الناقلة اليونانية "سونيون" التي هاجمها المسلحون الحوثيون قبل أشهر (قوة أسبيدس: رويترز)
أثار تقرير صادر عن مجلس الأمن مطلع الشهر الجاري، القلق بشأن التعاون المتزايد بين حركة الشباب الصومالية، وهي الفرع الرسمي لتنظيم "القاعدة" في شرق أفريقيا، والحوثيين في اليمن، لافتاً إلى أن الصلات بين الجماعتين تُمثل جزءاً من نمط أوسع من أنشطة الحوثيين المُزعزعة للاستقرار خارج حدود اليمن. وأعرب متحدثون آنذاك، عن قلقهم إزاء تدفق الأسلحة من اليمن إلى الصومال، حيث قالت فرنسا إن الحركة تنتهك حظر الأسلحة.
سبق تقرير الخبراء، تقرير مفصل صدر في فبراير (شباط) الماضي، عن رئيس مجلس الأمن الدولي، يفيد بأن "حركة الشباب" الصومالية، تربطها علاقة متنامية مع الحوثيين، وُصفت بأنها علاقة تعاقدية أو انتهازية، وليست أيديولوجية. وفي تصريحات علنية قبل أشهر، حذر مسؤولون أميركيون، بمن فيهم المبعوث الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، أن الحوثيين يزودون "حركة الشباب"، بالأسلحة. وأفادت الولايات المتحدة بأن "حركة الشباب" عقدت اجتماعين على الأقل في الصومال مع ممثلي الحوثيين في يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، إذ طلبت فيهما أسلحة متطورة وتدريباً. وبموجب الاتفاق المذكور، ستزود "أنصار الله" "حركة الشباب" بالأسلحة والخبرة الفنية مقابل تكثيف هجمات القرصنة وجمع الفديات في خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية، مستهدفة سفن الشحن، إضافة إلى تحصيل فدية من السفن المحتجزة.
وأكد التقرير استمرار تدفق الأسلحة من اليمن إلى المناطق التي تسيطر عليها "حركة الشباب" في الصومال، وأنه بين يونيو (حزيران) وسبتمبر، تلقت "حركة الشباب" أسلحة وذخائر ومتفجرات متنوعة عبر مينائي ماركا وبراوه في محافظة شبيلي السفلى. وبقيت بعض الأسلحة داخل محافظة شبيلي السفلى، بينما أُرسلت أخرى إلى منطقة الخليج. وتشير التقديرات إلى أن الأسلحة استُخدمت في هجمات على معسكرات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال في محافظة شبيلي السفلى خلال شهري سبتمبر ونوفمبر (تشرين الثاني).
ويقول مراقبون إن جماعة "أنصار الله" اليمنية (الحوثيين)، وسعت تعاونها عبر الحدود، وتحديداً مع "حركة الشباب" التابعة لتنظيم "القاعدة" و"تنظيم الدولة الإسلامية" في الصومال (ISS)، المرتبط بتنظيم "داعش" الذي ظهر في العراق وسوريا عام 2014. ووفق مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن علاقة جماعة "أنصار الله" تطورت بالجهات الصومالية غير الحكومية، وجميعها خاضعة لحظر الأسلحة، على مدى العقد الماضي من خلال تجار الأسلحة أو السماسرة. وازدادت أهمية هذا الأمر بدءاً من عام 2016، عندما أدرك الحوثيون أن بإمكانهم تعزيز مكانتهم من خلال امتلاك القدرة على العمل في المجال البحري لليمن، سواء بمهاجمة السفن أو الانخراط في التهريب، وهو ما طبقته خلال أزمة البحر الأحمر بشأن غزة التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وأكد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، هذا الاتجاه في مايو (أيار) الماضي، عندما استشهد بالهجمات التي شنتها جماعته على السفن في البحر الأحمر، وأيد التطورات في "العديد من الدول الأفريقية ضد الهيمنة الأميركية والأوروبية، والاستعمار الأميركي" بحسب قوله. وأشار هذا إلى اهتمامه بتوسيع أنشطة جماعته في أفريقيا.
تجاوز الأيديولوجيات
هذا التعاون يطرح أسئلة عدة، فكلا الجماعتين لديهما اختلافات أيديولوجية عميقة، كما أن تعاونهما يشكل تحدياً متزايداً سواء لمنطقة القرن الأفريقي أو للملاحة في البحر الأحمر، ما سيقود إلى السؤال عما إذا كانت الغارات الأميركية التي استهدفت الحوثيين أخيراً، ستمتد لتشمل الحركات المسلحة في الصومال.
وفق الباحثين في مؤسسة كارنيغي، فإنه بينما تختلف هذه الجماعات في الأيديولوجية والطموح والتركيز الإقليمي، إلا أنها تتحد في عدائها للولايات المتحدة وإسرائيل، وسعيها إلى حرب غير متكافئة، واعتمادها على الاقتصادات غير المشروعة. ويهدف تعاونهم معاً إلى تعزيز وتنويع سلاسل التوريد، وتأمين الوصول إلى أسلحة أكثر تطوراً، وتحسين مكانة الجماعات المحلية، وزيادة نطاق نفوذ الحوثيين وداعمهم الإقليمي الرئيسي إيران، للتأثير في الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب، وهو الوضع الذي أدى بالفعل إلى تفاقم مصادر عدم الاستقرار في المنطقة الأوسع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير آخرون إلى أن الحوثيين يسعون إلى تنويع تحالفاتهم وتعميق قدراتهم العسكرية مستغلين الصراعات الإقليمية والشراكات البراغماتية لتوسيع نفوذهم إلى ما هو أبعد من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران. فترى الباحثة لدى المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية إلينورا أردماني، إن الحوثيين يهدفون إلى تنويع مصادرهم وطرق حصولهم على الأسلحة، إضافة إلى شركاء في التهريب والتمويل، إذ يتمثل الهدف الرئيسي للجماعة في تعزيز استقلاليتها في صنع القرار ونفوذها في مواجهة طهران و"محور المقاومة" المتشرذم. ومن ثم يمكن للتحالفات الإقليمية المكملة لهذا "المحور" أن تساعدهم على تحقيق تطلعاتهم، مع تعزيز نفوذهم السياسي في المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار في اليمن.
وعلى سبيل المثال، يرى الحوثيون أن التعاون مع تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، الذي ينشط بشكل رئيسي في جنوب اليمن، جزء لا يتجزأ من جهودهم للسيطرة على المزيد من الأراضي في البلاد. ويوضح مركز سوفيان المتخصص في أبحاث الأمن في نيويورك، أن تنظيم "القاعدة" يقبل مساعدة الحوثيين، على رغم اختلافاته الأيديولوجية مع حركة الحوثيين الزيدية الشيعية، وذلك بهدف إنشاء ملاذ آمن في اليمن. وتوفر المحافظات الجنوبية في اليمن لكلا الجماعتين وصولاً مباشراً إلى ساحل واسع وممرات برية إلى شمال اليمن ودول الخليج، مما يُمكن الحوثيين من ممارسة نفوذ أكبر على هذه الأخيرة.
إيران في القرن الأفريقي
وفي حين ينظر البعض إلى تعاون الحوثيين مع الجماعات الإرهابية في القرن الأفريقي، يمثل تعزيزاً لاستقلالية الجماعة بعيداً من إيران، فإن الأمر نفسه لا ينفصل عن أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في تلك المنطقة وقد وصف المتحدث باسم وزارة خارجيتها ناصر الكناني أفريقيا بـ"قارة الفرص". ووفق الباحثين في كارنيغي فإن إيران دأبت على مراجعة استراتيجيتها تجاه القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة، إذ أعادت العلاقات الدبلوماسية مع السودان وجيبوتي والصومال بين عامي 2023-2024. ويُعد وجود الحوثيين في الصومال دليلاً على انخراط إيران في القرن الأفريقي. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يزداد تركيز الحوثيين على شبكات التهريب الإقليمية بعد أن أعادت الولايات المتحدة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية في فبراير 2025، وفرضت عقوبات على سبعة من قادتها المتورطين في عمليات التهريب وشراء الأسلحة.
وعلى رغم أن التعاون مع تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، وكذلك مع "حركة الشباب"، يُقدم للحوثيين فوائد استراتيجية، علاوة على المادية حيث يجمعون نحو 180 مليون دولار شهرياً من الرسوم غير القانونية التي ترضخ لها بعض شركات الشحن للسماح لسفنهم بالإبحار، وفق تقرير الأمم المتحدة، إلا أن هذه التحالفات تُعزز أيضاً النظرة الغربية للحوثيين كحركة إرهابية. ويقول مركز سوفيان إن تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" نفذ عدة هجمات على طائرات ركاب وأهداف أخرى خارج اليمن، كما نفذت "حركة الشباب" العديد من الهجمات الإرهابية الكبرى في الصومال وكينيا وأماكن أخرى، متسببة أحياناً في خسائر فادحة في أرواح المدنيين. لذا فإن ارتباط الحوثيين بهذه الجماعات قد يُعقّد الجهود العالمية للتوسط لإنهاء الصراع الداخلي المدمر والممتد في اليمن، كما يمنح ذلك جماعتين تابعتين لتنظيم "القاعدة" فرصة لتعزيز مكانتهما واكتساب المزيد من الزخم، الأمر الذي يشكل تهديداً هائلاً للمنطقة وما وراءها.
والأسبوع الماضي، استهدفت الولايات المتحدة مواقع تابعة للحوثيين في أنحاء اليمن بغارات جوية، بما في ذلك محافظة صعدة التي تقول مصادر يمنية، وفق وكالة "رويترز"، إنها مخبأ منذ فترة طويلة لقادة الحوثيين ومدينة الحُديدة المطلة على البحر الأحمر. وشكلت الضربات التي تأتي رداً على هجمات ينفذها الحوثيون على حركة الشحن في البحر الأحمر، كأكبر عملية عسكرية أميركية في الشرق الأوسط منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وشن الحوثيون أكثر من مئة هجوم على مسارات للشحن إثر بدء حرب غزة في أكتوبر 2023، وقالوا إن هجماتهم تعد تضامناً وإسناداً للفلسطينيين في القطاع.
وتسببت تلك الهجمات في تعطيل حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر مما أثر بدوره في حركة التجارة عبر قناة السويس. وشكلت الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2023 تحالفاً بحرياً دولياً "حارس الازدهار" لحماية حركة الشحن واعتراض الصواريخ التي تطلقها الحركة اليمنية.
نهج أميركي معاكس في الصومال
وعلى الجانب الآخر، تدعم قوات القيادة الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" عمليات الجيش الصومالي ضد "حركة الشباب". ويشمل الدعم الأميركي إلى جانب الشركاء الدوليين، للحكومة الصومالية إمدادهم بالمعلومات الاستخباراتية وتقديم التدريب والمساعدة اللوجستية كجزء من استراتيجية شاملة لمكافحة التهديدات الإرهابية.
وخلال فبراير الماضي، شنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) غارات جوية استهدفت فرعاً محلياً لتنظيم "داعش" في جبال جوليس النائية شمال الصومال. وأعلنت القيادة لاحقاً أن الغارات الجوية قتلت هدفها الرئيسي: أحمد ماء العينين، مسؤول تجنيد "داعش" وممولها وقياديها المسؤول عن نشر الجهاديين في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي أعقاب هذه الضربة، شُنّت سلسلة من الغارات ضد كل من "حركة الشباب" وتنظيم "داعش" في الصومال، مما وضع المنطقة في صدارة الأنشطة العسكرية النشطة للإدارة الأميركية الجديدة.
وبينما ركزت معظم المناقشات بشأن الوجود العسكري الأميركي حول العالم على تقليص حجمه، يبدو أن الولايات المتحدة تتخذ في الصومال نهجاً معاكساً. وفاجأ هذا النهج البعض، إذ قام ترمب بسحب 700 جندي أميركي من الصومال خلال ولايته الأولى. لكن يقول مساعد مدير مركز أفريقيا لدى المجلس الأطلسي ألكسندر تريب، إن هذا التحول لا ينبغي أن يكون صادماً إلى هذا الحد، فهو يُظهر فهماً أوسع لواقع جديد: أن مكافحة الإرهاب عالمياً تبدأ من أفريقيا.
وتتصدر أفريقيا طليعة الحرب على الإرهاب؛ ففي عام 2024، سجل الاتحاد الأفريقي، أكثر من 3400 هجوم إرهابي و13900 وفاة ناجمة عن تلك الهجمات في القارة. ويتوقع تريب زيادة الاهتمام الأميركي بأفريقيا من منظور مكافحة الإرهاب، ويشير إلى أن مما عُرض حتى الآن، تبدو تكتيكات الولايات المتحدة قوية للغاية.