مراقبون يرون أن عمل يونامي برئاسة الحسّان يتسم اليوم بمزيد من التوازن واحترام السيادة الوطنية (المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء)
في ظل الدور الذي تضطلع به بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" في المشهد السياسي والاجتماعي في بلاد الرافدين، يمكن رصد تغير خطاب البعثة الدولية من خلال مراحل عدة وتحولات في النبرة والمضمون، بخاصة بعدما تسببت بعض تقاريرها أو مواقفها السابقة في أزمات عدتها بعض القوى السياسية تدخلاً في الشأن الداخلي.
لكن هذا التحول في الخطاب لم يأت إلا بعدما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تعيين محمد الحسان من سلطنة عمان ممثلاً خاصاً جديداً له في العراق ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، خلفاً للهولندية جينين هينيس - بلاسخارت، ويعد الحسان أول عربي يتسلم هذا المنصب في بلاد الرافدين، ويقود لغة الخطاب الأممي تجاه البلاد، مشدداً في أكثر من مناسبة على أن الأمم المتحدة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للعراق وداعمة للسيادة ومشجعة للنهضة والإعمار.
ويرى سياسيون ومراقبون للشأن العراقي تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، أنه من مصلحة الحكومة أن تطلب تمديد عمل بعثة "يونامي"، مؤكدين أن رئيسها الجديد نجح في إيجاد أفضل علاقة مقارنة بأسلافه، وباتت البعثة تتسم اليوم بمزيد من التوازن، واحترام السيادة الوطنية والحرص على بناء جسور الثقة وتعزيز التعاون، إذ برز هذا التغيير بوضوح في البيانات الرسمية الصادرة، وفي طبيعة مشاركتها في النقاشات الوطنية، بما يعكس فهماً أعمق للتحديات والفرص التي يواجهها العراق.
وقرر مجلس الأمن الدولي نهاية مايو (أيار) 2024 سحب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، الموجودة في البلاد منذ أكثر من 20 عاماً، بحلول نهاية 2025، بناءً على طلب بغداد.
ونص القرار على تمديد ولاية البعثة التي أُنشئت عام 2003 "لفترة أخيرة مدتها 19 شهراً حتى الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) 2025"، بعدما كان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد تحدث في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي مطلع مايو عن "تطورات إيجابية ونجاحات"، طالباً إنهاء مهمة البعثة الأممية الموجودة منذ 2003، عازياً الأسباب إلى أنه "بعد 20 عاماً من التحول الديمقراطي والتغلب على التحديات المختلفة، لم تعد أسباب وجود بعثة سياسية في العراق قائمة".
ما أبرز ملامح هذا التغيير؟
في مراحل سابقة كانت "يونامي" تسلط الضوء على الإخفاقات في مجال حقوق الإنسان والفساد والانتهاكات، مما أثار انتقادات من أطراف سياسية عراقية اعتبرته تدخلاً في الشأن الداخلي، لكن في الأعوام الأخيرة اتجه خطاب البعثة ليكون أكثر "تشاركية" و"تشجيعاً"، بحيث يوازن بين الإشارة إلى التحديات والإشادة بالتقدم الذي تشهده بلاد الرافدين.
وبعد الاحتجاجات الواسعة في 2019 والمعروفة بـ"تظاهرات تشرين" وما تبعها من توتر سياسي، أصبحت "يونامي" أكثر حرصاً على استخدام لغة دبلوماسية تتجنب التصعيد، وتؤكد "دعم الحوار بين الأطراف"، وتُبرز أهمية "الحلول العراقية للمشكلات العراقية"، بدلاً من تقديم انتقادات مباشرة قد تؤدي إلى تأزيم الوضع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبدل خطاب البعثة كثيراً مع تغير الممثلة السابقة جينين هينيس بلاسخارت التي كانت تتعرض لانتقادات واسعة من بعض القوى السياسية والشارع بسبب بعض مواقفها، بينما أصبح الحسان أكثر قرباً وفهماً للمجتمع العراقي.
وكانت واحدة من أبرز التغييرات هي مراعاة خطاب "يونامي" مسألة "السيادة العراقية"، بعد موجة اعتراضات من قوى سياسية على ما اعتبروه تجاوزاً للحدود المقبولة دولياً. أصبحت تقارير البعثة تحتوي على إشارات صريحة لاحترام السيادة وعدم التدخل، كذلك فإنها تركز بشكل أكبر على ملفات مثل: التغير المناخي ودعم الانتخابات وتمكين النساء والشباب، بدلاً من التركيز الحصري على الأوضاع السياسية أو الأمنية.
فهم أعمق للتحديات والفرص
أقر مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية، فرهاد علاء الدين، بأن عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" يتسم اليوم بمزيد من التوازن واحترام السيادة الوطنية والحرص على بناء جسور الثقة وتعزيز التعاون مع مؤسسات الدولة المعنية، لافتاً إلى أن هذا التغيير برز بوضوح في البيانات الرسمية الصادرة عن البعثة، وفي طبيعة مشاركتها في النقاشات الوطنية، بما يعكس فهماً أعمق للتحديات والفرص التي يواجهها العراق.
وكشف مستشار رئيس الوزراء العراقي لـ"اندبندنت عربية"، عن العلاقة بين الحكومة العراقية وبعثة "يونامي" التي تشهد حالياً مستوى متقدماً من التنسيق والتفاهم، في إطار من الاحترام المتبادل والحرص المشترك على دعم المسارات الديمقراطية والتنموية.
وقال علاء الدين "البعثة تعمل ضمن ولاية محددة من مجلس الأمن، ونحن حريصون على أن تُنفّذ هذه الولاية بما يخدم مصلحة العراق ويحترم قراره السيادي، وهناك تواصل مستمر بين رئاسة البعثة، والفرق القطرية التابعة للأمم المتحدة، والجهات المعنية في الحكومة العراقية، لضمان انسجام جهود البعثة مع أولويات الحكومة".
وأضاف أنه بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2732، تنتهي ولاية البعثة في نهاية العام الجاري. وتعمل البعثة، بالتنسيق مع الحكومة العراقية واللجان المختصة على إعداد آلية لتسليم المهام المناطة ببعثة "يونامي" إلى الفرق القطرية التابعة للأمم المتحدة، واستكمال المهام الأخرى، وصولاً إلى التصفية النهائية لعمل البعثة بحلول نهاية العام.
جولة لمختلف أطياف الشعب العراقي
في حين قال السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، إن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيس بعثة "يونامي" محمد الحسان قام عند تسلمه مسؤولية البعثة بجولة واسعة من اللقاءات مع ممثلي قوى وأحزاب وحركات سياسية واجتماعية وأوساط ثقافية وعشائرية ومنظمات مجتمع مدني من مختلف أطياف الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية والثقافية، واستمع لآرائهم ومشكلاتهم وتصوراتهم للأوضاع.
شدد الحسان على الأمم المتحدة تدعم سيادة العراق (اندبندنت عربية)
وبحسب فهمي، كان الحسّان يؤكد أهمية التماسك الوطني وتعزيز اللحمة الاجتماعية واعتماد الحوار ونبذ التعصب منهجاً والتشديد على الحفاظ على أجواء السلام والأمان وحماية الحقوق والحريات الديمقراطية التي يكفلها الدستور، واعتبر أن هذه الأهداف هي من صميم ما تسعى إليه بعثة "يونامي"، كذلك نبه إلى ضرورة مكافحة الفساد والسلاح المنفلت والمضي في الإصلاحات وحماية الحقوق والحريات الدستورية.
ويعتقد فهمي أن الحكومة لن تطالب بتمديد عمل البعثة إلا إذا استجدت تطورات غير محسوبة.
استمرار "يونامي" يصب في مصلحة العراق
لكن رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لا يرى أن هناك تغييراً جوهرياً في خطاب البعثة، قائلاً إن "الأمم المتحدة سبق أن أشارت في تقاريرها إلى كثير من الإخفاقات في العملية السياسية الحالية، وأكدت حاجة العراق إلى إصلاحات حقيقية.
ما نلاحظه الآن هو أن بعثة "يونامي" أصبحت تعتمد بشكل أكبر على إصدار التقارير، في حين تراجعت مساحة التصريحات العلنية"، وأضاف أن "المبعوث الجديد يتجنب الدخول في صدام مباشر مع القوى السياسية، إلا أن تحركاته، مثل زيارته المرجع الديني علي السيستاني وتصريحاته حول ضرورة بدء الإصلاح، تدل على أن الخطاب لا يزال قائماً، والتشخيص لم يتغير".
أما بخصوص العلاقة بين بعثة "يونامي" والحكومة العراقية، فيعتقد الشمري بأنها لا تمر بمرحلة متميزة، فالحكومة تطالب بانسحاب البعثة، معتبراً ذلك رسالة سلبية للمجتمع الدولي، قائلاً إن "العلاقة بين الطرفين تبدو متوترة، وربما يشعر المجتمع الدولي بالدهشة من هذه المطالبة، بخاصة في ظل تراجع حرية الرأي وعدم اكتمال دولة المؤسسات".
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي أنه "من مصلحة الحكومة العراقية أن تطلب تمديد عمل البعثة، لأننا نمر بأزمة سياسية خانقة تتطلب وجود طرف محايد حتى في ما يتعلق بالانتخابات، هناك مطالبات بأن تكون تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة لضمان شفافيتها، وبما أن حكومة محمد شياع السوداني أوشكت على نهاية مدتها، قد تتولى الحكومة المقبلة مهمة تجديد أو حتى إعادة تفعيل دور البعثة".
تغير في الخطاب مع تولي الحسان
وبخلافه، يؤكد المحلل السياسي، حيدر سلمان، وجود تغير في خطاب بعثة الأمم المتحدة تجاه العراق، مؤكداً أنه "على العكس من أسلافه تمكن من ملامسة أوتار حساسة لدى المجتمع العراقي، بخاصة بعد زيارته المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وتحركاته المكثفة في بغداد والبصرة، التي أظهرت تقارباً واضحاً مع توجهات الحكومة العراقية"، وأكمل، "هذا التقارب يعكس رغبة شعبية أيضاً، ويمثل نموذجاً لشراكة ممكنة ومستدامة بين بعثة ’يونامي‘ والعراق، تقوم على التكامل بدلاً من التدخل أو الندية، وإذا استمرت الأمور بهذا الشكل، فأنا أعتقد أن مسألة التجديد للبعثة ستكون واردة جداً".
وشدد على أن "تحركات الحسان أوجدت أفضل علاقة بين العراق وبعثة ’يونامي‘ مقارنة بالأعوام السابقة، وهذا ما يجعلنا نرجح إمكان تجديد البعثة لكن ضمن شروط، وأهمها أن تستمر إدارتها من قبل شخصيات تحترم السيادة العراقية وتعمل بتفاهم مع مؤسسات الدولة، كما يفعل الحسان، على العكس، لو عُينت شخصية لا تحترم هذا النهج وتكرر تدخلات سابقة، فربما تقطع العلاقة تماماً ويُنهى عمل البعثة، لكن وفق ما هو قائم اليوم، هناك أجواء إيجابية وتفاهم واضح بين الطرفين".
وسيط أكثر موثوقية
في حين رأى الباحث السياسي والأكاديمي، خالد عليوي، أن "الحكومة العراقية استعجلت في الطلب من ’يونامي‘ مغادرة العراق، ولعلها كانت مدفوعة بنصائح وضغوط قصيرة النظر، وقد اكتشفت ذلك من خلال تطورات الأحداث في المنطقة، عندما أدركت أن البعثة الأممية ليست مجرد بعثة عادية لمساعدة العراق، بل هي تؤدي أحياناً دور الوسيط الدولي لنقل رسائل محددة من وإلى العراق، وهي وسيط أكثر موثوقية من غيرها"، وأكمل أنه "يمكن للعراق الاستفادة منها في تحقيق مصالحه العليا، وفي الوقت نفسه تلمس سبل التصالح مع محيطه الدولي، ولذا ربما تشعر الحكومة في بغداد بالحرج في حال طلبت من البعثة تمديد عملها، وهي التي أمرتها بمغادرة العراق، لكن لا يوجد ما يمنع الحكومة من القيام بهذه الخطوة إذا رأت حاجة ماسة إلى ذلك، وعندها قد تختلق مختلف الحجج لتقوم بذلك، مما يدل على تخبط بعض القرارات الحكومية، التي تستدعي إعادة نظر في طريقة إصدارها لمنع الاستعجال في اتخاذها مستقبلاً".