القيادات الأجنبية في سوريا الجديدة تطرح معضلة استقلالية القرار

آخر تحديث 2025-04-04 15:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية
القيادات الأجنبية في سوريا الجديدة تطرح معضلة استقلالية القرار

ينقسم الشارع السوري حول القرارات الصادرة بحق المجموعات الأجنبية التي باتت تتصدر سُدّة الحكم والقيادة (اندبندنت عربية)

لحظ المشهد الأمني والسياسي السوري تحولاً سريعاً ودراماتيكياً... فبعد إعلان سقوط نظام بشار الأسد عمت فرحة عارمة أرجاء البلاد مع زوال حكم استمر قرابة نصف قرن، وسادت أجواء من التفاؤل بين أبناء البلد المتعطش للحرية وبناء نظام جديد يحمل العدالة والمساواة والديمقراطية. لكن هذه الآمال حملت في طياتها نوعاً من الحذر والترقب لشكل الحكم الجديد، لا سيما بعد تسلم قادة مجموعات متطرفة مناصب سياسية وعسكرية بارزة تتمتع بصلاحيات واسعة. وكان مبعوثون لكل من دول أميركا وفرنسا وألمانيا حذروا الإدارة الجديدة في سوريا من تعيين متطرفين أجانب في مناصب عسكرية رفيعة، ما عكس قلقاً أمنياً دولياً.

وذلك في وقت تسعى دمشق إلى إقامة علاقات مع دول أجنبية بعدما أعلنت السلطات ترفيعات وتعيينات في مناصب عليا في الجيش لأشخاص من بينهم مقاتلون أجانب.

في غضون ذلك، أعلن رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع دمج المقاتلين الأجانب في المجتمع من خلال السماح لهم بالحصول على الجنسية السورية كمكافأة لهم على مساندة الشعب السوري، في حال الاتساق مع أيديولوجية وقيم السوريين. وفيما لم تصدر أي تقارير رسمية أو إحصاءات تشير إلى عدد المقاتلين الأجانب، ذكرت ترجيحات أن عددهم التقريبي يصل لقرابة 3800 مقاتل من جنسيات مختلفة.

ومن واشنطن العاصمة الأميركية، اعتبرت الصحافية الأميركية- السورية والمقربة من البيت الأبيض، مرح البقاعي لـ "اندبندنت عربية"، أن "خروج كل الأجانب المقاتلين والمتدخلين على الأرض السورية هو مطلب شعبي قبل أن يكون مطلباً أميركياً، ويندرج في مقدمة المطالب الأميركية لرفع العقوبات عن سوريا". وقالت إنه "مطلب شعبي ودولي ملح من أجل رفع العقوبات والبدء بعملية إعادة الإعمار التي ستؤدي إلى الاستقرار الأمني السياسي الذي تحتاج له سوريا بصورة سريعة جداً".

‏وتابعت "أرى من الضروري أن تبدأ الحكومة السورية الوليدة في الاستجابة للمطالب الأميركية، وفي مقدمتها عدم إعطاء الأجانب العسكريين مناصب عليا في الدولة، ما سيعزز من الوحدة الوطنية السورية ويقطع الطريق أمام كل أجندة لا تتفق مع إرادة السوريين في وحدة شعبهم وأرضهم وتحقيق آمالهم في السيادة والاستقلال".

تجنيس المقاتلين الأجانب ومنحهم هويات جديدة هو أسلوب استخدمته بعض الدول لتعزيز نفوذها الديمغرافي والسياسي (اندبندنت عربية)

قادة ومراكز حساسة

أما الشارع السوري فينقسم حول قرارات تصدر بحق المجموعات الأجنبية التي باتت تتصدر سُدّة الحكم والقيادة بخاصة الجيش، ولعل أول القرارات التي صدرت عن الإدارة الجديدة ترفيع ومنح رتب عسكرية لما يفوق على 40 ضابطاً عسكرياً بينهم قادة من جنسيات أجنبية. ويصف الباحث في شؤون سوريا السياسية محمد هويدي هذه التعينات والترفيعات في قيادة الجيش بأنها "تنسف كل مصداقية الإدارة الجديدة بالعمل من أجل هوية وطنية وبناء جيش سوري جديد".

وأضاف "من هذه الأسماء عبدة البشري- ألباني الجنسية وأيضاً عمر محمد جفتي- تركي الجنسية، والمصري علاء محمد الباقي وعبد العزيز داوود من تركستان، وهذه الأسماء التي تم تعيينها بالجيش إضافة إلى أسماء أخرى "تؤكد مرة جديدة أن هذا الجيش ليس سورياً بل أممياً مفتوحاً أمام أيديولوجيات إسلامية متشددة، وهذا خطأ بالنسبة للإدارة الجديدة التي تقدم نفسها على أنها تفكر بعقلية الدولة".

كذلك يعتقد أن التعيينات توحي بأن السلطات لا تفكر بعقلية الدولة بل بعقلية الجماعة العابرة للحدود، وهم مصنفون في دولهم على قوائم الإرهاب، "بمعنى أنك تضع هذا الجيش تحت طائلة العقوبات والتصنيف الإرهابي، وتحديداً الأسماء المصرية الذين صدرت مذكرات اعتقال بحقهم".

حضور على الأرض

وحذر ناشطون من توسع دور المقاتلين الأجانب إلى حد تأثيرهم في صناعة القرارات، أو من التحرك بشكل غير منضبط والإساءة للمجتمع السوري وعاداته وتقاليده، لافتين إلى أن الأمر وصل حد "إقامة حدود شرعية من دون اللجوء إلى محاكمات أو تحقيق في أحداث الساحل".

وهنا يرى الباحث السياسي هويدي أن "الشخصيات الأجنبية لها حضورها في المشهد السياسي والعسكري ولها تأثير في الإدارة السياسية، ولولا هذا التأثير لما صدرت قرارات تعيينهم في الجيش السوري، وهو تأثير كبير يتعدى التأثير السياسي إلى مرحلة صناعة القرار"، وفق وصفه، بخاصة "أننا أمام فصائل متنوعة ومتعددة منها حركة "أحرار الشام" و"فرقة المنتصر" و"فرقة محمد الفاتح" و"المهاجرين" الإيرانية ولواء القوقاز الروسي ولواء الأوزباكستاني و"الحزب التركستاني" الصيني و"الجماعة الطاجاكية" و"الجماعة الألبانية" و"جماعة البلوش" الأفغانية و"عتبة بن فرقد" الأذربيجانية وجماعة "أبو يعقوب التركي" وكتيبة "الأيغور".

حذر ناشطون من توسع دور المقاتلين الأجانب إلى حد تأثيرهم في صناعة القرارات (اندبندنت عربية)

وأضاف "ربما هم يعرقلون أي خطوة نحو مشروع وطني مهم وذات تأثير داخلي ويرضي المطالب الغربية ويحقق ما تم الاتفاق عليه مع الدول العربية والمجتمع الدولي".

ويضرب هويدي أمثلة في أحداث عدة كان للأجانب دور فيها منها "اعتقال أحمد حسون مفتي الجمهورية السابق الذي كان له الحق بالسفر لإجراء العلاج بعد حمايته من قبل الإدارة التي تراجعت وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه، ما يشير إلى وجود مطبخين لصناعة القرار السياسي وكذلك الاجتماعي. ثم قرار إغلاق البارات والمقاهي في دمشق القديمة وهو القرار الذي أيضاً تراجعت عنه محافظة دمشق لاحقاً. هذه الشخصيات الأجنبية لها تأثير في الإدارة الجديدة وما نخشاه أن تكون الإدارة الجديدة الحلقة الأضعف بين صناع القرار في سوريا".

الطريق نحو التجنيس

ووسط تداول أخبار تفيد ببقاء المجموعات الأجنبية، أكد ناشطون أن "الإدارة الجديدة تسعى إلى اتباع خطط لتجنيسهم في البلاد كمكافأة لهم على مساندة الشعب السوري والاستدلال بأمثلة حدثت في العراق لمقاتلين إيرانيين، في حين تعمل الحكومة الجديدة على إلغاء الجنسية لآلاف الإيرانيين". وترى أوساط قريبة من قيادة "هيئة تحرير الشام" أن "أغلب المقاتلين الأجانب تزوجوا سوريات ولديهم أولاد، لقد سبق لسوريا أن احتضنت الكثير من الأجانب من جنسيات مختلفة ومنحتهم الجنسية".

مقابل هذا يشير رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة في جنيف، السفير هيثم أبو سعيد، في تصريحات صحافية إلى أن "تجنيس المقاتلين الأجانب ومنحهم هويات جديدة هو أسلوب استخدمته بعض الدول والجماعات المسلحة لتعزيز نفوذها الديمغرافي والسياسي".

بدورها لفتت الإعلامية مرح البقاعي الانتباه إلى "مؤشرات عدة توحي بأن رأس الهرم في الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع يتجه إلى الاعتدال في سياساته والتعاون مع كل الأطراف من أجل تحقيق السلام العادل للسوريين والمنطقة". وتقول "نحن سمعناه يكرر أكثر من مرة أنه يمد يد التعاون للجميع بما فيهم إسرائيل للتوصل إلى سلام عادل يضمن الحقوق السورية الوطنية مع دولة هي في النهاية جارة. ومن هذا المنطلق لا أرى أية مقاربة تصح بين نظام ‘طالبان‘ الذي يخص دولة أفغانستان وظروفها الاجتماعية الحياتية والسياسية، وبين ما يحدث الآن في سوريا. ونتمنى أن تستمر الحكومة السورية في هذا الاتجاه المعتدل الذي سيضمن السلام والأمن والاستقرار للشعب السوري أولاً".

لا توجد إحصاءات دقيقة حول نسبة المقاتلين الأجانب في المناصب القيادية (اندبندنت عربية)

 

الفرص والتحديات

مستقبل حضور المقاتلين الأجانب سيشكل تحدياً أمام الإدارة الجديدة ولا سيما بعد تصريحات الولايات المتحدة الأخيرة بعدم منحهم مناصب قيادية، ومواقف باريس بأنها لا تمنح "شيكاً على بياض".

في المقابل يستبعد رئيس مركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات، وعضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن، عبد العزيز العنجري في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "تمثل تلك التنظيمات الأجنبية خطراً عسكرياً كبيراً نظراً لقلة عددها وضعف تمويلها ومحدودية انتشارها الجغرافي"، وأشار إلى أنه "في حال اتخاذ قرار بالتخلص منها، ستكون محاصرة من أربع جهات".

وأردف "مع ذلك، تعترف إدارة الشرع بفضلهم وتؤكد على حقهم في الحياة داخل سوريا، وتسعى إلى دمجهم تدريجاً في المجتمع مع تقليص نفوذهم القيادي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإلى ذلك، يطالب هويدي الإدارة الجديدة "التعامل بحزم مع الفصائل المقاتلة الأجنبية لتفويت الفرصة من نجاة سوريا من حمام دم"، ويردف "لا بد من بناء الدولة وفق أسس سليمة وصالحة لاستمرارية الدولة، والتحدي كبير أمام هذه الورقة إذا لم يتم التعاطي معها وفق ما يحقق الاستقرار ورفع العقوبات. أعتقد أننا سندخل في صراع أمراء الحرب في سوريا وهي ورقة خطيرة وبمثابة لغم قد ينفجر في وجه الإدارة الجديدة في أية لحظة".

وعن حجم توليهم المناصب جزم الباحث في القانون الدولي، فراس حاج يحيى في حديث خاص، أنه "لا توجد إحصاءات دقيقة حول نسبة المقاتلين الأجانب في المناصب القيادية، لكن التقارير تشير إلى دمج عدد منهم في هياكل السلطة الجديدة، سواء في المؤسسات العسكرية أو الحكومية. هذا الأمر يثير مخاوف داخلية، بخاصة بين الأقليات الدينية، بشأن تأثيرهم في مستقبل البلاد".

يواجه هذا الدمج تحديات عدة، أبرزها نقص التدريب الرسمي لدى بعضهم وتوترات مع الضباط السوريين بسبب حصولهم على رتب عالية، إضافة إلى التساؤلات حول استقلالية القرار العسكري والسياسي في ظل وجود قيادات أجنبية داخل مؤسسات الدولة، وهذا يعتبر التحدي الأكبر للحكومة السورية الجديدة في مدى قدرتها على التعامل مع هذا الملف على أساس وطني قبل أي اعتبارات أخرى.

بدوره، قال الباحث في القانون الدولي فراس حجاج يحيى إنه "وفقاً للمادة 6 من المرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969، يمكن منح الجنسية العربية السورية بمرسوم بناء على اقتراح الوزير من دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في المادة 4 للأشخاص الذين أدوا للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة، فالقانون لم يحدد تفاصيل أو معايير محددة لتعريف ’الخدمات الجليلة‘، مما يترك تقدير نوعية هذه الخدمات وأهميتها للسلطات المعنية. أنا شخصياً أقترح أن يجري منحهم صفة اللجوء في سوريا تقديراً لجهودهم ولحفظ سلامتهم وعدم إعادتهم لبلادهم خشية الملاحقة، وأيضاً هذه الوضعية تمنحهم وعائلاتهم الاستفادة من كل الميزات من رواتب وتقاعد وتأمين صحي وتعليمي من دون حق الانتخاب أو تولي وظائف خدمة عامة عسكرية أو مدنية، مما يعني دمجهم في المجتمع السوري، وبذلك نجد حلاً وسطياً لا يتضمن منحهم الجنسية ولا إعادتهم لبلادهم أو بلاد أخرى".