكري واضح مع الحوثيين. وتقول لـ"اندبندنت عربية" إن "الخدمات الأساس في أسوأ حالاتها، ونحن الجنوبيين اضطررنا إلى الهرب بسبب غياب الأمان والظروف الصعبة، الحياة تحولت إلى صراع مستمر، وكأننا نعيش في حرب عصابات، لم يكن السبب الوحيد لمغادرتنا هو ممارسات الحوثيين، بل أيضاً غياب أبسط مقومات الحياة مثل الكهرباء والمياه".

وتوضح أن حياتها في مصر أكثر أماناً، فهي لا تزال تشعر بعدم الاستقرار في بلادها بسبب التحديات التي تواجه اليمنيين هناك، وتضيف "ما قد يجعلني أفكر في العودة هو أن أشعر بأن الأوضاع عادت إلى طبيعتها، وأن هناك أماناً واستقراراً، وأنني لن أضطر إلى القلق في شأن تأمين الطعام لأطفالي"، وتكمل "لا نرغب في الغربة، لكن اليمن لم يعد يحتمل، إذا سمحت لنا مصر بالبقاء فلن نفكر في العودة، لكن إذا استقرت الأوضاع في اليمن وأصبحت مصر غير راغبة في بقائنا سنضطر إلى العودة".

 

وتشير إلى أن ارتفاع عدد اليمنيين في مصر أدى إلى فرض رسوم على الموافقة الأمنية لدخول البلاد، وتقول "في السابق لم يكن علينا دفع شيء، لكن حالياً يطلب من الأشخاص بين 16 و50 عاماً دفع رسوم للدخول، وبعض اليمنيين غير قادرين على تحمل هذه الكلفة".

عائق "النعرات الطائفية"

أنس علي، عراقي في الخمسينيات من عمره، يوضح أن الأوضاع في بلاده تجعل قرار العودة صعباً، ويقول "غادرت العراق عندما كان عمري 30 عاماً، وبعد 20 عاماً من الغربة، أجد أن كثيراً تغير، لا تزال النعرات الطائفية قائمة، وهي من الأسباب التي تمنعني من العودة".

ويضيف "العائق الأكبر هو النفوذ الإيراني الواضح في المشهد العراقي، إلى جانب تصاعد الطائفية، حيث أصبحت الميليشيات تسيطر على كل شيء".

أما عن حياته في مصر فيؤكد أنه تأقلم مع المجتمع المصري، لكنه لا يزال يواجه تحديات، مثل تعقيد إجراءات إدخال بناته إلى المدارس، على رغم أنهن ولدن في مصر، ويوضح "القاهرة توفر لي الأمن والاستقرار بعيداً من الطائفية، لكن تجديد الإقامة مرهق".

مخاوف العودة لغزة

لا يزال الثلاثيني منصور رمزي، الذي فر من الحرب المدمرة في غزة ويعيش الآن في مدينة نصر بالقاهرة، يترقب تطورات الوضع في القطاع وما ستسفر عنه المفاوضات المتعلقة بمرحلة ثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، إضافة إلى دعوات إعادة الإعمار.

يقول منصور "إنني وكثر ما زلنا متأثرين نفسياً من مشاهد الدمار، ولا أستطيع أن أتخيل العودة إلى غزة في شكلها الحالي"، وأضاف "منزلي تدمر، وكذلك دار والدي، ولا يوجد مكان أعيش فيه"، وعلى رغم تلك العقبات، يرى منصور أن غالبية الفلسطينيين من فئة كبار السن سيعودون بمجرد فتح المعبر وإتاحة الفرصة للعودة، لكن فئة الشباب من الصعب أن تعود خصوصاً إذا استمرت حركة "حماس" في السيطرة على غزة.

وتابع "من الصعب علينا الاستقرار في مصر بسبب صعوبة المعيشة، بخاصة مع ارتفاع كلف الإيجارات وصعوبة الحصول على عمل"، وأوضح منصور "لا يوجد دخل لنا إلا مبلغ يحصل عليه والدي من السلطة الفلسطينية كعميد متقاعد، ونحن نعيش جميعاً عليه".

واختتم منصور حديثه قائلاً "بالنسبة إليَّ، وكثير من الشباب الذين تركوا غزة خلال فترة الحرب، الإقامة في مصر مجرد فترة موقتة، وعندما تنتهي الحرب سأعود إلى بلدي أو أحاول الانتقال إلى بلد آخر يوفر لي دخلاً جيداً، لا أريد العودة في وجود ’حماس‘".