الوحدة أم التقسيم: إلى أين تبدو سوريا أقرب اليوم؟

آخر تحديث 2025-03-18 00:00:07 - المصدر: اندبندنت عربية
الوحدة أم التقسيم إلى أين تبدو سوريا أقرب اليوم

انبثق عن وصول "تحرير الشام" إلى الحكم تعيين أحمد الشرع رئيساً للجمهورية وولادة سريعة لحكومة تسيير أعمال ارتكبت أخطاء كارثية (أ ب)

مرت 100 يوم على سقوط نظام الأسد بعد حكم استطال 54 عاماً لعائلته، قبل أن يبزغ فجر غرفة عمليات "ردع العدوان" التي تمثل هيئة "تحرير الشام" عصبها الرئيس، بزعامة أبو محمد الجولاني، الذي بات الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع بعد الوصول إلى السلطة وسدّة الحكم بعد معارك الأيام العشرة التي تهاوى فيها جيش الأسد ومنظومته كأحجار الدومينو في واحدة من أسرع عمليات قلب حكم متجذر في التاريخ الحديث.

ما بعد السقوط

انبثق عن وصول "تحرير الشام" إلى الحكم تعيين أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية، وولادة سريعة دونما مخاض لحكومة تسيير أعمال ارتكبت هفوات وأخطاء ترقى إلى مرحلة الكوارث أكثر مما تمكنت من توفير ظروف إيجابية لبيئة الحكم المستجد، فالحكومة التي تجاوزت دورها القانوني والدستوري أقدمت على ممارسات تحتاج إلى حكومة دستورية توافقية حقيقية يحق لها التدخل في كل مفاصل البلد من أزمة المناهج وصولاً إلى صرف 400 ألف موظف حكومي بشكل تعسفي مروراً بعشرات القرارات التي تركت أثراً سلبياً ليس على رأسها استبعاد الخبرات والكفاءات والاستعانة بالولاءات من غير المتخصصين ولا قضية منح رتب عسكرية عليا لمتشددين أجانب، وصولاً إلى ما يراه مراقبون محاولة تعميم تجربة الحكم في إدلب بالقوة على كامل الجغرافيا السورية على مختلف مشارب وانتماءات سكانها وتنوعهم الإثني والديني والمذهبي.

حوار وطني وإعلان دستوري

كل ذلك كان قبل عقد مؤتمر حوار وطني "سُلِقَ" على عجل فجاءت مخرجاته وكأنه ما جرى، من ناحية الانتقائية في الدعوات والاستعجال في التحضير والبيان الختامي الجاهز مسبقاً، لتقود كل تلك الأمور نحو الوصول إلى الإعلان الدستوري الذي كرّس حالة الضياع الجمهوري للعهد الجديد.
الإعلان الذي طُبخ على عجالة أيضاً لاقى استهجاناً مرتبطاً بحال من الرفض لدى شريحة واسعة من السوريين الذين عبروا عن آرائهم في الملتقيات والمنتديات وحساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن ذلك الإعلان حمل في تفاصيله وشكله ومضمونه التهيئة لإنتاج نظام حكم شمولي - ديكتاتوري جديد يفصل السلطات عن بعضها شكلاً ويجمعها مضموناً في يد الرئيس الذي سيتولى معظم المهمات الدستورية العليا، لا سيما تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ورئاسة مجلس القومي، ورئاسة الحكومة والدولة وغير ذلك من سلطات يمكن أن تُحصَر في يده.

التفاف على التفاهم الكردي

ساء حظاً للسوريين أن الإعلان الدستوري جاء بعد يومين على توقيع مذكرة تفاهم في دمشق بين الشرع وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية (قسد)، مظلوم عبدي، التي حملت بريق أمل بدمج القوات الكردية في مؤسسات الدولة السورية إثر وثيقة تفاهم من بنود عدة ليأتي الإعلان الدستوري ضارباً بذلك التفاهم عرض الحائط.
"لدى 'قسد' قيادات علمانية راديكالية، وحين التعامل معها يجب توخي الحذر"، يقول الباحث الكردي هايل أحمد، موضحاً أن "الاتفاق الذي وقعه القائدان سقط مع الإعلان الدستوري الجديد الذي بدا أنه كمن يلتف على المبادئ الكردية ذات المطالب الواضحة في سياق تفعيل وضع التضامن والعيش المشترك تحت مظلة دولة لا دولتين، جيش لا جيشين، حقوق وواجبات مشتركة، تعايش سلمي تام الأركان والمقومات والمفاهيم، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية والمجتمعية واللغوية".

تفاصيل الاتفاق

ويضيف الباحث "جاء في البيان الموقع، ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكل مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، والتشديد على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية التي تضمن حقه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية، ووقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية"، وتابع "كما جرى الاتفاق على دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وضمان عودة كل المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، ودعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد وكل التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها".

ولفت أحمد "لكن الإعلان الدستوري أصر على دين رئيس الجمهورية ومصدر التشريع وأن اللغة العربية وحدها الرسمية، وما تبقى من بنود معظمها لا يتماشى مع الاتفاق الموقع مسبقاً، وهو ما شكّل صدمة لدى قيادة 'قسد'، والأمر ذاته استدعى خروج تظاهرات في شرق سوريا ترفض الدستور الجديد وتعتبره نقضاً لاتفاق الشرع - عبدي وخنجراً من شأنه استمرار النزيف، وهو ما عبرت عنه القوات الكردية في بيان العالي اللهجة".

البيان الكردي

ورداً على الإعلان الدستوري أصدرت قيادة منطقة شمال وشرق سوريا الكردية بياناً اتهمت فيه الإعلان الدستوري بأنه "نمطي وتقليدي" يتشابه مع المعايير والمقاييس التي كانت متّبعة من قبل حكومة البعث، وأكد البيان أن "هذا الإجراء يتنافى مع طبيعة وحقيقة وحالة التنوع الموجود في سوريا، كما أنه تزوير فعلي لهوية سوريا الوطنية والمجتمعية، إذ يخلو الإعلان من بصمة وروح أبناء البلد، ومكوناتها المختلفة، من كرد وعرب وسريان وآشور وغيرهم من بقية المكونات".

وأكدت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا أن "سوريا اليوم تحتاج إلى تكاتف أبنائها ووحدتهم على تقرير مستقبلهم الديمقراطي والمشاركة الوطنية السورية التي تعزز الشراكة في الوطن".
كذلك أشارت قيادة الإقليم إلى أن "هذا الإعلان يفتقر إلى مقاييس التنوع الوطني السوري، ويخلو من حالة المشاركة الفعلية لمكونات سوريا الوطنية، ومن ثم يعبر هذا الإعلان من جديد عن العقلية الفردية التي تعد امتداداً للحالة السابقة التي وجدت في سوريا وانتفض الشعب ضدها"، وأضاف البيان الكردي أن "هذا الإعلان لا يمثل تطلعات شعبنا ولا يدرك حقيقة هويته الأصيلة في سوريا وهو بمثابة شكل وإطار يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية في سوريا وبنوده البعيدة عن سوريا وآمال شعبها".
وترى القيادة الكردية أن الدستور الحقيقي هو الذي تتشارك فيه كل المكونات وتتفق حوله كونه المسار الديمقراطي المستدام لمستقبل سوريا ومستقبل أجيالها القادمة، مضيفة "نأمل في ألا تعود بنا بعض الممارسات والأفكار الضيقة إلى مربع الصفر، لأن ذلك سيجعل الجرح السوري ينزف من جديد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مجازر العلويين

تزامناً كانت قرى وبلدات ومدن الساحل السوري تشهد مجازر جماعية أسفرت عن مقتل وجرح آلاف المدنيين العزل، إثر حملة أمنية - عسكرية ضخمة استهدفت "فلول النظام" الذين نصبوا مكامن لقوات الأمن العام في أكثر من منطقة ما بين السادس والعاشر من مارس (آذار) الجاري، وقُتل قرابة 1500 مدني في 56 مجزرة وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يديره رامي عبدالرحمن من لندن، والذي وصف لجنة التحقيق التي شكلتها الرئاسة للنظر بما جرى في قرى الساحل بأنها "غير جدية"، إذ تجاهلت توصيف ما حدث بالمجازر والكارثة ومالت نحو توصيف ما حصل بـ"الحالات الفردية".
أيام الرعب التي عاشها الساحل السوري أفضت أيضاً لآلاف المهجّرين، فمئات العائلات وجدت طريقها للعبور نحو لبنان من خلال النهر الشمالي باتجاه محافظة عكار، فيما لجأ على الأقل 9 آلاف شخص للاحتماء بقاعدة حميميم الجوية العسكرية الروسية في محيط قرية جبلة بمحافظة اللاذقية رافضين حتى الآن مغادرتها.
ولهول ما حدث، تعالت أصوات في الشارع السوري تطالب بالتقسيم أو الفيدرالية أو التدخل الدولي على أقل تقدير لحماية الأقليات بعدما كانوا تماهوا مع السلطات الجديدة وسلموا كل أسلحتهم إبان سقوط النظام.

أحد المحتمين في "حميميم" تحدث إلى "اندبندنت عربية" مفضلاً عدم كشف اسمه، عن محاولات السلطات الجديدة ممثلة بالقوى الأمنية ومحافظ اللاذقية إعادتهم إلى قراهم لكن قراراً شبه جماعي كان بالرفض، وقال "ما رأيناه وعشناه لن يُمحى من ذاكرتنا مهما حيينا، لا يزال ثمة آلاف العلويين مختبئين بالأحراش، كانت الأمور تسير بخير مع السلطة، لكن (الفزعات) الطائفية التي جاءت وقتلت نساءنا وأطفالنا وشيوخنا أوضحت أن ميثاق التعايش المشترك أصبح مستحيلاً، لذا نحن متمسكون بمطالبنا بالحماية الدولية لنا كأقلية، 1500 قتيل في 72 ساعة ليس رقماً عادياً، هذا رقم تنهار لأجله أمم، ولم يفكر مسؤول كبير أن يزورنا ليطيّب جراحنا، من يضمن ألا نُقتل بعد خروجنا من القاعدة".
كمال عيسى أحد الناجين من مجزرة القصور في بانياس على الساحل السوري قال بدوره "كنا نعتقد أن طلب الحماية الدولية يندرج تحت بند الخيانة، وطلب التقسيم هو خيانة مضاعفة، الآن لا أحد يختفي وراء إصبعه، هذه سلطة عاجزة عن الوقوف في وجه متشدديها ومنعهم عنا، لم يتركوا لنا خياراً آخر، وها قد وقّعوا مع ’قسد‘ على ظهورنا ثم غدروا بهم، لننظر إلى حال الدروز، هل يتجرأ أحد من الاقتراب منهم، لماذا؟ لأن لديهم سنداً، أما نحن فبلا مرجعية أو قوة أو ظهر أو سند، ثم يقولون عنا فلول الأسد وإيران وروسيا وعملاء إسرائيل، هل الأطفال الذين قُتلوا في المجزرة وهم بعمر الأشهر فلول أيضاً؟".

الموقف الدرزي

شكلت زيارة وفد من 100 شيخ درزي سوري لإسرائيل صدمة في الشارع السوري، حيث ما زالت مواقف الدروز متباينة من التصريحات الإسرائيلية في شأن حمايتهم ومنع أحد من الاقتراب منهم وفرض نزع السلاح في الجنوب السوري.

وفي الإطار برز أمس الأحد حديث مهم لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز ومرجعها الأكبر في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، خلال لقاء مع أعيان من الجنوب في دارة الطائفة في بلدة قنوات بالسويداء وصف فيه حكومة دمشق بالمتطرفة وغير الشرعية والمطلوبة للعدالة الدولية وقال بأنه لا تعايش معها.

تلك التصريحات ربما تعكس المزاج العام، وهو المزاج ذاته الذي ينطلق من الخشية الدرزية - الكردية من إلقاء السلاح وملاقاة ذات مصير العلويين في الساحل، وعلى رغم خروج تظاهرات في السويداء ترفض التدخل الإسرائيلي فإن ذلك لا يعني الموافقة على سلوكيات سلطة دمشق، بحسب ما قاله بعض الدروز في حديثهم مع "اندبندنت عربية".

طريف أبو جبل أحد سكان السويداء عبر عن موقفه بالقول "لن نضع يدنا في يد إسرائيل ولكن ذلك لا يعني قبولنا بسلطة الأمر الواقع القمعية في دمشق، ما حصل في الساحل السوري درس لكل أبناء الوطن عن ضرورة حمل السلاح وعدم تسليمه إلا في حال الركون لعقد اجتماعي توافقي مع سلطة تكتسب كل صفات الشرعية المحلية والخارجية".

يوسف الهايل طبيب من السويداء قال "هي لعبة تدوير زوايا، بماذا تختلف ’جبهة النصرة‘ عن ’تحرير الشام‘ عن الحكم الحالي؟ مجرد أسماء تغيرت فقط، الحل الذي ننشده جميعنا هو الفيدرالية وتركنا لندير أمور محافظتنا بعيداً من الشحن الطائفي والحالة الفصائلية المتطرفة، ألم يتم حل ’هيئة تحرير الشام‘، لننظر في كل المجالس من الأمن القومي إلى الحوار الوطني إلى لجنة الدستور، جميعها تقوم على أفراد من الهيئة، وأهل الجنوب منفتحون وعلمانيون ولا يمكن لهم التعايش مع الملثمين ومجرمي الحرب، وما خرجنا لإسقاط بشار الأسد لنجيء بسلطة شمولية أكثر، الحل يقرره كبارنا وتشترك في إقراره الدول الخارجية، لسنا نشجع التقسيم، فلم نشهد ما شهده الساحل، لذلك حتى اللحظة نتمسك بالفيدرالية فقط".

الوحدة أم التقسيم؟ خيارات قائمة

صار الآن من المشروع السؤال إلى أين تتجه سوريا، نحو الوحدة الجامعة أم التقسيم؟ وهو سؤال يحاول الإجابة عنه الدكتور في القانون أحمد الصفدي بالقول إنه "كانت هناك مطالب متنامية على الدوام بتطبيق الفيدرالية في سوريا بعد سقوط النظام، لكن بعدما حصل في الساحل السوري بدأت تطفو على السطح مطالب بالتقسيم، وإن كانت هذه المطالب لا تتسق بين العلويين أنفسهم، فعلويو اللاذقية وحمص وحماة مثلاً لا يزالون يرون في الفيدرالية حلاً، بخلاف بقية الساحل السوري، والقسم الكبير منه رزح تحت المجازر ورأى بأم عينه كيف يكون التطهير العرقي"، ويضيف "الآن توقفت الإبادة في الساحل، لكن حواجز كثيرة في مناطق مختلفة ما زالت تسأل المارة عن دينهم، وما زالت الحالات الفردية مستمرة، ففي اليومين الماضيين فقط ست حالات خطف وقتل على طريق صافيتا – طرطوس في الساحل، وكل ذلك سيُختزن بالوعي الجمعي لدى الناس ويدفعهم إلى طلب الحماية بأي طريقة، وهو الدرس الأكبر للدروز في السويداء جنوباً وجرمانا في ريف دمشق بعدم إلقاء السلاح خصوصاً بعد وصف زعيمهم الروحي الهجري الإعلان الدستوري بغير المنطقي، فضلاً عن الالتفاف من قبل دمشق على الأكراد الذين أكدوا بعيد بيان عبدالله أوجلان واتفاقهم مع الشرع أنهم لا يسعون إلى دويلة داخل دولة ولا تقسيم جديد ولا كردستان عراق أخرى، ولكن البيان الدستوري عاجلهم ليحطم أحلامهم، مما يعني العودة إلى نقطة الصفر".
ويتابع "القيادة السورية في موضع مربك للغاية، أمامها ملفات متشابكة ومعقدة للغاية داخلياً وخارجياً، والأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة لشكل البلد. الوقت ليس في صالحها في ظل الضغط الدولي، لكنها حتى الآن لم تعرف كيف تتعامل مع الملفات الكبرى بجدية مطلقة، من جهتي أرى كل الخيارات مطروحة على الطاولة، والذكي يكسب في النهاية، القرار الآن بيد القيادة الجديدة لتسير بالبلد نحو وحدة متكاملة أو تتركه فتاتاً مقسّماً، وهو ما يستدعي تحركات جد عاجلة لا تحتمل التأجيل لحظة واحدة، وإعادة النظر بأشهرها الثلاثة الأولى بالسرعة القصوى وتلافي مكامن الخلل وإرسال الرسائل في كل الاتجاهات ولكل المكونات بأن هذا البلد يتسع للجميع، وإلا فسنرى أنفسنا أمام سيناريو تقسيم مر على سوريا قبل زهو قرن من الزمن".