إذا كان الهدف من المفاوضات الحالية هو مجرد "الالتزام بعدم صنع القنبلة" فذلك عودة إلى اتفاق أوباما بصيغة مختلفة (رويترز)
من أجل فهم التاريخ الجيوسياسي بشكلٍ أفضل، يجادل بعض المحللين في شؤون السياسة الخارجية والأمن القومي بأن الجهود الحالية لإجبار إيران على "الاستسلام فيما يتعلق ببرامجها النووية" تُعد نسخة متقدمة من "النموذج الليبي"، عندما أعلن معمر القذافي في عام 2003 أن نظامه سينهي برنامج أسلحة الدمار الشامل الذي عمل على تطويره لسنوات. يعتقد كثير من المحللين أن ما دفعه للقبول بالاستسلام كانت عروض أميركية لرفع العقوبات عن النفط الليبي.
لكن من خلال دراستي لنظام القذافي وردود أفعاله، توصلتُ إلى استنتاج مختلف. كمحلل في قناة (إم إس إن بي سي) وقتها، جادلتُ بأن حاكم ليبيا لم يتأثر بالعروض المالية؛ فقد كان يملك الكثير من الأموال، والنفط والغاز، وكان بإمكانه الانتظار كما فعل منذ منتصف الثمانينيات. العوامل التي أجبرته على التخلي عن أسلحته غير التقليدية (WMD) كانت الأحداث الكارثية في العراق، عندما غزت الولايات المتحدة البلاد (بغض النظر عن صحة القرار) وأسقطت النظام. الدافع الحقيقي للقذافي لـ"التعاون" مع واشنطن كان سقوط نظام البعث العراقي في أبريل (نيسان) 2003. فقد أدرك القذافي أنه لن يأتي أحد لإنقاذه إذا غزت أميركا ليبيا. "فعلوها في العراق، إذاً يمكنهم فعلها في ليبيا"، هكذا فكر وقرر التعاون. لم تكن صفقة مالية، بل كانت صفقة حياة أو موت.
ورغم ذلك، كان القذافي يأمل أن صدام حسين قد يقود مقاومة ضد التحالف أو يُنفى ويُحمى تحت دكتاتورية أخرى قوية. كل الراديكاليين العرب المعادين لأميركا كانوا يأملون نفس الشيء، لكن لم يكن أحد مستعداً لاستضافة صدام حسين في ذلك الوقت. على الأقل، هكذا تخيل القذافي أن هنالك فرصة لانقلاب في التوازن. لكن تطوراً آخر أرعب "ملك ملوك إفريقيا" ودفعه للتوسل من أجل بقاء نظامه، فسلم كامل برنامج أسلحته للدمار الشامل خلال "سبعة أيام". فما الذي حدث؟
في 13 ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، ألقت القوات الأميركية القبض على صدام حسين مختبئاً في بئر. فمجرد مشاهد اعتقاله على يد المارينز بثت موجات من الخوف في أنحاء المنطقة. الحكومات غير الصديقة والقوى المتطرفة شعرت بارتدادات "تغيير ضخم". بعد سبعة أيام فقط من "زلزال" الاعتقال، أعلن القذافي استسلاماً أحادي الجانب لكل أسلحته غير التقليدية، من دون شروط أو تفاوض، فقط التزام أميركي بعدم إسقاط نظامه. في 19 ديسمبر، وبينما كنت في مقر NBC جاهزاً للتعليق على حرب العراق، أُعلن في واشنطن عن "هزيمة القذافي" ونصر الإدارة الأميركية (بوش). "الدرس العراقي" لم يؤثر فقط على ليبيا، بل أيضاً على النظام الإسلامي في إيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سبتمبر (أيلول) 2004، أصدرت الولايات المتحدة قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي أمر نظام الأسد بالانسحاب من لبنان. وفي أبريل 2005، انسحب كامل الجيش النظام السوري من أرض الأرز. أما النظام الخميني في إيران، فقد أعلن في عام 2003 تجميد برنامجه النووي. ولم يُعاود نشاطه إلا بعد أن تولى الرئيس السابق باراك أوباما السلطة عام 2009، وأرسل رسالة إلى خامنئي في يونيو من نفس العام، ما أدى إلى اتفاق نووي ضعيف وخطير (الاتفاق الإيراني JCPOA) دمر المنطقة، وأشعل حروباً، ونشر الإرهاب في العالم.
إذا جمعنا سيناريوهات صدام في العراق، والقذافي في ليبيا، و"ثورة الأرز" في لبنان، سنتوصل إلى أن أية مفاوضات مع النظام القائم في طهران يجب أن تبدأ بهزيمة ساحقة للنظام أولاً، في أي مكان، ومن ثم الحديث عن استسلام البرنامج. فكما هو الحال الآن، "فالجمهورية الإسلامية" ليست على وشك الوقوع في كارثة عسكرية، ولا تزال مرتبطة بالصين وروسيا، وتسيطر على لبنان والعراق وأجزاء من اليمن.وعلى طاولة المفاوضات الحالية، يمكن للخمينيين أن يحصلوا على برنامج نووي مدني بسيط، ونظام قوي، وميليشياتهم لا تزال كما هي، بل إن الحرس الثوري والباسيج لا يزالان يسيطران على البلاد، يقمعان الشعب، ويتلقيان مبالغ طائلة إذا رُفعت العقوبات. إذا كان هدف المفاوضات هو مجرد "الالتزام بعدم صنع القنبلة"، فذلك عودة إلى اتفاق أوباما بصيغة مختلفة. إذاً، ما الذي يجب فعله لتحقيق استسلام حقيقي للأسلحة؟
قد تبدو اقتراحاتي قاسية على المفاوضين الذين يريدون "كسب صفقة"، لكن التاريخ أظهر لنا ما الذي يمكن أن يُخيف النظام الإيراني ويدفعه للتنازل. إليكم الأهم:
- عزل الحوثيين في اليمن. التحالف الغربي، وقوات الجنوب في عدن، ووحدات الحكومة المركزية، وعودة التحالف العربي، قادرون على إنهاء الحوثي بشكل حاسم.
- دعم الجيش اللبناني من قبل التحالف بقيادة الولايات المتحدة لتأمين كافة المناطق خارج سيطرة "حزب الله" وقطع اتصالاته الخارجية.
- تأمين مناطق العلويين في سوريا والسيطرة على كل الموانئ والمطارات الساحلية.
- نشر قوات وقدرات في كردستان العراق وسوريا.
- إعادة إطلاق التحالف العربي من الرياض لدعم الدول العربية المعتدلة في مواجهة النظام الإيراني.
- تقديم دعم واسع للمعارضة الإيرانية في الخارج ومنحهم حضوراً بارزاً. مجرد دعوة قادة الشتات الإيراني إلى البيت الأبيض سيُضعضع إرادة النظام في القتال والإرهاب.
حتى مجرد التهديد بتحقيق هذه الخطوات، مع إعطاء بعض الأمثلة، سيغير المعادلة ويحول المفاوض الأميركي إلى الجنرال مكآرثر وهو يقبل استسلام إمبراطورية اليابان في 1945. إن المفاوضات الحالية تهدف إلى تفاهم عقلاني على أساس المصالح، بافتراض أن القادة في طهران سيرون "الفائدة". لكن يجب أن يُفهَم هيكل القوة داخل النظام. فالقادة في النظام الإيراني يعلمون جيداً أن الغرب لا يمكنه ضمان بقائهم بصفقة اقتصادية. لقد أنهك الخمينيون الشعب الإيراني إلى حد أن أي تنازل من النظام قد يتحول إلى دعوة للثورة.
أوباما وعد بـ"حماية" النظام والاتفاق. دونالد ترمب لن يحميهم. مبعوثوه يمنحون النظام "فرصة" للبقاء، لكن النظام يدرك أن وجوده على المحك إذا وقع على اتفاق جاد ودائم لا يضمن استمراريته.
لذا يجب أن تكون المفاوضات وسيلة لتسليم النظام قائمة شروط، ولدى الرئيس ترمب مصداقية الردع الكاملة. علينا أن نظهر العزم ونتخذ خطوات في لبنان واليمن وسوريا والعراق أولاً، وقبل كل شيء دعوة قادة المعارضة الإيرانية إلى البيت الأبيض.
وربما تكون قمة الردع خطاباً من ترمب موجهاً مباشرة إلى الشعب الإيراني من المكتب البيضاوي، يتعهد فيه بالوقوف إلى جانب الشعب الإيراني، ويعد ببذل كل الجهود الأميركية، عبر المفاوضات والضغط، لتحرير إيران من الإرهاب، كوسيلة لضمان أمن أميركا وحرية إيران. هذا الطريق يمكن أن يضمن نجاح أي مفاوضات، ونصراً واضحاً لإدارة ترمب والعالم الحر.