علاقة بغداد بسوريا الجديدة تبدأ بـ"اتصال الضرورة" مع الشرع

آخر تحديث 2025-04-03 18:01:36 - المصدر: اندبندنت عربية

أكد السوداني في الاتصال رفض العراق للتوغل الإسرائيلي داخل سوريا (المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي)

منذ تغيير النظام السياسي في سوريا نهاية العام الماضي تحفظت بغداد في علاقاتها مع دمشق، مكتفية بدور المراقب للتطورات الداخلية في الجارة العربية، مع مخاوف من تأثيرها في الداخل العراقي.

وفي ظل الانفتاح الحذر من قبل بغداد نحو دمشق تبادل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، التهاني مع الرئيس السوري أحمد الشرع لمناسبة عيد الفطر المبارك، خلال اتصال هاتفي مشترك جرى الثلاثاء الماضي، ويعد الأول منذ ولادة النظام الجديد في سوريا.

يرى مراقبون للشأن العراقي أن الاتصال خطوة جيدة نحو التقارب بين دمشق وبغداد وتوحيد مواقفهما في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية والتنسيق بين الطرفين في الملفات ذات الاهتمام المشترك، مؤكدين أن هناك عراقاً غير رسمي لا يسره مثل هذا التقارب، ولا يدخر جهداً في التشكيك بالنظام الجديد في دمشق، ومحاولة إثارة الصراع معه بسبب أو من دون سبب، لذا تأتي هذه الخطوة محاولة من العراق الرسمي لتأكيد دوره وتقدير مصالحه في ضوء المتغيرات الخارجية، وليس استجابة لضغوط خارجية.

عراق الموقف الثابت

خلال الاتصال عبر السوداني، وفقاً لبيان مكتبه الإعلامي، عن تمنياته وتهانيه للشعب السوري لمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة، مؤكداً موقف العراق الثابت بالوقوف إلى جانب خيارات الشعب السوري الشقيق، وأهمية أن تضم العملية السياسية كل أطيافه ومكوناته، وأن تصب في مسار التعايش السلمي والأمن المجتمعي من أجل مستقبل آمن ومستقر لسوريا وكل المنطقة.

وأكد السوداني في الاتصال رفض العراق التوغل الإسرائيلي داخل سوريا، ودعمه وحدة وسلامة أراضيها وسيادتها ورفض التدخلات الخارجية، وكذلك أهمية التعاون المتبادل في مواجهة خطر تنظيم "داعش" الإرهابي، إضافة إلى التعاون في المجالات الاقتصادية بحكم العوامل والفرص المشتركة.

في السياق، أعلنت سفارة جمهورية العراق في دمشق رسمياً قرار الحكومة العراقية منع دخول السوريين إلى أراضي بلدها، مع استثناء بعض الفئات التي تربطها أواصر عائلية بالعراقيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صدر القرار بموافقة من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مع فرض إجراءات أمنية مشددة لمراجعة الحالات المسموح لها بالدخول، وذلك بعدما استقبل السوداني وزير خارجية الجمهورية السورية أسعد الشيباني، منتصف الشهر الماضي.

وخلال اللقاء، جرى تأكيد موقف العراق الواضح والثابت باحترام خيارات الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه، والحرص على أمن واستقرار سوريا الذي ينعكس على أمن واستقرار المنطقة، وبهذا الصدد تم تأكيد أهمية استمرار المشاورات السياسية والأمنية بين البلدين.

وأكد رئيس الوزراء ضرورة المضي في عملية سياسية شاملة تحفظ التنوع والسلم الاجتماعي، مشيراً إلى أهمية احترام معتقدات ومقدسات كل فئات وشرائح الشعب السوري، وعدم القبول بأية اعتداءات أو انتهاكات تحصل ضد أي مكون منهم.

كما أكد وحدة الأراضي السورية، ورفض جميع التدخلات في الشأن السوري، خصوصاً مع ما يجري اليوم من سيطرة جيش الكيان الغاصب على أراضٍ سورية.

وأعرب السوداني عن استعداد العراق للإسهام في دعم سوريا وإعادة إعمارها، وتقديم جميع التسهيلات اللازمة في هذا الشأن، مع تأكيد أهمية التنسيق لمواجهة أخطار الإرهاب لتحقيق الاستقرار الداعم لإعادة إعمار سوريا، والعمل على مواجهة الخطاب الطائفي.

يرى رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر أن الاتصال الهاتفي بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس السوري أحمد الشرع "بادرة مهمة وبداية لتعزيز أواصر العلاقة بين الشعبين الجارين الشقيقين، بما حمله من تهنئة بتشكيل الحكومة الجديدة، وتأكيدات عراقية لوحدة وسلامة الأراضي السورية، والتنديد بالعدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا".

وأشاد الخنجر في بيان له بهذه الخطوة، معرباً عن أمله أن تفتح مزيداً من أبواب التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي، على رغم محاولات بعض الأصوات الشاذة الوقوف بوجه التقارب السوري – العراقي، والإساءة إلى الروابط الأخوية التاريخية التي تجمع بغداد ودمشق.

ونوه بأن استقلالية القرار الحكومي العراقي واتباعه سياسة الانفتاح على المحيط العربي وفق المصالح الوطنية العليا يلقيان الدعم والتأييد من القوى الوطنية كافة وعلى رأسها تحالف السيادة، مؤمنين بأن عراقاً مستقلاً اليوم يمتلك قراره السيادي يعد من أبرز ملامح تعافي العراق في ملفي السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.

هل ثمة ضغط دولي؟

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية خليفة التميمي، في تصريح صحافي أن "الاتصال لا يأتي بمعزل عن الضغوط الدولية المتزايدة على الحكومة العراقية"، مؤكداً أن "ثمة توجهاً من قبل حكومة السوداني للانفتاح على حكام دمشق الجدد تمهيداً للقمة العربية المزمع عقدها في بغداد"، ومبيناً أن "الاتصال جاء بعد فترة وجيزة من إرسال وفد عراقي لإجراء مباحثات مع الحكومة السورية، مما يشير إلى تحضيرات مكثفة لدعوة سوريا رسمياً إلى القمة".

التميمي أكد أن "التنسيق الدولي والإقليمي الحالي لا يخدم المصالح العراقية بالضرورة، بل يأتي ضمن مساعٍ إلى إعادة دمج سوريا في محيطها العربي بما يضمن استقرار المنطقة"، لافتًا إلى أن "العراق، على رغم وعيه بهوية الحكومة السورية الحالية، يجد نفسه منخرطاً في هذه المعادلة بدافع الحفاظ على أمن حدوده، وتسوية ملفات عالقة مثل مخيم الهول، إضافة إلى التعاون في ملفات اقتصادية حساسة".

أما الباحث في الشأن السياسي العراقي مجاشع التميمي، فيركز على كثير من النقاط المهمة حيال الاتصال الذي أجراه السوداني بالرئيس السوري، مستعرضاً إياها بالقول "منذ التغيير في سوريا لم يحصل هذا الاتصال على رغم أن أغلب دول المنطقة والعالم فعلت ذلك، لكنه جاء أخيراً بعد زيارة وزير الخارجية السوري إلى بغداد، وبعد تأكيدات سورية رسمية باحترام التعددية والمضي في الحوار الجاد مع جميع المكونات، كذلك بعد التزام سوريا مكافحة (داعش)، وهو أكثر ملف أكدته الحكومة العراقية بعد مجيء الإدارة السورية الجديدة، إذ شدد ⁠الرئيس السوري للسوداني على التزام سوريا التعاون الجاد في هذا الصدد، ومواجهة الخطاب المتطرف".

 وأوضح التميمي أن ⁠"الاتصال يمثل قناة مباشرة لتوضيح وجهات النظر، وتأكيد الموقف الداعم لسوريا تجاه العدوان الإسرائيلي وتوغله في الأراضي السورية، فالعراق هو الأوضح موقفاً في هذه النقطة".

ينصح الأكاديمي والسياسي خالد العرداوي بـ"أن نقرأ خطوة رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من منطلق العراق الرسمي وتصوراته حول سبل حماية مصالحه العليا والتأثير الايجابي في محيطه الخارجي، وهو ما تمثله الحكومة العراقية ومؤسساتها الرسمية غير المسيسة"، معتبراً أن الاتصال يعد خطوة جيدة نحو مزيد من التقارب بين دمشق وبغداد، وتوحيد مواقفهما في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية والتنسيق في الملفات ذات الاهتمام المشترك.

لكن العرداوي يؤكد بالمقابل أن "هناك عراقاً غير رسمي لا يسره مثل هذا التقارب، ولا يدخر جهداً في التشكيك بالنظام الجديد في دمشق، ومحاولة إثارة الصراع معه بسبب أو من دون سبب، لذا تجد أن الاتصال الهاتفي جُوبه بموجة من الاستهجان معظمها تقف خلفها الأطراف الفاعلة في العراق غير الرسمي، محكومة بنظرتها إلى السياسة الخارجية العراقية من منظار مصالحها الخاصة وليس مصالح العراق العليا، لذا تأتي هذه الخطوة محاولة من العراق الرسمي لتأكيد دوره وتقدير مصالحه في ضوء المتغيرات الخارجية، وليس استجابة لضغوط خارجية".

يعتقد الباحث السياسي علي البيدر أن الحوار والدبلوماسية أكثر ما يحتاج إليهما العراق في هذه المرحلة، مشدداً على أن اتصال السوداني بالرئيس السوري يمثل نقطة تحول في العلاقات بين بغداد ودمشق، "إذ هو الأول بعد التغيير الذي طرأ على سوريا، ومع قيادتها التي تحاول إقناع العراق بأنها ستكون مختلفة وستعمل على احترام التعددية ومكافحة التطرف".

ولفت إلى أن "المشتركات التي تجمع سوريا بالعراق والعكس كبيرة وكثيرة، ويجب أن تستثمر لصالح الشعبين الجارين والشقيقين اللذين ذاقا الأمرين نتيجة ظروف بلديهما"، مؤكداً "السوداني والشرع قادران على إنتاج واقع أفضل إزاء الأحداث التي تشهدها المنطقة".