تسريب "سيغنال" ونقطة ساخنة أخرى بين ترمب ومصر

آخر تحديث 2025-03-28 13:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية
تسريب سيغنال ونقطة ساخنة أخرى بين ترمب ومصر

السيسي خلال لقاءه ترمب في البيت الأبيض عام 2019 (رويترز)

أتاحت تفاصيل الضربة العسكرية الأميركية على الحوثيين في اليمن التي جرت مشاركتها سهواً مع رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك" جيفري غولدبيرغ عبر تطبيق "سيغنال" للعالم لمحة ثاقبة عن تفكير ومشاعر من يديرون السياسة الخارجية الأميركية تجاه حلفائهم وشركائهم حول العالم وما يدور فعلياً خلف أبواب البيت الأبيض. وربما ما كان مثيراً هو تأكيد ما يشعرون به من غضب حيال حليفهم التقليدي عبر الأطلسي، إذ تحدث كل من نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الدفاع بيت هيغسيث وأعضاء آخرون رفيعو المستوى في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بغضب واضح عن أوروبا.

ومن بين نصوص عدة وردت في المحادثة المسربة عن فريق إدارة ترمب التي نشر تفاصيلها غولدبيرغ، رسالة ستيفن ميلر مستشار ترمب، قائلاً عن موقف رئيسه من قصف مواقع الحوثيين في اليمن، "كما سمعت، كان الرئيس واضحاً، الضوء الأخضر، لكننا سرعان ما سنوضح لمصر وأوروبا ما نتوقعه في المقابل. علينا أيضاً إيجاد طريقة لتطبيق هذا الشرط. على سبيل المثال إذا لم تقدم أوروبا مقابلاً، فماذا سيحدث؟ إذا نجحت الولايات المتحدة في استعادة حرية الملاحة بكلفة باهظة، فستكون هناك حاجة إلى مكاسب اقتصادية إضافية في المقابل".

والرسالة تعكس النهج العلني لإدارة ترمب في شأن تحميل الحلفاء والشركاء كلفة أي مشاركة أميركية خارجية، كما تؤكد الأجزاء التي كشف عنها غولدبيرغ الذي أُدرج عن طريق الخطأ ضمن مجموعة المحادثة التي أنشأها مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز والتي ضمت ستة من كبار أعضاء الإدارة الأميركية، سياسة ترمب الخارجية التي لا تنفصل عن عقليته كرجل أعمال يحسب السياسة من منظور الـ"بزنس".

"ليس هناك شيء مجاني" 

وكعادته "ليس هناك شيء مجاني"، فيبدو أن ثمة مطالب أميركية من مصر بتقديم ما يجب تقديمه مقابل التدخل الأميركي لدعم حرية الملاحة في البحر الأحمر بالنظر إلى الخسائر التي تكبدتها هيئة قناة السويس نتيجة للهجمات التي تشنها جماعة أنصار الله الحوثي والتي تستهدف سفن الشحن المارة عبر مضيق باب المندب في البحر الأحمر منذ بدء حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 بزعم التضامن والإسناد للفلسطينيين في القطاع. فالعبارة الواردة في محادثة "سيغنال" تطرح تساؤلات حول نوع هذ "المقابل"، لا سيما أن ثمة ضغوطاً أميركية متواصلة على القاهرة لقبول خطط تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر لإنهاء الحرب وتحويل القطاع إلى "ريفييرا" وفق تعبير ترمب، مما تسبب في توتر بين القاهرة وواشنطن خلال الأسابيع الماضية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" قال الزميل لدى معهد الشرق الأوسط براين كاتيلوس، "قد يكون أهم ما تسعى إدارة ترمب إلى فعله تجاه مصر هو خفض مستويات المساعدات التي تقدمها إليها أو فرض كلفة اقتصادية عليها لعدم تعاونها مع الولايات المتحدة بالطريقة التي ترغب إدارة ترمب فيها". وأضاف "لكنني لا أعتقد بأن هذا نقاش جاد"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تستفيد من التعاون العسكري مع مصر ويأتي جزء كبير من مساعداتها في إطار التعاون العسكري، "كما يتعين عليها العمل مع مصر لإيجاد حل واقعي وعملي في غزة".

واستبعد المسؤول الأميركي السابق لدى مجلس الأمن القومي ووزارتي الدفاع والخارجية ربط المسألتين ببعضهما، كما استبعد أن يقبل نحو مليون فلسطيني مغادرة غزة والتوجه إلى مصر. وقال "حرية الملاحة في البحر الأحمر مصلحة أمنية عالمية، وكذلك حل عادل وسلمي للفلسطينيين. لا يوجد سبب منطقي لربط هاتين المسألتين المنفصلتين، ولن يعود ذلك بالنفع على أي طرف معني".

حارس الازدهار

وعندما شكلت الولايات المتحدة "تحالف حارس الازدهار" من قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات لدعم الملاحة في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيون على السفن التجارية العابرة عبر مضيق باب المندب، لم تنضم مصر أو أي من الدول العربية باستثناء البحرين إلى التحالف الجديد، على رغم الضغوط الأميركية المسبقة. لكن تلك الرسالة التي وردت في محادثة "سيغنال" ربما تعيد التساؤل عما إذا كان ترمب سيضغط في هذا الاتجاه. 

ويظهر الموقف الرسمي في القاهرة رفضاً قاطعاً للمشاركة في الغارات الجوية ضد الحوثيين في اليمن وتمسكاً بالتفاهم الدبلوماسي. فوفق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تميم خلاف، فإن الطريقة التي يمكن من خلالها إنهاء هجمات الحوثيين ووقف تلك الأنشطة المزعزعة للاستقرار هي إنهاء الصراع في غزة. وفي مقابلة الأسبوع الماضي مع كريستيان أمانبور على قناة "سي أن أن" الأميركية، قال خلاف "علينا إيجاد الحل اللازم الذي يوفر السلام والهدوء النسبيين في هذه المنطقة، بالتالي فإن الحل هنا هو حل سياسي ويجب أن يتم عبر المفاوضات". 

ويرى كاتيلوس إنه ينبغي على القاهرة أن تغير هذا الموقف، قائلاً إن "لمصر مصلحة قوية في أن تصبح منطقة البحر الأحمر أكثر استقراراً، وهذا الإطار متعدد الأطراف مفيد. ويتمثل أحد التحديات في أن إدارة ترمب لا يبدو أنها تفضل العمل بتنسيق وثيق مع شركائها القدامى، كما يتضح من سياساتها الجديدة في أوروبا وفي ما يتعلق بحرب روسيا ضد أوكرانيا".

لكن المدير السابق لإدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة المصرية سمير فرج يؤكد أن القاهرة لن تشارك في أي قصف ضد الحوثيين، قائلاً في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "ليس بيننا وبين الحوثيين عداء. هم عداؤهم مع إسرائيل والولايات المتحدة"، وأضاف "نحن متضررون بالفعل لكن تدخل مصر يخلق عداء لا داعي له مع الحوثيين. في النهاية نحن لسنا طرفاً في ذلك الصراع. وينطبق الأمر على حرب غزة التي أضرت بحركة السياحة في مصر والحرب الروسية- الأوكرانية التي أثرت في واردات القمح".

وأكد فرج قناعة مصر بأن هجمات البحر الأحمر ستتوقف متى توقفت الحرب في غزة، مضيفاً أن "توقف القصف الأميركي على الحوثيين لا يضر بمصر، فضرب الحوثيين غرضه حماية إسرائيل من هجمات الحركة وليس مصر. هم يحمون تل أبيب". 

فرقة العمل المشتركة 153

وتراجع نشاط قناة السويس بنحو 70 في المئة خلال الربع الثاني من العام المالي 2024-2025، ووفق تصريح الشهر الجاري للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فإن بلاده تتكبد خسائر شهرية تقدر بنحو 800 مليون دولار من إيرادات قناة السويس بسبب الأوضاع في المنطقة. 

ودفعت الهجمات في البحر الأحمر إلى تحرك دولي لحماية ممرات الوصول إلى قناة السويس، وقادت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً يضم قوات من المملكة المتحدة وفرنسا ودول أخرى ينفذ ضربات انتقامية ضد بنية الحوثيين التحتية للصواريخ والطائرات المسيّرة في اليمن. ومع ذلك استمرت الهجمات المتفرقة حتى أواخر عام 2024، ولم يبدأ الحوثيون بتخفيف عملياتهم إلا بعد وقف إطلاق نار موقت في غزة  ونتيجة ضغوط دبلوماسية دولية. وفي أوائل عام 2025 أعلن الحوثيون وقف اعتداءاتهم على السفن غير المرتبطة بإسرائيل، مما دفع هيئة قناة السويس إلى حث شركات الشحن على العودة لمساراتها الطبيعية مع ظهور بوادر على استقرار الأوضاع. ويشير المجلس الأطلسي في واشنطن إلى أنه بحلول فبراير (شباط) الماضي لم يُبلغ عن أي هجمات جديدة لأسابيع عدة، إلا أن هذه الأحداث شكلت تذكيراً صارخاً بمدى سرعة تحول النزاعات الإقليمية إلى تهديد لأمن شريان التجارة العالمية.

ويقول مدير الكلية البحرية المصرية السابق اللواء محفوظ مرزوق إن مصر هي بالفعل عضو في القوة البحرية المشتركة وكانت تتولى قيادة فرقة العمل المشتركة 153 في وقت سابق من عام 2023، إذ تتم عملية القيادة بالمناوبة كل ستة أشهر، مضيفاً أن القاهرة تتعاون بالفعل لأن هذا التأمين له مردود إيجابي لكن في نهاية المطاف فإن أي تحركات تخضع لقرار سياسي في الأساس. 

و"فرقة العمل المشتركة 153"، المسؤولة عن مراقبة حركة المرور البحرية في البحر الأحمر هي الوحدة الرابعة من "القوات البحرية المشتركة" ضمن التحالف الدولي الذي تأسس بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2001 وتتركز مهماته في الممرات المائية من الخليج العربي إلى قناة السويس. 

وإضافة إلى "قوة المهمات المشتركة 153"، تضم القوات البحرية المشتركة ثلاثة أساطيل أخرى، "قوة المهمات المشتركة 150" التي تعمل "خارج الخليج العربي" في بحر عمان، و"قوة المهمات المشتركة 151" المتخصصة في "مكافحة القرصنة"، و"قوة المهمات المشتركة 152" التي تعمل في مياه الخليج العربي، ويعتبر التحالف ذراعاً لحلف شمال الأطلسي ويترأسه قائد الأسطول الأميركي الخامس في البحرين.

ويقول فرج وآخرون إن مسألة هزيمة الحوثيين عن طريق القصف الجوي ليست واقعية، فنادراً ما تحسم القوة الجوية وحدها الحروب. ووفق رئيس قسم الاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية في رود آيلاند جيمس هولمز، فإنه حتى خلال الحرب الأميركية لإخراج العراق من الكويت عام 1991، عندما كانت القوة الجوية في أوجها، كان الغزو البري ضرورياً ومن المحتمل أن تتطلب هزيمة الحوثيين احتلالاً.