هل تستطيع إيران إنقاذ نفسها؟

آخر تحديث 2025-03-26 02:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية
هل تستطيع إيران إنقاذ نفسها

أشخاص يلوحون بالأعلام خلال الذكرى السنوية للثورة الإسلامية في طهران، فبراير (شباط) 2025 (رويترز)

على مدار العام الماضي، واجهت إيران سلسلة من الانتكاسات. فقد أضعفت إسرائيل كلاً من "حماس" و"حزب الله"، الحليفين الإقليميين غير الحكوميين لطهران منذ فترة طويلة. كما انهار نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا بشكل مفاجئ ومثير للذهول. وفي الوقت نفسه، تُشير عودة دونالد ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة إلى إحياء سياسات "الضغط الأقصى" التي أرهقت الاقتصاد الإيراني منذ عام 2018. وقد دفعت هذه التحديات المحدقة عدداً من المسؤولين والمحللين الأميركيين إلى القول بأن إيران تواجه هزيمة استراتيجية. فقد أشار ريتشارد هاس، في مقال له في مجلة "فورين أفيرز" في يناير (كانون الثاني)، إلى أن "إيران اليوم أصبحت أوهن مما كانت عليه منذ عشرات السنين، وربما منذ حربها ضد العراق التي امتدت عقداً من الزمن أو حتى منذ الثورة في عام 1979". ووفقاً لهذا الرأي، فإن إيران فقد منحت خصومها فرصةً سانحةً لاستهداف منشآتها النووية أو انتزاع تنازلاتٍ كبيرةٍ في إطار اتفاقٍ نووي جديد.

غير أن الاعتقاد السائد بأن إيران أصبحت الآن أكثر عرضة للإكراه الأميركي أو الهجوم الإسرائيلي، لا تتبناه طهران. فإيران ترى هذه التحديات الخارجية على أنها مجرد انتكاسات مؤقتة، وليست مؤشرات على الهزيمة. من وجهة نظر طهران، فإن "حماس" و"حزب الله"، على رغم تعرضهما لضربات قاسية، قد خرجا منتصرين في صراعهما غير المتكافئ ضد إسرائيل، إذ إنهما صمدا كحركتين مسلحتين في مواجهة جيش تقليدي قوي مدعوم من الولايات المتحدة. والأهم من ذلك، أن "حماس" لا تزال تحظى ببعض الشعبية على الأقل بين الفلسطينيين، فيما يتمتع "حزب الله" بدعم الشيعة في لبنان. وفي اليمن، عزز الحوثيون المتحالفون مع إيران دورهم كداعم ثابت للقضية الفلسطينية وعضو رئيس في ما يسمى بمحور المقاومة التابع لطهران من خلال مهاجمة إسرائيل وتعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر.

ومع ذلك، تدرك إيران أن شبكتها من الحلفاء لم تعد اليوم بنفس القوة التي كانت عليها قبل هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) التي شنتها "حماس" ضد إسرائيل. إضافة إلى ذلك، فهي شعرت بالقلق بسبب السقوط المفاجئ لنظام الأسد المفتقر للشعبية. ونتيجة لذلك، اتخذت خطوات لتعزيز الدعم المحلي من خلال تقديم تنازلات داخلية محدودة لشعب ضاق ذرعاً بالحكم الثيوقراطي الاستبدادي. في الحقيقة، خفف النظام من تطبيق قواعد اللباس الإلزامي للنساء وخفف القيود على منصات التواصل الاجتماعي، مما سمح بمناقشات نقدية متزايدة لسياسات الحكومة. ومن خلال هذه الإجراءات، تأمل الجمهورية الإسلامية في تقليل خطر الاضطرابات الداخلية وتعزيز الثقة الشعبية.

لكن هذه التحولات الداخلية يجب ألا تُفهم على أنها بوادر لانفتاح كبير على الغرب. في الواقع، الهدف من الإصلاحات الاجتماعية المدروسة (والقابلة للإلغاء) في إيران هو تعزيز التأييد الداخلي من أجل مقاومة الضغوط الخارجية. فقد أشار ترمب إلى انفتاحه على التفاوض مع طهران، لكنه أعرب أيضاً عن استعداده لمهاجمة البلاد. ومن خلال ضمان وقوف الشعب إلى جانبها، أو على الأقل معارضتها بشكل أخف، تأمل الحكومة في أن تتمكن من الصمود في وجه أي خطوات قد يُقدم عليها الرئيس الأميركي.

 تحذير من دمشق

ربما تحتفل إسرائيل بانتصارها العسكري على "حماس" و"حزب الله". لكن إيران غير قلقة نسبياً بشأن هاتين المنظمتين. فعلى رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها كل منهما، تتوقع طهران أن تُعيد "حماس" و"حزب الله" بناء نفسيهما، مدعومتين بالتأييد الشعبي والكراهية لإسرائيل. بل إنها تتوقع حتى أن مقتل زعيم "حماس" يحيى السنوار وزعيم "حزب الله" حسن نصر الله في ساحة المعركة سيؤدي إلى تعزيز الالتزام الأيديولوجي في المنظمتين، وسيظل يؤثر في الجمهور المتعاطف لسنوات مقبلة.

لكن إيران تجد صعوبة أكبر في تجاوز سقوط الأسد. فعلى رغم أن عدم شعبية الرئيس السوري السابق كانت معروفة على نطاق واسع، فإن الانهيار السريع للجيش السوري فاجأ حتى القيادة الإيرانية التي كانت الراعي الرئيسي للأسد. ووفقاً لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فإن أجهزة الاستخبارات الإيرانية كانت "على دراية تامة" بالتهديد الأمني الوشيك ضد الأسد. إلا أن طهران فوجئت بعجز الجيش السوري التام عن صد قوات المتمردين. ويعزو المسؤولون الإيرانيون تفكك جيش الأسد جزئياً إلى "الحرب النفسية" التي شنتها قوى خارجية، بما في ذلك إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة. لكن عراقجي ألقى أيضاً ببعض اللوم على تجاهل الأسد للرأي العام. فقد ادعى أن إيران كانت تنصح الأسد "باستمرار" بضرورة رفع معنويات الجيش و"التفاعل أكثر مع الشعب، لأن ما يحمي الحكومة في النهاية هو الشعب". لكن الأسد، كما أشار عراقجي، فشل في ذلك.

وقد أدى الانهيار المفاجئ في سوريا إلى إثارة القلق العام داخل إيران، حيث أدى القمع والفساد المستمران أيضاً (إلى جانب تصاعد النزعة العلمانية) إلى إحداث شرخ بين الحكومة وشعبها. في يناير (كانون الثاني)، أقر عباس صالحي، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، علناً بأن طهران تواجه أزمة حادة في "رأس المال الاجتماعي"، مع تراجع ثقة الشعب في الحكومة. وحذر الرئيس السابق محمد خاتمي من أن الجمهورية الإسلامية تخاطر "بالتدمير الذاتي" بسبب تجاهلها للسخط الشعبي. وعلى امتداد الطيف السياسي، باتت النخب الإيرانية تتفق بشكل متزايد على الحاجة الملحة إلى بناء القدرة على الصمود في الداخل.

وبناءً على ذلك، خففت الحكومة الإيرانية بعض قيودها. أبرزها كان في ديسمبر (كانون الأول) 2024، عندما جمد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني فعلياً تنفيذ قانون الحجاب الجديد المثير للجدل، الذي كان من شأنه أن يفرض غرامات مالية وعقوبات بالسجن وعقوبات أخرى، مثل حظر السفر، على النساء اللواتي يظهرن في الأماكن العامة من دون حجاب أو يرتدين ملابس اعتُبرت "غير لائقة". وعلى رغم دعوات بعض المتشددين إلى فرض قانون اللباس بشكل صارم، وتنفيذ الحكومة حملات قمع مستهدفة أحياناً لإرضاء قاعدتها الدينية، إلا أنه أصبح بإمكان النساء الآن الظهور من دون حجاب في الأماكن العامة مع خوف أقل من تلقي عقاب قاسٍ. وحتى المتشددون أنفسهم ليسوا موحدين تماماً في معارضتهم: ففي 15 مارس (آذار)، أقر النائب المحافظ محمود نبويان بأن المخاوف من "سورنة" إيران ["تحول إيران إلى سوريا أخرى"] هي الدافع وراء تعليق القانون، موافقاً على أنه يجب "التخلي عنه إذا كان سيُقوض النظام".

أدى الانهيار المفاجئ في سوريا إلى إثارة القلق العام داخل إيران

 

يُظهر هذا التطور إقراراً ضمنياً من الدولة بأن فرض الحجاب غير مستحب، وغير عملي على الأقل في الوقت الحالي. علاوة على ذلك، فهو يأتي بعد ثلاث سنوات من وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 سنة، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بعد اعتقالها بسبب عدم ارتداء الحجاب بشكل صحيح. وقد أثارت وفاة أميني احتجاجات شعبية واسعة في عام 2022، قمعتها إيران بعنف شديد. وفي نهاية المطاف، سحبت طهران شرطة الأخلاق من الشوارع مؤقتاً لتهدئة التوترات. واليوم، يبدو أن طهران مستعدة بشكل متزايد للتسامح مع تخفيف تطبيق قوانين الحجاب، شريطة ألا يتطور هذا التغيير إلى حركة سياسية أوسع تهدد النظام نفسه.

إضافة إلى تجميد هذا القرار، تسعى إيران إلى كسب تأييد شعبي من خلال السماح بمناقشات مفتوحة وصريحة نسبياً في وسائل الإعلام المحلية. وتستضيف منصات التواصل الاجتماعي المستخدمة في إيران الآن مجموعة متنوعة من المعلقين، بمن فيهم أصوات مستقلة ومعارضة داخل البلاد وخارجها. وتواصل الحكومة الترويج بهدوء للمنصات المرتبطة بالدولة، وهناك كثير من المدافعين المستقلين عن النظام. لكن النقاشات عبر الإنترنت حول قانون الحجاب، وانهيار نظام الأسد، والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع نطاقاً، تتسم بدرجة مفاجئة من الصراحة والدقة. بل إن بعض المعلقين يصفون علناً القيادة الإيرانية بأنها كارثية للبلاد.

للوهلة الأولى، قد يبدو غريباً أن تسمح إيران للناس بسماع تعليقات مُناهضة للنظام من أجل الحفاظ على الاستقرار. لكن طهران تأمل في أنه من خلال إفساح المجال للنقاش الداخلي، يمكنها توفير متنفس للإحباط الشعبي وتقليل جاذبية وسائل الإعلام الدولية الفضائية مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، التي تُعتبر أكثر انتقاداً للجمهورية الإسلامية من الأصوات الإيرانية نفسها. وقد لجأ النظام إلى هذه الاستراتيجية في أوقات حرجة في السابق. ففي ذروة احتجاجات عام 2022، شجع النظام ظهور شخصيات كانت محظورة سابقاً على شاشات التلفزيون، على أمل أن تسهم انتقاداتهم في تفريغ الغضب الشعبي بعيداً من الشوارع. هذه المرة، تعتقد طهران بأن السماح بتدفق المعلومات بشكل أكثر حرية نسبياً، إذا أدير بعناية، يُمكن أن يُعزز سردية النظام حول الأمن القومي على المدى الطويل.

توحيد الصفوف في الداخل

يعقد قادة إيران الأمل على أن إدارة الاستقرار الداخلي من خلال إصلاحات تدريجية سيخلق مناخاً ملائماً لنقاش وطني حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسة، مثل الأزمة النووية، وهو نقاشٌ تعتقد أنه سيُفضي إلى وحدة وطنية. وتُجمع النخب، على الأقل، على أن مثل هذا النقاش سيعزز موقف الحكومة التفاوضي في سعيها للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة يُعالج مخاوف واشنطن بشأن تسليح البرنامج النووي الإيراني، ولكنه لا يصل إلى حد إنهاء تخصيب اليورانيوم، أو تقييد الأسلحة التقليدية، أو إضعاف محور المقاومة. فالاحتجاجات الداخلية، في نهاية المطاف، لا تُتيح سوى فرصٍ للخصوم، مثل الولايات المتحدة، التي ترى في التصدعات في المجتمع الإيراني علامات ضعف.

بالنسبة إلى القادة الإيرانيين، يُعد بناء مثل هذه الوحدة أمراً بالغ الأهمية عند مواجهة واشنطن. على سبيل المثال، سعت إدارة بايدن إلى استغلال الضرر الاقتصادي الذي ألحقته حملة "الضغط الأقصى" التي شنها ترمب لتأمين "صفقة أطول وأفضل" من الاتفاق النووي الإيراني الأصلي لعام 2015، المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة. لكن إيران، المدعومة بدرجة من التماسك الداخلي في مواجهة تهديد خارجي من الولايات المتحدة، تبنت موقفاً تفاوضياً أكثر صرامة من ذي قبل. ونظراً لاعتقاد إدارة ترمب أن إيران قد أُضعِفت منذ السابع أكتوبر، فمن المرجح أن الرئيس يعتقد أنه يستطيع تأمين صفقة مع طهران تكون أكثر ملاءمة للولايات المتحدة. وإذا لم يستطع، فقد يلجأ ترمب إلى استخدام القوة. في الواقع، يزعم ترمب أنه قال للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في مارس: "هناك طريقتان للتعامل مع إيران، إما عسكرياً، أو من خلال إبرام صفقة". إضافة إلى ذلك، قال ترمب إن إدارته "وصلت إلى اللحظات الأخيرة في التعامل مع إيران [أي أنها على وشك اتخاذ قرار نهائي بشأن إيران]". بالنسبة إلى طهران، فإن التأييد الشعبي القوي أمر ضروري لتجاوز هذه العاصفة.

بالطبع، قد تكون تهديدات ترمب كافيةً مرةً أخرى لخلق تماسك داخلي. لكن مع بقاء تجربة الأسد ماثلةً في أذهانهم، لا يترك قادة إيران شيئاً للصدفة. وقد كتب أحد مستشاري محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني المحافظ، على منصة التواصل الاجتماعي "إكس": "فكروا في هذا: في يوم المواجهة، ما مدى وحدة المجتمع الإيراني؟". وأضاف: "مَن المسؤول عن المشكلات في نظر الشعب؟ الإجابات على هذه الأسئلة تُحدد الفرق بين الولاء والخيانة".

طهران عازمة على منع الانقسامات الداخلية من إضعاف قدرة البلاد على تحمل الضغوط. إن منح بعض الانفتاحات الاجتماعية والسياسية المحدودة، يُعد استراتيجيةً مدروسةً لتهدئة الإحباط العام قبل أن يتفاقم إلى اضطرابات جماهيرية. وإذا كان الماضي تمهيداً لما سيأتي، فإن هذا النهج قد يسمح لإيران بتصوير أي صراع مع الولايات المتحدة ليس كصراع من أجل بقاء النظام، بل كمقاومة دولة ذات سيادة ضد الإكراه الخارجي. لكن هذا لا يُنذر بتغيير في استراتيجية النظام الأساسية. وبعبارة أخرى، طهران ليست على وشك التخلي عن عقود من التحدي والمقاومة.

 

مترجم عن "فورين أفيرز" 17 مارس 2025

محمد آية الله طبار هو زميل في كلية كينيدي بجامعة هارفرد، وأستاذ مساعد للشؤون الدولية في كلية بوش للإدارة الحكومية والخدمات العامة بجامعة تكساس "إي أند أم"، وزميل في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس. وهو مؤلف كتاب "فن الحكم الديني: السياسة الإسلامية في إيران".